أثار قانون الجرائم الإلكترونية الجديد بالأردن قلق الصحفيين ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي، وسط مخاوف من أن يؤثر على حرية الإعلام، كما أن البعض يتخوف من محاسبة أصحاب الحسابات على التعليقات على منشوراتهم والذين هم ليسوا مسؤولين عنها.
وتشعر إسلام يوسف (27 عاماً) بالقلق من الأثر الذي سيتسبب به تطبيق قانون الجرائم الإلكترونية الجديد على حريتها بالتعبير على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما إذا علق أحد متابعي صفحتها على منشور لها برأي قد تُحاسَب هي عليه، حسب ما نقل عنها تقرير لوكالة رويترز.
وفي ردود الفعل الدولية، انتقد النائب الرئيسي للمتحدث الرسمي في وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتل، مشروع القانون قائلاً: "يمكن بتعريفاته ومفاهيمه الغامضة أن يقوض جهود الإصلاح الاقتصادي والسياسي في الأردن". وأضاف أنه "يقلل من الحيز المدني المتاح أمام عمل الصحفيين والمدونين وغيرهم من أفراد المجتمع المدني في الأردن".
وتقول إسلام، وهي موظفة في شركة للإعلان والتسويق "لم أفهم تفاصيل القانون، ولكن سمعت من صديقاتي أنه توجد عقوبات كبيرة على التعليقات، سواء المسيئة أو التي لا تتناسب مع رأي معين تجاه أي موضوع أو شخصية اعتبارية".
وتضيف أنها مشتركة في العديد من المجموعات على فيسبوك، وتقوم بالتعليق على المواضيع المطروحة بكل حرية، وتحب أن تقرأ الآراء الأخرى، ولكن يبدو الآن أنها ستلتزم الصمت.
في حين يقول فادي الفقهاء (45 عاماً): "يكاد لا يخلو الحديث في أي اجتماع أو لقاء في الأردن من التطرق لقانون الجرائم الإلكترونية، الذي يثير بلبلة وخوفاً من الجميع".
ويضيف الفقهاء، الذي يمتلك مكتباً للاستشارات الهندسية، إنه يسمع الحديث عن القانون عند صالون الحلاقة والبقالة وفي المكتب وحتى في البيت من أطفاله، الذين يستخدمون فيسبوك بشكل كبير، معلقاً: "حتى أبنائي خائفون من القانون وعقوباته".
وأقر مجلس النواب خلال جلسة عقدها أمس الأربعاء، مشروع قانون الجرائم الإلكترونية كما ورد من مجلس الأعيان.
وتقول المادة 17 من القانون "يعاقب كل من قام قصداً باستخدام الشبكة المعلوماتية أو تقنية المعلومات أو نظام المعلومات أو موقع إلكتروني أو منصة تواصل اجتماعي، لنشر ما من شأنه إثارة الفتنة أو النعرات أو تستهدف السلم المجتمعي أو الحض على الكراهية أو الدعوة إلى العنف أو تبريره أو ازدراء الأديان بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات أو بغرامة لا تقل عن 5000 دينار (8000 دولار)، ولا تزيد على 20000 دينار أو بكلتا هاتين العقوبتين".
ويتضمن مشروع القانون 41 مادة، منها التهديد والابتزاز والتلاعب بالبيانات من دون تصريح، وكذلك انتحال الشخصية والذم والقدح والتحقير ونشر الشائعات وتشويه السمعة واغتيال الشخصية، وغيرها من المواد التي يعتبرها قانون العقوبات الأردني جرائم، كما يأتي هذا القانون للتعامل مع العالم الافتراضي والرقمي لتشابه الفعل واختلاف الأسلوب.
يجعل الصحف تخضع للقانون الجديد بدلاً من قانون المطبوعات
أعرب العديد من الصحفيين عن تخوفهم من أن يشكل إقرار المشروع عائقاً أمام عملهم الصحفي، وحرية تعبيرهم، وقدرتهم على الإدلاء برأيهم، دون الخوف من أن يكون منشورهم سبباً في تغريمهم أو سجنهم.
يقول عضو مجلس نقابة الصحفيين الأردنيين، خالد القضاة، إن القانون جاء بتسرع كبير، ولم تراعَ فيه الممارسات الفضلى المعتمدة في إقرار القوانين من خلال العرض على ديوان التشريع لتلقي الملاحظات، ثم إعادة صياغته وتبني حوار مع جميع الأطراف، وأخيراً إرساله إلى مجلس النواب لمناقشته ثم إقراره.
ويرى القضاة، الذي يعمل مدرباً بقضايا حقوق الإنسان والسلامة المهنية، أن الغريب في موضوع قانون الجرائم الإلكترونية هو إعطاؤه صفة الاستعجال، من حيث طريقة إرساله من الحكومة لمجلس النواب، ثم مجلس الأعيان، واللجان التي قامت بعقد جلسات مطولة لإقراره، لذلك "أعتقد بوجود مخالفات للنظام الداخلي وتسرع بإقرار هذا القانون".
ويبين أن تلك الطريقة التي تعاملت فيها الحكومة مع القانون تسببت في حالة من الإرباك، لدى كل الأطراف التي تتعامل مع القانون.
ويضيف القضاة أن القضية الثانية الأهم هي أن هذا القانون يمس الجميع، وأي شخص متصل بالإنترنت، وجاء في فترة تحول سياسي في الأردن، وأعتقد أنه سينشأ عن هذا القانون العديد من المشاكل، كونه يأتي بعقوبات غليظة، لكنه لم يضع حلولاً للمشكلات التي حاول أن يعالجها من خلال ما يسمى بضبط العالم الإلكتروني.
