قبل اندلاع الحرب على غزة، كان مصنع "الجعة" الخاص بالإسرائيلي بجيريمي ويلفيلد، الكائن في منطقة "عيمق حيفر" شمال تل أبيب، ينتج 50 ألف لتر من الجعة شهرياً، في حين أن سلسلة مطاعمه البالغة 14 مطعماً حول البلاد، كانت تجذب آلاف الزبائن يومياً.
ولكن في الأسبوعين اللذين شهدا الصراع، توقفت أعمال ويلفيلد. لم ينتج مصنعه أي شيء كما يقول لصحيفة فايننشيال تايمز الأمريكية. وأغلق 12 مطعماً من مطاعمه أبوابه لعدم وجود زبائن. بل إن أحد هذين المطعمين لم يطرق أبوبه سوى 5 أشخاص فقط خلال ساعة الغداء يوم الخميس الماضي 19 أكتوبر/تشرين الأول، وذلك حسبما أوضح تقرير لصحيفة The Financial Times.
قال ويلفيلد: "في أي يوم اعتيادي، يأتي ما بين 50 و150 شخصاً. فهل تفتح مطعماً حتى [في ظل هذه الظروف]؟ لا أستطيع تحمل نفقاتي العامة. لا أعرف بأي طريقة بالضبط سيتطور هذا الوضع. قد يكون حقاً القشة التي قد تقصم ظهر الشركة".
كيف تضرب الحرب على غزة الاقتصاد الإسرائيلي في مقتل؟
بينما تترنح إسرائيل بسبب عملية طوفان الأقصى التي شنتها حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول، انهارت أعمال الشركات في شوارع شبه خالية.
في إسرائيل، ضربت الحرب دولة يزدهر اقتصادها برغم عقود من الصراع مع الفلسطينيين بسبب الدعم الأمريكي والغربي، في حين أن الضفة الغربية المحتلة وغزة المحاصرة طالما ابتُليت كلتاهما بالفقر والبطالة.
أجبرت الصدمة الأولى لعملية طوفان الأقصى الحانات والمطاعم والمتاجر والشركات في إسرائيل على إغلاق أبوابها، وأُلغيت مئات الرحلات الجوية. إذ إن حملة تعبئة قياسية لجنود الاحتياط -فقد استُدعي حوالي 360 ألف جندي احتياط- تركت الأعمال التجارية التي لا تزال مفتوحة تعاني من نقص الموظفين.
تسببت صواريخ المقاومة في غزة -والتوترات المتزايدة مع مسلحي حزب الله المدعومين من إيران في لبنان- في إخلاء مناطق كبيرة عند الحدود الشمالية والجنوبية للبلاد.
بورصة تل أبيب في أدنى مستوياتها وسعر الشيكل كذلك
هزَّت الحرب والتوترات الإقليمية الأسواق الإسرائيلية، فقد هبط المؤشر الرئيسي لبورصة تل أبيب، TA-35، بنسبة 9%، وتراجع سعر الشيكل أمام الدولار، في ظل توقع المستثمرين استمرار الصراع لأمد طويل يحمل معه تكاليف اقتصادية كبيرة. وارتفعت تكلفة التأمين على الديون السيادية الإسرائيلية.
قال جاي بيت أور، الخبير الاقتصادي الأول في الشركة الاستثمارية الإسرائيلية Psagot Investment House، إن التداعيات قد تكون أسوأ من المواجهة التي استمرت لمدة شهر بين إسرائيل وحزب الله في 2006 -التي تعد واحدة من أكبر الحروب الحديثة التي خاضتها إسرائيل- وقد ينكمش الناتج الاقتصادي بما يصل إلى ما بين 2 و3% بين الربعين الثالث والرابع من هذا العام.
وأوضح: "نحن في انتظار عملية طويلة، وسوف تحمل خسارة فادحة على الاقتصاد الإسرائيلي. الناس يلغون عطلاتهم وحفلاتهم وفعالياتهم. الناس يبقون في منازلهم. الأطفال في البيوت، والكثير من الأشخاص لا يمكنهم العمل". وقد لجأت المدارس في جميع أنحاء إسرائيل إلى التعليم عن بُعد.
قطاع الخدمات الإسرائيلي يعاني من الضغط الشديد
وفي قطاع الخدمات، تبدو الضغوط حادة. ففي أي أسبوع اعتيادي، تستكمل نينا مزراحي، سائقة سيارة أجرة من شمال إسرائيل، ما بين 20 و40 رحلة يومياً. في الأسبوع الماضي، بلغ متوسط الرحلات رحلةً واحدةً فقط. قالت نينا: "لا يوجد عمل.. لا أدري حقاً كيف ستستمر الشركات الصغيرة [في عملها]".
