تتأثر أسعار النفط بشدة بأي صراع في منطقة الشرق الأوسط تحديداً، فلماذا لم يحدث ذلك رغم هجمات الحوثيين في البحر الأحمر منذ عدوان إسرائيل المستمر على قطاع غزة؟
موقع Middle East Eye البريطاني تناول الأسباب في تقرير عنوانه "لماذا لا تفزع أسواق النفط من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر؟"، يرصد كيف أن سوق النفط تبدو هادئةً هدوءاً نسبياً حتى في الوقت الذي تنتشر فيه صواريخ الحوثيين وطائراتهم المُسيرِّة في أرجاء البحر الأحمر، مما يحير بعض الخبراء الذين توقعوا زيادة أكبر في أسعار الطاقة.
أسعار النفط "هادئة"
تقول الولايات المتحدة إن الحوثيين في اليمن شنوا أكثر من 100 هجوم بالصواريخ والمُسيرّات على 10 سفن تجارية في البحر الأحمر. وقد تصاعدت وتيرة الهجمات في الأيام الأخيرة، ولم ترتفع أسعار النفط كثيراً.
ارتفع سعر خام برنت، المعيار الدولي لتسعير النفط، بنسبة 0.6% الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول ليصل إلى 79.70 دولار للبرميل، محققاً مكاسب أسبوعية بلغت 8%.
لكن ذلك الارتفاع يظل أقل كثيراً من توقعات الخبراء، التي تركزت في اتجاه مزيد من التأرجحات الدراماتيكية في الأسعار بالنظر إلى تاريخ أسعار النفط، التي ترتفع عندما تندلع الصراعات في المنطقة، خاصة أن هجمات الحوثيين تركزت حول مضيق باب المندب، الذي يعد نقطة اختناق استراتيجية في البحر الأحمر، حيث يمر حوالي 9% من المنتجات البترولية والنفط الخام العالمي.
في حديثها مع موقع Middle East Eye، قالت كارين يونغ، الخبيرة لدى مركز جامعة كولومبيا لسياسة الطاقة العالمية: "علاوة المخاطرة في أسواق النفط لم تكن مرتفعة، مثلما قد يتوقع المرء".
وسأل فيكتور كاتونا، المحلل لدى شركة Kpler لبيانات السلع الأساسية: "أين كل الهلع وتأرجحات الأسعار العنيفة؟" وأضاف: "أعتقد أن السوق تقلل بشدة من تأثير تعطل مضيق باب المندب".
وأخبر كاتونا موقع Middle East Eye أن السوق بدت راضيةً عن الاضطرابات في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن متوسط التدفق الشهري البالغ 7 ملايين برميل يومياً من الخام ومنتجات النفط عبر قناة السويس شمال المضيق، كان على طريق خفضه إلى النصف في ديسمبر/كانون الأول.
لكن أساسيات سوق النفط، وتعديل شبكة تدفقات الطاقة العالمية، والحسابات الاستراتيجية بين الحوثيين المدعومين من إيران، قد تُبقي الأسعار تحت السيطرة.
توقعات غولدمان ساكس وهجمات الحوثيين
تأتي هجمات الحوثيين في الوقت الذي تشهد سوق النفط تدفق إمدادات جديدة، بما في ذلك في الولايات المتحدة، حيث وصل الإنتاج الأمريكي إلى مستويات قياسية جديدة، بحسب تقرير لمجلة فوربس الأمريكية. بالإضافة إلى أن التوترات بين طهران وواشنطن حول العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة لم تؤثر على الارتفاعات المشهودة في صادرات النفط الإيرانية. وفي غضون ذلك، يتنبأ المحللون بضعفٍ في الطلب على النفط.
قال جيم كرين، خبير دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس، إن منتجات الطاقة "التي تمر عبر باب المندب مهمة للأسواق، لكن هذه ليست هي القصة برمتها"، وذلك خلال حديثه مع موقع Middle East Eye.
كان المسؤولون الحوثيون قد هددوا بشكل صارم بغلق مضيق باب المندب كلياً. وفي أضيق نقاط المضيق، يبلغ عرض المسار المائي 18 ميلاً فقط (حوالي 29 كم)، مما يجعل مرور الناقلات مقصوراً على قناتين فقط، عرض كل قناة منهما ميلان فقط (حوالي 3.22 كم)، من أجل دخول البحر الأحمر أو الخروج منه. صحيحٌ أنه يمثل نقطة اختناق مهمة، لكن الشريان الذي يقلق الأسواق وصُنَّاع السياسة بشدة هو مضيق هرمز، الذي يفصل إيران عن دول الخليج، حيث يمر ما يصل إلى 30% من النفط المستهلك حول العالم، بحسب مركز شتراوس لأبحاث الطاقة.
