أصبح أداء الجيش الإسرائيلي محل تساؤل في ظل امتناع عدد غير معروف من جنود الاحتياط الإسرائيليين عن الخدمة؛ اعتراضاً على التعديلات القضائية، في وقت تتصاعد التوترات على الحدود اللبنانية مع حزب الله.
حين اشتعل القتال بين إسرائيل و"حزب الله" اللبناني في عام 2006، أمضى الإسرائيليون في منطقة الجليل الأعلى -التي تقع على مرمى حجر من جنوب لبنان- شهراً من الاختباء داخل ملاجئ مستوطنات الكيبوتس.
واليوم يتأهب الإسرائيليون لاختباء طويل آخر إذا تواصل التصاعد في التوترات بين إسرائيل وحزب الله على الجانب الآخر من الحدود اللبنانية. وقد حذر الجيش الإسرائيلي من أن احتمال الحرب أعلى من أي وقت مضى خلال السبعة عشر عاماً الأخيرة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
وزير الدفاع الإسرائيلي يتوعد بإعادة لبنان للعصر الحجري
هرع القادة والمسؤولون الإسرائيليون إلى الحدود الشمالية في آخر الأسابيع. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في زيارة هذا الشهر: "إنني أحذر حزب الله ونصر الله من ارتكاب خطأ بحقنا"، "إن حدث تصعيد أو اندلعت الحرب، فسوف نعيد لبنان إلى العصر الحجري"، حسب تعبيره.
تأتي هذه التحذيرات في سياق من حوادث التصعيد الأمنية التي وقعت في الأشهر الأخيرة على طول الحدود الدولية -المتنازع على جزء منها- بين البلدين، أو ما يُعرف بـ"الخط الأزرق".
الإسرائيليون مشغولون بخلافاتهم الداخلية بينما التوترات تتصاعد على الحدود اللبنانية
وتزعم المصادر الإسرائيلية أن حزب الله يحاول تصعيد الموقف، دون التركيز على مساعي إسرائيل لتكريس احتلالها لقرية الغجر اللبنانية المحتلة.
وقال العقيد كوبي ماروم، القائد السابق للواء غولاني في جبل الشيخ وخبير الشؤون الأمنية الإسرائيلية، خلال جولة على الحدود في المطلة، أقصى شمال إسرائيل، إن "حزب الله يحاول تصعيد الموقف"، و"أرى أن أياً من الجانبين لا يرغب في صراع عسكري، لكن ذلك قد يحدث. إذ من الممكن أن نواجه حرباً إنْ أساء أحد الطرفين تقدير الأمور".
أزال متسللون لبنانيون كاميرا مراقبة تابعة للجيش الإسرائيلي، وألقوا بالحجارة على أهداف إسرائيلية، وأشعلوا النيران بجوار الجدار الأمني الإسرائيلي على الحدود. ويُجري نشطاء حزب الله دوريات على الخط الأزرق، وعبر 18 لبنانياً -منهم سياسي منتخب- الحدود وطاردهم الجيش الإسرائيلي بالطلقات التحذيرية.
على الرغم من وقوع هذه التوغلات، فإن انتباه كثيرٍ من الإسرائيليين مشتَّت إلى أمور أخرى، فالبلاد تشهد منذ شهور احتجاجات متوالية على التعديلات القضائية التي أعلنت عنها حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة، والتي يقول النقاد إنها ستجعل إسرائيل أقل ديمقراطية وأكثر استبداداً من أي وقت مضى. وقد أدت هذه الخطوة إلى انقسام حاد في البلاد، فاندلعت احتجاجات جماهيرية غير مسبوقة، وأعلن بعض الأطباء إضرابهم عن العمل، واضطربت الأسواق المالية، وانخفضت قيمة العملة.
توقف جنود الاحتياط الإسرائيليين عن الخدمة يلحق ضرراً كبيراً بجيش الاحتلال
علاوة على ذلك، تحدق بإسرائيل أخطار أمنية جسيمة لأن الآلاف من جنود الاحتياط الإسرائيليين توقفوا أو هددوا بالتوقف عن تطوعهم للخدمة. وقد حذر اللواء تومر بار، قائد سلاح الجو الإسرائيلي، في كلمة ألقاها يوم الجمعة 11 أغسطس/آب، من تفاقم الأضرار التي لحقت بالجاهزية التشغيلية للقوات الجوية بسبب تغيُّب المتطوعين عن التدريبات.
وكتب ألون بن دافيد، المعلق العسكري الإسرائيلي، في صحيفة "معاريف" يوم الجمعة 11 أغسطس/آب: "كلما مرَّ يوم على هذه الحال، واصلَ الجيش الإسرائيلي فقدان رجاله وقدراته".
