ما زالت التواترات بين الهند وكندا تلقى بظلالها بسبب مقتل زعيم لطائفة السيخ، يحمل الجنسية الكندية، بعد اتهامات للهند بأنها تقف وراء هذه العملية بسبب نية زعيم السيخ الراحل هارديب سينغ نيجار إقامة دولة سيخية مستقلة في شمال الهند.
التوترات جاءت بعد اتهام رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الهند بتدبير واقعة اغتيال نيجار، وهي تهمة تصفها الهند بأنها سخيفة.
في هذا التقرير الذي نشرته وكالة Bloomberg الأمريكية يستعرض تفاصيل كافية عن طائفة السيخ وأماكن تواجدهم وما هي مطالبهم.
من هم السيخ؟
السيخية هي طائفة دينية تأسست في نهاية القرن الخامس عشر في منطقة البنجاب التي تمتد على ما يعرف اليوم بدولتي الهند وباكستان. وقد تطورت من تعاليم الغورو (المعلم) ناناك، وكتابها المقدس هو Guru Granth Sahib.
ودعا غورو ناناك وأحفاده إلى المساواة والوحدة، متحدين النظام الطبقي في الهند ورفضوا سلطة كهنة الديانة الهندوسية السائدة. وعلى مر التاريخ، استُهدِف أتباع السيخية في بعض الأحيان من كل من الهندوس والمسلمين.
واليوم، يشكل السيخ في الهند البالغ عددهم 23 مليون نسمة نحو 1.7% من إجمالي السكان، على الرغم من أنهم يشكلون أغلبية في ولاية البنجاب. ويعيش 3 ملايين آخرين من السيخ خارج الهند، ولا سيما في كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا. وكندا الآن هي موطن لأكبر عدد من السكان السيخ خارج الهند، مع حوالي 770 ألف شخص أفادوا بأنهم من الديانة في تعداد عام 2021.
ما هو تاريخ الحركة الانفصالية السيخية؟
عندما حصلت الهند على استقلالها عن بريطانيا في عام 1947، دعا زعماء السيخ إلى إنشاء دولة سيخية منفصلة، لكنهم لم يحصلوا على رغبتهم بالطبع. ومع ذلك، فُصِلَت باكستان باعتبارها دولة إسلامية عن الهند ذات الأغلبية الهندوسية؛ مما أدى إلى انقسام البنجاب إلى قسمين وإراقة الدماء على نحو غير مسبوق وهجرة أثرت بشدة على السيخ. وفي الهند الجديدة، كان السيخ منتجين رئيسيين للغذاء، ومع ذلك شعروا أنهم يُعامَلون على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية في الدولة ذات الأغلبية الهندوسية. واستغل الداعية الكاريزمي جارنيل سينغ بيندرانويل هذه المظالم في الثمانينيات وصار الشخصية القيادية في حركة إقامة دولة مستقلة تُعرَف باسم خالستان، على الرغم من أنَّ بعض الخبراء يقولون إنه لم يدعُ صراحةً إلى إنشاء دولة مستقلة بنفسه.
كيف تطورت الحركة الانفصالية إلى معركة؟
وفي أوائل الثمانينيات، اختطف نشطاء السيخ عدداً من الطائرات الهندية. وفي يونيو/حزيران 1984، بناءً على أوامر من رئيسة الوزراء أنديرا غاندي، هاجم الجيش الهندي المعبد الذهبي في أمريتسار، أقدس موقع في العقيدة السيخية، لطرد بهيندرانويل وأتباعه، الذين كانوا يحتمون هناك.
وقُتِل بيندرانويل والعديد من المدنيين، وشعر مجتمع السيخ بالغضب من الهجوم على المعبد. وفي عمل انتقامي، اغتال غاندي اثنان من حراسها الشخصيين السيخ في أكتوبر/تشرين الأول التالي. وأدى ذلك إلى أعمال شغب شرسة مناهضة للسيخ قُتِل فيها الآلاف، فضلاً عن حملة قمع حكومية دفعت العديد من أعضاء الطائفة إلى اللجوء إلى الخارج.
