قبل أسابيع عُقدت نيامي عاصمة النيجر القمة الأولى لتحالف دول الساحل الإفريقي الذي يضم مالي، وبوركينا فاسو، والنيجر في تطور هام جيوسياسي على منطقة الساحل بالكامل وربما إفريقياً أيضاً نظراً لتراجع الدور الغربي في المنطقة لصالح روسيا والصين.
هذه القمة التي عقدت في 6 يوليو/ تموز 2024 انبثق عنها تحالف بين الدول الثلاث حيث اتفق الزعماء العسكريون على تأسيس اتحاد كونفدرالي، لتوحيد السياسة الخارجية والسياسة الدفاعية بما يشمل إنشاء قوة أمنية موحدة وخطة مشتركة للعمليات العسكرية، بالإضافة إلى الدخول في عملة نقدية واحدة، وإنشاء بنك استثماري مشترك، وصندوق استقرار، وتسهيل حرية تنقل المواطنين بين الدول الثلاث، وتجميع مواردهم للمشاريع في قطاعات رئيسية مثل التعدين والطاقة والزراعة، إضافة إلى إنشاء برلمان مشترك لاقتراح القوانين والاتفاقيات.
موقع أسباب المعني بالتحليل السياسي والاستراتيجي نشر تقريراً يرصد انعكاس هذا التحالف على منطقة الساحل الإفريقي وعلى النفوذ الغربي فيها وتنامي الدور الصيني والروسي هناك أيضاً.
صدع جيوسياسي بين الغرب وروسيا في الساحل وغرب أفريقيا
وبحسب أسباب، يأتي انعقاد قمة دول الساحل بالتزامن مع اكتمال مغادرة القوات الأميركية من القاعدة 101 الجوية في العاصمة النيجرية نيامي، والتي حلت مكانها في نفس القاعدة قوات روسية، ما يشير للدور الروسي الذي أصبح محركاً للأحداث في الدول الثلاث وليس مجرد فاعل.
التقارير تشير كذلك إلى أن القوات الأمريكية ستغادر نهائياً من قاعدة الطيران المُسير في أغاديز نهاية أغسطس/آب القادم، كما ستنهي القوات الألمانية عملياتها في النيجر في نفس التوقيت، بعدما أنهت بعثة الاتحاد الأوروبي تواجدها في يونيو/حزيران الماضي.
سيسعى تحالف دول الساحل الجديد إلى إضافة أعضاء جدد لتعزيز موقعه كتكتل إقليمي بديل، وهو ما بدت بوادره في 20 مايو/أيار الماضي بإجراء تدريبات عسكرية في النيجر بمشاركة قوات من تشاد وتوجو.
لذا بات من المحتمل أن تنضم تشاد إلى التحالف نظراً للتهديدات المشتركة التي تربطها بالنيجر، ويعزز من هذا الاحتمال دعوة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس التشادي محمد ديبي إلى موسكو في يناير/كانون الثاني، وزيارة وزير خارجيته، سيرجي لافروف، تشاد في يونيو/حزيران. بالإضافة لذلك؛ تسعى دول تحالف الساحل أيضًا لاستقطاب المجلس العسكري الغيني الذي نفذ انقلاب عام 2021، نظرا لحاجتها إلى نافذة للوصول إلى الموانئ البحرية، وتوجد مؤشرات على استجابة غينيا المحتملة لذلك.
إن إعادة التشكل الجيوسياسي لمنطقة الساحل وغرب أفريقيا لم يعد منفصلاً عن تنامي الصراع الدولي بين روسيا والولايات المتحدة وحتى الصين، بالإضافة للدور الفاعل الذي تلعبه قوى إقليمية خاصة تركيا ثم إيران بدرجة أقل.
إذ وفرت روسيا بديلاً أمنياً دولياً وسياسياً للدور الأمريكي والفرنسي، ووقعت العديد من الشركات الروسية الخاصة والمملوكة للدولة العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم بشأن التعاون النووي المدني والتعاون العسكري التقني والتعدين والموارد الطبيعية وبناء مصافي الذهب والاتصالات مع الدول الثلاث منذ سبتمبر/أيلول 2023. فيما استثمرت الشركات الصينية في مشاريع النفط الخام واليورانيوم والطاقة الشمسية في جميع أنحاء منطقة الساحل.
باتت منطقة الساحل وغرب أفريقيا واحدة من أهم جغرافيا النفوذ التركي المتنامي في أفريقيا. إذ تلعب تركيا دوراً بارزاً في الدول الثلاث، من خلال أنشطة اقتصادية متنوعة، وحضور أمني متزايد لم يعد يقتصر على طائراتها المُسيرة، إنما نشر مقاتلي شركة "سادات" في النيجر. كما يظهر جدية الحضور التركي في اجتماع العمل المشترك بين تركيا والنيجر في نيامي في 17 يوليو/ تموز، بحضور تركي لافت تضمن وزراء الدفاع والخارجية والطاقة رئيس الاستخبارات ورئيس هيئة الصناعات الدفاعية.
من جانبها؛ تستفيد إيران بذلك من توجه القادة العسكريين في دول الساحل للحد من النفوذ الغربي في بلادهم مقابل الانفتاح على القوى الجديدة. إذ وقّعت طهران عدة اتفاقيات بشأن الطاقة والتعدين وقطاعات أخرى مع بوركينا فاسو والنيجر في عامي 2023 و2024، وصفقات دفاعية مع مالي وبوركينا فاسو في عام 2023، هذا بخلاف صفقة شراء اليورانيوم من النيجر.
الخلاصة
يعتبر الإعلان عن تحالف دول الساحل الجديد نقطة تحول في تطورات منطقة غرب أفريقيا، وعلى الرغم من التحديات الصعبة التي ستواجه دول التحالف، إلا أن اعتمادها على عدد من الشركاء الدوليين والإقليميين يعزز من فرص تجاوزهم للتحديات الاقتصادية والأمنية المحتملة. وهو ما يُبقي الباب مفتوحًا لباقي دول المنطقة الهشة اقتصادياً وأمنياً لاتخاذ خطوات مماثلة، في ظل الانسحابات الغربية من المنطقة.
بالمقابل، سيكون لانسحاب دول تحالف الساحل من "إيكواس" أثره على فاعلية التكامل الأمني والاقتصادي للمجموعة، إذ سيترتب على ذلك إلغاء التجارة الحرة وحرية التنقل والعمل بين دول إيكواس ودول تحالف الساحل مما سينعكس سلباً، على الأقل في الأجل القريب، على الوضع الاقتصادي خاصة في دول تحالف الساحل غير الساحلية لأنها تعتمد على المساعدات والواردات.