لا أحد يعرف عدد الممتنعين
وكتب المحلل العسكري عاموس هاريل في صحيفة Haaretz أن "أوجهاً كثيرة من تأثير الأزمة لا تزال مخفية عن أعين الرأي العام"، وأكد أن الجيش الإسرائيلي لن يفصح عن الأعداد الحقيقية لجنود الاحتياط الذين توقفوا عن التطوع. "القوة الجوية شديدة الأهمية لأمن إسرائيل. وما يحدث الآن إنما هو نتيجة لإصرار نتنياهو على الاستمرار في التعديلات القضائية رغم كل علامات التحذير، إنه استنزاف داخلي لم يسبق له مثيل في تاريخ البلاد. والحكومة هي المسؤول الأول عن ذلك، فهي تراقب وتكتفي بالمشاهدة دون أن تفعل شيئاً. وفي المستقبل، قد نندم جميعاً".
وأقال نتنياهو في مارس/آذار وزير دفاعه غالانت بعد أن دعا إلى وقف التعديلات القضائية، وقال غالانت في ذلك الوقت: "لقد تضرر جيش الدفاع الإسرائيلي مما يحدث"، "فقد امتدت آثار الانقسام القائم في المجتمع وتغلغلت في الجيش الإسرائيلي، وهذا خطر واضح وعاجل وملموس على أمن الدولة. وأنا لن أشارك في هذا". وما لبث نتنياهو أن اضطر إلى إعادة غالانت إلى منصبه بعد احتجاجات.
نصر الله يعتبر ذلك بداية نهاية إسرائيل ومواطنون يخشون محاولة نتنياهو إشعال حرب
وأبدى الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، شماتته بإسرائيل. ولما أقرَّت الحكومة الإسرائيلية الشهر الماضي قانوناً يحظر المراجعة القضائية للقرارات الوزارية على أساس المعقولية، قال: "اليوم، بالتحديد، أسوأ يوم في تاريخ الكيان الصهيوني.. فهو على طريق الانهيار والتشرذم والزوال إن شاء الله".
تقول أورنا واينبرغ، وهي مواطنة إسرائيلية من سكان الجليل الأعلى، "إنها تخاف مما عزمت عليه الحكومة الإسرائيلية أكثر من خشيتها التهديدات من خارج إسرائيل"، وأردفت قائلة: "فأنا أحس أن مجتمعنا قوي ومنظم للغاية، ويعرف كيفية التعامل مع المشكلات الأمنية الطارئة من الجانب الآخر من السياج"، لكني أرى أن الخطر الأكبر في الوقت الحالي هو الحكومة الإسرائيلية نفسها.
وأضافت واينبرغ: "أخشى أن يستخدم نتنياهو وأعضاء حكومته القضايا الأمنية لصرفِ الانتباه عنهم وعما يفعلونه. فمهما كانت الخلافات السياسية، فإن الإسرائيليين، حسب وصفها، يتحدون عادةً في أوقات النزاع، لذلك فإن اندلاع أزمة عسكرية ربما يوافق مصالح الحكومة"، و"أخشى أن يعودوا بنا إلى حالة الحرب مع حزب الله لكي يخرجوا (الحكومة) من الفوضى التي أحدثوها".
إسرائيل تكرس احتلالها لقرية الغجر وعدد غير مسبوق من الصواريخ ينهال من لبنان
في مارس/آذار، عبر مسلح من لبنان إلى إسرائيل بحزام ناسف، وتغوَّل مسافة 80 كيلومتراً، وفجر عبوة ناسفة عند مفرق مجدو الواقع على طريق رئيسي، ما أدى إلى إصابة سائق سيارة. وفي أبريل/نيسان، اقتحمت إسرائيل المسجد الأقصى وطردت المصلين منه، فاندلعت اشتباكات، وأُطلق وابل من 34 صاروخاً على إسرائيل، وهو أعنف هجوم يأتي من لبنان منذ عام 2006.
وفي يونيو/حزيران، عبر محتجون لبنانيون الحدود الدولية إلى الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل بالقرب من مرتفعات الجولان وأقاموا خيمتين، وما زال حزب الله يرفض تفكيك إحداهما.
وفي يوليو/تموز، قررت إسرائيل استكمال مشروع بناء جدار إسمنتي عند الحدود الشرقية لقرية الغجر اللبنانية المحتلة، تماماً كما أنجزت غرب حدودها، فشيدت "بلوكات" إسمنتية وحصّنتها بأسلاك شائكة، واضعة القسم اللبناني من بلدة الغجر تحت سيطرتها.
واستنكر الجانب اللبناني ما اعتبر تكريساً لاحتلال بلدة الغجر، وسبقته توترات أبرزها تلك التي شهدتها تلال بلدة كفرشوبا.
وفي الشهر ذاته، أُطلق صاروخ مضاد للدبابات على قرية الغجر، فأصاب جرفاً وسياجاً.
