يعتقد مسؤول أمريكي سابق، أدار الملف الإسرائيلي الفلسطيني بشكل مباشر، أن الوقت قد حان لإعادة النظر بشكل أساسي في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بحجة أن "الدعم الأمريكي لإسرائيل لم يعد يخدم المصالح الأمريكية الاستراتيجية".
"الولايات المتحدة تحتاج لتجاوز إسرائيل"
تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية إن ستيفن سايمون، المدير السابق لمجلس الأمن القومي الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في ظل إدارة أوباما، أصدر مؤخراً كتاباً بعنوان "الوهم الكبير: صعود وسقوط الطموح الأمريكي في الشرق الأوسط". وفيه يخوض في عقودٍ من السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، التي ظلت إلى حد كبير دون تغيير خلال الإدارات المتعاقبة.
وتقول هآرتس، إن حجج سايمون تعتبر واقعيةً أكثر، بسبب أن إسرائيل تشهد الآن نقطة انعطاف كبرى بديمقراطيتها الخاصة، وعلاقاتها مع الفلسطينيين، واتفاق تطبيع محتمل مع السعودية، وكل ذلك على خلفية تورط الولايات المتحدة في هذه الأمور جميعاً.
لا يعتقد سايمون أن الولايات المتحدة هي المسؤولة عن أي من مشاكل إسرائيل الحالية. ويقول عن الاحتجاجات المتأججة المؤيدة للديمقراطية ضد جهود حكومة نتنياهو المتطرفة لإضعاف القضاء: "الجميع مهتم جداً بهذه الأزمة الحالية على وجه التحديد، لأنها تبدو وكأنها نقطة تحول".
ويرى سايمون أن "ما ننظر إليه الآن يعود إلى الثلاثينيات على الأقل. هناك مشكلات فنية، لكن المشكلات الحقيقية أعمق بكثير".
"لا توجد مصلحة استراتيجية معينة مع إسرائيل"
هذا يقودنا إلى لب الموضوع في نظر سيمون: القضايا المتعلقة بإسرائيل هي قضية سياسية بحتة وليست استراتيجية. يقول: "لماذا تختار الإدارة معركة مع الحكومة الحالية في إسرائيل على شيء لا سيطرة للولايات المتحدة عليه. لا توجد مصلحةٌ استراتيجية معينة، وفي غياب الحصة الاستراتيجية، فالأمر يتعلق بالسياسة فحسب".
يشير سايمون إلى البيئة السياسية الحالية، التي ترجع جذورها إلى أواخر التسعينيات، باعتبارها بيئة تخلق عيباً هيكلياً للديمقراطيين، لأن الحزب ككل يتحرك في اتجاه مختلف عن الحكومة الإسرائيلية. يقول: "بناءً على ذلك، لماذا تكون هناك انتخابات أمريكية مقبلة، حيث تكون المخاطر هائلة حقاً، هل تدخل إدارة بايدن في حقل ألغام من أجل هذا؟ يبدو لي أن ذلك غير حكيم للغاية".
ويدعي أن الأمور المتعلقة ظاهرياً بالشؤون الاستراتيجية مثل المساعدة العسكرية هي في الواقع مسائل سياسية في صميمها. يقول: "من السهل توفير الأشياء التي تريدها إسرائيل من الولايات المتحدة. والكثير من هذه الأمور ماليٌّ بالأساس. لدينا ناتج محلي إجمالي قدره 21 تريليون دولار، فمن يكترث إذا منحت 4 مليارات منهم كل سنة (في صورة مساعدات عسكرية)؟ من الناحية العملية، هذا مبلغ زهيد، ويُنفَق بصورةٍ جيدة، لذا عليك القيام بذلك"، حسب تعبيره.
"الجهود الأمريكية لحل الصراع تذهب سدى"
وهذا يمتد إلى الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وعملية السلام. يقول سايمون إن الولايات المتحدة بدأت تدرك خلال فترة ولاية باراك أوباما الأولى أن جهودها تذهب سُدى، وأيضاً عندما لم تُقابل جهود وزير الخارجية آنذاك جون كيري بحماس كبير.
وفقاً لسايمون، فإن أسس العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل ترتكز على "المزاج الليبرالي لحقبة معينة"، والتي أسسها لأول مرة هاري ترومان. وقال: "كان منزعجاً بشدة من الهولوكوست وما حدث لليهود، لا شك في ذلك… اعترف ترومان بالدولة اليهودية بعد 15 دقيقة فقط من إعلان قيام دولة إسرائيل".
أحب الإسرائيليون ذلك، لأنهم اعتقدوا أنه سيكون أكثر ديمومة من الالتزامات القائمة على القيم المشتركة. بنهاية الحرب الباردة، كانت الولايات المتحدة قد فعلت ما خططت للقيام به: هزيمة خصومها والظهور على أنها أقوى لاعب في الشرق الأوسط، مثلما يقول سايمون.