عانى قطاع السياحة أيضاً، في الوقت الذي يبدأ فيه موسم الذروة الاعتيادي بين أكتوبر/تشرين الأول وديسمبر/كانون الأول. قالت جانيت بيليج، رئيسة جمعية المرشدين السياحيين في إسرائيل، إن بعض الرحلات أُلغيت حتى مدة تصل إلى عامين، في خضم مخاوف من أي اجتياح انتقامي لغزة قد يتحول إلى حريق إقليمي.
في المناطق التي تقع جنوب إسرائيل في غلاف غزة، التي تحملت الوطأة الأكبر من عملية طوفان الأقصى، تبدو علامات المعاناة الاقتصادية جلية في كل مكان. ضمت مدينة سديروت قبل الحرب 30 شخصاً. لكنها صارت مدينة أشباح هذا الأسبوع، بعد إجلاء 90% من سكانها، وإغلاق متاجرها، وخلو شوارعها من السيارات.
ومع اتضاح مدى التأثير المحتمل للصراع، تزايدت مطالب تدخل الحكومة لتقديم المساعدة. أعلن وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، يوم الخميس 19 أكتوبر/تشرين الأول، عن خطة لمساعدة الشركات والأعمال التجارية التي تأثرت إيراداتها بشدة من أجل تغطية تكاليفها الثابتة، بالإضافة إلى تقديم مساعدات مالية إلى العمال غير القادرين على الحصول على عمل. تدخل البنك المركزي أيضاً، وأعلن في الأسبوع الماضي عن بيع احتياطي نقدي يصل إلى 30 مليار دولار لدعم الشيكل.
وقال سموتريتش إنه نتيجة لخطط المساعدة، قد يرتفع العجز الحكومي بنسبة 3.5% هذا العام، أي بأكثر من 1.1% من المستهدف. ويتوقع الخبراء ارتفاع العجز في العام القادم.
في تقرير آخر لموقع Calcalist الإسرائيلي، قالت شركة The Phoenix للتأمين إن خسائر الشركة في الأسبوعين الماضيين بلغت 70 مليون شيكل.
انعدام اليقين بشأن أمد الحرب
وقد أبلغت عديد من الشركات في الأسبوعين الماضيين بورصة تل أبيب عن الآثار المستقبلية للحرب على نتائجهم المالية، لكن هذه الشركات ذكرت أنها غير قادرة على التنبؤ بمدى التأثير. وكانت شركة The Phoenix أولى الشركات المسجلة في بورصة تل أبيب التي تتمكن من توضيح آثار الحرب بطريقة توضح بالأرقام كمية الخسائر المالية، لكنها لن تكون الأخيرة على ما يبدو. تنبع خلفية تقرير الشركة من الحقيقة التي تقول إنها كانت تخوض حملة استدانة بحوالي 350 مليون شيكل، في صورة توسيع سلسلة الشركة.
قررت الشركة بدء حملة لعرض خدماتها في الأيام القليلة الماضية من أجل الاستفادة من الفرص التي توفرها السوق نتيجة القتال. وأوضح تقرير الموقع أن تضرر العقارات لا يكبد الشركة، التي يديرها إيال بن سيمون، أي خسائر؛ لأن تلف هذه العقارات تتحملها الدولة عبر الضرائب التي تُدفع على العقارات. وحتى في بند التأمين على الحياة، يشير تقرير شركة Phoenix إلى أنه برغم العدد الكبير في خسائر الأرواح، فإن تأمينات الأفراد تغطيها شركات التأمين الفرعية الكثيرة للغاية.
لكن الخسائر المقدرة بـ 70 مليون شيكل نتيجة القتال، تنبع من تكبد شركة Phoenix للخسائر بسبب التراجعات التي تشهدها الأسواق؛ أي إن هذا التراجع يتعلق بقيمة الأصول التي تملكها الشركة.
قالت الشركة في بيانها لبورصة تل أبيب: "ففي هذه المرحلة، ثمة انعدام يقين كبير حول ما ستؤول إليه الأمور في الحرب، ونطاقها ومدتها. ولذلك لا يمكن في هذه المرحلة تقييم المدى الكامل لتأثيرها على المجتمع، ونتائجها في المدى القريب والمتوسط".