تلعب "إسرائيل" فوق مستواها على كافة أصعدة الحكم، وتملك واحدة من أعلى القوات العسكرية قدرةً وتقدماً تقنياً على مستوى الكوكب، هي متحالفةٌ مع القوة العظمى الأبرز في العالم ورائدة في قطاعات مثل الزراعة والرعاية الصحية والشركات الناشئة والتقنية.
لكن كل فعل له رد فعلٍ مساوٍ في المقدار ومعاكس في الاتجاه، فإسرائيل دولة صغيرة ومعرضة للخطر ومحدودة الموارد وتواجه جيراناً معادين من كافة الجوانب وليست لديها أي جبهة ودية باستثناء تلك المطلة على البحر المتوسط. وقد عاشت "إسرائيل" في حالة صراع دائم على مدار أكثر من 75 عاماً وتعرضت في كل مرة لمعارك كان بالإمكان أن تكتب نهايتها.
ما المناطق التي تقوم عليها فكرة "جغرافية إسرائيل"؟
يقول تقرير لموقع أسباب للشؤون الجيوسياسية٬ إن تضاريس أي مكان تُحدّد طريقة حكمه. وتنطبق هذه القاعدة على إسرائيل أكثر من غيرها حيث توجد ثلاث مناطق مميزة تُشكّل جغرافيتها.
1- "جغرافية إسرائيل": منطقة السهل الساحلي
أولها وأهمها هي منطقة السهل الساحلي التي تمتد بطول ساحل البحر المتوسط، وذلك بدايةً من مدينة حيفا، مروراً بمنحدرات جبل الكرمل، ووصولاً إلى أطراف قطاع غزة.
يمتد عمق السهل الساحلي وصولاً إلى أقدام جبال الخليل بجوار القدس المحتلة، والتي تتشابك مع حدود الضفة الغربية المحتلة تقريباً.
القدس معروفةً بأهميتها الدينية والتاريخية، وتعتبرها إسرائيل عاصمتها الرسمية لكن تل أبيب هي التي تخطف الأضواء في الواقع.
وتعد منطقة تل أبيب الحضرية المعروفة باسم غوش دان على وجه الدقة مركز الحياة السياسية والمالية والصناعية والثقافية لإسرائيل.
يعيش في هذه المنطقة أكثر من أربعة ملايين إسرائيلي (أو 40% من إجمالي سكان البلاد). لذا فإن قلب إسرائيل يقع في سهلها الساحلي؛ إذ لا يستضيف السهل الساحلي أكبر مدن البلاد فحسب بل يضم كذلك مطاراتها الدولية وموانئها البحرية وبنيتها التحتية الحيوية ومؤسساتها السياسية، لهذا يُعد السهل الساحلي بمثابة قلب إسرائيل النابض.
لكن المشكلة تكمن في افتقارها إلى العمق الاستراتيجي؛ حيث يصل عرض السهل الساحلي إلى 14 كلم فقط في أضيق حدوده، بدايةً من الضفة الغربية ووصولاً إلى ساحل المتوسط، وهنا تكمن جذور الواقع الجيوسياسي المعقد والقاسي الذي تعيشه إسرائيل٬ كما يقول موقع أسباب.
ففي حال كانت الضفة الغربية خارج سيطرة الاحتلال الإسرائيلي قد تنجح أي قوة عسكرية مُصمِّمة في تقسيم قلب "إسرائيل" إلى نصفين عبر هجوم مُركَّز، ونستطيع القول إن سرعة ومفاجأة وشراسة هجوم حماس الأخير هي التهديد الذي يمكنه تفكيك وجود "إسرائيل" تماماً. وفي السهل الساحلي، يُمكن أن تؤدي خسارة تلٍ أو ممر أو هضبة إلى تداعيات فادحة، خاصةً في وجود الأسلحة الحديثة.
حيث تستطيع الصواريخ المُطلقة من الضفة الغربية أن تبلغ تل أبيب في غضون ثوان ولا توجد وسيلة للدفاع في وجه تهديد كهذا، ولن يقدر أي عدد من طبقات الدفاع الجوي على تأمين فجوة صغيرة بعرض 14 كم، ويُعَدُّ هذا الافتقار إلى العمق الاستراتيجي في قلب "إسرائيل" بمثابة أكثر سماتها الجغرافية بروزاً. وهذا هو سبب احتلال "إسرائيل" للضفة الغربية وعدم نيتها التخلّي عنها، بغض النظر عما يقوله القانون الدولي.
