أصبحت الخلافات بين بايدن ونتنياهو بشأن حرب غزة، واضحة تماماً للعيان، ولكن هذه الخلافات لا تدور حول هدف تدمير حماس، الذي يشترك فيه الطرفان، ولكن حول طريقة إدارة الحرب، ومخاطر توسعها، ومرحلة ما بعد الحرب في غزة.
فالتلميحات إلى أن صبر الرئيس الأمريكي جو بايدن بدأ ينفد بشأن طريقة رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، في شن الحرب أصبحت أعلى، حسب وصف صحيفة the Guardian البريطانية.
بايدن يحذر نتنياهو
فمنذ عملية طوفان الأقصى، أظهر بايدن دعماً غير مسبوق لإسرائيل، فأطلق يدها في الحرب على غزة، وزوّدها بالذخائر بلا قيود، وأرسل حاملتي طائرات أمريكية إلى المنطقة، بهدف ردع حلفاء إيران، واستخدم حق النقض بمجلس الأمن مراراً، مما جعل واشنطن صوتاً وحيداً ضد مطالبات العالم كله لإسرائيل بإنهاء هجومها على غزة.
ولكن الأمور بدأت تتغير ببطء، ففي انتقاد نادر، حذّر الرئيس الأمريكي جو بايدن في 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، حكومة الاحتلال الإسرائيلي من عواقب عمليات القصف العشوائي التي تقوم بها في غزة، والتي "ستكلفها فقدان الدعم الدولي لها"، داعياً رئيس وزراء الاحتلال "بنيامين نتنياهو" إلى "تغيير حكومته".
وقد يبدو أن بايدن يحذر نفسه، وليس إسرائيل فقط بشأن فقدان الدعم الدولي؛ إذ جاءت هذه التحذيرات في ظل تزايد التباينات بين بايدن ونتنياهو بشأن تطورات ومآلات الحرب والترتيبات التي ستعقبها في القطاع.
هذه المواقف جاءت بعد ساعات قليلة من تصويت الإدارة الأمريكية ضد قرار بوقف إطلاق النار في غزة، تبنّته الجمعية العمومية للأمم المتحدة بأكثرية الثلثين، 153 مقابل 10، وامتناع 23.
ومؤخراً، بعثت مجموعة الأعضاء في مجلس النواب، من بينهم جمهوريون من ذوي الخلفيات المتعلقة بالأمن القومي، برسالة إلى الرئيس بايدن، تقول فيها إن تزايد عدد القتلى المدنيين والأزمة الإنسانية أمر غير مقبول، وأن الاستراتيجية العسكرية لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ليست في مصلحة الولايات المتحدة ولا في مصلحة إسرائيل.
وجاء في الرسالة "نعتقد أيضاً أن ذلك يعرّض للخطر الجهود الرامية إلى تدمير منظمة حماس وتأمين إطلاق سراح جميع الرهائن".
لماذا بدأت أمريكا تحاول كبح جماح إسرائيل؟
تزداد كلفة فاتورة التأييد المطلق لإسرائيل على أمريكا مع مرور الوقت بالنظر للقلق المتزايد دولياً بشأن العواقب الإنسانية للحرب في غزة، في ظل زيادة الدعم لوقف إطلاق النار بين دول العالم، حسبما ورد في تقرير في منصة "أسباب" للدراسات السياسية والاستراتيجية.
وكان لافتاً تأييد دول داعمة لإسرائيل وحليفة للولايات المتحدة على وقف إطلاق النار مثل أستراليا وكندا والهند واليابان وكوريا الجنوبية، وهي الدول التي كانت تميل في السابق إلى الامتناع عن التصويت، أو التصويت ضد وقف إطلاق النار.
كما يتعرض بايدن لضغوط داخلية في الحزب الديمقراطي للتراجع عن موقفه المتشدد في دعم دولة الاحتلال، في ظل انقسامات عميقة داخل صفوف الناخبين الديمقراطيين، حيث يظهر الشباب والأقليات تحديداً غضباً من الحرب الإسرائيلية الوحشية على غزة والدعم الأمريكي لها.