حزب الله لديه 150 ألف صاروخ قد يستخدمها ضد أهداف حساسة
يؤكد الجيش الإسرائيلي رسمياً أنه مستعد لجميع الاحتمالات ومتأهب لأي تصعيد. لكن هذه الثقة ليست محلاً للإجماع بين كل الإسرائيليين. إذ يُقال إن حزب الله جمع أكثر من 150 ألف صاروخ، وبعض هذه الصواريخ يمكن توجيهه لضرب مواقع محددة. وتشير تقديرات إسرائيل إلى أن حزب الله قادر على إطلاق 4 آلاف صاروخ يومياً، على حين أنه كان يطلق 100 صاروخ فقط يومياً في حرب 2006.
تزعم إسرائيل أنها تعمل على بناء جدار أمني على طول الحدود اللبنانية، وتفجير الأنفاق التي حفرها حزب الله، وتسهيل وصول السكان إلى الملاجئ. ومع ذلك، يقول المنتقدون إن الحكومة تتجاهل حماية بنيتها التحتية المدنية الضعيفة، والتي يقع معظمها بالقرب من بؤر سكانية مكتظة. ومن الأمثلة على الأهداف التي يستطيع حزب الله مهاجمتها: محطة توليد الكهرباء بجوار ميناء تل أبيب، وهي منطقة شهيرة للسياح والمقيمين؛ ومحطة تحلية المياه في عسقلان؛ ومطار بن غوريون الدولي.
توقع اللواء جيورا إيلاند، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، في مقال بصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أن يستخدم حزب الله "صواريخه دقيقة التوجيه لمهاجمة محطات الطاقة ومحطات التحلية ومزارع الخوادم الحاسوبية، والموانئ، أكثر من استخدامها في استهداف المراكز السكانية"، "ومما يثير الدهشة أنه لم يخرج أحد في إسرائيل حتى الآن بابتكارٍ نتمكن به من التصدي لهذا التحديد".
ما هو المسار المحتمل لأي معركة تنشب بين حزب الله وإسرائيل؟
بينما يميل جيش الاحتلال للتكتم على التأثيرات المحددة لامتناع جنود الاحتياط الإسرائيليين عن الخدمة؛ لكن من الواضح أن هناك قلقاً خاصاً فيما يتعلق بتأثير هذا الامتناع على قدرات الجيش الإسرائيلي في مواجهة حزب الله تحديداً، ففي آخر مواجهة واسعة بين الجانبين، لعبت قوات الاحتياط الإسرائيلية دوراً مهماً، حيث كان جهاز الاحتياط جزءاً لا يتجزأ من القوة الأساسية للقوات البرية الإسرائيلية في "حرب لبنان الثانية" في 2006، وشكّلت هذه الحرب إشارة تحذير فيما يخص وضع الاحتياط وضرورة أن يكون متأهباً.
ولكن حتى قبل أزمة عصيان جنود الاحتياط الإسرائيليين الحالية، فهناك مؤشرات على تآكل استعداد قوات الاحتياط الإسرائيلية، حسب الصحافة العبرية، فمنذ أكثر من عقد وجهاز الاحتياط في البر يتدرب ويقاتل وينفّذ أنشطة بصورة مقلّصة عمّا كانت تقوم به أجيال الاحتياط في عقودٍ سابقة.
إضافة للقوات البرية؛ يلعب جنود الاحتياط الإسرائيليون دوراً مهماً في القوات الجوية والدفاع الجوي.
ومع أنه من المستبعد أن يمتنع جنود الاحتياط الإسرائيليون عن الخدمة في حال اندلاع حرب مع حزب الله، لكن توقفهم عن المشاركة ولو لفترة في التدريب من شأنه أن يؤثر على قدراتهم وتكاملهم مع القوات العاملة.
وإذا وضع في الاعتبار تضاعف قوة حزب الله الصاروخية والبرية عدة مرات باعتراف تل أبيب، وإذا وضع في الاعتبار أيضاً أن القبة الحديدية لم تكن فعالة بالكامل ضد صواريخ ومسيرات المقاومة الفلسطينية المحاصرة في قطاع غزة، والأقل في عدد ونوعية الأسلحة من حزب الله المدعوم بقوة من طهران، إضافة إلى تطور قدرات المسيرات والصواريخ الإيرانية، (بما فيها صواريخ كروز)، كما سبق أن ظهر في الهجوم على منشآت شركة أرامكو السعودية عام 2019، الذي صدم المسؤولون الإسرائيليون لأن الرياض لديها أنظمة دفاع جوي متطورة.
إذا وضع كل ما سبق في الاعتبار، فإن سيناريو الحرب مع حزب الله في 2023، قد يكون أسوأ من عام 2006 الذي تعرضت فيه مدن إسرائيل لقصف صاروخي، بينما واجهت قوتها المدرعة وضعاً صعباً في جبال جنوب لبنان أمام مقاتلي الحزب المسلحين بصواريخ كورنيت الروسية الشهيرة.
وسيكون لذلك تداعيات داخلية كبيرة حتى لو نفذ الجيش الإسرائيلي تهديده بإعادة لبنان للعصر الحجري كما يقول.