2- منطقة الجليل
إذا اتجهنا إلى الشمال قليلاً، فسنصل إلى الجليل التي تُعتبر ثاني أكثر مناطق "إسرائيل" تميزاً.
وتُعرف الجليل بتضاريسها الجبلية وتلالها٬ وتحتوي على نهر الأردن وبحيرة طبريا وتتمتع المنطقة بأحواض مياه واسعة. وتحوّلت الجليل إلى مركز زراعي وصناعي باستخدام التقنيات المتقدمة وطرق الري المتطورة. ويُوفر هذا التحوُّل الكبير عنصر الأمن الغذائي الذي تحتاجه "إسرائيل" بشدة.
ولا عجب في أن الجليل تُمثِّل قيمةً استراتيجية هائلة بالنسبة للاقتصاد الإسرائيلي، إذ لن تكون البلاد كما هي الآن من دون الجليل، ومع الاتجاه إلى الشمال قليلاً سنجد لبنان وسوريا اللتان تشكلان الجناح الشمالي لإسرائيل.
بينما تمتد أراضي الأردن بطول الحدود الشرقية، وتُعد السيطرة على المرتفعات مسألة حياة أو موت داخل هذا الجوار المزدحم والعدواني، وتسيطر "إسرائيل" على المرتفعات المجاورة لتحظى بأفضلية تكتيكية على محيطها، بغض النظر عن قانونية الأمر حيث إن الارتقاء فوق الخصوم يُتيح لجيش الاحتلال الصمود في وجه القوات التي تفوقه عدداً.
وتستطيع المدفعية بعيدة المدى على قمة هضبة الجولان مثلاً أن تُلحق أضراراً مهولة بأي تهديد قادم من سوريا أو لبنان، وينطبق الأمر ذاته على بقية المرتفعات المحتلة، حيث إن السيطرة على الأراضي المرتفعة بطول نهر الأردن تضمن لإسرائيل أمن جبهتها الشرقية.
ولهذا قد لا تكون هناك شرعية قانونية تبرر الاحتلال الإسرائيلي لتلك المرتفعات الاستراتيجية لكن دولة "إسرائيل" ستكون على بعد خطوات من الدمار الشامل إذا لم تسيطر عليها.
3- منطقة صحراء النقب
تقع المنطقة المميزة الثالثة في جهة نائية من الجنوب وهي صحراء النقب الشاسعة والقاحلة وقليلة السكان. وتحتوي النقب على موقعين بارزين فقط هما إيلات وغزة كلاهما يقع على أطراف المنطقة.
تستقر مدينة إيلات الساحلية عند الطرف الجنوبي وتمثل نقطة الوصول الإسرائيلية الوحيدة إلى البحر الأحمر والأسواق العالمية بالتبعية
تقع إيلات بعيداً عن قلب الأراضي الإسرائيلية لكن قيمتها الاستراتيجية لا غنى عنها بالنسبة للبلاد٬ فهذا الميناء يمنح الاقتصاد الإسرائيلي القدرة على تجاوز أي حصار بحري محتمل في المتوسط ويقع قطاع غزة عند الطرف الغربي من النقب، ملاصقاً لشبه جزيرة سيناء.
وفي بقية مناطق النقب، سنجد أن المنطقة لها حدود مع مصر والأردن، فضلاً عن وجود السعودية على مسافة ليست بالبعيدة، وتستحق الجبهة المصرية الذكر تحديداً لأن صحراء النقب متصلة بشبه جزيرة سيناء مباشرةً.
وتُعَدُّ الأخيرة بمثابة وسيلة ردع وتهديد أمني في الوقت ذاته؛ إذ لطالما لعبت تضاريس سيناء القاحلة دوراً تاريخياً في عرقلة حركة الجيوش بسبب قيود الإمداد، لكن التقنيات الحديثة تستطيع التغلب على ذلك، وفي حال عبور قوة كبيرة من صحراء سيناء؛ فسوف تتمتع بقدرة مناورة عالية تُتيح لها بلوغ قلب الأراضي الإسرائيلية.
