افتتح زعماء العالم الدورة الـ78 من الجمعية العامة للأمم المتحدة في يوم الثلاثاء، 19 سبتمبر/أيلول، في مدينة نيويورك وكان لافتاً حضور دولةٍ واحدة فقط من أعضاء مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة.
إذ تعاني المؤسسة الدولية من انقسامٍ شديد في أعقاب الحرب الأوكرانية، بينما اختارت في العام الجاري الشعار التالي: "إعادة بناء الثقة وإحياء التضامن العالمي".
وشهد العام الجاري وقوع عدة كوارث كبرى في منطقة الشرق الأوسط، منها زلازل تركيا والمغرب وفيضان ليبيا، مما دفع بقضية الكوارث الطبيعية وتهديد تغيّر المناخ إلى واجهة مواضيع الجمعية العامة للأمم المتحدة، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
ومن المرجح أن يشهد هذا التجمع العالمي، الذي جمع قادة أكثر من 140 دولة، خروج مطالب أكبر من جانب الدول النامية التي تطلب اهتماماً متزايداً في السنوات الأخيرة. في ما كرّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شعاره التالي مراراً: "العالم أكبر من خمس دول"، في إشارةٍ إلى أوجه القصور التي يعانيها مجلس الأمن.
وإليكم ما قاله زعماء العالم عن منطقة الشرق الأوسط في اليوم الأول:
الولايات المتحدة.. تركيز على التطبيع عبر الممر الهندي وتهميش للقضية الفلسطينية
أثناء خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، عقَّب الرئيس الأمريكي جو بايدن على الإعلان الذي أصدرته قمة العشرين مؤخراً بشأن ممر الهند-الشرق الأوسط، الذي يُحتفى به باعتباره منافساً لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
وقال بايدن: "سوف نحفز فرص الاستثمار بطول القارتين مروراً بالإمارات، والسعودية، والأردن، وإسرائيل. وهذا جزء من جهودنا لبناء منطقة شرق أوسط أكثر تكاملاً واستدامة، والبرهنة على أن التطبيع مع إسرائيل وعلاقاتها الاقتصادية الأكبر مع جيرانها ستأتي بنتائج عمليةٍ وإيجابية". ثم أشار إلى أن الولايات المتحدة لا تزال ملتزمةً بحل الدولتين لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي.
ولم يتطرق الرئيس الأمريكي للشرق الأوسط كثيراً بخلاف ما سبق ذكره، رغم أنها منطقة تنتشر فيها الولايات المتحدة عسكرياً منذ عقدين.
الأردن.. الملك يذكر المجتمع الدولي بأن بلاده من أكبر مستضيفي اللاجئين في العالم
ألقى الملك عبد الله الثاني، ملك الأردن، خطاباً مقتضباً خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة واختار ألا يتجاوز مدة الـ15 دقيقة المخصصة له.
وركّز خطابه بشكلٍ أساسي على قضيتين هما أزمة اللاجئين السوريين، وقضية الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي.
وأدلى ملك الأردن بمناشدة حماسية طالب فيها المنظمة الدولية بفعل المزيد من أجل التعامل مع تلك القضايا، مضيفاً أن عمان لا تستطيع احتمال وصول المزيد من اللاجئين إلى البلاد.
وأردف الملك: "حرصنا بعناية على التوفيق بين مواردنا المحدودة وبين الدعم الأساسي من المجتمع الدولي. لكن الأمر تجاوز قدرة الأردن على توفير الخدمات الضرورية للاجئين اليوم".
يُذكر أن الأردن لديه واحد من أعلى معدلات اللاجئين بالنسبة لعدد السكان في العالم، مع وجود مليوني لاجئ فلسطيني وأكثر من مليون لاجئ فروا من الحرب في سوريا. وقد بذل الأردن جهوداً للتواصل مع سوريا بالتزامن مع سعي دمشق إلى العودة لأحضان الجامعة العربية.
كما طالب عبد الله دول العالم بزيادة دعمها للشعب الفلسطيني وحل الدولتين من أجل إنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، في ظل ضغوطات الولايات المتحدة من أجل تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.
وأضاف الملك عبد الله: "في ظل الضبابية التي تحيط بمستقبل الفلسطينيين، سيكون من المستحيل الاتفاق على حلٍ سياسي لهذا الصراع. نحن نرى الإسرائيليين ينخرطون في التعبير عن هويتهم الوطنية والدفاع عنها. بينما يُحرم الفلسطينيون من الحق ذاته في التعبير عن هويتهم الوطنية وتحقيقها".
تركيا.. تؤكد أن العالم أكبر من خمس دول
قضى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقتاً أطول على المنصة، وألقى خطاباً متنوعاً تطرّق إلى العلاقات مع العراق وسوريا، والتوترات في منطقتي شرق المتوسط والقوقاز.
وبدأ أردوغان خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدعوة إلى إصلاح الأمم المتحدة بناءً على شعاره الذي يقول إن "العالم أكبر من خمس دول".
