لا يزال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعِد بإطلاق العنان للغضب ضد المقاومة الفلسطينية وحركة حماس، بعد الهجوم المباغت الذي نفّذته المقاومة، صباح يوم السبت 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. وقال نتنياهو إنه استدعى 300 ألف جندي احتياط، ولمَّح إلى توغّل بري وشيك في قطاع غزة.
وبينما يتعرض لقصف جنوني تنفيذاً لسياسة الأرض المحروقة، احتشدت قوات الاحتلال وعشرات الدبابات على الحدود مع غزة استعداداً للهجوم. حيث سوف تتلخص مهمتهم الظاهرية، انطلاقاً من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، في "القضاء على حركة حماس، وإنهاء التهديد الذي تشكّله على إسرائيل بشكل نهائي". لكن هل تستطيع إسرائيل فعل ذلك؟
لماذا لا يمكن لإسرائيل "تدمير حماس"؟
تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية إنه بعيداً عن تصريحات نتنياهو "النارية"، فمن الناحية العملية يعد هذا الأمر أقل وضوحاً. وتتساءل المجلة: هل إسرائيل في وضع يسمح لها بالقضاء على حماس؟ أم أن حماس أصبحت حتماً عنصراً ثابتاً في السياسة الفلسطينية، ما دام لا يوجد حل دائم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟
رغم أن نتنياهو قد لا يعترف بذلك، فمن المرجح أنه يدرك أن حماس لديها شريان حياة يتمثل في عدد كبير من الرهائن الإسرائيليين لديها. وما دام هؤلاء الإسرائيليون في أيدي حماس، فسوف يتعرض نتنياهو لضغوط للتفاوض في نهاية المطاف على إطلاق سراحهم. في عام 2011، أطلقت الحكومة الإسرائيلية سراح أكثر من ألف سجين فلسطيني مقابل إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، الذي أسره مسلحون فلسطينيون دخلوا إسرائيل عبر نفق.
وفي مقابلة مع قناة الجزيرة، قال أحد كبار قادة حماس إن الحركة أسرت عدداً كافياً من الإسرائيليين للمطالبة بالإفراج عن جميع الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية. وقال صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس: "ما في أيدينا هو إطلاق سراح جميع أسرانا". وذكرت قناة الجزيرة أن هناك أكثر من 5 آلاف أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، ويشمل ذلك 33 امرأة و170 طفلاً، وفقاً لمنظمة الضمير الفلسطينية، يضاف لهم نحو 1600 معتقل بشكل "إداري".
ووفقاً لتقرير نشرته لأول مرة وكالة الأنباء الصينية Xinhua، فإن قطر تتوسط في اتفاق بين إسرائيل وحماس لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليات مقابل الأسيرات الفلسطينيات. وقال مصدر مجهول لوكالة الأنباء الصينية إن قطر تسعى إلى التوصل إلى اتفاق عاجل.
لكن حتى الآن لا توجد كلمة رسمية بشأن أية صفقة من هذا القبيل. ويمارس الإسرائيليون الضغوط على قيادة حماس من خلال منع إمدادات الغذاء والوقود والطاقة إلى غزة، لأجل الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
ما الذي قد يمنع إسرائيل من القيام باجتياح بري لغزة؟
تقول فورين بويليسي إن إنقاذ الأسرى الإسرائيليين يمثل أولويةً بالنسبة لإسرائيل، ولكن هذا ليس سوى واحد من الأسباب العديدة التي تمنع إسرائيل من القيام بتوغل بري نهائي، والذي فكرت فيه منذ فترة طويلة وقررت عدم القيام به.
لقد اعتقدت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لفترة طويلة أن "استئصال حماس" سوف يتطلب ما هو أكثر من مجرد عملية عسكرية قصيرة الأمد لمرة واحدة، علاوة على أن شن حملة أوسع نطاقاً يشكل مجموعة من التحديات للسلطات الإسرائيلية. ولم يكن من قبيل الصدفة أن تقرر إسرائيل من جانب واحد إخلاء القطاع في عام 2005، بعد عقود من احتلالها له في عام 1967.
ومع ذلك، فإن الضغوط مرتفعة في إسرائيل، ليس فقط من أجل الانتقام من حماس، بل أيضاً من أجل تحقيق انتصار استراتيجي مهم بعد الفشل العسكري والاستخباراتي الذريع أمام حماس.
وقال العقيد المتقاعد إيران ليرمان، النائب السابق لمستشار الأمن القومي الإسرائيلي: "لا يمكننا أن نعيش في ظل هذا التهديد المدمر". قبل عامين، في صراع سابق بين الجيش الإسرائيلي وحماس، دعا ليبرمان إلى رد فعل أكثر حذراً. وقال حينها: "يجب تدمير قدرات حماس، ولكن ليس إلى الصفر، هذه كانت فكرتنا. إيران وحزب الله هما التهديد الأكبر، ويجب أن نواصل التركيز عليهما"، حسب تعبيره.