وفي العام التالي، كانت النزعة الانفصالية للسيخ أحد الأسباب التي تبنتها مجموعة من المتطرفين المسؤولين عن تفجير طائرة تابعة لشركة طيران الهند في طريقها من تورونتو إلى لندن؛ مما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص الذين كانوا على متنها وعددهم 329 شخصاً.
ما وضع الحركة الانفصالية في الهند اليوم؟
لم تعد الحركة الانفصالية في الهند اليوم محمومة كما كانت في الثمانينيات. ومع ذلك، أثارت السلطات الهندية مخاوف من تزايد المشاعر الانفصالية في ولاية البنجاب. في فبراير/شباط، اقتحم أنصار الداعية أمريتبال سينغ، الذي حث أنصاره على النضال من أجل دولة مستقلة ووجه تهديدات باغتيال وزراء الحكومة، مركزاً للشرطة. وبعد مطاردة استمرت شهراً، ألقت الشرطة القبض عليه في أبريل/نيسان.
وينظر حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي، الذي يتزعمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي، إلى ثقافة وتاريخ ديانة الأغلبية -أي الهندوسية- باعتبارهما عنصرين أساسيين في هوية البلاد. وتحت قيادة مودي، اندلع العنف الطائفي في عموم البلاد. وتعتبر حكومته حركة خالستان بمثابة تهديد عنيف لسيادة الهند الإقليمية. وقد رددت وسائل الإعلام الهندية موقفه إلى حد كبير.
ما هو وضع الحركة الانفصالية خارج الهند؟
من المؤكد أنَّ هناك بعض الدعم لإقامة وطن مستقل بين الشتات السيخ. وتعمل مجموعة، مقرها الولايات المتحدة وتُدعَى "السيخ من أجل العدالة"، على تعبئة أعضاء الشتات في جميع أنحاء العالم للتصويت في استفتاء غير مُلزِم على إقامة وطن مستقل.
ونبّهت الحكومة الهندية بعثاتها الدبلوماسية بشأن إثارة نشطاء السيخ لاضطرابات في كندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وأستراليا، وتشكو من أنَّ المسؤولين هناك لا يتخذون إجراءات كافية ضدهم. ويؤكد السيخ الكنديون أنَّ حركتهم السائدة من أجل استقلال خاليستان هي حركة سلمية لم تُسفِر عن أعمال عنف داخل أراضي الهند منذ عقود.
وقال تيجيندر سينغ سيدو من منظمة السيخ العالمية: "إنَّ الدفاع عن خاليستان وضد انتهاكات حقوق الإنسان في الهند ليس أمراً غير قانوني في كندا ولا تطرفاً، على عكس ادعاءات الهند". ومع ذلك، اتهمت السلطات الهندية كندا مراراً وتكراراً بإيواء المتطرفين والإرهابيين السيخ.
من هو هارديب سينغ نيجار؟
كان الأب البالغ من العمر 45 عاماً، الذي قُتِل بالرصاص في مدينة ساري بمقاطعة بريتش كولومبيا الكندية، في يونيو/حزيران، في الأصل من ولاية البنجاب الهندية.
وهاجر إلى كندا منذ عقود. وبصفته عضواً بارزاً في حركة خاليستان، كان من منظمي الاستفتاء على إقامة وطن مستقل للسيخ. وشغل منصب رئيس معبد السيخ، الذي اغتيل بالرصاص خارجه. لكنه كان في نظر الهند إرهابياً: فقد اتهمته البلاد بتدبير تفجير في البنجاب وتدريب مسلحين في مدينة صغيرة في بريتش كولومبيا. وقد نفى هذه الاتهامات ووصفها بأنها "كلام تافه". ووصفته منظمة السيخ العالمية بأنه زعيم "الاحتجاجات السلمية" ضد انتهاكات حقوق الإنسان في الهند.