يعتمد ما يقرب من ثلثي سكان مصر البالغ عددهم 106 ملايين نسمة على الخبز المدعم. وجزئياً نتيجة لذلك، فإنهم يستهلكون حوالي ثلاثة أضعاف المتوسط العالمي للفرد من الخبز. ولكن مع نمو السكان وتغير المناخ الذي يجعل زراعة القمح في مصر أصعب، فإن تصميم الحكومة على تزويد شعبها بالخبز الرخيص عبر منظومة دعم الخبز يبدو أقل استدامة من أي وقت مضى.
دعم الخبز باهظ الثمن بالفعل، وقد بلغت تكلفة هذا الدعم 2.9 مليار دولار في السنة المالية الماضية، أي 2.6% من الميزانية. فقط نصف الحبوب التي تستخدمها مصر تُزرَع محلياً، وهي من بين أكبر مستوردي القمح في العالم. وهذا يجعلها رهينة لتقلبات الأسعار العالمية. وتسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في ارتفاع الأسعار العام الماضي، رغم انخفاض الأسعار منذ ذلك الحين، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Economist البريطانية.
يُباع رغيف الخبز المدعم في مصر بخمسة قروش، وتُخصص البلاد خمسة أرغفة لكل فرد مؤهل للحصول على التموين، وتستخدم أموال الخزانة العامة لتعويض أصحاب المخابز عن خسائرهم.
الأرض التي يزرع عليها القمح تتآكل والتغيرات المناخية تجعلها أكثر ملوحة
في الوقت نفسه، يؤدي التوسع الحضري إلى تآكل الأراضي الزراعية النادرة في مصر. وتشكل الأراضي الصالحة للزراعة -معظمها في شريط خصب على طول نهر النيل- 4% فقط من مساحة البلاد. وقد التهم الزحف العمراني عُشر الأراضي الزراعية المحيطة بالإسكندرية، ثاني أكبر مدينة في مصر، بين عامي 1987 و2015.
من المتوقع أن تنخفض إنتاجية محاصيل القمح المحلية بنسبة 10-20% بحلول عام 2060، حيث يحد تغير المناخ من قدرة البلاد على زراعة غذائها. وسوف يؤدي ارتفاع منسوب مياه البحر إلى إتلاف المحاصيل من خلال جعل تربة دلتا النيل أكثر ملوحة.
فضلاً عن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض هطول الأمطار وتدهور المحاصيل. ويتجاوز الاستخدام السنوي للمياه في البلاد بالفعل إمداداتها المتجددة بأكثر من الربع. وهي تعوض النقص جزئياً عن طريق استنزاف طبقات المياه الجوفية، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض جودة التربة.
واستمرار فيضان النيل بمعدلاته الحالية معرض للخطر بسبب السد الإثيوبي
وفي الشهر الماضي، انتهت إثيوبيا من بناء سد عند المنبع يمكن لخزانه نظرياً أن يحجز 88% من التدفق السنوي للنهر، ما يسمح لها بالتحكم في كمية المياه التي تتدفق إلى مصر في اتجاه مجرى النهر.
ومن المتوقع أن يصل عدد سكان مصر إلى 160 مليون نسمة بحلول عام 2050.
ويعتقد البنك الدولي أن زراعة 5 ملايين طن أخرى من القمح بالإضافة إلى 20 مليون طن تستهلكها البلاد الآن كل عام، ستتطلب 5.5 مليار متر مكعب إضافية من المياه، أي ما يعادل 10% من التدفق السنوي لنهر النيل.
ويعني دعم القمح أن لدى المزارعين حافزاً لزراعته دون مراعاة ندرة المياه.
وتقول الحكومة إنها ستنفق 246 مليار دولار على تدابير التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه بحلول عام 2030. ويمثل ذلك ما يقرب من 10% من الناتج المحلي الإجمالي الحالي سنوياً، وهو مبلغٌ ضخم بالنسبة لبلدٍ يعاني من أزمة اقتصادية. وإذا كانت مصر، التي هي على وشك عدم القدرة على سداد ديونها، تريد حتى البدء في خططها الكبرى، فقد تضطر إلى إعادة التفكير في دعم الخبز الباهظ الثمن.
ويقول باعة الخبز إن المخابز تتكلف أسعاراً مرتفعة، لكن الحكومة لا تسمح لها بتمرير تلك الأسعار إلى العملاء بالكامل للحفاظ على دعم الخبز. حيث تدفع المخابز المزيد من أجل الحصول على الدقيق والسكر، ما يدفعها لتقليل الإنتاج ويتسبب في أزمات نقصٍ متقطعة.
استبدال دعم الخبز بالتحويلات النقدية للمواطنين خيار أكثر رشداً ولكنه له مخاطر سياسية
إن الاستعاضة عن دعم الخبز بالتحويلات النقدية للمواطنين -التي ستكون أرخص وتقلل من الحوافز لزراعة القمح- ستكون منطقيةً من الناحية الاقتصادية، ولكنها محفوفة بالمخاطر من الناحية السياسية. أدت محاولات إصلاح نظام الدعم إلى احتجاجات غاضبة في السبعينيات. وبالنظر إلى أن التضخم السنوي لأسعار الغذاء بلغ 72% في أغسطس/آب، فليس من الواضح ما الذي سيأكله المصريون بدلاً من الخبز اليومي الذي تدعمه الحكومة.
ويُعَدُّ الخبز، أو العيش كما يُسميه المصريون، أحد أجزاء العقد الاجتماعي في مصر، حيث يتعين على الحكومة توفير الغذاء، والوقود، والكهرباء بأسعارٍ معقولة. ويأكل المصريون خبزاً أكثر من أي شعبٍ آخر في العالم بمقدار نحو 150 كغم للفرد سنوياً في المتوسط، أي ثلاثة أضعاف الرقم العالمي تقريباً.
خلال السنوات الماضية، نفذت مصر سلسلة غير مسبوقة من عمليات رفع الدعم عن المحروقات والكهرباء، ولكنها لم تمس على الإطلاق سعر الخبز البالغ خمسة قروش وهو السعر الثابت منه عام 1988 أي منذ نحو 35 عاماً.
في مؤشر على أنه حتى الرئيس السيسي الذي يؤكد أنه قادر على اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة، ولكنها يراها ضرورية ينظر مثل حكومات السابقة بقلق إلى فكرة رفع أسعار الخبز، ويخشى أن تكون خطاً أحمر للشعب، رغم أن آخر مرة خرج فيها المصريون في احتجاجات واسعة ضد رفع الأسعار كان عام 1977.