أصبح اسم الأسير مروان البرغوثي، أحد كبار قادة حركة فتح الفلسطينية، مطروحاً مجدداً لرئاسة فلسطين جراء الجهود التي تبذلها زوجته لإطلاق سراحه، ليعود الجدل حول من سيخلف محمود عباس كرئيس للسلطة الفلسطينية التي تحكم أجزاء من الضفة الغربية.
والتقت فدوى البرغوثي، زوجة مروان، مؤخراً بمسؤولين من الأردن ومصر وجامعة الدول العربية وروسيا والولايات المتحدة وأوروبا، حسبما ورد في تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وهي تناضل من أجل إطلاق سراح زوجها الذي يقضي عقوبة بالسجن مدى الحياة منذ عام 2002 في سجن إسرائيلي بسبب مشاركته في المقاومة خلال الانتفاضة الثانية، وتزعم إسرائيل أنه شارك في المقاومة المسلحة.
مروان البرغوثي، الذي خاض انتخابات 2021 المُلغاة، هو أحد أكثر الشخصيات الفلسطينية شعبية، وتتوقع استطلاعات الرأي الأخيرة أنه سيفوز في أي سباق انتخابي، كما يحظى بشعبية كبيرة فيما يمكن وصفه بالجناح الثوري في حركة فتح ولكن لدى قيادتها.
وسبق أن أفادت تقارير إعلامية فرنسية بطلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قائمة بالشخصيات المرشحة لخلافة عباس، في مؤشر على قلق غربي من السيناريوهات في حال خلو منصب رئيس السلطة الفلسطينية فجأة.
فدوى تهدف إلى حشد التأييد لأن يكون البرغوثي رئيساً لفلسطين وعباس تراجع دعمه للشيخ
تقول بعض التقارير إن جهود الضغط التي تبذلها فدوى لا تهدف فقط إلى الإفراج عن زوجها، ولكن أيضاً إلى حشد الدعم له ليصبح خليفة عباس.
ولكن قالت مصادر مقربة من العائلة لموقع Middle East Eye البريطاني إن الهدف الوحيد من الحملة هو إخراج مروان من السجن.
غير أن مساعيها تزامنت مع تسريبات لوسائل إعلام فلسطينية تقول إن عباس تراجع عن دعمه للرجل الذي كان يتوقع على نطاق واسع حتى وقت قريب أن يكون الرئيس الفلسطيني المقبل، حسين الشيخ.
التقارير، التي لم يتمكن موقع Middle East Eye من التحقق منها بشكل مستقل، استشهدت بأن أعضاء فتح قالوا إن اسم البرغوثي يُطرَح كخليفة محتمل لعباس.
ويقول خبراء إنه رغم شعبيته لدى الجمهور، لا يزال البرغوثي يواجه عقبات كبيرة في أن يصبح الرئيس الفلسطيني المقبل، ليس أقلها سجنه والتنافس الذي يواجهه داخل فتح.
ورغم شعبية البرغوثي الكبير داخل حركة فتح، ولكنه على خلاف على القيادات المسيطرة عليها، وفي عام 2021، طرح مع عضو فتح المفصول ناصر القدوة (ابن شقيقة ياسر عرفات)، قائمة مشتركة تنافس فتح في الانتخابات قبل أن يؤجل الرئيس الفلسطيني الانتخابات التشريعية إلى أجل غير مسمى.
لهذا السبب، لا يزال يُنظر إلى حسين الشيخ على أنه المرشح الأول، رغم تحفظات العديد من الفلسطينيين على اعتماده لخلافة عباس.
حسين الشيخ مقرب لعباس، ولكن هناك منافسون آخرون له
ومن بين الخلفاء المحتملين الآخرين لعباس، ماجد فرج، رئيس المخابرات الفلسطينية، ومحمود العالول، القيادي البارز في فتح، ومحمد دحلان، القيادي البارز سابقاً في فتح والمقيم حالياً في دولة الإمارات، وهو أيضاًَ كان على خلاف مع أبو مازن.
في السنوات القليلة الماضية، اكتسب الشيخ سمعة بأنه أحد المقربين الرئيسيين لعباس. يُنظر إليه هو وفراج على أنهما حارسا بوابات الرئيسة وعضوان أساسيان في دائرته المقربة.
في عام 2022، عيَّن عباس الشيخ أميناً عاماً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو ثاني أعلى منصب في المنظمة. وكان يُنظر إلى هذا القرار في ذلك الوقت على أنه خطوة استراتيجية لوضع الشيخ، البالغ من العمر 62 عاماً، خليفةً لعباس.
تاريخياً، تطلع العديد من قادة فتح إلى هذا الدور، والذي يتضمن العمل كبديل للرئيس في غيابه.
أُضيفَ هذا الدور إلى مسؤوليات الشيخ الكبيرة بالفعل، بصفته وزيراً في الهيئة العامة للشؤون المدنية التابعة للسلطة الفلسطينية، والتي تنسِّق الشؤون الأمنية والمدنية في الضفة الغربية المحتلة مع السلطات الإسرائيلية.
ونتيجة لذلك، يتمتع الشيخ بعلاقات وثيقة مع مسؤولي الأمن الإسرائيليين ويحافظ على علاقات جيدة مع الدبلوماسيين الأمريكيين.