ولا يقتصر هذا التهديد على المصريين فحسب؛ حيث تُعد سيناء منطقة يصعب السيطرة عليها أكثر من النقب، ولهذا أصبحت مأوى للجهات غير الحكومية المدججة بالأسلحة، أي إن مخاوف الإسرائيليين لا تقتصر على مصر، بل يجب عليهم التعامل مع الجهاديين والمهربين والمعارضين الذين يستخدمون سيناء كملاذٍ آمن.
ما بعد نكبة 1948
وعادةً ما تستطيع الدول التغلب على أوجه قصورها الأمنية بتشكيل التحالفات أو إبرام الاتفاقات متعددة الأطراف، لكن أصدقاء تل أبيب هم قلة وليسوا قريبين في الجوار، فضلاً عن أن المعاهدات القائمة ستُلغى عندما تسنح أول فرصة.
حيث من المرجح أن تستغل أي دولةٍ عربية الفرصة إذا استشعرت الضعف من الجانب الإسرائيلي، وهذا هو ما حدث بالضبط في عام 1948 عندما أعلنت "إسرائيل" استقلالها عن الانتداب البريطاني.
دخلت مصر والأردن والعراق وسوريا والسعودية واليمن في الصراع رسمياً؛ حيث تكشّفت حينها أسوأ السيناريوهات في كافة مناطق "إسرائيل" المميزة٬ حيث اجتازت مصر صحراء النقب خلال الأيام الأولى من القتال.
وفي الجليل، استغلت سوريا هضبة الجولان لقصف المستوطنات الإسرائيلية قبل شن غزوها الخاص٬ وتعرض قلب إسرائيل، أو المنطقة المحيطة بالقدس، للهجوم بواسطة الفيلق العربي الأردني.
لكن الدول العربية المشاركة في الصراع لم تكن ملتزمةً بالقدر نفسه، وقد استغل الإسرائيليون هذا الأمر لصالحهم، حيث نجحت "إسرائيل" في تحقيق نصر غير متوقع بفضل مزيج من البراعة التكتيكية الإسرائيلية وغياب الكفاءة العربية، لكن نصر عام 1948 لم يكن كاملاً.
ترسيخ الحدود في نكسة 1967
لهذا بدأت "إسرائيل" عملية ترسيخ حدودها وبحثت عن وسائل ردع أخرى، وشمل هذا برنامج صواريخها النووية خلال الخمسينيات والستينيات، لكن الدول المجاورة لم تتخل عن القضية، ولم يكن بإمكانها ذلك، إذ بلغت أزمة اللاجئين الفلسطينيين مرحلة الغليان في ذلك الوقت. وأدى ذلك إلى إثارة موجة قومية عربية في المنطقة بأكملها، فبدأت جميع الدول العربية في تقوية جيوشها وأصبح واضحاً أنه لا مفر من جولة قتال جديدة.
وقد اندلع ذلك الصراع في عام 1967 وامتد ليبلغ جميع المناطق الجغرافية المميزة في "إسرائيل":
- تقدمت القوات المصرية من الغرب صوب صحراء النقب.
- شنّت القوات الأردنية هجمات على القدس من الشرق.
- أطلقت سوريا في الوقت ذاته قصفها المدفعي على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة الجليل.
- نفّذ لبنان غارات جوية على المواقع الإسرائيلية في الشمال.
وأسفرت تلك الحرب عن انتصار إسرائيلي حاسم آخر، رغم أن الأمر بدا مستبعداً، واستولت إسرائيل على كافة الأراضي والمرتفعات الاستراتيجية، بما فيها الضفة الغربية وغزة وهضبة الجولان، وخلقت بذلك عمقاً استراتيجياً لقلب أراضيها في غوش دان، لكن انتصار "إسرائيل" في ساحة المعركة أضعف معنويات الحكومات العربية أيضاً لدرجة أن انتصارها بشّر ببداية عصر من عدم الاستقرار في العالم العربي.