إضافة إلى اعتراف أمريكي بأن الحرب على غزة تضعف شعبية أمريكا في الجنوب العالمي، والأهم تقوض حجة أمريكا الداعية العالم للابتعاد عن روسيا بدعوى مخالفة غزوها لأوكرانيا للقانون الدولي، بينما تنتهك إسرائيل القانون الدولي بشكل أكثر وضوحاً، عبر إيقاعها خسائر في المدنيين والبنى التحتية بغزة خلال شهرين من القتال تفوق ما أوقعته روسيا بأوكرانيا في أكثر من عامين، إضافة إلى حقيقة أن إسرائيل تحتل الأراضي الفلسطينية منذ 55 عاماً.
الخلافات بين بايدن ونتنياهو حول طريقة الحرب ومداها، وليس هدفها
على الرغم من التصعيد اللفظي الملحوظ من قبل إدارة بايدن تجاه نهج إدارة حكومة نتنياهو للحرب، فإن التوجهات الأمريكية التي تبلورت عقب معركة "طوفان الأقصى" لا تزال كما هي، بتركيزها على البُعد الجيوسياسي الذي يؤطر الجهود الدبلوماسية والاستخبارية الأمريكية في سياق منع اندلاع تصعيد إقليمي يؤدي لتغيير أولويات الأمن القومي الأمريكي.
في هذا الإطار تضغط الإدارة الأمريكية لتغيير "شكل الحرب" في قطاع غزة، وليس تغيير هدفها الأساسي المتعلق بالقضاء على حركة حماس، لتنتقل بموجب ذلك للمرحلة الثالثة، المتمثلة في اللجوء للعمليات العسكرية الدقيقة ووقف "الحرب المكثفة"، وهنا يتحدث الاحتلال عن عام 2024 باعتباره "عاماً قتالياً".
رئيس وزراء إسرائيل يريد جر أمريكا لحرب إقليمية
واحدة من أبرز الخلافات بين بايدن ونتنياهو، تتمثل في مدى الحرب.
إذ يدرك بايدن والدائرة المحيطة به في وزارتي الدفاع والخارجية أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يحاول جر الولايات المتحدة إلى صراع أوسع ضد حركة الحوثي اليمنية، التي تهاجم السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر.
بل يحاول نتنياهو بشكل صارخ جر أمريكا إلى حرب إقليمية واسعة من خلال قوله مراراً وتكراراً إن هذه حرب أكبر بكثير من حرب غزة. ويزعم أن هذا صراع حضاري، وهو صراع يحاول بايدن تجنبه.
بينما أمريكا تضغط عليه لتخفيض كثافة الحرب في غزة
وتقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية في تقرير لها، إنه بينما يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو محاولته جر الولايات المتحدة إلى حرب أوسع في الشرق الأوسط، فإن الرئيس الأمريكي جو بايدن يضغط عليه الآن بهدوء للانتقال إلى صراع منخفض الحدة في قطاع غزة.
وتصاعدت الجهود الأمريكية التي عبّرت عنها تصريحات المسؤولين الأمريكيين لكبح حكومة نتنياهو، مثلما بدا في زيارة مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وزيارة رئيس أركان الجيش الأمريكي تشارلز براون، بالإضافة لزيارة وزير الدفاع لويد أوستن.
تؤشر هذه الجهود إلى استمرار التخوفات في أوساط الإدارة الأمريكية من إمكانية اتساع نطاق الصراع في المنطقة، في ظل التقاط الجيش الأمريكي إشارات حول إمكانية مبادرة دولة الاحتلال لتنفيذ ضربة مفاجئة لحزب الله في لبنان، بالإضافة لخطورة التأثيرات الجيوسياسية التي تنطوي عليها هجمات الحوثيين في باب المندب والبحر الأحمر، حسب تقرير منصة أسباب.
ولم تطالب الولايات المتحدة قط بوقف إطلاق النار في غزة، لكنها مقتنعة بأن المسار الحالي للحرب، من حيث نشر القوات وتوظيف القوة والقوة النارية قد استنفد فائدته، وفقاً لصحيفة Haaretz.
وقال وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، في تل أبيب مؤخراً إن "حماية المدنيين الفلسطينيين في غزة واجب أخلاقي وضرورة استراتيجية". وكان أوستن جنرالاً سابقاً وقائداً للقيادة المركزية للولايات المتحدة بين عامي 2013 و2016، وهو في وضع يسمح له بنقل معلومات الولايات المتحدة. تجاربها وأخطاءها في إدارة حروبها في أفغانستان والعراق، حسب الصحيفة.
