"خسرنا الحرب ضد حماس"، وصورة النصر الوحيدة المتبقية هي الإطاحة بنتنياهو.. بهذه الكلمات عبّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق دان حالوتس عن حجم الخلافات داخل إسرائيل وخاصة في أوساط النخب بشأن النهج المتبع في الحرب ومآلها النهائي مع اقتراب العدوان من استكمال التسعين يوماً.
وباتت الشكوك في إمكانية انتصار عبر القضاء على حماس كما قال نتنياهو تتصاعد بل تصاعدت الدعوات لإقالة نتنياهو نفسه، وهي الدعوات التي تبناها كل من رئيس المعارضة يائير لابيد ورئيس الحكومة الأسبق إيهود أولمرت.
ولوقت قريب كانت التصريحات المعارضة تنتقد نتنياهو وأهليته للقيادة السياسية، ولكن تصريح حالوتس كان الأكثر مفاجأة؛ لأنه يعترف باستحالة تحقيق النصر، وهو يعبر عن تيار صغير ولكن متزايد يبدو أنه يتركز في أوساط قادة سابقين ومحللين عسكريين، لا يرى أن تدمير حماس هدف واقعي على الأقل في المستقبل المنظور.
وقال حالوتس في محادثة أُجريت مع نشطاء في حيفا الأسبوع الماضي، إن "معركة السيوف الحديدية لن تنتج صورة نصر، بل صورة هزيمة فقط".
وأضاف: "صورة النصر الوحيدة ستكون بعزل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو".
رئيس الأركان السابق يحذر من حرب أهلية تسببت بها ميليشيات بن غفير
وحذر حالوتس من حرب داخلية في دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقال: "علينا الاستعداد لمعركة صعبة ومريرة ضد الخصوم السياسيين، ونضالنا قد يؤدي إلى إراقة الدماء".
وتابع بأن "كتائب إيتمار بن غفير مسلحة، وقد تطلق النار على أنصار الاحتجاجات، لكننا لا نستطيع أن نستسلم بسبب هذه الحقائق".
شكوك تتصاعد داخل النخبة العسكرية المخضرمة بشأن إمكانية الانتصار على حماس
ليس تصريح حالوتس مجرد كلام غاضب من جنرال سابق معارض لنتنياهو، ولكنه جزء من سردية تتوسع في أوساط الجنرالات السابقين، وهي آراء تعكس في الأغلب رأي الجنرالات الحاليين، ولكن يصعب عليهم قولها علناً وهم في الخدمة.
في كل الجيوش يكون القادة السابقون هم صوت الضباط الحاليين، حيث يحتفظون عادة بعلاقات اجتماعية وثقة متبادلة، وخاصة في مجتمع صغير مثل إسرائيل.
وقبل حالوتس اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك الذي يعتبر أعلى جنرال إسرائيل حائز على تكريمات، أن حركة "حماس" بعيدة عن الانهيار جنوب قطاع غزة وأنها تحتفظ بقدراتها في الشمال.
وأكد إيهود باراك في تصريح له نهاية الشهر الماضي أن حكومة نتنياهو غير قادرة على إدارة الحرب، داعياً إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية دون نتنياهو.
جنرال سابق يكذب ادعاءات القادة الحاليين بقتل آلاف من مقاتلي حماس
ومؤخراً، نشرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية مقال رأي للجنرال السابق في الجيش الإسرائيلي يزاك بريك، يقول فيه إن الجيش الإسرائيلي، وبعض المحللين، يقدمون صورة خاطئة عن مقتل الآلاف من مقاتلي حماس المختبئين في الأنفاق.
وقال لواء الاحتياط بريك إنه توصل إلى استنتاج بناء على معلومات وصلت إليه من جنود وضباط يقاتلون في قطاع غزة، أن معظم المعارك لا تُخاض وجهاً لوجه، كما يدعي المتحدث العسكري أو المحللون، وأن معظم القتلى والجرحى أُصيبوا جراء تكتيكات حماس العسكرية، التي يخرج مقاتلوها من فتحات الأنفاق ليواجهوا جنود إسرائيل ومدرعاتها، ثم يعودون إلى الأنفاق.
