تُظهر مؤشرات عديدة أن الاحتلال الإسرائيلي يعد العدة لتنفيذ توغل بري في قطاع غزة، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي أعلنت عنها حركة حماس مطلع الأسبوع الجاري، والتي استطاعت خلالها فصائل المقاومة الدخول لمستوطنات إسرائيلية بغلاف غزة ومباغتة الجيش الإسرائيلي وقتل وأسر وإصابة المئات من الجنود.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت، إن الجيش سينفذ هجوماً برياً. يأتي هذا فيما ارتفعت حصيلة القتلى الإسرائيليين إلى 1200 شخص، حتى صباح الأربعاء 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وأثار هجوم فصائل المقاومة صدمة في إسرائيل، وفتح الباب أمام انتقادات وضغوط عدة تتعرض لها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لا سيما مع توجيه اتهامات للجيش والاستخبارات بالفشل في توقع هجوم المقاومة.
كيف يمكن أن يكون شكل العملية البرية المحتملة في غزة؟
بشكل عام، يميل القتال بين الجيش الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية إلى اتباع نمط مماثل لحروب سابقة، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية، حيث يسبق شن عمليات توغل برية على مستويات مختلفة عادة وابل كثيف من القصف، يستهدف المناطق والمواقع التي سيستخدمها الإسرائيليون للاقتراب والدخول.
واستخدمت إسرائيل بكثافة القوة الجوية والقصف بالمدفعية البرية والزوارق الحربية البحرية في المرحلة الأولى من الحملات لاستهداف ما تقول إنها البنية التحتية العسكرية لـ"حماس"، بما في ذلك المباني الحكومية ومراكز الشرطة والمنشآت الساحلية ومنشآت التدريب ومنازل كبار المسؤولين، لكن ما يجري على الأرض يترجم حرفياً سياسة الأرض المحروقة في غزة.
لكن رغم ما تتمتع به "إسرائيل" من ميزات، من حيث حجم قواتها العسكرية والتكنولوجيا وأنظمة الأسلحة والخدمات اللوجستية، تكيفت حركة حماس بدرجة كبيرة على مر السنوات للاستفادة من البيئة الحضرية الكثيفة في غزة، ونجحت بدحر أي هجوم بري إسرائيلي.
كيف ستؤثر جغرافيا غزة وتمرّس مقاتلي المقاومة على شكل الاجتياح المحتمل؟
تفرض الطبيعة الجغرافية لقطاع غزة قيوداً على العمليات الإسرائيلية واحتمالات التعرض لخسائر فادحة، ستزيد حجم الفشل الذي مُنيت به إسرائيل في غلاف غزة؛ ولهذا السبب تميل قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى استخدام نفس طرق الاقتراب التي جربتها واستخدمتها في السابق.
حيث توجد مناطق ريفية من الأراضي الزراعية بجوار معبر إيريز في أقصى شمال غزة، وحول البريج جنوب مدينة غزة، وهناك يوجد خط من التلال يطل على وسط غزة، وإلى الشرق من خان يونس في الجنوب، حيث يمكن للدبابات والمدرعات التحرك واتخاذ مواقع إطلاق النار. كما توجد نقطة وصول أخرى حول محور صلاح الدين (أو محور فيلادلفيا) بالقرب من رفح في أقصى الجنوب.
واستخدمت إسرائيل في الماضي المواقع المطلة على وسط غزة؛ لمحاولة قطع الاتصالات بين مدينة غزة والجنوب وأماكن أخرى لتقسيم المنطقة.
لكن تدرك حركة حماس والفصائل الأخرى في غزة جيداً أنَّ القوات الإسرائيلية يمكنها استخدام هذه الطرق، وستكون خطوط دفاعها الأولى في كثير من الأحيان في هذه المناطق، التي كانت مسرحاً لقتال عنيف في الماضي، وسيكون هناك الكثير من الفخاخ والكمائن التي تنتظر الجيش الإسرائيلي.