وفي الوقت نفسه، لم يطالب أوستن ولا مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، بوقف فوري أو شامل لإطلاق النار. وقال أوستن خلال مؤتمر صحفي مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت: "هذه عملية إسرائيلية، ولست هنا لإملاء جداول زمنية أو شروط". وأضاف أن الولايات المتحدة لديها "بعض الأفكار الجيدة حول كيفية الانتقال من العمليات عالية الكثافة إلى العمليات الجراحية الأقل كثافة"، حسب تعبيره.
هذه هي لعبة الضغط الأمريكية عبر سياسة العصا والجزرة، حيث تدعم إسرائيل، وتمتنع عن تقديم مطالب علنية، ولكن المسؤولين الأمريكيين يحثون حكومة الاحتلال بإصرار على تغيير ديناميكيات الحرب وحجمها.
الخلافات بين بايدن ونتنياهو تمتد إلى من يحكم غزة بعد الحرب
ورغم أنه يبدو أن إسرائيل بعيدة تماماً عن هدفها المعلن والمشترك مع أمريكا بتفكيك حماس، فإن الخلاف الأكبر بين بايدن ونتنياهو قد يكون حول غزة ما بعد الحرب.
فبينما يقدم بايدن الجزرة لنتنياهو، قال السيناتور الديمقراطي كريس كونز – وهو حليف مقرب لبايدن مؤخراً في برنامج "واجه الأمة" على شبكة "CBS" الأمريكية "إن نتنياهو "شريك صعب للغاية".
ولكن تحديداً، فيما يتعلق بغزة ما بعد الحرب، فإن نتنياهو ليس شريكاً على الإطلاق فيما يتعلق بإدارة بايدن، حسبما تصفه Haaretz، فأحد المواضيع الرئيسية في روايته الملفقة هو أن الأمر برمته يتعلق بالدولة الفلسطينية التي منع إقامتها، وهو يقدم نفسه للإسرائيليين باعتباره البطل الذي يقف الآن بثبات ضد الضغوط الأمريكية لتحقيق هذا الهدف.
ومع ذلك، تقول الصحيفة الإسرائيلية إن الحقيقة هي أن بايدن لم يدفعه قط إلى إقامة دولة فلسطينية. لقد وصف بايدن فقط الإطار المرغوب فيه في المستقبل، ويطلب من إسرائيل ألا تقوض جدوى هذا الحل.
وفي هذه المرحلة، تحث الولايات المتحدة إسرائيل على تجنب إعادة احتلال قطاع غزة. ولكن بينما تقول إسرائيل علناً إنها لا تنوي القيام بذلك، فإن الحقائق على الأرض، والإعلانات حول خطط "السيطرة الأمنية المطلقة" ورفض السماح للسلطة الفلسطينية بأن تكون جزءاً من غزة ما بعد الحرب، تعكس واقعاً مختلفاً.
وتقول Haaretz، فإما أن إسرائيل قصيرة النظر تماماً، أو أنها تخدع عمداً ليس فقط إدارة بايدن، بل نفسها أيضاً.
فهناك حلقة مفرغة تتشكل، وهي حلقة تحذر الولايات المتحدة إسرائيل منها. إذا كانت إسرائيل تعتزم إقامة وجود عسكري في غزة بعد انتهاء الحرب (في أي مرحلة)، فمن المؤكد أنها تعلم أن أعباء الحكومة سوف تقع على عاتقها. وسيكون عليها تحمل مسؤولية إعاشة سكان غزة المعوزين، البالغ عددهم أكثر من مليوني شخص، جميعهم لاجئون دون حكومة توفر لهم الوظائف والخدمات الأساسية، في ظل تدمير واسع النطاق للقطاع.
ولكن نتنياهو لا يهتم، فهو له أهداف سياسية قد تكون مضرّة على المدى البعيد بإسرائيل نفسها.