وجاء في المقال أن الجيش الإسرائيلي لا يملك حلولاً سريعة لمواجهة هذا الأمر. وقال الكاتب إن الكثير من الضباط الذين يقاتلون في غزة، أبلغوه بأنه سيكون من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، منع حماس من إعادة بناء نفسها، حتى بعد كل الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بقواعدها.
وبحسب بريك، فإن كبار مسؤولي المؤسسة الأمنية والعسكرية يريدون تصوير الحرب على أنها انتصار كبير قبل أن تتضح الصورة. وقال إن إسرائيل تتعاون مع قنوات تلفزيونية مهمة لتحقيق "صورة النصر"، وأشار إلى أن هذه الحرب قد تكون الأكثر توثيقاً من خلال التسجيلات المصورة في العالم بأسره.
وكتب بريك أنه كان من الأفضل لو كانت الأهداف العسكرية "أكثر تواضعاً"، لأن تدمير شبكة أنفاق حماس الطابقية قد يتطلب سنوات، وسيكلف الدولة الإسرائيلية الكثير من القتلى؛ لأن أنفاق حماس مرتبطة بشبه جزيرة سيناء تحت مدينة رفح، وفق الكاتب.
وأكد الكاتب أن الجيش سيضطر لمغادرة المناطق الحضرية المكتظة والعمل بآلية "الجراحة العسكرية" من خلال توغلات برية وغارات جوية موجهة من الاستخبارات بشكل دقيق.
وتساءل الكاتب في نهاية مقاله عن قدرة السياسيين وكبار المسؤولين الأمنيين على التفكير "في حلول من خارج الصندوق" لخلق صورة أفضل من صورة "أكبر الخاسرين".
كما أن إيدان كليمان، رئيس رابطة المحاربين القدامى، أكد أن هناك إصابات واسعة في الجيش تتجاهلها الحكومة، وأن العدد سيصل إذا أضيف المصابون بمشكلات نفسية إلى 20 ألف مصاب، وهو ما يعادل خُمس القوات الإسرائيلية المشاركة في الحرب.
وهناك تبادل للاتهامات بشأن مسؤولية الإخفاق في طوفان الأقصى
على الجانب الأمني، تصدت المخابرات الإسرائيلية لمحاولة نتنياهو التنصل من مسؤولية طوفان الأقصى وإلقاءها على الجيش وأجهزة الاستخبارات، حيث قال مسؤول كبير في الاستخبارات الإسرائيلية إنه جرى تحذير رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مرتين بشأن التداعيات الخطيرة التي تنطوي عليها التعديلات القضائية التي أصر عليها، على الصعيد الأمني، لكنه على ما يبدو لم يبد اهتماماً يذكر.
وهذه التحذيرات، بحسب صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، وصلت إلى نتنياهو هذا العام، وكانت تفيد بأن التوترات الداخلية في إسرائيل ستشجع أعداءها مثل إيران وحزب الله وحماس على شن هجمات عسكرية.
الخلافات داخل إسرائيل حول مسألة تحرير الأسرى تتصاعد
مشادات عدة شهدها الكنيست الإسرائيلي ووسائل الإعلام بشأن مسألة تحرير الأسرى المحتجزين لدى حماس.
وبعد أن كانت قضية مهمشة، تحولت لمسألة مركزية مع تبني المعارضة لها، وازداد إلحاح القضية بعد إطلاق بعض الأسرى من قبل حماس ومقتل ثلاثة أسرى على يد الجيش الإسرائيلي في غزة، حيث تفاقمت الخلافات داخل إسرائيل حول الطريقة المفترض اتباعها من قبل الحكومة الإسرائيلية لتحرير المحتجزين ما بين مواصلة الحرب أو الدخول في مفاوضات مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس).
