ترتفع أعداد الموظفين الفيدراليين الرافضين لاستمرار عدوان إسرائيل على غزة والدعم الأمريكي لذلك العدوان، فكيف يمكن أن يؤثر ذلك على قرار إدارة جو بايدن؟
وبحسب تقرير لوكالة The Associated Press الأمريكية، حتى أواخر الأسبوع الماضي، وقَّع 650 موظفاً من خلفيات دينية متنوعة من أكثر من 30 وكالة فيدرالية على إحدى الرسائل المفتوحة التي تطالب بوقف الحرب، بحسب المنظِّمين.
كانت إسرائيل قد أعلنت منذ عملية "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، أن القضاء على حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في غزة هو الهدف الرئيسي، واجتاح جيشها القطاع برياً، مروِّجة لرواياتٍ كاذبة رددها زعماء الغرب، وعلى رأسهم جو بايدن.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية "حماس" على عمليتها العسكرية الشاملة ضد جيش الاحتلال الذي يفرض حصاراً خانقاً على القطاع منذ 17 عاماً. ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين في ذلك اليوم، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، بعد أن اخترقت الجدار الحديدي وسحقت فرقة غزة التابعة لجيش الاحتلال، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسْر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين، وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، وهو اعتراف بأن هجوم المقاومة الفلسطينية هو هجوم عسكري.
تشققات داخل أمريكا بسبب دعم إسرائيل
وبحسب تقرير الوكالة الأمريكية، يوزع موظفو الإدارة الفيدرالية الأمريكية، بدايةً من وزارة الخارجية إلى وكالة ناسا، رسائل مفتوحة تطالب الرئيس جو بايدن بالسعي إلى وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
كما يرفع موظفو الكونغرس الميكروفونات أمام مبنى الكابيتول، ويتحدثون علناً لإدانة ما يصفونه بأنه صمت المُشرّعين بشأن الخسائر في صفوف المدنيين الفلسطينيين.
ومع ارتفاع عدد الشهداء المدنيين في غزة، وبخاصة من الأطفال والنساء والعجائز، يواجه بايدن والكونغرس تحديات عامة غير عادية من الداخل بشأن دعمهم للعدوان الإسرائيلي. ويقوم المئات من الموظفين في الإدارة وفي الكابيتول هيل بالتوقيع على رسائل مفتوحة، ويتحدثون إلى الصحفيين وينظمون وقفات احتجاجية، كل ذلك في محاولة لتحويل سياسة الولايات المتحدة نحو إجراءات أكثر إلحاحاً لوقف الخسائر البشرية الفلسطينية.
قال أحد موظفي الكونغرس للحشد خلال احتجاج هذا الشهر: "معظم رؤسائنا في الكابيتول هيل لا يستمعون إلى الأشخاص الذين يمثلونهم".
وترجع الاعتراضات القادمة من الموظفين الفيدراليين على الدعم العسكري للولايات المتحدة وغيره من أشكال الدعم لعدوان إسرائيل على قطاع غزة جزئياً إلى التغيرات التي تحدث على نطاق أوسع عبر المجتمع الأمريكي.
ففي الوقت الذي تصير فيه الولايات المتحدة أكثر تنوعاً، كذلك الحال بالنسبة للقوى العاملة الفيدرالية، بما في ذلك المزيد من المُعيّنين من أصول إسلامية وعربية. وتُظهِر الاستطلاعات تحول الرأي العام بشأن إسرائيل، وتعبير المزيد من الناس عن عدم رضاهم عن الحكومة اليمينية المتشددة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبعد أسابيع من انتشار صور الأطفال الملطخين بالدماء والعائلات الهاربة من القصف الهمجي في غزة، اختلف عدد كبير من الأمريكيين، بما في ذلك من الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه بايدن، مع دعمه للحملة العسكرية الإسرائيلية. إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة The Associated Press ومركز NORC لأبحاث الشؤون العامة في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني أنَّ 40% من الجمهور الأمريكي يعتقدون أنَّ عدوان إسرائيل على غزة قد ذهب إلى مستويات غير مسبوقة. كما هز العدوان الجامعات الأمريكية وأثار احتجاجات ضخمة على مستوى البلاد.
وحتى أواخر الأسبوع الماضي، وقَّع 650 موظفاً من خلفيات دينية متنوعة من أكثر من 30 وكالة فيدرالية على إحدى الرسائل المفتوحة التي تطالب بوقف الحرب، بحسب المنظمين وراء الرسالة. وتتنوع الوكالات الفيدرالية من المكتب التنفيذي للرئيس إلى مكتب الإحصاء وتشمل وزارة الخارجية والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الدفاع.
وقال أحد المُعيّنين السياسيين من بايدن، الذي ساعد في تنظيم الرسالة المفتوحة الموقعة من موظفي وكالات متعددة، لوكالة أسوشيتد برس إنَّ رفض الرئيس لنداءات دفع نتنياهو من أجل وقف طويل الأمد لإطلاق النار، جعل بعض الموظفين الفيدراليين يشعرون "بنوع من التجاهل". وأضاف: "لهذا السبب يستخدم الناس جميع أنواع برقيات المعارضة والرسائل المفتوحة. لأننا مررنا بالفعل عبر القنوات الداخلية بمحاولة فعل ذلك".