شراكة إسرائيل مع أمريكا
وقد أعطى ذلك فسحةً ومرونة دبلوماسية أكبر للإسرائيليين بالتبعية، والأهم من ذلك أن انتصار عام 1967 فتح الأبواب أمام شراكة استراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة، إذ كانت علاقات تل أبيب وواشنطن سطحيةً قبل تلك الحرب، لكن الدعم السوفييتي للدول العربية في الحرب، قرّب إسرائيل من المعسكر الأمريكي، وتطوّرت تلك العلاقة المستحدثة فأصبحت محوريةً في تعزيز الأمن القومي لإسرائيل.
واقع الضفة الغربية وقطاع غزة
لكن انتصار "إسرائيل" الجديد جاء مشروطاً، إذ لم تكن بعض الأراضي التي استولت عليها "إسرائيل" في حرب عام 1967 خاضعة للسيادة الإسرائيلية، علاوةً على أن منطقتي قطاع غزة والضفة الغربية المُحتلتين حديثاً كانتا تعجان بفلسطينيين لا يدينون بأي ولاء للدولة الإسرائيلية.
وخلق هذا أزمة جديدة لإسرائيل، وهي أزمة لا تزال قائمة حتى يومنا هذا. حيث يعيش نحو 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية، بالإضافة إلى مليوني فلسطيني آخرين في قطاع غزة.
ويؤدي التوصل لاتفاق إلى عيش "إسرائيل" في سلامٍ مع الجيران نظرياً، بمن فيهم الدولة الفلسطينية المستقلة. لكن الجانب النظري لن يحل المشكلة؛ إذ تمتد جذور الثأر عميقةً بين الإسرائيليين والفلسطينيين٬ ومن المستبعد تلاشيها بجرة حبرٍ على ورق.
ويؤمن الإسرائيليون بأن الخطاب الأصولي سيظل قائماً حتى في حال توقيع اتفاق سلام، وهذا يشمل عبارات مثل "من النهر إلى البحر" التي تُشير إلى سيطرة العرب على الأرض بالكامل.
وبعد الصراعات الوجودية المتعددة مع جيرانها من المستبعد أن تتخلى "إسرائيل" عن المرتفعات الاستراتيجية المحيطة بالضفة، وليس انعدام الثقة هو المظلمة الوحيدة التي تعرقل اتفاق السلام وحتى لو اختارت القيادتان الفلسطينية والإسرائيلية الثقة في بعضهما وتوصلتا إلى اتفاق سلام، وقد تستغل قوى إقليمية الجهات غير الحكومية لإفساد السلام، ومنها إيران.
وستكون المهمة يسيرةً بقدر سهولة تهريب الأسلحة أو إثارة أزمة مزيفة، لا يُمكن الثقة في العرب والإيرانيين من وجهة النظر الإسرائيلية، ولهذا فإن تسليم الأراضي المحتلة مثل الضفة الغربية وهضبة الجولان لن يحقق شيئاً سوى كشف "إسرائيل" وتركها عرضةً للتهديدات العسكرية.
إسرائيل تضع ثقتها بأسلحتها والجغرافيا
وبالتالي، تضع "إسرائيل" ثقتها في الأسلحة والجغرافيا بدلاً من المعاهدات والعهود، من أجل ضمان بقائها، وبناءً على ما سبق سنجد "إسرائيل" مستعدة لانتهاك القانون الدولي واتباع سياسة استباقية طالما أنها تحقق لها الأهداف الاستراتيجية التي تراها ضرورية. أي إن احتلال الضفة الغربية وما نتج عنه من قهر للفلسطينيين هو نتيجة لتلك الازدواجية الجيوسياسية المؤسفة، ولا تستطيع "إسرائيل" التخلي عن الضفة الغربية لأسباب استراتيجية؛ إذ تعامل صناع السياسة الإسرائيليون مع المسألة في البداية بالتشجيع على تأسيس مستوطنات إسرائيلية في الأراضي المحتلة.
وسعت تل أبيب إلى ترسيخ سيطرتها على الأراضي بغض النظر عن مدى قانونية الأمر، وذلك من خلال تغيير التركيبة السكانية وتوطين المدنيين الإسرائيليين في أماكن بعينها، وخصصت "إسرائيل" بعض مناطق الضفة الغربية للاستيطان اليهودي بموجب هذا النهج، ومن هنا خرجت المنطقة "ج" إلى النور.
