يعجّ التاريخ بالأمثلة الخاصة بصراع الممرات على مدى أهمية السيطرة على طرق التبادل التجاري ونقل الأفراد، وكيف أن هذه النقطة كانت سبباً رئيسياً في أغلب الحروب والصراعات عبر التاريخ البشري.
والآن يشهد العالم صراعاً شرساً بين القوى العظمى، الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، والشرق بوجود الصين وروسيا وسعيهما لإنهاء النظام العالمي الحالي، الذي يسيطر عليه الغرب، وفرض نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. وفي القلب من هذا الصراع تأتي طرق التجارة كما هي العادة.
كانت الصين قد سبقت الجميع من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي كانت تسمى طريق الحرير الجديد، نسبة إلى طريق الحرير القديم الذي كان يربط بين وسط وشرق وجنوب وجنوب شرق آسيا وبين الشرق الأوسط وشرق أفريقيا وجنوب أوروبا. وكان هذا الطريق عبارة عن شبكة متداخلة من الطرق البرية والموانئ البحرية تستخدم في التبادل التجاري والثقافي بين العالم القديم، وأطلقت التسمية (طريق الحرير أو طرق الحرير) خلال القرن التاسع عشر.
سعت الصين إلى استعادة هذه الشبكة المترابطة من الطرق البرية والبحرية، وأضافت إليها المطارات للنقل الجوي أيضاً، من خلال مبادرة الحزام والطريق، التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ عام 2013، وشملت 123 دولة حول العالم، ويقول الغرب إن الهدف الرئيسي هو بسط الهيمنة الصينية على العالم، لكن بكين تنفي تلك الاتهامات.
على أية حال، لم تكن هناك مقاومة تذكر لمبادرة الحزام والطريق في سنواتها الأولى، أو ربما في عقدها الأول حتى، فقد كانت الصين مصنعاً للعالم أجمع، وكانت سلاسل الإمداد وطرق التجارة العالمية كلها تقريباً تنطلق من الموانئ والمطارات والطرق الصينية.
لكن مع استشعار واشنطن خطر فقدان نفوذها وهيمنتها العالمية لصالح بكين، بدأ التنافس بين أمريكا والصين يأخذ مساراً خشناً، وانطلقت بالفعل حرب باردة جديدة، على غرار الحرب الباردة السابقة بين المعسكر الغربي الرأسمالي بقيادة أمريكا والشرقي الشيوعي بقيادة الاتحاد السوفييتي، والتي انتهت مطلع تسعينيات القرن الماضي بانهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي وانفراد أمريكا بالهيمنة على النظام العالمي.
لكن العالم الآن ليس هو عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، فالاستعمار الأوروبي والهيمنة انتهت وتحررت دول العالم من جهة، كما برزت قوى إقليمية رافضة لأن تكون ترساً في طاحونة الحرب الباردة الجديدة، وتشابك الموقف الدولي وتعقد بصورة لم تكن موجودة من قبل، وبالتالي أصبحت طرق النقل ومشاريع البنية التحتية الهادفة إلى إيجاد بدائل لمبادرة الحزام والطريق الصينية لا تتسم بأنها أداة أمريكية خالصة تهدف إلى تكرار ما حدث في الحرب الباردة السابقة، حتى وإن كان ذلك ما تتمناه واشنطن بطبيعة الحال.