الشيخ سوف يحصل على 3 % من الأصوات لو دخل الانتخابات ومزاعم عن تحرشه بموظفة في مكتبه
ورغم مكانته المرموقة في السلطة الفلسطينية ومع المسؤولين الإسرائيليين والأمريكيين، لا يتمتع الشيخ بدعم شعبي كبير بين الفلسطينيين.
كان ليحصل على 3% فقط من الأصوات إذا أُجرِيَت انتخابات رئاسية العام الماضي، وفقاً لمسح أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية.
تضررت سمعته أيضاً بسبب مزاعم بأنه تحرش جنسياً بموظفة في عام 2012. وكشفت مجلة Foreign Policy الأمريكية مؤخراً أنه دفع 100 ألف دولار لسحب هذا الزعم ضده. ورفض الشيخ الرد على الأسئلة التي طُرَحَت عليه بشأن هذا الزعم.
ولكنه يلقى تأييد الدول العربية وأمريكا وإسرائيل
لكن الخلافات حول الشيخ تبقى ضئيلة مقارنة بالتأييد الذي يتلقاه من الأوساط الإسرائيلية والأمريكية والعربية، بحسب المحلل السياسي هاني المصري.
وقال المصري في مقابلة مع موقع Middle East Eye البريطاني: "تظل الكيانات غير مبالية بماضي المرء إذا أظهر براعته في المناورة السياسية التي تتماشى مع أجندتها، وهو إنجاز حققه الشيخ بشكل ملحوظ مؤخراً".
وقال المصري إنه رغم كل هذا، لا يزال من الصعب تحديد خليفة لعباس بصورةٍ نهائية، ويرجع ذلك أساساً إلى عدم وجود مرشح واحد يحظى بالإجماع يرضي الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية وكذلك الفصائل الفلسطينية.
الأسير مقابل المنسق الأمني.. هل يكون مروان البرغوثي الأنسب لتوحيد الفلسطينيين؟
لهذا السبب يعتقد جمال حويل، العضو البارز في فتح، والمتحالف بشكل وثيق مع البرغوثي، أن الزعيم السجين سيكون المرشح الأنسب لتوحيد الفلسطينيين.
وقال حويل لموقع Middle East Eye: "ينجذب عامة الناس دائماً نحو أولئك الذين يتحملون الأعباء بجانبهم، وليس أولئك الذين يميلون إلى رفاهية الإقامة في فنادق الخمس نجوم".
وأشار إلى سجل البرغوثي الخالي من الادعاءات بارتكاب مخالفات مالية أو إدارية أو أخلاقية. وقال: "البرغوثي لن يتولى الرئاسة إلا إذا منحها له تصويت الناخبين".
ويشير المصري إلى أن أي تفاؤل بشأن مستقبل البرغوثي السياسي لا يزال يجب موازنته مقابل أن إسرائيل لم تُظهِر بعد أي بوادر لإطلاق سراحه من السجن.
كل هذا الغموض حول الخلافة يولِّد قلقاً متزايداً بين الفلسطينيين من احتمال حدوث اضطراب بمجرد أن يصبح الرئيس غير موجود في الصورة.
ماذا سيحدث في حال خلو المنصب؟
عباس، 87 عاماً، هو رئيس السلطة الفلسطينية منذ عام 2005، وقد تولَّى المنصب لمدة 14 عاماً بعد فترة ولايته، التي انتهت في عام 2009، ولم تُعقَد انتخاباتٌ أخرى.
إذا أصبحت الرئاسة شاغرة، فإن الطريق إلى الأمام مليء بالتحديات: غياب خليفة متفق عليه بالإجماع، ومجلس تشريعي مُعلَّق، وتضاؤل منظمة التحرير الفلسطينية، وانقسام سياسي مستمر يلوح في الأفق، وهو الذي تفاقم بسبب الافتقار الواضح إلى النية لإجراء الانتخابات في أي وقت قريب.
ويزداد مناخ عدم اليقين هذا تعقيداً بسبب عدم وجود مسار قانوني واضح لانتقال السلطة في حالة الفراغ الرئاسي.
بموجب القانون الأساسي الفلسطيني شبه الدستوري، يصبح رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني رئيساً مؤقتاً إذا كان هناك فراغٌ مفاجئ في المنصب، مثلما في حالة الوفاة أو الاستقالة.
لكن عباس حلَّ المجلس التشريعي في 2018 ولم يُجرِ انتخابات تشريعية منذ ذلك الحين.
يقول النقاد إن هذه الخطوة، من بين خطوات أخرى اتخذها الرئيس في السنوات الأخيرة، تشير إلى أن المحكمة الدستورية تتمتع بصلاحية إعلان إجراءات استثنائية يمكن من خلالها تعيين رئيس دون انتخابات. لذا فإن أحد السيناريوهات المحتملة هو أن منصب نائب الرئيس يمكن تقديمه بحيث يكون في المرتبة التالية في خط الخلافة.
وانتخبت اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول عضو لجنتها المركزية نائباً لرئيس الحركة، وذلك بتاريخ 15 فبراير/شباط 2017، ورغم أنه ليس نائباً للرئيس السلطة الفلسطينية، ولكن واقعياً فإن رئيس فتح هو رئيس السلطة.