وبينما يبدو أن الوزراء المتطرفين من حلفاء نتنياهو يؤمنون بأن حكومة الاحتلال لا يجب أن تعبأ بملف الأسرى لكي لا يكون ضاغطاً عليها، ويجب عدم الاستجابة لشروط حماس، فإن مسؤولين سابقين وقيادات معارضة ترى ضرورة إعطائه الأولوية، على سبيل المثال، قال وزير الأمن السابق، موشيه يعلون، إن القضية كان ينبغي معالجتها منذ مدة، وأردف قائلاً: "ليس بسبب ضغطنا ولا بسبب العملية البرية ستكون حماس مستعدة لتحرير هؤلاء المخطوفين، لأنهم لم يأخذوهم حتى يصدأوا في الأنفاق أو أن نقتلهم نحن، لقد أخذتهم من أجل تحرير أسراها".
زعيم المعارضة سبق أن طالب بإقالة نتنياهو
وفي منتصف نوفمبر/تشرين الثاني دعا زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، إلى إقالة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وتشكيل حكومة جديدة.
وطالب لابيد بتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة بمشاركة الأحزاب "الحريدية" الموجودة في الكنيست الحالي، وأن يكون رئيس الوزراء من حزب "الليكود" الحاكم، والذي يقوده نتنياهو، بحسب وكالة سبوتنيك الروسية.
ونقلت القناة الإسرائيلية الـ12 عن لابيد قوله إنه ليس من الصحيح الذهاب إلى إجراء انتخابات برلمانية، في الوقت الراهن، مشيراً إلى ضرورة رحيل نتنياهو وتعيين رئيس وزراء جديد.
الخلاف حول الانتخابات
أحد الخلافات الأكثر صعوبة حالياً في إسرائيل هو مسألة إجراء انتخابات جديدة، والتي طالب بعض المعارضين رغم تجنبها من قبل يائير لابيد.
ورداً على هذه الدعوات، قال عضو الكنيست عن حزب الليكود، حانوخ ميلبيتسكي، إن هذه الدعوات ستجعل الجميع يخسر، وستتضاعف الأزمات، محذراً من أن ذلك يؤدي إلى "اندلاع حرب أهلية".
شعبية نتنياهو في الحضيض
كل ذلك يجري في ظل تراجع شعبية نتنياهو للحضيض، وإذا ما أُجريَت الانتخابات اليوم، تتوقع معظم استطلاعات الرأي أنَّ حزب الليكود سيخسر نحو نصف الأصوات التي حصل عليها قبل عام واحد فقط، وأنَّ بيني غانتس، وزير الدفاع السابق الذي انضم إلى حكومة الحرب المصغرة التي تشكَّلت بعد أيام من بدء الحرب، سيحقق فوزاً مريحاً ويصبح رئيس وزراء إسرائيل التالي، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وقد أظهر استطلاع، بثته القناة 12، أن الأحزاب في ائتلاف نتنياهو ستحصل على 44 مقعداً فقط في الكنيست مقارنة بـ64 مقعداً فازت بها في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2022، في حين أن كتلة الائتلاف المستقبلية المفترضة المكونة من الأحزاب التي هزمت في 2022 ستفوز بـ71 مقعداً في انتخابات الكنيست المؤلف من 120 عضواً، مما يعني إمكانية تشكيل حكومة دون مشاركة الليكود، الحزب الذي سيطر على السياسة الإسرائيلية منذ عقود.
أما الخاسر الأكبر فهو حزب (الصهيونية الدينية) الذي يقوده وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش المتوقع أن يفشل، حسب الاستطلاع، في الحصول على أية مقاعد في الكنيست الإسرائيلي.
أمريكا تريد منه تخفيف حدة القتال وتخشى توسع الحرب.. أما إيلات فهي تموت
يأتي ذلك فيما تتصاعد الضغوط الأمريكية على نتنياهو لتخفيف وتيرة القتال، ولكن نتنياهو أصر على استكمال القتال بشكله الحالي الذي يبدو أنه يلحق ضرراً هائلاً بالمدنيين في غزة، ولكن دون تأثير كبير على حماس على ما يبدو.
في المقابل، فإن استمرار الحرب بهذه الوتيرة يؤدي إلى ردود فعل من حزب الله والحوثيين والميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، الأمر الذي قد يهدد بتوسيع الحرب وتورط الولايات المتحدة بها، وحتى لو لم يحدث ذلك، فإن هجمات الحوثيين تضغط على الاقتصاد الإسرائيلي، حيث قال موقع "واللاه" العبري إن إيلات "تنهار" وإن المدينة "تموت من الألم"، وذلك على وقع تراجع النشاط الاقتصادي في المدينة على خلفية الحرب على غزة وضربات الحوثيين.