ورغم ذلك، يعتقد المحللون في مؤسسة جولدمان ساكس المالية الأمريكية أنه إذا مضى الحوثيون قدماً ونفذوا تهديدهم في أسوأ سيناريو للمضيق وأغلقوه، فإن أسعار الخام سوف ترتفع ما بين 3 و4 دولارات فقط للبرميل.
أعلنت عملاقة الطاقة بريتيش بتروليوم هذا الأسبوع أنها سوف توقف مرور شحناتها عبر البحر الأحمر، مشيرة إلى "الموقف الأمني المتدهور". كذلك قالت شركة ناقلات النفط Frontline، المستقرة في النرويج، إنها تحول مسار الناقلات لتتخذ رحلة أطول حول قارة أفريقيا.
أرمين عزيزيان، محلل أسواق النفط الخام لدى شركة Vortexa، قال لموقع Middle East Eye إن الناقلات التي تمر بالقرب من ساحل اليمن بدأت تجرب مواقع مختلفة لتخفي موقعها كإجراء احترازي. وارتفعت كذلك أسعار شحن الناقلات التي تسافر من الشرق الأوسط إلى أوروبا، نتيجة للهجمات.
تؤكد هذه التحركات على المخاوف التي تنتاب ملاك الناقلات التي تحمل إمدادات الطاقة ومشغليها، بشأن تهديدات الحوثيين، ولكن "من غير المرجح في العموم أن التدفقات سوف يُعاد توجيه مسارها بطريقة كبيرة ومستمرة"، وذلك حسبما أخبر عزيزيان موقع Middle East Eye.
ماذا عن الناقلات الروسية؟
وفقاً لبيانات موقع MarineTraffic، التي شاركها مع موقع Middle East Eye، كانت هناك 12 حاوية تحمل غازاً طبيعياً مسالاً تعبر البحر الأحمر مساء الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول، و182 حاوية تحمل شحنات سائلة، بما في ذلك الغاز والنفط. يعد ذلك الرقم أكبر من متوسط عدد الحاويات التي تنقل مثل هذه الشحنات قبل أن يبدأ الحوثيون هجماتهم.
قال فوتيوس كاتسولاس، أحد المحللين الرئيسيين لشحن الناقلات لدى شركة S&P، إن الشركات التي حولت مسارها نحو المرور حول أفريقيا تشكل نسبة صغيرة فقط من الأسطول العالمي، وذلك في حديثه مع موقع .Middle East Eye.
ربما يُعزى أحد الأسباب إلى أن نسبة كبيرة من الناقلات التي تعمل في البحر الأحمر تحمل نفطاً روسياً. فمنذ بداية الهجوم على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، تبادلت دول الخليج العربية أماكنها مع روسيا في أسواق النفط، حيث غيرت وجهة مبيعاتها لتصير نحو أوروبا، في حين أن روسيا غيرت وجهة مبيعاتها لتصير آسيا هي وجهة شحنات النفط الروسي.
وأدى تعديل شبكة التوصيل العالمية الخاصة بتجارة الطاقة، إلى زيادة مرور الناقلات في البحر الأحمر، لكن قليلين في الصناعة يعتقدون أنها سوف تكون أهدافاً للحوثيين.
قال كاتسولاس: "النشاط المتزايد على صعيد الناقلات التي تعبر قناة السويس منذ العام الماضي، يُعزى في الأساس إلى ابتعاد براميل النفط الروسي عن أوروبا وتوجهها إلى الهند والصين". وأوضح: "كل هذه الحاويات لن تُستهدف ببساطة".
يقول الحوثيون إنهم يهاجمون الحاويات المرتبطة بإسرائيل فقط، لكن سفناً أخرى كانت علاقتها بإسرائيل طفيفة للغاية أو لم تكن لها علاقة بإسرائيل، هوجمت هي الأخرى. ففي يوم الإثنين 18 ديسمبر/كانون الأول، قال المالك النرويجي لإحدى الحاويات التي هاجمها الحوثيون إن المجموعة اعتمدت على بيانات خاطئة في الصناعة لمهاجمة حاويته، بسبب اعتقاد خاطئ بأن لها علاقة بإسرائيل.
