أدى وجود مجموعة فاغنر في مالي إلى تسريع وتيرة الأزمة التي تعصف بالبلاد منذ عام 2012. ففي الـ24 من يوليو/تموز 2023، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على ثلاثة من أبرز المسؤولين في حكومة وجيش مالي، بسبب أدوارهم في "تسهيل" عمليات مجموعة المرتزقة المرتبطة بالكرملين.
ويقول تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي إن القائمة ضمت كلاً من وزير الدفاع ساديو كامارا، ورئيس أركان القوات الجوية ألو بوي ديارا، ونائب رئيس أركان القوات الجوية أداما باغايوكو. ويتمتع كامارا بأهميةٍ خاصة؛ نظراً إلى كونه واحداً من الأعضاء الخمسة الأساسيين في المجلس العسكري، الذي تولى السلطة في مالي عام 2020.
ماذا تفعل قوات فاغنر في دولة مالي؟
هناك كثير من التقارير المطولة عن أدوار كامارا وديارا خاصةً في إدارة علاقة مالي مع فاغنر، والتي بدأت أواخر عام 2021. إذ استخدم المجلس العسكري جنود فاغنر باعتبارهم قوة "مكافحة إرهاب" وحشية ترافق الجنود الماليين.
وتورطت قوة فاغنر في موجة من المذابح بوسط مالي، وأشهرها مذبحة بلدة مورا في مارس/آذار 2022. وأثار وجود المرتزقة مجموعةً من أسوأ الميول العسكرية، مثل الميل للهجوم بعنف على المدنيين في مناطق القتال، مما زاد حدة التمردات في مالي بالتبعية.
والأهم من ذلك، فشل المجلس العسكري وفاغنر في تأمين مناطق وسط مالي المضطربة بشكلٍ حقيقي. ويُمكن القول إنهم تخلوا عن بعض الأجزاء الواقعة أقصى شرقي البلاد لصالح الجهاديين فعلياً.
إلام تهدف العقوبات الأمريكية على مالي؟
تأتي العقوبات المفروضة على كامارا وزملائه كجزءٍ من سلسلة محظورات تستهدف فاغنر وشركاءها في مالي، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وغيرها من الدول. وتُعَدُّ تلك المحظورات بدورها جزءاً من الجهود الأمريكية الأوسع لتقويض عمليات فاغنر وروسيا، بالتزامن مع الحرب الأوكرانية.
في مايو/أيار، فرضت وزارة الخزانة عقوباتها على إيفان ماسلوف، الروسي الذي يقود عمليات فاغنر في مالي. وفي يونيو/حزيران، فرضت الوزارة عقوبات إضافية على عدة شركات ذهب تعمل في إفريقيا، إضافة إلى روسي آخر هو أندري إيفانوف المتهم بتنسيق عمليات فاغنر في مالي.
لكن العقوبات المفروضة على كامارا وديارا وباغايوكو تبدو سياسيةً بدرجة أكثر وضوحاً من العقوبات الأخرى، كما تنقل الأضواء من المواطنين الروس إلى الماليين. وتعرّض أفراد المجلس العسكري لعقوبات مستهدفة من قبل؛ نظراً إلى حقيقة استيلائهم على السلطة بطريقةٍ غير دستورية، ورفضهم احترام الجدول الزمني الموضوع للتحول الديمقراطي. لكن العقوبات الحالية تبدو كأنها جزء من عملية تقليدية تستهدف الضغط على المجلس العسكري، بدلاً من أن تكون آلية لاستهداف أفراد بعينهم من المجلس العسكري بالعقوبات.