ترسَّخ التغيير خلال الحملة الانتخابية الرئاسية لميت رومني لعام 2012، والتي قدم خلالها مطالبته بالمنصب جزئياً على أساس أن أوباما قد تخلى على ما يبدو عن إسرائيل. كانت هذه هي المرة الأولى التي "تُستخدَم فيها إسرائيل بشكل صارخ لمهاجمة حزب المعارضة"، على حد قول سايمون.
التلاعب بالسياسة الداخلية الأمريكية
يعتقد سايمون أن قرار إدارة أوباما بضرورة التوصل لخطة سلام إسرائيلية فلسطينية خلال فترة الولاية الثانية يعود إلى شخصيات وليس إلى استراتيجية محددة. ويقول: "لماذا قامت إدارة أوباما بتلك المسرحية في الولاية الثانية لمحاولة القيام بشيء ما تجاه الفلسطينيين؟ لقد أراد أوباما حقاً أن يفعل ذلك، لذلك قال لهم افعلوا ذلك فحسب، وقد نجح الأمر بشكل أو بآخر كيفما توقع الناس أن ينجح".
وإذا كانت العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة تتعلق بالسياسة أكثر مما تتعلق بالاستراتيجية، كما يرى سايمون، فإن العناصر الاستراتيجية داخل هذه العلاقة موجودةٌ فقط باعتبارها أسافين تتسبَّب ببساطة في المزيد من الانفصال بين الطرفين، مثل برنامج إيران النووي.
يقول سايمون: "تمتلك إسرائيل القوة لكي تمضي في طريقها بينما لا تزال تستخرج الموارد من الولايات المتحدة". ويضيف: "قد ينظر المؤرخون إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على أنه عظيم من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل لأنه نجح في تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة بينما كان يتلاعب في الوقت نفسه بالسياسة الداخلية الأمريكية".
تحول واضح في موقف الأمريكيين من إسرائيل
في الوقت نفسه، الشارع الأمريكي نفسه لم يعد يمتلك نفس المزاج القديم حيال إسرائيل، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى تحول واضح في موقف الأمريكيين من إسرائيل، وبخاصة الشباب.
وكان استطلاع رأي أجرته مؤسسة غالوب Gallup في مارس/آذار 2023 قد أظهر أن غالبية الناخبين الأمريكيين من الحزب الديمقراطي قد تحولوا عن دعم إسرائيل وأصبحوا أكثر ميلاً وتعاطفاً مع الفلسطينيين، وذلك للمرة الأولى على الإطلاق.
استطلاع رأي آخر كان المعهد الانتخابي اليهودي في أمريكا قد أجراه في يوليو/تموز 2021، أظهرت نتائجه أن 35% من الناخبين الأمريكيين اليهود يعتقدون أن إسرائيل قد أصبحت "دولة عنصرية" تطبق بحق الفلسطينيين نظام الفصل العنصري الذي كانت حكومة جنوب إفريقيا البيضاء تطبقه بحق المواطنين السود.
يرجع كثير من الكتاب والمحللين الأمريكيين التحول الواضح في الرأي العام الأمريكي تجاه إسرائيل، التي تعتبر الحليف الاستراتيجي الأول لواشنطن في الشرق الأوسط، وكانت تحظى بدعم لا يتزعزع من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، إلى بنيامين نتنياهو، السياسي اليميني المتطرف، والشخص الذي شغل منصب رئيس الوزراء في تل أبيب لفترة زمنية أطول من أي سياسي آخر.
لكن استطلاع غالوب كان قد أجري في فبراير/شباط الماضي، ولم تكن حكومة نتنياهو الحالية، التي توصف بأنها أكثر الحكومات تطرفاً في تاريخ الدولة العبرية، قد قضت أكثر من شهرين في السلطة، ما يعني أن التغير اللافت في مواقف غالبية الشباب الأمريكي لا يمكن إرجاعه فقط إلى تلك الحكومة.
كما أن الاستطلاع الذي أجراه المعهد الانتخابي اليهودي في أمريكا تم في يوليو/تموز 2021، ووقتها لم يكن نتنياهو رئيساً للحكومة، بل كانت الحكومة الإسرائيلية تحالفاً من أحزاب يسارية وضمت أيضاً أحزاباً عربية للمرة الأولى، وكان يقودها نفتالي بينيت ثم يائير لابيد، وكان الساسة الأمريكيون يصفونها بأنها "حكومة المصالحة".
لذلك، ربما يكون أحد أسباب التحول في موقف الشباب الأمريكي، الذي يصبح أكثر قرباً إلى الفلسطينيين منه إلى إسرائيل، مرتبطاً -في جزء ليس يسيراً منه- بالتحول الإسرائيلي نحو اليمين بصورة شرسة ومتسارعة. فالأحزاب الدينية المتشددة والأحزاب المدافعة عن المستوطنين في الأراضي المحتلة وسياسيين مدانين بالإرهاب من جانب محاكم إسرائيلية، مثل إيتمار بن غفير وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو الحالية، قد أصبحوا هم المتحكم في إسرائيل وسياساتها بشكل لافت، ولا يألون جهداً في القضاء على أي أمل لإقامة دولة فلسطينية في يوم من الأيام.