ومع ذلك، يقول العالمون ببواطن الصناعة والمسؤولون الغربيون أن الحوثيين أظهروا قدرات متطورة على تحديد هجماتهم بدقة.
أبلغ كاتونا موقع Middle East Eye قائلاً: "كان الحوثيون دقيقين للغاية في عدم استهداف حاويات النفط غير الغربية. توجد الكثير من الحاويات السعودية والعراقية والروسية في البحر الأحمر، ولم يضرب الحوثيون ولو حاوية واحدة منها".
شهد البحر الأحمر زيادة في الحاويات التي تنقل الغاز الطبيعي المسال من قطر إلى أوروبا نتيجة الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفه الغرب بأنه "غزو عدواني غير مبرر"، لكن قليلين يتوقعون أن يضرب الحوثيون هذه الحاويات.
امتنع الحوثيون كذلك عن ضرب البنية التحتية السعودية أو الإماراتية. قال محللو غولدمان ساكس في مذكرة لهم إن المخاطر المحدودة على الإنتاج حتى هذه اللحظة كانت عاملاً آخر في المحافظة على ثبات الأسعار.
عدوان إسرائيل على غزة
قال جون كيربي، المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، الثلاثاء 19 ديسمبر/كانون الأول، إن ما اتضح هو أن إيران كانت تقدم "الوسائل والأدوات والقدرات والأسلحة" إلى الحوثيين لشن هجماتهم، لكنه تجاوز الإجابة عندما سُئل عما إذا كانت إيران توجههم.
وقال مسؤول غربي تحدث مع موقع Middle East Eye بشرط عدم الكشف عن هويته، إن ممارسة الاستهداف الخاصة بالحوثيين -التي، ومن قبيل المفارقة، قد تروض أسواق النفط- أشارت إلى وجود تنسيق أوثق بين قيادة المجموعة وطهران.
وأوضح المسؤول: "عناصر الحرس الثوري الإيراني موجودون في اليمن بأعداد كبيرة. والاستهداف المتطور من جانب الحوثيين ربما يشير إلى وجود إرشاد وثيق".
يعقد الحوثيون الآن محادثات مباشرة مع السعودية لتحويل هدنة القتال في اليمن إلى اتفاقية سلام طويلة الأجل، ويقول المحللون في هذا الشأن إنها على الأرجح ستعزز إحكام قبضة الحوثيين على شمال اليمن.
قال علي آلفونه، الزميل الأقدم في في معهد دول الخليج العربي: "ثمة الكثير من الحسابات من جانب إيران والحوثيين هنا"، وذلك خلال حديثه مع موقع Middle East Eye. وأضاف: "ليس في حوزتهم أسباب تدعو إلى مهاجمة ناقلات النفط السعودية في الوقت الراهن".
أعلنت الولايات المتحدة يوم الإثنين 18 ديسمبر/كانون الأول، عن تشكيل فرقة عمل بحرية تسمى "عملية حارس الازدهار"، لحماية الحاويات في البحر الأحمر. حتى هذه اللحظة لم تعلن أية دولة عربية توقيعها على الانضمام إلى هذا التحالف سوى البحرين.
وحذر الحوثيون الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول من أنهم سوف يعاودون الهجوم إذا هوجموا عن طريق القوات الأمريكية، وحذروا جيرانهم العرب من الانضمام إلى التحالف.
تمتنع دول الخليج عن الانضمام إلى المجموعة خوفاً من أن تبدو كما لو أنها تساند إسرائيل، في ظل الغضب الشعبي العارم بسبب العدوان الذي تشنه دولة الاحتلال على غزة.
وفي حين أن السعودية قلقة من هجمات الحوثيين، فالأرجح أن الرياض تجد سلوى في الحقيقة التي تقول إن أصولها لم تتعرض لأية هجمات، وذلك وفقاً للخبراء. قال آلفونه: "نجحت إيران والحوثيون في إخافة جيرانهم العرب. لدى دول الخليج الكثير لتخسره من خوض قتال ضد إيران، وليس لدى إيران أي شيء لتخسره. لقد فاز الحوثيون وإيران بالفعل".