لطالما اعتبر الحزب الديمقراطي مدينة شيكاغو الأمريكية، التابعة لولاية إلينوي، مزيجاً من التنوع والسياسات التقدمية وحصناً نقابياً؛ ما جعلها مدينة مضيفة طبيعية لمؤتمر الحزب للترشيح الرئاسي لعام 2024. لكن التوترات المتصاعدة بشأن الحرب على غزة تؤدي إلى تعطيل الحياة في المدينة، وتقسيم الديمقراطيين في الوقت الذي يستعدون فيه لاستعراض الوحدة في ترشيح الرئيس الأمريكي جو بايدن لولاية ثانية في الصيف المقبل، كما تقول مجلة Politico الأمريكية.
"بايدن يدعم الإبادة الجماعية"
تعكس الإجراءات التي تهز الحياة في المدينة ما يحدث في جميع أنحاء البلاد، من واشنطن العاصمة، حيث استهدف المتظاهرون مقر المؤتمر الوطني الديمقراطي، إلى سكرامنتو، حيث أجبر المتظاهرون مؤتمراً ديمقراطياً بالولاية على التوقف خلال تنديدهم بالعدوان على غزة والدعم الأمريكي المطلق لإسرائيل.
وقد اندلعت العشرات من الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات الحاشدة في المدينة والضواحي المحيطة بها منذ عملية طوفان الأقصى، في 7 أكتوبر/تشرين الأول، بما في ذلك احتجاج استهدف الرئيس جو بايدن خلال حملة لجمع التبرعات، ملأ فيها المتظاهرون الشارع وهم يهتفون "بايدن يدعم الإبادة الجماعية". وملأ المتظاهرون مكاتب النائبة جانيس شاكوفسكي في الضواحي، وهي عضوة تقدمية ويهودية أمريكية في الكونغرس، ووقفوا أمام منزلها أيضاً.
واعتقلت الشرطة 106 متظاهرين الأسبوع الماضي، عندما تجمّع مئات من المتظاهرين الأمريكيين، معظمهم من اليهود المناهضين للاحتلال الإسرائيلي، بالقرب من القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو. وفي إحدى المظاهرات انطلقت رصاصة خلال اشتباك الشهر الماضي بين نشطاء مؤيدين للفلسطينيين وتجمع لدعم إسرائيل، في مركز مجتمعي في إحدى ضواحي شيكاغو. ولم يُصَب أحد بأذى، لكن الأمر أثار حفيظة المسؤولين.
وقال الحاكم جيه بي بريتزكر في مؤتمر صحفي بعد حادث إطلاق النار: "أدرك أنَّ هناك أشياء تحدث في النصف الآخر من العالم، وتؤثر في ردود أفعال الناس ومشاعرهم وغير ذلك، لكن أكرر نحن نعيش هنا".
خصوصية شيكاغو
عززت المعابد اليهودية والمساجد في المنطقة الإجراءات الأمنية في أعقاب القتل الوحشي لطفل أمريكي من أصل فلسطيني، يبلغ من العمر 6 سنوات، فيما وصفتها السلطات بأنها جريمة كراهية.
وهذا الأسبوع، أرسل التقدميون في مجلس مدينة شيكاغو رسالة إلى عمدة المدينة براندون جونسون، يحثونه فيها على الدعوة إلى وقف إطلاق النار. ويواجه جونسون، ذو الميول اليسارية، بعضاً من نفس الضغوط التي يواجهها التقدميون الآخرون في الكونغرس والبيت الأبيض من الموظفين.
وقال بريان سترايكر، المستشار السياسي الوطني المقيم في شيكاغو: "إنَّ الأمر شخصي في شيكاغو بطريقة لا تنطبق على بقية المدن الأمريكية".
تعد منطقة شيكاغو موطناً لأكثر من 320 ألف يهودي أمريكي؛ ما يجعلها رابع أكبر مجتمع من نوعه في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من أنَّ ديربورن بولاية ميشيغان تعتبر موطناً لأكبر عدد من السكان العرب الأمريكيين في أمريكا، فإنَّ أكبر جالية فلسطينية موجودة في إلينوي، حيث يتراوح عدد أفرادها بين 70 إلى 100 ألف في منطقة شيكاغو الحضرية، وفقاً لعالمة الاجتماع لويز كينكار، التي تدرس المجتمعات الأمريكية من أصول عربية، وعضوة مجلس إدارة شبكة العمل العربية الأمريكية.
