وقع القادة العسكريون لكل من مالي وبوركينا فاسو والنيجر في سبتمبر/أيلول الماضي، اتفاقية دفاع مشترك (اتفاق الساحل الدفاعي)، نصت على أن "أي اعتداء على سيادة وسلامة أراضي طرف أو أكثر من الأطراف المتعاقدة يعتبر عدواناً على الأطراف الأخرى ويستلزم واجب المساعدة، بما في ذلك استخدام القوة المسلحة لاستعادة الأمن وضمانه". بالإضافة لذلك؛ تلزم الاتفاقية الدول الثلاث بالعمل على منع أو تسوية التمردات المسلحة.
ومع ذلك، لم يتم بعد إنشاء الهيئات والآليات المختلفة للتحالف، ولكنه يتوقع أن يكون له تأثير على الوضع السياسي في المنطقة وكذلك على النفوذ الغربي ولاسيما الفرنسي.
ما الهدف من اتفاق الساحل الدفاعي؟
وقال وزير الدفاع المالي عبد الله ديوب إن هذا التحالف سيكون مزيجاً من الجهود العسكرية والاقتصادية بين الدول الثلاث، كما ستكون أولويته هي مكافحة الإرهاب في الدول المتحالفة.
وتم إنشاء التحالف للمساعدة في مواجهة التهديدات المحتملة للتمرد المسلح أو العدوان الخارجي. وفقاً للدول الأعضاء، حسبما ورد في تقرير لموقع the conversation الأمريكي.
وقال القائد العسكري المالي عاصمي غويتا في مؤتمره العاشر: "لقد وقعت مع رئيسي دولتي بوركينا فاسو والنيجر على ميثاق ليبتاكو-غورما لإنشاء تحالف دول الساحل، بهدف إنشاء إطار للدفاع الجماعي والمساعدة المتبادلة".
وشهدت منطقة ليبتاكو-غورما – حيث تلتقي حدود مالي وبوركينا فاسو والنيجر – تمرداً مسلحاً في السنوات الأخيرة، وبدأ التمرد المسلح الجهادي في منطقة الساحل في شمال مالي عام 2012 وانتقل إلى النيجر وبوركينا فاسو في عام 2015.
الاتفاق جاء في مواجهة تهديدات الإيكواس بالتدخل في النيجر
وقد شهدت الدول الثلاث انقلابات منذ عام 2020، كان آخرها في النيجر، حيث أطاح جنود في يوليو/تموز بالرئيس محمد بازوم، الذي تعاون مع الغرب في القتال ضد الجماعات المسلحة المتمركزة في الساحل، وأدت هذه الانقلابات إلى تدهور علاقات الدول الثلاث مع بقية دول الإيكواس والدول الغربية.
وهددت المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بالتدخل عسكرياً في النيجر رداً على الانقلاب، لكن الكتلة الإقليمية خففت من لهجتها الحربية في الأسابيع الأخيرة.
وسرعان ما ردت مالي وبوركينا فاسو بالقول إن أي عملية من هذا القبيل ستعتبر "إعلان حرب" ضدهما.
ويعتقد أن التدخل العسكري المقترح من الإيكواس مدعوم بشكل كبير من قبل فرنسا.
ويعتقد أن إنشاء تحالف اتفاق الساحل الدفاعي، يأتي رداً على تهديدات الإيكواس بالتدخل عسكرياً في النيجر للمساعدة في استعادة النظام الدستوري في أعقاب الانقلاب الذي قاده الجنرال عبد الرحمن تشياني.
وكانت الدول الثلاث قد استضافت من قبل قوات من القوة الاستعمارية السابقة، فرنسا، على أراضيها، ولكن باريس اضطرت إلى سحب قواتها من مالي وبوركينا فاسو، وهي الآن في مواجهة متوترة مع الجيش الذي استولى على السلطة في النيجر. كما طلبت مالي من بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مينوسما) مغادرة البلاد.