ولم يتضح بعدُ ما إذا كانت العقوبات الأخيرة منطقية، لأن واشنطن لا تمتلك استراتيجية متماسكة للتعامل مع مالي على ما يبدو. فهل الولايات المتحدة مهتمة لهذه الدرجة بتقييد فاغنر في مالي؟ أم هل تتماشى العقوبات مع محاولة تشكيل تصرفات المجلس العسكري؟ أم هل هي محاولة للمساعدة في استعادة الحكم الديمقراطي داخل مالي؟ وهل تحاول الولايات المتحدة عقاب وعزل المجلس العسكري ككل أم تحاول توسيع الخلافات الظاهرة في صفوف المجلس؟
وما هي حسابات الولايات المتحدة حول نهج تعامل المجلس العسكري مع التحول المفترض عام 2024، عندما يحين موعد عقد الانتخابات وتسليم السلطة للمدنيين؟ وماذا لو ترشح أسيمي غويتا -كما هو مرجح- واحتفظ المجلس العسكري بالسلطة من وراء الستار لفترة رئاسية أخرى، أو فترتين؟
هل تفشل استراتيجية العقوبات في تحقيق أهدافها؟
يقول الموقع الأمريكي، إنه لا شك في أن هذه التساؤلات مهمة. ومن المؤكد أن الرؤية بعيدة المدى مهمة أيضاً، لأن العقوبات ستكون بمثابة مصدر إزعاج وليس محركاً للتغير على الأرجح، وذلك عندما لا تكون مرتبطةً باستراتيجية أوسع نطاقاً.
ويُمكن القول إن العقوبات السياسية الواضحة على المسؤولين البارزين بشخصهم تحمل في طياتها مكافآت ومخاطر. ومن الممكن أن تنجح الولايات المتحدة في جعل كامارا شخصيةً سامة داخل المجلس العسكري، أو بالنسبة لغويتا نفسه.
أما على المدى القريب، فقد منحت الولايات المتحدة المجلس العسكري أداة خطابٍ بلاغي أخرى عن غير قصد، حيث يقدم المجلس العسكري نفسه للشعب المالي باعتباره حامل شعلة السيادة والكرامة الوطنية. وقد انتقد المجلس فرنسا مراراً وتكراراً كوسيلةٍ لضمان الشرعية المحلية جزئياً. واستخدمت الحكومة المالية الخطاب نفسه ضد الولايات المتحدة، وذلك خلال البيان شديد اللهجة الذي أصدرته لإدانة العقوبات.
ودخل غويتا أجواء "ما قبل الحملة الانتخابية" بالفعل في هذه الأثناء. ومن الواضح أن الرئاسة ستكون طوع يديه لو أراد ذلك، في ظل أسلوب الترهيب المتبع ضد المواطنين والمعارضين.
وليس هناك أي مؤشر على أن تفكير الولايات المتحدة في مالي يحمل رؤيةً مستقبلية طويلة الأجل، أو حتى رؤية تمتد لعام 2024. إذ نشرت إدارة بايدن وثائق استراتيجيتها الواسعة لإفريقيا وغرب إفريقيا بالفعل، لكن تلك الوثائق المبهمة تؤكد ببساطةٍ أن الولايات تستطيع فعل كل شيء، وستفعل كل شيء. ويشمل هذا الترويج للديمقراطية، ودعم النضال ضد الإرهاب، والترويج للتنمية الاقتصادية، ومواجهة روسيا والصين، وغيرها.
وفي حالة مالي، من المستبعد للغاية أن تتحق كل تلك الأهداف الأمريكية دفعةً واحدة، حيث يُمكن وصف اهتمام الولايات المتحدة بالدولة المتنازع عليها (وغيرها من دول المنطقة) بأنه متقطع وعابر، كما يُنظر إليها عادةً باعتبارها مجرد قطعةٍ على رقعة الشطرنج الجيوسياسية. وإذا كانت واشنطن تريد زيادة الضغط (دون عنف) في محاولةٍ لإثناء المجلس العسكري عن ترشيح أحد أفراده عام 2024؛ فهذا هو الوقت المناسب لفعل ذلك. وإذا لم تفعل واشنطن ذلك الآن، فقد تكتشف مع الوقت أن تركيزها الضيق على فاغنر ليس مجدياً.
ويتمثل السيناريو الأمثل لتلك العقوبات في أن تُقلِّل من حماسة المجلس العسكري المالي لمجموعة فاغنر، وتُضخِّم أصوات أي مشككين في فاغنر داخل الحكومة. لكن تجدر الإشارة إلى أن غويتا هو من أعطى الضوء الأخضر لأنشطة فاغنر في البلاد أيضاً. بينما يتمثل السيناريو الأسوأ في ألا تؤدي العقوبات إلا إلى استعداء مجموعة منعزلةٍ من الضباط، الذين قد يظلون في السلطة وقتاً طويلاً للغاية. ويجب على الولايات المتحدة أن تفكر في هذا السيناريو جيداً.