وقال عمدة شيكاغو السابق لوري لايتفوت، والأستاذ بجامعة هارفارد لهذا الفصل الدراسي: "ليس من المستغرب أن تكون المشاعر قوية والتوترات عالية بالنظر إلى ما حدث منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول".
ويحاول المسؤولون المُنتخَبون على جميع مستويات الحكومة اتباع نهج دقيق بشأن هذه القضية. وحضر عمدة المدينة جونسون وقفة احتجاجية في كُنيس أنشي إيميت البارز، وانضم أيضاً إلى المُشيّعِين في جنازة الصبي الفلسطيني المقتول.
وتشير نادين النبر، الأستاذة في جامعة إلينوي في شيكاغو والناشطة في المجتمع الفلسطيني والعربي، إلى أنَّ التاريخ الطويل من المشاركة المجتمعية من المجتمع الفلسطيني في منطقة شيكاغو هو ما يساعد في تغذية النشاط الذي يجري الآن.
وتقول النبر: "لدينا منظمات تعود إلى عقود مضت. وهذا ما يجعل شيكاغو موقعاً بالغ الأهمية بسبب التاريخ الطويل لتنظيم المجتمع والقواعد الشعبية. وتضم هذه مسلمين ومسيحيين ومواطنين ومهاجرين ولاجئين وعمال ومسؤولين منتخبين. فهم في كل قطاع من قطاعات المجتمع".
انقسامات حادة في شيكاغو
وقد تفاقمت التوترات إلى حد أنَّ بعض المسؤولين المنتخبين تجنبوا التحدث علناً عن هذه القضية، خوفاً من استعداء أحد الجانبين. وواجه القرار الرمزي الأخير الذي تقدمت به العضوة اليهودية الوحيدة في مجلس مدينة شيكاغو، والذي يدعم إسرائيل ويدين حماس، معارضة شديدة. لكن في نهاية المطاف، اعتُمد الإجراء بعد تصويت 20 عضواً في المجلس المحلي بالموافقة مقابل صوت معارض، بينما التزم باقي الأعضاء الصمت أو غادروا المبنى قبل التصويت. وقد واجهت عضوة المجلس المحلي التي قادت المعارضة للقرار المزيد من الانتقادات لاستخدامها شعار "فلسطين حرة من النهر إلى البحر"، الذي يُردَّد في المسيرات المؤيدة للفلسطينيين.
وشهد وفد نواب إلينوي في الكونغرس انقساماً أيضاً، إذ أيّد جميع الأعضاء مشروع قرار بشأن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، باستثناء عضوين، هما النائبان الديمقراطيان ديليا راميريز، التي صوَّتت بالرفض، وجيسوس "تشوي" غارسيا، الذي امتنع عن التصويت.
وقد رفضت جانيس شاكوفسكي، عضوة الكونغرس التقدمية عن الدائرة التاسعة في إلينوي، التوقيع على قرار غير ملزم من النائب عن ولاية ميسوري، كوري بوش، يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وصارت هدفاً للمظاهرات المطالبة بوقف إطلاق النار. وقالت شاكوفسكي: "الناس مصدومون"، مفسرة المشاعر التي تأججت منذ بدء الحرب الشهر الماضي.
في حين تتوقع ليندساي شوبينر، خبيرة التطرف ومديرة البرامج في مركز الدول الغربية، أن يصل تأثير حرب الشرق الأوسط إلى انتخابات 2024. وقالت في مقابلة: "كثيراً ما نشهد ارتفاعاً في الخطاب المتعصب المتعلق بالدورات الانتخابية. أعتقد أنه يمكننا أن نتوقع ذلك في هذه الحالة أيضاً".
وبدأت تظهر هذه المخاوف الانتخابية بالفعل بين بعض التقدميين في الكونغرس. وقالت النائبة الديمقراطية السابقة ماري نيومان، التي مثّلت شريحة كبيرة من المجتمع الفلسطيني وتؤيد وقف إطلاق النار: "سواء كنت أمريكياً يهودياً أو أمريكياً فلسطينياً، فإنَّ الناس لن يصوتوا لأنهم غاضبون جداً، لأنه لا يستمع إليهم أحد". وأضافت أنَّ الديمقراطيين الذين لا يتحدثون نيابة عن مجتمعاتهم يخاطرون بتنفير الناخبين. وأكدت: "هذه مشكلة كبيرة للجميع لأننا لا نريد دونالد ترامب رئيساً".