أصبح الذكاء الاصطناعي حديث الساعة والمساعد الأول للعديد من المهن والتخصصات سواء للاطلاع على أمور مختلفة عن العمل، أو إجراء عصف ذهني للأفكار الخاصة بالعمل، أو إعداد السير الذاتية، أو كتابة منشورات على مدونة، أو للمساعدة في حل المشاكل الشخصية للأفراد.
ويستخدم مئات الملايين من الأفراد أدوات تتجاوز في قدراتها بكثيرٍ نوع الجيل الأول من الذكاء الاصطناعي المُدمَج بالفعل في حياتنا اليومية، والذي يساعد في فرز تغذية حساباتنا على الشبكات الاجتماعية، والكشف عن العمليات الاحتيالية التي تشمل بطاقات الائتمان، والتعرف على الوجوه في صورنا. والأدوات التي أصبح يعتمد عليها كثيرون هي جميعها أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية من الجيل المتطور القادم؛ مثل ChatGPT من OpenAI، وBard من جوجل، وClaude من Anthropic وPi من Inflection.
وقريباً، سوف يستخدم معظمنا أدوات مثل هذه، حتى ولو بطريقة غير مباشرة، إلا إذا أردنا المخاطرة بالتخلف عن الركب، كما يقول تقرير لصحيفة The Wall Street Journal الأمريكية.
لماذا لن نستطيع تجنب الذكاء الاصطناعي سواء في العمل أم المنزل؟
تقول وول ستريت جورنال إننا سنواجه عدداً متزايداً من طرق التواصل المُولَّدة بمساعدة أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي، والخطط الموضوعة باستخدام مدخلات هذه الأدوات، وحتى المنتجات التي ساعدت في إلهامها.
وتميل التكنولوجيا المُعزِزَة للإنتاجية إلى تحسين إنتاجنا أو جعله أكثر وفرة؛ مما يجبر الناس على تغيير طريقة عملهم دون تقليل الساعات التي يقضونها في ذلك. وهذا يهدد بتوسيع الفجوة بين أولئك الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لتحقيق الإنتاجية، وأي شخص آخر، في الوقت الذي نتعامل فيه مع المزيد والمزيد من الأشياء التي تنتجها مجموعة العقول البشرية وأنواع جديدة من المساعدة الآلية.
ووجدت دراسة استقصائية عالمية حديثة شملت 10000 شخص أجرتها شركة التكنولوجيا والاستشارات Capgemini، أنَّ الأشخاص الذين استخدموا أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية في المهام الأساسية مثل البحث عن المعلومات وتلخيصها، كانوا راضين للغاية عنها عامةً. وفي الوقت الحالي، تتطلب أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية التي يمكنها تعزيز إنتاجية الأشخاص عقلية المُتبنِّي المبكر؛ نظراً إلى أنَّ مزودي هذه الأدوات لا يزالون غير معروفين لكثيرين، ويظل استخدامها لتحقيق أفضل النتائج مهارة غير شائعة.
لكن في الآونة الأخيرة، أوضح عمالقة صناعة التكنولوجيا الأمريكية أنَّ لديهم خططاً لدمج قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدي في أساس الأدوات التي يستخدمها معظمنا كل يوم، بحيث سيكون من المستحيل تقريباً تجنبها.
انتشار مفاجئ ومنافسة شرسة
في الأسبوعين الماضيين فقط، أعلنت مايكروسوفت عن الدمج العميق لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدية في نظام التشغيل Windows 11، وطرحت جوجل تعديلات على أداة الذكاء الاصطناعي التوليدي Bard الذي يسمح لها باستخدام جميع المستندات ورسائل البريد الإلكتروني وعناصر التقويم الخاصة بك كمدخلات.
فيما عرضت أمازون الجيل التالي من قدرات الذكاء الاصطناعي التوليدية المُدمَج في مساعدها الذكي Alexa، الذي يعزز قدراته ومرونته في المحادثات التوليدية، وأعلنت شركة Meta أنها ستنشئ مساعداً قائماً على الدردشة، إضافة إلى مجموعة من برامج الدردشة الأخرى المستندة إلى المشاهير، والمتوافرة في إنستغرام وواتساب وفيسبوك.
وحتى شركة Apple -التي لم تعلن بعد عن الذكاء الاصطناعي التوليدي القائم على النصوص لكنها تعمل على تطويره- طرحت الأسبوع الماضي ميزة جديدة لإمكانية الوصول لأجهزة iPhone التي تستخدم شكلاً مختلفاً من الذكاء الاصطناعي التوليدي لاستنساخ صوت المستخدم.
ومع زيادة عدد الأشخاص الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على إنشاء مراسلات مكتوبة ومرئية بسرعة أكبر، فمن المرجح أن يزداد حجم هذا المحتوى. وقد يعني هذا أنه ستكون هناك حاجة أيضاً إلى تطوير الذكاء الاصطناعي بدرجة تُمكّنه من الاستجابة لهذه الزيادة في المعلومات، في شكل أدوات تنقيح أفضل للمعلومات، وكذلك تحسين طرق استخدام الذكاء الاصطناعي للمساعدة في توليد استجابة أفضل.