لكن مع ذلك، فإن أي توغل بري يسعى إلى إضعاف حماس بشكل دائم، لا يتطلب الدخول فحسب، بل البقاء في الخلف وإعادة احتلال القطاع. وبالتالي فإن إسرائيل تواجه معضلة كبيرة. ومن دون وجود قوات على الأرض، لا يمكن إيقاف حماس، لكن الوجود على الأرض لا يعني فقط إنفاق مبالغ ضخمة من المال -مليارات الدولارات- لتحمل المسؤولية عن الفلسطينيين في مرحلة ما بعد الصراع، بل يعني أيضاً خسارة الكثير من الأرواح على كلا الجانبين، وخصيصاً الإسرائيليين.
تكلفة باهظة ستتكبدها إسرائيل
وكما كان الحال في الماضي، تستطيع إسرائيل أن تقصف المباني والبنية التحتية الأخرى في غزة. لكن الأحداث التي وقعت هذا الأسبوع هي دليل على أن هذه التدابير لم تكن كافية لردع حماس عن الهجوم على إسرائيل. ومن أجل العثور على القدرات العسكرية وتدميرها وتدمير قيادة حماس، سيحتاج الجيش الإسرائيلي إلى الدخول إلى داخل غزة -بدعم من الاستخبارات والقوة الجوية- وتمشيط كل حي وكل منزل في القطاع، وربما يكون هذا مستحيلاً؛ لأن التكلفة ستكون باهظة جداً.
فضلاً عن ذلك فإن بعض التعاطف الذي اكتسبته إسرائيل هذا الأسبوع في الغرب، رغم النظر إليها في كثير من الأحيان هناك باعتبارها دولة معتدية في الصراع، عازفة عن تقديم التنازلات وإحلال السلام، قد ينضب قريباً إذا لم يجد سكان غزة المدنيون مكاناً يذهبون إليه، أو قُتلوا بأعداد كبيرة في القصف الإسرائيلي، كما تقول المجلة الأمريكية.
ومن الممكن أن يؤدي الصراع المسلح داخل الأراضي الفلسطينية، الذي يهدد حياة سكانها البالغ عددهم مليونيْ نسمة، إلى صراع أوسع مع إيران أو حزب الله، الذي استجاب بالفعل لدعوة حماس، وشنّ بعض الهجمات على إسرائيل هذا الأسبوع. بل وربما يؤدي ذلك إلى تأجيج المشاعر في الشارع العربي النائم، ما يجبر أصدقاء إسرائيل الجدد في العالم الإسلامي على الوقوف إلى جانب إخوانهم المسلمين ضد إسرائيل.
خرجت بالفعل مظاهرات في الأردن والبحرين والمغرب وتركيا واليمن وتونس والكويت ولبنان وغيرها. كما قُتِلَ سائحان إسرائيليان في مصر. وقال عبد المجيد عبد الله حسن، الذي انضم إلى مسيرة ضمَّت مئات الأشخاص في البحرين، لصحيفة New York Times الأمريكية: "هذه هي المرة الأولى التي نفرح فيها بهذه الطريقة لإخواننا الفلسطينيين". وقال إنه في سياق الاحتلال والحصار الإسرائيلي، فإن عملية حماس "أثلجت قلوبنا"، واصفاً مشاركة حكومته في اتفاقيات أبراهام بأنها "مخزية".
حماس أثبتت أنها قادرة على التكيُّف مع جميع الظروف، وهذا أهم ما تملكه
في النهاية، لقد أثبتت حماس مراراً، وبعد شن حروب مدمّرة عليها، أنها قادرة على التكيف والعمل بأصعب الظروف. مثلاً، تستطيع بناء الصواريخ في ورش العمل المحلية باستخدام المنتجات المستخدمة يومياً أو حتى المعاد تدويرها. على سبيل المثال، تقوم بتجميع صواريخ القسام بأنابيب معدنية صناعية ووقود محلي الصنع من سماد نترات البوتاسيوم والمتفجرات التجارية.
في عام 2021، قال مايكل أرمسترونج، الأستاذ المشارك لأبحاث العمليات في جامعة بروك في كندا، والذي كتب عن الأداء التشغيلي للأسلحة التي تصنعها حماس، إنه "ما لم يرغب الإسرائيليون في البقاء في غزة واحتلالها، لن يُتَمكن حقاً من رؤية الطريقة التي يمكن بها نزع سلاح حماس".
علاوة على ذلك، فإن استهداف أعضاء حماس داخل غزة، حيث قد يدعم الكثير من الناس الجماعة، خاصة في مثل هذا الوقت، يتطلب معلومات استخباراتية دقيقة للغاية، ربما ليست متاحةً بسهولة كما يعتقد الموساد بعد تدمير حماس قيادة الفرقة الجنوبية ومصادرها والاستيلاء عليها.