كما تمثل هجمات حزب الله ضغطاً على الجيش الإسرائيلي في الشمال، وتؤدي إلى إشغال جزء كبير من قواته، إضافة لتهجير سكان المستعمرات الشمالية.
خصم نتنياهو التقليدي هو من يبقيه في الحكم
تصاعدت الثقة في بيني غانتس، القائد العسكري السابق، الذي قدم نفسه بانضمامه لحكومة نتنياهو في وقت الحرب كرجل يترفع عن الصغائر، ويحرص على دعم خصمه نتنياهو إلى أن تنقشع الأزمة.
المفارقة أنه يبدو أن من يحمي نتنياهو حتى الآن، هو غريمه التقليدي ومنافسه الأقوى وزير الدفاع الأسبق وعضو مجلس الحرب، بيني غانتس، حيث يترأس نتنياهو الآن حكومة الحرب، لكنَّه يفتقر إلى الأغلبية العددية فيها.
فإلى جانب غانتس، تضم الحكومة وزير الدفاع الحالي، يوآف غالانت، وهو عضو بحزب الليكود ابتعد عن زعيم حزبه منذ مارس/آذار الماضي، حين حاول نتنياهو إقالته بعد انتقاده خطة الحكومة المثيرة للجدل لإصلاح النظام القضائي الإسرائيلي، وغادي آيزنكوت، وهو حليف سياسي لغانتس، كان الثلاثة جميعهم جنرالات بارزين سابقين بالجيش، على عكس نتنياهو، الذي وصل فقط إلى رتبة نقيب.
ونقلت صحيفة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية عن غانتس رفضه لإقالة نتنياهو في هذا التوقيت؛ حيث قال "في حوارات خاصة"، إنه لا يمكن استبدال نتنياهو في زمن الحرب.
بل ألمح غانتس الذي يترأس حزب "المعسكر الوطني"، إلى أنه عازم على البقاء ضمن الحكومة حتى في حالة انتهاك الاتفاق الائتلافي الذي وقعه مع حزب الليكود، برئاسة بنيامين نتنياهو، في ظل مساعي وزير الأمن القومي، إيتمار بن غفير، إلى إنهاء ولاية مفوضة السجون الإسرائيلية، كاتي بيري، بما يخالف الاتفاق الائتلافي بين الليكود و"المعسكر الوطني".
المبادرة المصرية محل خلاف إسرائيلي جديد
أثارت مبادرة مصرية تقترح خريطة طريق لإنهاء الحرب وإدارة الوضع في غزة بعد توقف القتال خلافاً داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية.
المبادرة التي يبدو أنها تحاول منح إسرائيل صورة نصر تريدها بشدة مع ضمان انسحابها وعدم احتلالها للقطاع وبقاء المقاومة الفلسطينية، تقترح في مرحلتها الأولى هدنة إنسانية مدتها عشرة أيام تقوم حماس خلالها بالإفراج عن كافة المدنيين المحتجزين لديها من الأطفال والنساء وكبار السن، مقابل إفراج إسرائيل عن عدد مناسب يتم الاتفاق عليه من الأسرى الفلسطينيين، مع وقف كامل لإطلاق النار في كل أنحاء قطاع غزة، على أن تنتشر القوات الإسرائيلية بعيداً عن التجمعات السكنية، وتسمح بحركة المواطنين من جنوب القطاع إلى شماله، بما في ذلك حركة السيارات والشاحنات، ووقف كل أشكال التحليق الجوي الإسرائيلي، وتكثيف إدخال المساعدات الإنسانية.
المرحلة الثانية، التي ستستمر سبعة أيام، تشمل الإفراج عن كافة المجندات المحتجزات لدى حماس مقابل إفراج إسرائيل عن عدد من الأسرى الفلسطينيين يتفق عليه الجانبان، وأيضاً تسليم كافة الجثامين المحتجزة لدى الطرفين.