ماذا يريد المعترضون على سياسة بايدن؟
تدعو الرسالة الولايات المتحدة إلى الضغط من أجل وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن الذين تحتجزهم حماس، وكذلك الفلسطينيون القابعون ظلماً في السجون الإسرائيلية، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات أكبر بشكل عام لصالح المدنيين في غزة.
وتحدث جميع منظِّمي احتجاجات السلطة التنفيذية والكونغرس إلى وكالة The Associated Press، بشرط عدم الكشف عن هويتهم، مشيرين إلى الخوف من التداعيات المهنية وغيرها. ويبدو أنَّ الموظفين الفيدراليين الذين يعارضون السياسة الأمريكية يبحثون عن التوازن، ويثيرون اعتراضاتهم بطريقة لا تُفقِدهم أصواتهم ولا تخاطر بحياتهم المهنية.
وقال بعض المسؤولين والموظفين الحاليين والسابقين إنَّ الطبيعة العامة لبعض التحديات التي يواجهها الموظفون الفيدراليون هي أمر غير معتاد. وهو أمر يثير قلق البعض، باعتباره تهديداً محتملاً لوظيفة الإدارة الأمريكية وللتماسك داخل الوكالات الفيدرالية.
وتلتزم وزارة الخارجية بتقليد يتمثل في السماح بإصدار بيانات رسمية ومنظمة تعبر عن المعارضة لسياسة الولايات المتحدة، الذي يعود تاريخه إلى عام 1970، عندما قاوم الدبلوماسيون الأمريكيون مطالب الرئيس ريتشارد نيكسون بطرد مسؤولي الخدمة الخارجية وغيرهم من موظفي وزارة الخارجية الذين وقَّعوا على خطاب داخلي احتجاجاً على القصف الأمريكي الشامل لكمبوديا.
ومنذ ذلك الحين، استخدم موظفو الخدمة الخارجية وموظفو الخدمة المدنية ما يعرف بقناة المعارضة في لحظات النقاش السياسي المحتدم. ويشمل ذلك انتقادات لإدارة جورج دبليو بوش لغزو العراق عام 2003، وسياسات إدارة أوباما في سوريا، والقيود التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على الهجرة إلى الدول ذات الأغلبية المسلمة، وطريقة تعامل إدارة بايدن مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان عام 2021. لكن برقيات المعارضة المُوقَّعة سرية وليست للنشر العلني
على الجانب الآخر، قال توماس شانون، ضابط الخدمة الخارجية المتقاعد الذي خدم في مناصب عليا في وزارة الخارجية، إنَّ التنوع المتزايد في القوى العاملة في وزارة الخارجية يعد أمراً إيجابياً. لكن "في الخدمة الخارجية كما في الخدمة العسكرية، يعد الانضباط حقيقياً ومهماً"، مشيراً إلى الحاجة إلى سياسة خارجية متسقة ومتماسكة. وأضاف شانون: "أعتقد أنَّ ما أريد قوله هو أنني لست من محبي الرسائل المفتوحة".
كيف يمكن أن يؤثر ذلك على ما يحدث في غزة؟
ويقول مسؤولو وزارة الخارجية إنَّ العديد من التعبيرات المعارضة شقت طريقها عبر القنوات الرسمية إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن. وقد استقال أحد مسؤولي وزارة الخارجية، وهو جوش بول، بعد 11 عاماً من عمله بالوزارة، أواخر الشهر الماضي احتجاجاً على اندفاع الإدارة لتوفير الأسلحة لإسرائيل.
وتحدث بلينكن عن المعارضة الداخلية لتعامل الإدارة مع أزمة غزة في رسالة بريد إلكتروني على مستوى الإدارة إلى الموظفين يوم الإثنين الماضي 13 نوفمبر/تشرين الثاني. وكتب: "نحن نستمع: ما تشاركونه يُثري سياستنا ورسائلنا".
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إنَّ المعارضة موضع ترحيب. وأضاف: "إحدى نقاط القوة في هذا القسم هي أنَّ لدينا أشخاصاً لديهم آراء مختلفة".
وعلى عكس برقيات المعارضة، نُشِرت الرسالة المفتوحة الموقّعة من وكالات متعددة، ورسالة أخرى أيَّدها أكثر من 1000 موظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. لكن مع الاحتفاظ بهوية المُوقّعين مجهولة؛ إذ لم تُرفَق أسماؤهم معها.
وتدعو رسالة الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية التي يدعمها 1000 موظف، والتي سُلِّمَت إلى صحيفة The Washington Post ومجلة Foreign Policy وغيرهما، إلى وقف فوري لإطلاق النار. لكن أحد موظفي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية القدامى، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الأمر، إنَّ تسليم الرسالة إلى المؤسسات الإخبارية يبدو خارجاً عن تقليد الوكالة في التعامل مع الأمور داخلياً بطريقة استشارية. وأضاف أنَّ الرسالة أزعجت بعض موظفي الوكالة، ومنهم يهود، لأنها لم تتحدث عن القتلى الإسرائيليين.
وقال منظّمو الرسالة المفتوحة المتعددة الوكالات إنهم تصرفوا مدفوعين بشعورهم بالإحباط بعدما بدا أنَّ الجهود الأخرى لم يكن لها أي تأثير، وخاصة الاجتماع المتوتر بين مسؤولي البيت الأبيض والموظفين السياسيين المسلمين والعرب.
وقال موظف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إنَّ التزام الصمت أو الاستقالة سيُعَد تنصلاً من مسؤوليتهم تجاه الجمهور: "إذا غادرنا، فلن يحدث أي تغيير أبداً".