وأولئك الذين لا يختارون استخدام الذكاء الاصطناعي لمساعدتهم على تلخيص تقارير الآخرين أو الرد على رسائل البريد الإلكتروني أو التكيف مع العمليات التجارية الجديدة -التي أنشئت على الأغلب جميعها بمساعدة الذكاء الاصطناعي- يخاطرون بإغراق أنفسهم تحت وطأة وسائل تواصل أكثر تعقيداً.
هناك طريقة أخرى يمكن للذكاء الاصطناعي التوليدي أن يجعل من المستحيل تجنبها: من خلال أن يصبح الواجهة الافتراضية للمعلومات المُسترَدة من الإنترنت، وداخل الشركات. بالفعل، أحد الأشياء التي تجيدها أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي القائمة على اللغة هو البحث والتلخيص.
"إذلال على يد روبوت"
تتجلى هذه القدرات في جعل الوصول إلى المعلومات أسهل، وتحويلها إلى أنواع أخرى من المعلومات بسهولة أكبر، في طرح Bard الجديد من جوجل، الذي يسمى الامتدادات.
إنَّ تمكين Bard من البحث عبر أي شيء في حسابك على جوجل وتلخيصه يمكن أن يؤدي إلى بعض النتائج المذهلة. على سبيل المثال، طلبت منه تلخيص المستندات الحديثة التي أنشأتها والتي تحتوي على أفكار لمشروع إبداعي محدد.
ولم يقدم Bard ملخصاً مقتضباً لمحتويات هذه الوثائق المتباينة فحسب، بل أوضح أيضاً بدقةٍ أنَّ الأفكار الواردة فيها لا تزال في مرحلة مبكرة. (ملاحظة لمؤرخي المستقبل: هذا النوع من الإذلال البسيط على يد روبوت، الذي لاحظ بهدوء أنَّ أفكار الإنسان غير ناضجة بدأ تقريباً… الآن).
بيكا تشامبرز، هي نائب أول رئيس شركة البرمجيات Alludo ومقرها أوتاوا الكندية. وعندما تخطط لقضاء إجازة، فإنها تستخدم ChatGPT من OpenAI وBard من جوجل. وتقول إنها استخدمت مؤخراً المحركين للتخطيط لقضاء إجازة مدتها 8 أيام في هاواي، بما في ذلك لمساعدتها في اختيار فندق وتخطيط تحركات كل يوم من أيام الرحلة.
واستغرقت العملية برمتها يومين، واتخذت شكل حوار بينها وبين روبوتات الدردشة. وكانت تعطي الروبوتات عناصر مثل عدد الأشخاص القادمين، والقيود الغذائية الخاصة بهم، وحقيقة أنهم سيستأجرون سيارة، ثم طلبت منها تحسين اقتراحاتها؛ مثل تصنيف الفنادق حسب السعر، وإضافة أو حذف عناصر من مسارات الرحلة المقترحة.
وفي الآونة الأخيرة، كان على مهندس الذكاء الاصطناعي من فيلادلفيا، ليانغ، الاستعداد لمقابلات عمل. واستخدم في ذلك Claude وChatGPT للمساعدة، من خلال جعل الروبوتات تتظاهر بأنها محاورة مهتمة بتعيينه في وظيفة إدارة المنتجات. واستعان بهذه الأدوات أيضاً في بداية عملية كتابة منشور على مدونة؛ لمساعدته في العصف الذهني، وفي نهاية العملية أيضاً لتحويل مجموعة ملاحظاته إلى المنشور النهائي، الذي يمكنه بعد ذلك تحريره قبل النشر.
هل ما زال أحد يستخدم كتالوجات البطاقات والفهارس المطبوعة؟
مع اعتماد مزيد من الأشخاص على استخلاص المعلومات بمساعدة روبوتات الذكاء الاصطناعي، والانسحاب من الطريقة القديمة لإنجاز المهام، قد يعني أنَّ أولئك الذين يلتزمون بطرق البحث القديم البسيط سيجدون أنهم المعادل المعاصر للأشخاص الذين ظلوا يستخدمون كتالوجات البطاقات والفهارس المطبوعة عندما أتيح البحث الرقمي لأول مرة.
ومع ذلك، فإنَّ الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي التوليدي باعتباره وسيلة لإنجاز المهام ومؤثراً في كل ما نتعرض له لا يعني بالضرورة نجاح هذه الأدوات أو الشركات. وتشير وتيرة كل هذه الإعلانات الصادرة عن العديد من شركات التكنولوجيا، وتزامنها معاً، إلى أنَّ ما يحدث الآن هو عبارة عن منافسة جنونية للاستحواذ على اهتمامنا وأموالنا ووقتنا. ولن تتمكن جميع هذه الأدوات من الاستمرار، خاصة في ضوء التكاليف المتزايدة لتشغيلها.
لكن المسار العام للذكاء الاصطناعي التوليدي يبدو واضحاً، على الأقل بالنسبة لأولئك الذين هم حالياً أكثر مستخدميه إخلاصاً. ويشير تاريخ الأتمتة المُعزِزَة للإنتاجية إلى أنهم ربما على حق.
تقول نائب أول رئيس شركة البرمجيات Alludo الكندية، بيكا تشامبرز: "يبدو أنَّ الذكاء الاصطناعي أداة مهمة جداً، وإذا لم تستخدمه، فإنك ستفوت كثيراً من الفرص. وأعتقد أنَّ هذا هو ما يقوم عليه الذكاء الاصطناعي: جهد أقل، ونتائج أفضل".