يستعد اللبنانيون للحرب في كل صيف، بينما صارت المناوشات الحدودية وتبادل الصواريخ مع إسرائيل أمراً اعتيادياً على مدار العام تقريباً. لكن المخاوف حيال تصعيد خطير تشتد بالتزامن مع اشتداد حر الصيف، وذلك منذ حرب لبنان عام 2006.
وبحسب صحيفة Washington Post الأمريكية، يتجلى هذا التخوف على نحوٍ خاص في عمق جنوب لبنان، بطول حدوده مع الأراضي المحتلة التي تسيطر عليها إسرائيل. إذ يشعر السكان بأنهم تحت رحمة استفزازات الاحتلال، ويخشون أن تؤدي تلك الأحداث إلى اندلاع العنف في باحتهم الخلفية قريباً. ولهذا يجدون الاستقرار في غياب الاستقرار على حد قولهم، ويعزون أنفسهم بإقناعها بأن الحرب الشاملة ستكون باهظة التكلفة على الجانبين.
مشاكل قديمة جديدة صنعها الاحتلال الإسرائيلي في جنوب لبنان
في مطلع مايو/أيار، ظهرت خيمة على بعد أكثر من 30 متراً جنوب الخط الأزرق. ثم ظهرت خيمة ثانية بحلول الـ17 من يونيو/حزيران. فيما طلبت قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) من الجيش اللبناني إزالة الخيمتين.
وجرت إزالة خيمةٍ منهما بالفعل بينما ظلت الثانية في مكانها. وأعلن حزب الله مسؤوليته عن تلك الخيام. حيث ألقى زعيم حزب الله، حسن نصر الله، خطاباً بمناسبة الذكرى الـ17 لحرب لبنان، وقال خلاله إنهم نصبوا الخيام رداً على تحرك إسرائيل لتطويق أجزاء من قرية غجر، العام الماضي.
ويُمكن وصف غجر بأنها نموذج مصغر للمشكلات الحدودية المستعصية في المنطقة. إذ يقع النصف الجنوبي من القرية في هضبة الجولان المحتلة. وقد توسعت القرية شمالاً داخل الأراضي اللبنانية بعد الاحتلال الإسرائيلي لجنوب لبنان. وعندما انسحبت إسرائيل من لبنان في عام 2000، قسم الخط الأزرق القرية إلى نصفين، وأصبح الجزء الشمالي جزءاً من الأراضي اللبنانية.
واستولت القوات الإسرائيلية على الجزء الشمالي من القرية مرةً أخرى خلال حرب لبنان عام 2006. وكان من المقرر أن ينسحبوا منها بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي أنهى الصراع. لكن القوات الإسرائيلية لم تنسحب مطلقاً.
وطالبت قوة اليونيفيل، والحكومة اللبنانية، وحزب الله إسرائيل بالمغادرة مراراً. لكن القوات الإسرائيلية زادت وجودها في القرية على مدار العام الماضي، وعززت الجدار الذي يحد المحيط الشمالي لغجر.
فيما قال نصر الله خلال خطابه المتلفز، إن إسرائيل تحاول تحويل المنطقة إلى وجهة سياحية، واتهم الأمم المتحدة بازدواجية المعايير.
"نحن نعاني بصفةٍ دائمة، يومياً"
وشهدنا منذ ذلك الحين سلسلةً من الحوادث المقلقة. ففي الثامن من يونيو/حزيران، تحركت جرافة إسرائيلية شمالاً لتجتاز خط الانسحاب وتحفر الخنادق في قرية كفر شوبا، الواقعة بجوار منطقة مزارع شبعا المتنازع عليها.
لكن إسماعيل ناصر، القروي اللبناني وضابط الجيش المتقاعد، وقف في وجه الحفارة ورفض أن يتزحزح. وظهر ناصر (58 عاماً)، في مقطع فيديو وهو يقف بلا مبالاة واضعاً يده في جيبه، بينما ينظر برأسه جانباً صوب الحفارة التي تدفع التراب في اتجاهه. ومع غمر التراب لساقيه، بدأ ناصر في حمل الحجارة وإلقائها صوب الجرافة التي تقترب.
وانتشر مقطع الفيديو في العالم العربي على نطاق واسع، لأنه أثار في الأذهان صور الفلسطينيين وهم يلقون الحجارة.