وقد دعت تركيا وغيرها من القوى الصاعدة مثل الهند إلى إصلاح الأمم المتحدة لآليتها في اتخاذ القرارات، وتحويل مجلس الأمن بأعضائه الخمسة الدائمين إلى مجلس تناوبي.
لهذا قال أردوغان إن "المؤسسات التي أنشئت بعد الحرب العالمية الثانية لا تعكس واقع اليوم. لم يعد مجلس الأمن ضامناً للأمن العالمي، بل صار ساحة معركة بين الاستراتيجيات السياسية لخمس دول فقط".
كما تعهد أردوغان بزيادة أنشطته الدبلوماسية من أجل الضغط لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مضيفاً: "لقد سعينا جاهدين لإبقاء أصدقائنا الروس والأوكرانيين على الطاولة نفسها، وذلك بفرضيةٍ مفادها أن الحروب لا يفوز فيها أحد وأن السلام هو مكسب للجميع".
وأفاد أردوغان كذلك بأن تركيا ستواصل التشجيع على عودة اللاجئين إلى سوريا داخل المناطق التي تبنيها بطول حدودها الجنوبية.
بينما وجّه أردوغان انتقاداً مبطناً للدعم المقدم من الولايات المتحدة إلى قوات سوريا الديمقراطية، قائلاً: "إن التهديد الأكبر لسلامة سوريا الإقليمية ووحدتها السياسية يتمثّل في الدعم المقدم للجماعات الإرهابية بتوجيه من القوى التي لها مصالحها الخاصة في البلاد".
وتسعى تركيا كذلك إلى تنفيذ مشروع نقل بالسكك الحديد والطرق مع العراق، بالتزامن مع طرح الولايات المتحدة لفكرة مشروعها الخاص مع دول الخليج وإسرائيل والأردن. وقال أردوغان في هذا الصدد إن حكومته تستهدف تعزيز "الوحدة السياسية للعراق، وسلامته الإقليمية، وجهود إعادة إعماره".
أردوغان يمد يد السلام لأرمينيا واليونان
تعمل تركيا على تهدئة التوترات مع جارتها اليونان في منطقة شرق المتوسط.
لكن جزيرة قبرص المنقسمة عرقياً قد تُحبط تلك الجهود؛ حيث اشتبكت قوات الأمن القبرصية التركية مع قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هناك في أغسطس/آب، رغم أن التوترات هدأت نسبياً مؤخراً.
وقال أردوغان إن بعثة الأمم المتحدة هناك "فقدت مصداقيتها"، مطالباً الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بأن تعترف بانفصال جمهورية شمال قبرص التركية.
يُذكر أن تركيا تعد حليفةً تاريخيةً لأذربيجان وتعتبر أرمينيا واحدةً من منافسيها الرئيسيين إقليمياً.
وقد ذكر أردوغان أن حكومته "تستهدف إقامة علاقات حسن الجوار" مع أرمينيا، لكن يريفان "لا تستغل هذه الفرصة التاريخية بشكلٍ كامل".
كما شدّد أردوغان على الدعم التركي للفلسطينيين، وجهود حكومته لحماية الوضعية التاريخية للقدس باعتبارها موطناً للمسجد الأقصى المبارك.
وأضاف كذلك أن الدول النامية "تعاني من العنصرية وكراهية الأجانب ورهاب الإسلام، كما لو كان الأمر وباءً"، مضيفاً أن الهجمات على الإسلام بلغت "معدلات لا يمكن التساهل معها".
قطر.. إدانة للإساءة للقرآن، وتحذير من عنصرية إسرائيل
اختار حاكم قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن يجعل قضية المساس بالقرآن في دول مثل السويد موضوعاً أساسياً لخطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.
حيث قال على منصة الأمم المتحدة: "أريد أن أقول لإخواني المسلمين إنه لا يجب أن يشغل بالنا أحمق أو مختل عقلياً يحاول استفزازنا بحرق القرآن الكريم"، متحدياً أولئك الذين يدافعون عن حرق القرآن بدعوى حرية التعبير.
وأردف: "أقول أولئك الذين يبررون تلك الأفعال القبيحة والمشينة باعتبارها حرية تعبير… إنه لا ينبغي النظر إلى المساس بمقدسات الآخرين على أنه رمز لحرية التعبير".
وركز الأمير تميم في خطابه على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أيضاً، قائلاً إنه "من غير المقبول أن تستمر معاناة الشعب الفلسطيني تحت وطأة الاحتلال الإسرائيلي".
وانتقد الأمير المجتمع الدولي بسبب "تقاعسه الواضح" أمام إسرائيل، قائلاً إن غياب الاستجابة للتصرفات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة يؤدي إلى تقويض حل الدولتين.
وتابع قائلاً: "لقد تحول الاحتلال إلى نظام فصل عنصري واضح وصريح في القرن الـ21".
وإبان محاولات الولايات المتحدة أن تستميل السعودية لتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، حذر تميم من التواصل مع إسرائيل قائلاً إنها استجابت لمبادرات السلام والتطبيع العربية بزيادة سياساتها الأكثر قومية وتشدداً، "والتي انعكست في تحالفات الحكومة والتوسع الاستيطاني الأكبر، علاوةً على تهويد القدس".