إن الحرب تقتل الأطفال حقيقة ومجازاً، فحينها لا يوجد أي فرصة للهروب من الصواريخ للعيون الكحيلة؛ لذلك لا أحد يحب الحرب، فالقذائف لا تفرق، إن كنتَ رضيعاً لا تعرف من العالم سوى صدر أمّك، أو طفلاً لا يتجاوز سقفُ أحلامه اللعب مع أقرانه بجوار شجر الزيتون، أو شابّاً يخطّط بشغف لمستقبله، أو عجوزاً لا يرجو إلا رحمة الله، أو طيراً أو حيواناً يبحث عن ملجأ، أو شجرة يستظلّ بها الكادحون الساعون خلف رزقهم، أو أرضاً تحتضن المارّة الباحثين عن أمل.
فالحرب لحظاتها ثقيلة كأنها قرون طويلة. الدقيقة الواحدة دهرٌ كامل. ينتظر فيها الإنسان ما يخبّئ له القدر، موتاً أو حياة. إن كان موتاً، فلا يعرف شكله ورغبته، هل سيخطفه وحيداً بسرعة، أم سيأخذ كل أفراد الأسرة دفعة واحدة؟ أم سيختار الأكبر سنّاً أم يترك الصغير أم العكس؟
كل هذا التساؤلات وربما أكثر يتساءلها الفلسطيني ونحن أيضاً مع كل قذيفةٍ وصاروخٍ تطلقه طائرات الاحتلال الإسرائيلي، لكن ربما يساورنا الشك أحياناً فنسأل: هل المقاومة من أشعلت كل ذلك الجحيم؟ بالطبع لا، وهذه ليست إجابتي أنا الجالس في مكتبي تحت المكيف أكتب هذه السطور، لكنها إجابة صديقي الفلسطيني، ذلك الشاب الذي قضى طفولته وسط 3 حروب مدمرة في غزة، عندما سألته: "ألم يحِطك الشك للحظات وتمنيت لو لم تكن المقاومة موجودة؟".
فأجابني: أنه برغم الرعب حولنا والألم داخلنا، كانت أرواحنا تُزهر عندما نسمع صوت رشقات صواريخ المقاومة، فكنت مع إخوتي نصرخ فرحاً ونقول: "هذه تبعتنا". بينما كانت تربط جدتي الكوفية على رأس أخي الأكبر، وترشة بالعطر، وهو يمسك البارودة ذاهباً للجبهة، وتقبله القُبلة التي لطالما اعتقدت أنها الأخيرة.
يكمل سليم سيجارته، ويكمل: في غزة نؤمن أنّ المقاومة هي سبيلنا الوحيد للحياة. حتى أطفالنا رغم عدم معرفتهم بعمرها يدركون أن العالم قد نسينا، فلماذا نلوم المقاومة؟! هل فتح لنا العالم الحدود معطياً لنا أبواباً لحياة أخرى ولم ندخلها؟ هل حاولت الأمم المتحدة تشتيت أطفالنا عن الكوارث اليومية والمستقبل البشع الذي ينتظرهم؟
بقية التقرير من هنا.