أهداف نتنياهو تتعارض مع مصالح إسرائيل
وفي واقع الأمر، فقد انقلبت أهداف الحرب: ففي البداية كان الهدف هو تدمير حماس عسكرياً، ولكن على افتراض أنها سوف تحتفظ بما تبقى من السلطة السياسية. والآن بقيت قدرات حماس العسكرية، رغم أن الإسرائيليين يقولون إنها تدهورت، فإن قدرة الحركة على الحكم قد تصبح معدومة، حسب الصحيفة الإسرائيلية، وهذا سيترك فراغاً تقول إسرائيل إنها لن تملأه، ويتساءل الأمريكيون: فمن سيملأه؟.
ويلمح نتنياهو إلى أن تقوم بعض الدول العربية بدور أمني وفي مسألة الإعمار، ولكن لن تقبل أي دولة عربية بأن تكون بدل المحتمل أو استبعاد السلطة الفلسطينية.
وفي محاولة لصرف النظر عن هذه القضية، يحاول نتنياهو الآن إشعال"الصراع الأوسع" مع إيران ويقول للأمريكيين "لماذا تضايقني بشأن غزة في حين أن هناك صراعاً هائلاً محتدماً؟
فالنقد الأساسي الموجّه لنتنياهو حالياً في الدوائر الغربية وحتى بعض الدوائر الإسرائيلية هو أنه لا يفكر في مصلحة إسرائيل الوطنية في وقت الحرب، بل يفكر في مستقبله السياسي. ونظراً لأنه يحاكم بتهم الفساد التي قد تؤدي إلى سجنه، فهو في حاجة ماسة إلى التشبث بالوظيفة التي من شأنها أن تبعده عن السجن، والطريق الوحيدة توسيع الحرب وإطالة أمدها.
كما أنه يكرس وقتاً ثميناً وطاقة ثمينة للتأكد من أن قادة الجيش والمخابرات الإسرائيليين هم الذين يتحملون المسؤولية عن الإخفاقات الهائلة التي جعلت هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول ممكناً – على الرغم من أن الأدلة الصارخة تشير إلى أنه هو نفسه تجاهل التحذيرات من "خطر واضح وداهم" كان يلوح في الأفق. وضعت أمامه.
هكذا يراوغ نتنياهو الرئيس الأمريكي
لا تزال استجابة حكومة نتنياهو للضغوط الأمريكية تتسم بكثيرٍ من البطء، بل تعمد نتنياهو خلال الأيام الماضية أن يُقدم سردية سياسية للمجتمع الإسرائيلي تقوم على التصدي للضغوط الأمريكية، واستحضر في هذا الإطار التحذير مما حصل مع ديفيد بن غوريون، الذي اعتبر نتنياهو انسحابه من شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة في عام 1956 جاء مدفوعاً بالاستسلام للضغوط الأمريكية، فضلاً عن افتخار نتنياهو بأنه منع قيام دولة فلسطينية، مصححاً بذلك خطيئة أوسلو.
وفي ظل إخفاقه الأمني والعسكري المدوي الذي ظهر في عملية طوفان الأقصى، وحتى في عملية اجتياح غزة برياً، فإن نتنياهو يقدم نفسه للجمهور الإسرائيلي بأنه الرجل الذي سيفشل حل الدولتين وسيعيد احتلال غزة رغم أنف الضغوط الأمريكية.
كما يروّج فريق نتنياهو ومؤيدوه لوجود مؤامرة أمريكية تستهدف تفكيك حكومته من خلال ضغوط إدارة بايدن التي تطالب بإقصاء الصهيونية الدينية من الائتلاف الحكومي والاستعاضة عنهم بالتحالف مع وزير الدفاع الأسبق بيني غانتس وجدعون ساعرزعيم حزب "الأمل الجديد" المنشق عن حزب الليكود.
وفي المقابل ترك نتنياهو أعضاء من ائتلافه اليميني المتطرف يطلقون تهديدات ودعوات إلى محو غزة أو حرقها ــ وفي حين يقوم وزير أمنه، إيتمار بن غفير، المدان بتهم الإرهاب، بتوزيع الأسلحة على المستوطنين، ويشجعهم على المزيد من الصراع والعنف في الضفة الغربية. كل هذا يمثل كارثة بالنسبة للفلسطينيين بشكل واضح، ولكن أيضاً بالنسبة لإسرائيل في سعيها للحفاظ على الدعم الغربي، كما حذرة بايدن، بينما ما يفكر فيه نتنياهو هو ترك الحبل الغارب لحلفائه المتطرفين حتى لا يتفكك ائتلافه الحكومي المتطرف.