وتقع كافة المستوطنات الإسرائيلية الـ127 في الضفة الغربية داخل هذه المساحة الضيقة٬ حيث تستضيف المنطقة "ج" الآن نحو 450 ألف مستوطن إسرائيلي. وعند إضافة المستوطنات غير القانونية، سيصل تعداد الإسرائيليين في الضفة الغربية إلى نحو 700 ألف نسمة.
وعلى كل حال، تقع نحو 60% من أراضي الضفة الغربية داخل نطاق المنطقة ج، وتخضع لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي المباشرة، لكن "إسرائيل" لم تضم الضفة الغربية رسمياً حتى الآن، ولهذا لا تعتبر أن المستوطنات اليهودية في المنطقة تقع تحت سيادتها.
ولذلك تضطر "إسرائيل" لـ:
- تجديد قوانين الطوارئ كل 5 سنوات من أجل ممارسة سلطتها على الضفة الغربية.
- تمديد سريان القوانين الجنائية وبعض القوانين المدنية الإسرائيلية على مواطني إسرائيل في الضفة.
ويستهدف هذا التعدي التدريجي البطيء على الأراضي الفلسطينية كسر متاخمة المراكز السكانية الفلسطينية لبعضها داخل الضفة، ويُؤدي التعطيل الممنهج للتجاور الفلسطيني إلى تفنيد فرص إقامة الدولة الفلسطينية أكثر فأكثر.
وعلى الجانب الآخر يُؤدي برنامج الاستيطان الإسرائيلي إلى تغذية العنف وإعاقة وصول الفلسطينيين إلى أراضيهم ومواردهم، علاوةً على أنه يضر بعملية التفاوض على حل الدولتين للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث وصل الأمر بالمسؤولين الإسرائيليين إلى إعطاء الأولوية لحل الدولة الواحدة في السنوات الأخيرة.
لكن معدلات المواليد الفلسطينية أعلى من نظيرتها الإسرائيلية بكثير، هكذا يبدو شكل هرم السكان في عام 2023 وهكذا يبدو شكله بالنسبة للدول ذات الدخل المشابه، لا يستطيع الإسرائيليون منافسة هذه الأرقام لذلك ستضطر إسرائيل لمواجهة الزيادة المتسارعة في أعداد الفلسطينيين إذا قررت تطبيق حل الدول الواحدة.
وليس مستقبل الضفة الغربية مضموناً، لكن الإسرائيليين على قناعة بأنهم سيجتازون تلك العقبة عند الوصول إليها، بينما الأمر المؤكد هو أنه لا يوجد حل سيلبّي شروط الجانبين، ويُمكن القول إجمالاً إن "إسرائيل" تشبه القلعة القابعة تحت الحصار؛ حيث تتمتع بعلاقة استراتيجية مع الولايات المتحدة التي تُقوي ذراعها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية.
وفي الوقت ذاته، هناك خطر داهم يكمن في سوريا ولبنان، والمنظمات المسلحة هناك، والطريقة الوحيدة لحماية القلعة هي الارتقاء فوق الخصوم، ولهذا تحتاج "إسرائيل" إلى السيطرة على المرتفعات الاستراتيجية القريبة إذا كانت تريد النجاة.
والاحتلال ممكن، لكنه ممكن في المناطق ذات الارتفاع المنخفض فقط، أما العودة لحدود عام 1967 فهي أمرٌ مستحيلٌ عملياً؛ لأن فعل ذلك سيُعرض قلب "إسرائيل" لوابل الصواريخ والمدفعية المدمرة، كما سيعني المخاطرة بتقسيم البلاد إلى نصفين، وفي ضوء ما سبق يتضح أن الأفضلية الاستراتيجية والتكتيكية، التي تُوفرها الأراضي المحتلة، تُعوض "إسرائيل" عن قرارات الرفض القليلة من الأمم المتحدة.
يكتنف الغموض مستقبل "إسرائيل" ذات المساحة الصغيرة والمعرضة للخطر، ويتحول مستصغر الشرر إلى لهبٍ حارق في الكثير من الأحيان، فتشتعل الصراعات وتدخل البلاد في بحر المجهول، لكن يُمكن وصف الإسرائيليين بأنهم مقطوعون من شجرة، وسلاحهم السري هو أنهم ليس لديهم مكان آخر، وهذا ما قد يجبرهم على خوض معركة ضارية.