المرحلة الثالثة: إنهاء القتال واتفاق شامل لتبادل أسرى ومحتجزين، وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، مع تشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية بناء على مفاوضات بين الحركات الفلسطينية كلها، بما فيها حماس وفتح.
وكانت المبادرة المصرية محل نقاش وتحاور في المجلس الحربي الإسرائيلي، حسبما يقول الباحث السياسي إيلي نيسان لـ"سكاي نيوز عربية".
ويقول الضابط السابق في وكالة الاستخبارات الأمريكية، سكوت أولينغر، إن "واشنطن تستحسن المبادرة المصرية المطروحة".
نتنياهو يخشى أن يطيح به وقف إطلاق النار
ولكن يعتقد أن نتنياهو إلى جانب خوفه على مستقبله السياسي حال إنهاء الحرب، فإنه يتعرض لتهديدات من حليفه المتطرف إيتمار بين غفير بالانسحاب من الحكومة في حال وافق نتنياهو على إنهاء الحرب وانتقادات داخل الليكود من قبل الوزير نير بركات، حول مسألة خضوع نتنياهو للانتقادات الخارجية.
الأزمة في إسرائيل تبدو أكبر من مناورات نتنياهو وسعي غانتس لتقديم نفسه كرجل يحمي الأمة من الانقسام وقت الحرب، فلقد فقدَ الإسرائيليون الثقة في نتنياهو في السياسة الداخلية جراء التعديلات القضائية، وفي الملف الأمني بعد طوفان الأقصى، والآن في ظل تعثر الجيش الإسرائيلي في تحقيق سقف الأهداف العالي الذي وضعه نتنياهو وهو تدمير حماس، والذي يتعارض مع الهدف الآخر الذي أعلنه، وهو استعادة الأسرى منها، فإن ما يحرك كثيراً من قادة إسرائيل ضد نتنياهو ليس الكراهية له أو النكاية فيه فقط، بل شعور بافتقاده للكفاءة، وأنه على استعداد للتضحية بمصالح البلاد من أجل البقاء في الحكم وتجنب المثول أمام القضاء في حال إقالته.
فبقاء نتنياهو مرهون باستمرار ائتلافه الحكومي المتناقض الذي يجمع بن غفير الذي يمثل أقصى التطرف، وبين بيني غانتس الذي يمثل التيار الوسطي، والذين لا يتفقان على شيء إلا استمرار الحرب وتدمير حماس، ولكن مع تأكيد قادة سابقين مخضرمين على أن هذا الهدف صعب التحقيق وقد يستغرق تحقيقه سنوات، فإن الائتلاف قد ينهار بسبب أي خلاف صغير، يفجر كل التراكمات السابقة، كما أن حالة التوتر الداخلي العالية في إسرائيل تعني أن الضغط الأمريكي، سواء في اتجاه عزل نتنياهو أو على الأقل إخراج المتطرفين من حكومته، قد يغير المعادلة، كما أن استمرار فشل الجيش الإسرائيلي في تحقيق أهدافه العسكرية مع تفاقم الأزمة الإنسانية قد يدفع أمريكا للتحول نحو دعوة إسرائيل لإنهاء حرب بات هناك شكوك متزايدة حول جدواها.
وقد تحدث هذه التغيرات في البيئة الخارجية والداخلية في وقت أقرب مما يتوقع نتنياهو، خاصة مع استمرار ضغوط ذوي الأسرى، مقابل تراجع هوس تدمير حماس الذي سيطر على الإسرائيليين منذ طوفان الأقصى، وشهادات جنرالات قدامى موثوق فيهم بصعوبة تدميرها، خاصة إذا انتقلت الحرب لمرحلة يخاض فيها القتال بالأساس في الأنفاق.
وبينما يصر نتنياهو على المضي قدماً في نهجه العسكري والسياسي الحالي لضمان إطالة الحرب للاستمرار في السلطة، فإن هذا النهج قد لا يصمد طويلاً، وقد لا تقبله الدولة العميقة في إسرائيل ولا الراعي الأمريكي.
قد تكون المفارقة الكبرى في هذه الحرب بأن نتنياهو توعد منذ بدايتها بتدمير حماس، ولكنه قد يكتشف في النهاية أن عمره السياسي أقصر من عمر حماس.