ويشير إلى أن القانون احتوى على كلمات فضفاضة قابلة للتفسير والتأويل، متوقعاً أن تلك المصطلحات ستضع الناس والقضاء في مواجهة.
ويؤكد القضاة أن القانون سيؤثر مباشرة على العمل الصحفي "لأنه من خلال بنوده فإنه سيطبق كل الوسائل الإعلامية التي بدأت تتحول إلى مؤسسات إعلامية شاملة، ولها نسخة إلكترونية، سواء على مواقعها الرسمية أو على شبكات التواصل الاجتماعي التابعة لها، لذلك أصبح هذا القانون يطبق عليها وليس قانون المطبوعات والنشر أو قانون المرئي والمسموع".
ويقول القضاة "القانون سيخلق مشاكل جديدة أكثر بكثير من المشاكل التي سيحلها، وسيدفع الناس إلى الصمت وعدم مشاركة الرأي حتى في القضايا العامة التي كانوا يخوضون فيها عبر شبكات التواصل الاجتماعي، خوفاً من الدخول في شبهات هذا القانون".
ويرى أن هذا القانون سيؤثر تأثيراً مباشراً على المحتوى الأردني في العالم الرقمي، وسيتراجع بشكل كبير نتيجة خوف الجميع من المحتوى، ومن التعليقات التي حمل القانون صاحب المنشور الأصلي مسؤوليتها في حال كانت مسيئة.
تغليظ للعقوبات
ويعبر النائب في مجلس النواب، ينال فريحات، عن خشية كبيرة من أن يكون القصد من القانون تكميم الأفواه، والحد من حرية التعبير والرأي للمواطنين خاصة، وأن السلطات ضاقت ذرعاً من الانتقادات التي توجه لها عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن القانون منح النيابة العامة إمكانية تحريك دعاوى قضائية ضد المواطنين من دون وجود شكوى شخصية.
ويشير فريحات- في تصريح لموقع "الجزيرة نت"- إلى تغليظ مُبالغ فيه للعقوبات، ويقارن بين عقوبة إهانة الشعور الديني في قانون العقوبات وغرامتها 20 ديناراً أردنياً، بينما تصل غرامة الذم والقدح في قانون الجرائم الإلكترونية إلى 20 ألف دينار، وهو فرق كبير يثير التساؤل حول الهدف من هذه المبالغة، حسب فريحات، مستغرباً من نصوص أخرى تحاسب الشخص على تعليقات الآخرين على منشوره.
تقول وزيرة الدولة للشؤون القانونية، نانسي نمروقة، لـ"بي بي سي" إن التطور السريع في مجال تقنية المعلومات استوجب ضرورة تجريم بعض الأفعال التي تتم بوسائل إلكترونية ومعاقبة مرتكبيها، تحقيقاً للردع العام والخاص، بهدف توفير الحماية للحريات العامة، خاصةً مع ظهور صور جديدة للجرائم الإلكترونية مثل الابتزاز والعنف.
وتضيف أن قانون الجرائم الإلكترونية الحالي معمول به منذ عام 2015، لذا كان يتوجب على الحكومة أن تعيد النظر فيه، لأنه وفي وجهة نظر نمروقة، بات الفضاء الإلكتروني يشهد أشكالاً جديدة من الجرائم في الآونة الأخيرة، لذا كان لا بد من إعادة ضبط استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، لتحصين المجتمع وجميع أفراده.
ويرى محمد المومني، عضو مجلس الأعيان ووزير الإعلام السابق، أن "التشريعات يجب أن تستجيب للظواهر المجتمعية وتتطور بشكل مستمر، وقانون الجرائم الإلكترونية يستجيب لحاجة مجتمعية لضبط خطاب الكراهية والتهديدات الإلكترونية للأمن والسلم المجتمعي".
ويقول المومني "مجلس الأعيان بعد عرض القانون عليه قام بتخفيض بعض الغرامات وإلغاء بعض المواد الجدلية، ليصبح القانون مقبولاً بشكل أكبر من قِبل القوى التي عارضته".
وكشف تقرير عالمي حول الواقع الرقمي في الأردن، أن عدد مستخدمي جميع منصات التواصل الاجتماعي في المملكة بلغ في عام 2022 قرابة سبعة ملايين مستخدم نشط.
وقال التقرير، الذي أصدرته شركة (هووتسوت) عن حالة الإنترنت حول العالم، إن "قاعدة مستخدمي مختلف شبكات التواصل الاجتماعي في الأردن مع بلوغها هذا المستوى تكون قد زادت 500 ألف مستخدم، وبنسبة 8% مقارنة بقاعدة المستخدمين المسجلة بداية العام 2021، والتي بلغت وقتها 6.5 مليون مستخدم".
بدورها ترى المديرة التنفيذية لمركز العدل للمساعدة القانونية، هديل عبد العزيز، أن هذا القانون سيؤثر سلباً على جميع القطاعات في المملكة، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية، وسيمسّ كلَّ بيت في الأردن.
وتبيّن هديل أن هذا القانون سيقيّد الحريات، رغم أن جميع التعديلات اللي تمت عليه كانت متواضعة جداً، ولم تحقق الأمل، ولم تعكس الإرادة التي تعبر عنها الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
وتؤكد أنه لم تكن هناك مشاورات لمناقشة القانون، وأن التسرع في إقراره كان غريباً، والمسار الذي مشى فيه القانون غير مقبول، ولا يتفق مع أهميته وخطورته.
وتقول هديل: "حتى لو نحن نسلم أن هناك حاجة للتنظيم وحماية المساحات بالحديث على الإنترنت، والحماية من الاعتداء بالتعليقات، ولكن هذا لا يبرر النصوص التي وردت في القانون، والمغالاة غير المسبوقة في العقوبات".