وقال ناصر إن الجرافة تراجعت وغيرت مسارها نحو ست مرات؛ من أجل تجاوزه قبل أن يبدأ تصوير الفيديو. بينما كان ناصر على قناعةٍ بأنَّ قتل مواطن لبناني على أراضٍ لبنانية سيستوجب الرد، حتى وإن كانت الأراضي محل نزاع. وقد شجعته تلك الفكرة.
وأوضح خلال مقابلةٍ أجراها من منزله الأسبوع الماضي: "نحن نعاني بصفةٍ دائمة، يومياً". وحمّل ناصر المسؤولية عن الفوضى في الجنوب لجميع الأطراف، أي إسرائيل وحزب الله والحكومة اللبنانية عديمة الجدوى. لكنه يرى أن اندلاع حرب حقيقية أمر "مستحيل"، حسب تعبيره.
حيث قال ناصر لصحيفة واشنطن بوست: "ليس لدى الولايات المتحدة وقت لدعم إسرائيل (في حربٍ كهذه)، وليس لدى روسيا وقت لدعم لبنان. ولا تريد الدول العربية أن تضطر إلى إعادة إعمار لبنان. ولهذا نحن في حالة مستقرة من غياب الهدوء. أي إننا مستقرون، ولكننا نعيش في قلق".
إسرائيل تكثف وجودها العسكري على الحدود مع لبنان
تعمَّق القلق المحلي في السادس من يوليو/تموز، عندما أُطلِقت الصواريخ من جنوب لبنان بواسطة مسلحين فلسطينيين مشتبه بهم، عقب أكبر عملية عسكرية تنفذها إسرائيل في الضفة الغربية منذ عقود. وردَّ الإسرائيليون بضربات انتقامية. لكن لم يشهد أي من الجانبين سقوط وفيات.
وفي الـ12 من يوليو/تموز، تزامناً مع ذكرى حرب لبنان، أُصيب عدد من أعضاء حزب الله عندما استخدم الجيش الإسرائيلي "سلاحاً غير قاتل" لإبعاد عددٍ من المشتبه بهم، الذين قال إنهم حاولوا تدمير سياج أمني.
وزادت إسرائيل وجودها العسكري على الحدود منذ ذلك الحين، رغم الاحتجاجات التي تعصف بها في الداخل.
هدوء هش
ويعقد اللبنانيون والإسرائيليون اجتماعات برئاسة اليونيفيل كل خمسة أو ستة أسابيع؛ لنقاش المسائل العسكرية، وضمنها انتهاكات الخط الأزرق. وتتسم تلك الاجتماعات بالحساسية، إذ لا يُسمح بحضور وسائل الإعلام. كما يجري تقديم الطعام بواسطة الوحدة الإيطالية في اليونيفيل، وضمن ذلك زجاجات مياه إيطالية؛ وذلك تفادياً للاحتكاكات بشأن المطبخ المحلي الذي يجب اختياره للاجتماعات. ولا يصافح الجنرالات بعضهم بعضاً باليد أيضاً.
بينما وصف المتحدث باسم اليونيفيل، أندريا تينينتي، الوضع قائلاً: "إنهما مجرد جانبين يجلسان في غرفةٍ صغيرة للغاية، وعلى كراسي غير مريحة على الإطلاق -عن عمد- من أجل إبقاء تركيز الاجتماعات على الجانب العسكري".
وأكّد تينينتي الحاجة إلى اجتماعات منفصلة تركز على ترسيم الخط الأزرق تحديداً، حيث إن اللبنانيين لديهم 13 نقطة نزاع بطول الحدود، بينما لم يفصح الإسرائيليون عن نقاط النزاع الخاصة بهم. وأوضح تينينتي أن المسألة الشائكة تتمثل في الاتفاق على نقطة جغرافية لبدء المفاوضات. وأردف: "يرغب كلا الجانبين في حل القضايا الخلافية. لكن الجميع يريد حل تلك القضايا بطريقته الخاصة".
ويرى أن الاجتماعات المتواصلة والاستقرار النسبي على مدار 17 عاماً، يمثلان مؤشراً على أن الجانبين "لا يريدان الصراع". لكنه أقر بأن الهدوء سيظل هشاً دائماً. وأضاف: "لقد شهدنا هناك كثيراً من التوترات المتصاعدة، لكن الأوضاع لم تتغير".