وقد طلب الحكام العسكريون في النيجر من فرنسا سحب قواتها وسفيرها، حيث رفضت فرنسا الاعتراف بالسلطة العسكرية الجديدة.
وفي الوقت نفسه، شهدت مالي استئناف الأعمال العدائية من قبل الجماعات المسلحة الطوارق في الغالب خلال الأسبوع الماضي، مما يهدد اتفاق السلام لعام 2015.
الدول الثلاث مستاءة من الطريقة السابقة لمحاربة الإرهاب
لأكثر من عقد من الزمن، قادت فرنسا مكافحة انعدام الأمن في منطقة الساحل، باعتبارها منسقة للتدخلات المحلية والدولية. تغير هذا مع انسحاب الجيش الفرنسي من مالي من عملية برخان في عام 2022 وخروج عملية سيبر الفرنسية من بوركينا فاسو في عام 2023.
ويعكس الميثاق الجديد الرغبة في الانفصال عن الطريقة التي تتم بها مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة. على سبيل المثال، ساهم عدم فاعلية القوة المشتركة لمجموعة الساحل الخمس وعملية برخان الفرنسية في قرار مالي بالبحث عن شركاء آخرين مثل روسيا.
ويهدف التحالف الثلاثي المسمى اتفاق الساحل الدفاعي إلى بناء جبهة موحدة ضد بعض دول المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) المدعومين فرنسياً، والتي هددت عقب الانقلاب العسكري في النيجر بالتدخل العسكري لاستعادة الحكم الدستوري وإعادة الرئيس محمد بازوم للحكم. وقتها تعهدت مالي وبوركينا فاسو بتقديم المساعدة للنيجر إذا تعرضت لهجوم.
كما يهدف اتفاق الساحل الدفاعي جزئياً للتنسيق بين الدول الثلاث في مواجهة من عقوبات الإيكواس السياسية والاقتصادية، من خلال إقامة علاقة ودية مع المجلس العسكري في غينيا، التي ستوفر لهم الوصول إلى الموانئ، مما يحد من تأثير جهود فرض العزلة الإقليمية والدولية من قبل أطراف غربية، وهو ما سينعكس سلباً على النفوذ السياسي للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا.
وهناك مخاوف من انقلابات مضادة
والأهم من ذلك أن الدول الثلاث سجلت خلال الشهرين الماضيين مؤشرات تشير إلى أن حكوماتها العسكرية ما زالت مهددة وغير مستقرة، حسبما ورد في تقرير لموقع "أسباب".
ففي بوركينا فاسو أحبط المجلس العسكري محاولتي انقلاب خلال شهر سبتمبر/أيلول، بالإضافة إلى تزايد الهجمات المسلحة وآخرها الاستيلاء على قاعدتين عسكريتين في المنطقة الشرقية في أواخر أغسطس/آب.
وفي شمالي مالي، تجددت بعنف هجمات جماعات من الطوارق، هذا بخلاف هجمات داعش المستمرة. تزامن ذلك مع بدء بعثة الأمم المتحدة في 1 سبتمبر/أيلول المرحلة الثانية من الانسحاب النهائي. وفي النيجر ألغى المجلس العسكري الحاكم في 12 سبتمبر/أيلول اتفاقية التعاون العسكري مع بنين، بعد اتهامها باستضافة قوات وإمدادات عسكرية للإيكواس للتدخل العسكري في نيامي. كما أعلنت باريس في 24 سبتمبر/أيلول إنهاء التعاون العسكري مع النيجر ورحيل الجنود الفرنسيين بحلول نهاية العام.
في ظل هذه المعطيات، وقعت الاتفاقية لتشكيل بنية تحتية دفاعية مشتركة مستقلة عن فرنسا، بعدما كانت الدول الثلاث أعضاء في القوة المشتركة لتحالف مجموعة الساحل الخمس المدعومة من فرنسا مع تشاد وموريتانيا، والتي تم إطلاقها عام 2017 للتصدي للجماعات المسلحة في المنطقة. كما أن الاتفاقية ترفع تكلفة أي محاولة من قبل الإيكواس أو غيرها لتهديد الأنظمة العسكرية أو تغييرها بالقوة.
