زيارة زعيم كوريا الشمالية لروسيا تثير قلقاً شديداً في العواصم الغربية وكذلك الآسيوية الحليفة لواشنطن، وهي تمثل زيارة نادرة للخارج من قبل الزعيم الكوري ويعقد أنها ستتم بواسطة قطار مدرّع طويل.
وكان مسؤول أمريكي قد كشف لشبكة سي بي إس الأمريكية عن هذه القمة المرتقبة بين زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقال المسؤول إن الزعيمين سيناقشان إمكانية قيام كوريا الشمالية بتزويد موسكو بأسلحة، ويُعتقد أن يكون بهدف دعم حربها على أوكرانيا.
وترى صحيفة The Telegraph البريطانية أن زيارة زعيم كوريا الشمالية لروسيا ولقاءه المزمع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين هذا الشهر، سبتمبر/أيلول، ستكشف عن المدى الذي سيكون فيها كيم مستعداً للذهاب إليه من أجل استمالة موسكو لتكون شريكاً استراتيجياً في مواجهة المصالح الأمريكية.
كوريا الشمالية تريد تعزيز شراكتها مع الصين وروسيا لكسر عزلتها
وتقول الصحيفة إن الزعيم المنعزل مُصاب بجنون الشك في ما يتعلَّق بأمنه، ونادراً ما يخطو خارج حدود نظامه المغلقة، ويتجنَّب السفر جواً حيثما كان ذلك ممكناً لصالح السفر في قطار أخضر مصفح يتألف من 21 عربة مضادة للرصاص.
وإذا ما خاض كيم شخصياً الرحلة إلى مدينة فلاديفوستوك الروسية، فإنَّ ذلك يشير إلى أنَّ اللقاء مع بوتين يتجاوز بكثير صفقة أسلحة ويُعزِّز تحالف مصلحة أعمق بين دولتين منبوذتين من قبل الغرب وتتحيَّنان على نحوٍ متزايد الفرصة من أجل عرقلة سياسات واشنطن في أوكرانيا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي.
بالنسبة لبيونغ يانغ -العازمة على مواصلة برنامجها الخاص بالأسلحة النووية- فإنَّ الشراكات الأعمق مع روسيا والصين تساعد في كسر عزلتها الدبلوماسية لتصبح طرفاً ضمن جبهة موحدة ضد الولايات المتحدة، التي تسعى بدورها لتعاون أمني إقليمي أكبر مع كوريا الجنوبية واليابان.
بوتين يريد مخزون كوريا الشمالية من القذائف والصواريخ المضادة للدروع
وهنالك بلا شك قلق في واشنطن وطوكيو وسول حيال ما يمكن أن تحصل عليه كل من روسيا وكوريا الشمالية من صفقة للتعاون العسكري بين البلدين.
وصرَّح مسؤولون أمريكيون لصحيفة The New York Times الأمريكية بأنَّ بوتين، الغارق في وحل حربه مع أوكرانيا، يريد مخزونات ترسانة كيم من القذائف والصواريخ المضادة للدروع.
وتمتلك كوريا الشمالية واحداً من الجيوش التقليدية في العالم، وتنتج نسخاً من العديد من الأسلحة الروسية (كثير منها قديم)، ولكن يعتقد أن لديها سلاح مدفعية ضخماً، بما فيها عدد كبير من أنظمة المدفعية الصاروخية إضافة لأعداد كبيرة من الصواريخ الباليستية التكتيكية، وأسلحة مضادة للدروع والطائرات.
وكوريا الشمالية تريد تكنولوجيا الغواصات النووية والأقمار الصناعية
في حين تسعى كوريا الشمالية للحصول على مساعدة روسيا في ما يخص التكنولوجيا المتقدمة للأقمار الصناعية والغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، وكذلك الغذاء لشعبها الذي يعاني من سوء التغذية.
ومن شأن صفقة ذات منفعة مشتركة كهذه تبرم خلال زيارة زعيم كوريا الشمالية لروسيا أن تسمح لروسيا بتعويض إمداداتها المُستنفَدة من الأسلحة، في حين تُعزِّز صورة كيم محلياً باعتباره رجل دولة وتُمكِّن كوريا الشمالية من الالتفاف على العقوبات التي تهدف لعرقلة توسيع ترسانتها النووية.
روسيا كانت قد وافقت على الحظر الدولي على تطوير كوريا للصواريخ ولكنها اليوم تحتاجها
وتحظر قرارات مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة التي كانت مدعومة سابقاً من جانب كل الأعضاء الدائمين، بما في ذلك روسيا والصين، على كوريا الشمالية تطوير الأسلحة التي تستخدم تكنولوجيا الصواريخ الباليستية.
لكنَّ التوترات بين أعضاء مجلس الأمن حول غزو روسيا لأوكرانيا تجعل احتمالية اضطلاع موسكو بدور بناء في إدارة التوترات في شبه الجزيرة الكورية أقل واقعية من أي وقتٍ مضى. بل إنها تُوفِّر الفرصة لتكون شوكة في خاصرة الجانب الأمريكي.
وقال الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، فيما ينطلق من أجل سلسلة من القمم الإقليمية التي ستُتوَّج في قمة مجموعة العشرين في الهند الأسبوع المقبل، إنَّه سيحث قادة العالم على تطبيق عقوبات الأمم المتحدة على كوريا الشمالية بأمانة ومنع أنشطة البلاد غير المشروعة لتمويل برامج الأسلحة لديها.
وأحبطت الصين وروسيا في السنوات الأخيرة المحاولات التي تقودها الولايات المتحدة لتشديد العقوبات، كما يتهم الغرب البلدين بعدم تطبيق العقوبات القائمة.
وقد حذَّرت وكالة الاستخبارات الكورية الجنوبية يوم أمس، الاثنين 4 سبتمبر/أيلول، من أنَّ روسيا على الأرجح قد اقترحت على كوريا الشمالية المشاركة في مناورات بحرية ثلاثية مع الصين، في إشارة أخرى إلى التقدُّم في علاقات البلدان الثلاثة.
وتأتي مناشدة الرئيس الكوري الجنوبي تقديم المساعدة الدولية في الحفاظ على السلام في شبه الجزيرة بعد مرور 20 عاماً تقريباً على بدء "المحادثات السداسية" التي جلست فيها الولايات المتحدة والصين واليابان وكوريا الجنوبية وكوريا الشمالية وروسيا حول طاولة لمناقشة المخاوف الأمنية بشأن طموحات بيونغ يانغ النووية.
وفي حقبة تسودها التحالفات الجيوسياسية المتغيِّرة، من الصعب أن نتصوَّر كيف لهذا السيناريو الدبلوماسي أن يتكرر مجدداً.