ويحاول أن يصور بايدن على أنه أوباما الجديد
وبنيامين نتنياهو هو رئيس الوزراء الإسرائيلي الوحيد الذي تزامنت فترة ولايته مع أربعة رؤساء للولايات المتحدة: بيل كلينتون وباراك أوباما ودونالد ترامب وجو بايدن. لقد كانت لديه علاقة معقدة مع كل منهم وحاول الاستفادة من هذه العلاقة لتعزيز شعبيته في الداخل الإسرائيلي.
ولكن الآن، مع تراجع شعبيته بشكل لافت أعاد بنيامين نتنياهو فتح قواعد اللعبة القديمة مع الديمقراطيين، ويحاول تصوير بايدن على أنه أوباما الثاني، ويحاول تقديم نفسه باعتباره الشخص الوحيد القادر على الوقوف في وجه الأمريكيين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية.
ولكن الصحيفة ترى أن هذا لن ينجح، لأن الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسي ماكر للغاية، بحيث لا يقع في فخ حيل رئيس الوزراء الإسرائيلي، حسب وصفها.
وباتت إدارة بايدن تدرك محدودية تأثير استراتيجيتها الحالية على حكومة نتنياهو، في ظل انشغال الأخير ببقائه السياسي واتساع نطاق الخلافات السياسية في دولة الاحتلال، مما يُرجح أن تلجأ مع الإدارة خلال الفترة المقبلة لتغيير طبيعة تعاطيها مع حكومة نتنياهو، وذلك عبر زيادة الضغوط السياسية واللجوء لأدوات جديدة للتأثير على اتجاهات الحرب، حسب تقرير "أسباب".
بالمحصلة، ستعمل الإدارة الأمريكية على ضمان نجاح جيش الاحتلال في تحقيق أهدافه المتعلقة باستهداف "حركة حماس"، سواء بينتها العسكرية أو قادتها السياسيين، لكن مع تغيير شكل الحرب، والسعي في الوقت ذاته للدفع باتجاه تحقيق انفراجة في ملف الأسرى والمحتجزين الإسرائيليين، بالتوازي مع ضمان دخول مزيدٍ من المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، على اعتبار أن هذه الملفات قد تؤدي لنزع فتيل التصعيد الإقليمي وتخفف من حدة الاشتباك في الجبهات الخارجية.
كما أن الولايات المتحدة ستظل على خلاف كبير مع حكومة الاحتلال بشأن ترتيبات اليوم التالي للحرب، بالنظر لموقف نتنياهو الرافض لعودة السلطة الفلسطينية إلى غزة، وتشدده فيما يتعلق بديمومة "السيطرة الأمنية" الإسرائيلية هناك. بالإضافة للخلاف القديم بين إدارة بايدن ونتنياهو بخصوص مسائل الاستيطان وحل الدولتين ورفض الاحتلال التعاطي مع أي حلول سياسية (إضافة للخلافات حول التعديلات القضائية)، وهذه قضايا قد تؤجل الإدارة الأمريكية التعاطي معها في ظل أولوية الملفات الأخرى، كما أن عامل الوقت لا يوفر مساحة كافية للمناورة أمام إدارة بايدن التي ستجد نفسها خلال أسابيع مستنزفة في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
وتشير صحيفة the Guardian إلى حالة مشابهة في التسعينيات عندما أقنع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الإسرائيليين بأنهم يبحث عن مصالح بلادهم، ودفع نتنياهو إلى محادثات السلام والتوقيع على اتفاقيات لم تعجبه عندما كان رئيساً لوزراء إسرائيل، وعندما واجه نتنياهو الناخبين في نهاية المطاف في عام 1999، خسر ــ أمام مرشح ملتزم بالسعي إلى السلام مع الفلسطينيين، ومؤيد من الولايات المتحدة.
وتقول الصحيفة "من المؤكد أن الزمن مختلف الآن. لكن بايدن يتمتع بقدرة لا مثيل لها في التأثير على الأحداث في إسرائيل. وعليه أن يسمع صرخة أهالي الأسرى الذين تحتجزهم حماس، والذين يحملون لافتات تحمل رسالة بسيطة: "أنقذوا إسرائيل من نتنياهو".