ومع تحول الريف الرملي إلى مناطق حضرية، تزداد التضاريس صعوبة بالنسبة لإسرائيل. وتطل المباني السكنية الشاهقة في أماكن مثل جباليا وبيت لاهيا على المداخل الشمالية نحو مدينة غزة، بينما يحد الطريق الرئيسي بين الشمال والجنوب المناطق الصناعية التي استخدمتها حماس دفاعياً في الماضي.
هل سيزحف الإسرائيليون إلى المدن الأساسية في قطاع غزة؟
تعرضت القوات الإسرائيلية لهجمات عنيفة أثناء محاولتها التقدم إلى المراكز الحضرية الكبرى في السابق. وتمتلك حماس والفصائل الأخرى ألغاماً مضادة للدبابات وصواريخ موجهة مضادة للدبابات، وقد استخدمتها بفعالية مع إطلاق قذائف الهاون، ولا شك أنها تجهز نفسها لمثل هذا اليوم.
وفي إحدى ليالي القتال في منطقة الشجاعية المبنية خلال حرب عام 2014، فقدت إسرائيل 13 جندياً في كمين مُحكم شمل لغماً مضاداً للدبابات ونيران مدافع رشاشة، باعتراف الجيش الإسرائيلي.
وفي حين يقول الجيش الإسرائيلي إنه يتمتع بخبرة القتال بالمدرعات في المدن الفلسطينية، وليس أقلها في الضفة الغربية خلال الانتفاضة الثانية، يُعتقَد أنَّ حماس تمتلك الآن مخزوناً كبيراً من صواريخ كورنيت المضادة للدبابات التي استُخدِمَت بفعالية، بما في ذلك من جماعة حزب الله، في لبنان ضد الدبابات القتالية الرئيسية الإسرائيلية.
إضافة إلى ذلك، طورت "حماس" طائرات من دون طيار مجهّزة بالذخيرة من النوع المستخدَم على نطاق واسع في أوكرانيا، والتي يمكنها إسقاط قنابل على المركبات والقوات، وهو تهديد جديد لإسرائيل.
كيف سترد حماس، وما التكتيكات الأخرى التي تمتلكها؟
تتمتع حماس بسنوات من الخبرة والتمرّس في محاربة الجيش الإسرائيلي، وقد صارت قوة فعالة وقابلة للتكيف مع جميع الظروف. ولديها نواة من القادة القتاليين ذوي الخبرة الذين لديهم معرفة وثيقة بالطريقة الإسرائيلية في القتال، وبعضهم من الناطقين بالعبرية، الذين درسوا الجيش الإسرائيلي بعمق.
وتكمن إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه إسرائيل في أية محاولة لشن هجوم بري، في أنها ستضطر إلى مواجهة مواقع حماس المُجهزَة، بما في ذلك الأنفاق القتالية التي طورتها على نطاق واسع على مر السنين، التي في بعض الحالات تكون مجهزة بأنظمة اتصالات.
وفي حين كانت شبكات أنفاق حماس بدائية ذات يوم، صار مهندسوها الآن يتمتعون بخبرة كبيرة في بناء مواقع مُحصَّنة ومخفية جيداً تحت الأرض لاستخدامها مراكز قيادة ونشر المقاتلين منها.
وبينما كانت إسرائيل تتمتع ذات يوم بميزة مراقبة واضحة على غزة، فإنَّ الطائرات المدنية من دون طيار الرخيصة والمتاحة بسهولة التي تمتلكها حماس، جعلت الكفتين تتعادلان؛ مما سمح لها بمراقبة خطوط الاقتراب الإسرائيلية، كما تقول صحيفة الغارديان البريطانية.
هل يمكن لإسرائيل إعادة احتلال قطاع غزة؟
رغم امتلاك إسرائيل قدرات عسكرية كبيرة لفعل ذلك، وحكومة متطرفة بقيادة نتنياهو لاتخاذ قرار متهور مثل هذا، لكن من المرجح أن تكون التكلفة باهظة على الجيش الإسرائيلي والمدنيين الفلسطينيين، مع وجود خطر كبير على الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في المنطقة، والذين لا يعرف أعدادهم حتى اللحظة. في النهاية، سيطرح إعادة الاحتلال الكامل لغزة تحدياً عميقاً، وربما يتجاوز قدرة إسرائيل على إدارتها على المدى القريب والبعيد.