المشكلة أن القدرات العسكرية للدول الثلاث ضعيفة
لكن على الجانب الآخر، فإن القدرات العسكرية للدول الثلاثة تظل ضعيفة ومحدودة؛ فمجموع القوات العسكرية للدول الثلاث يبلغ 40 ألف مقاتل، مع عتاد عسكري محدود جداً، بالإضافة إلى القدرات الأمنية المحدودة.
وتعاني قوات الدول الثلاث المسلحة أيضاً من نقاط ضعف كبيرة في القدرات. وأهمها النقص في الأصول الجوية.
ويقول تقرير موقع the conversation إن أفراد الجيش الذين تحدثنا إليهم خلال المقابلات التي أجريناها في منطقة الساحل مقتنعون بأن قوات الدفاع والأمن لديهم يمكنها محاربة الإرهاب بفاعلية إذا كانت لديها قدرات جوية كبيرة.
لذلك؛ فإن التنسيق ضد الإرهاب والجريمة المنظمة لن يتقدم كثيراً بل سيظل على الأرجح محدوداً، ولن نشهد معالجة قريبة للتهديدات الأمنية، بسبب ضعف وجود الدولة في المناطق الحدودية التي يسهل اختراقها للدول الثلاث. وحتى عمليات النشر الصغيرة لأي من القوات في الخارج ستشكل ضغطاً على قدرات جيوش مثل جيش بوركينا فاسو، والتي تتسبب في انشقاق داخل صفوفها؛ مما سيجعل القدرة على تبادل الالتزامات الدفاعية غير ممكنة.
وليس من المؤكد أيضاً أن الاتفاق سيساهم في ترسيخ الأنظمة العسكرية الراهنة في هذه الدول؛ إذ ما زالت الأوضاع الداخلية غير مستقرة وقابلة لإعادة إنتاج انقلابات داخلية، خاصة أن هؤلاء القادة أنفسهم قادوا انقلابات على حكومات مدعومة من الخارج خاصة فرنسا.
سيحتاج التحالف لتمويل خارجي، وأمريكا ما زالت لديها صلات قوية مع النيجر
وستظل القوى الثلاث في حاجة إلى تمويل خارجي كبير، وشراكات أمنية متنوعة. وليس من الواضح بعد إن كان هذا التحالف سيتبنى أجندة دولية مشتركة، أم سيكتفي بشراكة فضفاضة بين دوله الثلاث، في ظل أن النيجر ما زالت محتفظة بشراكتها الأمنية مع الولايات المتحدة، ولا تبدي الأخيرة نية للتخلي عن هذه الشراكة، بينما تطور بوركينا فاسو من شراكتها الأمنية مع روسيا بصورة متسارعة، وهي نفس الوجهة التي تميل إليها مالي وإن كان بصورة أقل. وفي نفس الوقت، فإن تركيا تطور بهدوء علاقاتها بالدول الثلاث، وربما تكون من الأطراف القليلة التي يمكنها العمل مع هذا التحالف.
المؤكد أن منطقة الساحل تتعرض إلى تغييرات جذرية وسريعة في البنى الأمنية والعسكرية، في حين تستمر عمليات التمرد وانعدام الأمن في اكتساب المزيد من الأرض، وهو ما يشير إلى أن أي تغيير في أحد الأنظمة الثلاث التي تتعرض لانقلابات بشكل متكرر سيؤثر على ديمومة التحالف نفسه.
في الأغلب فإن اتفاق الساحل الدفاعي قد يضعف قدرة الإيكواس على التدخل عسكرياً في النيجر كما هددت، ولكنه على الأرجح لن يكون قادراً على تغيير المعادلة كثيراً فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب.