يُصرّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على الحد من صلاحيات المحكمة العليا، في ظل تظاهرات غاضبة ورافضة لذلك، للأسبوع الـ30 على التوالي، لكن هل تستطيع المحكمة العليا الإسرائيلية نفسها إيقافه؟
كيف يمكن للمحكمة العليا الإسرائيلية مقاومة "إصلاحات نتنياهو"؟
في وقت سابق من هذا الأسبوع، طرحت الحكومة اليمينية المتطرفة بقيادة نتنياهو مشروع قانون في البرلمان يقوّض سلطات المراجعة القضائية للمحكمة، ما أدى إلى تصعيد الأزمة التي استمرت لأشهر، بشأن خطة الحكومة لإصلاح النظام القانوني.
والآن، مع استمرار الاحتجاجات الأسبوعية الجماهيرية في الشوارع، يرفض الآلاف من جنود الاحتياط العسكريين الحضور إلى الخدمة، وتعرب وكالات التصنيف الائتماني العالمية عن قلقها العميق، تنتقل المواجهة إلى المحكمة العليا نفسها، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
قُدِّمَت بالفعل عرائض من قِبَلِ جماعاتٍ قانونية وجماعات المجتمع المدني ضد مشروع القانون، وهو تعديل لقانون أساسي شبه دستوري يلغي قدرة المحكمة العليا على إبطال قرارات الحكومة والتعيينات على أساس "اللامعقولية المفرطة".
جاء في عريضة مقدَّمة من نقابة المحامين الإسرائيليين: "يهدد إلغاء معيار المعقولية بمنح السلطة التنفيذية سلطة لا تخضع للمراجعة القضائية، والسماح لها بالحكم دون قيود". وأضافت العريضة: "هذا جزءٌ من الخطة القانونية التي أعلنتها الحكومة في يناير/كانون الثاني، التي حددت فيها خارطة طريق لتفكيك النظام القضائي الذي شُيِّدَ على مدار 75 عاماً من عمر الدولة".
وقالت المحكمة العليا إنها ستنظر في العريضة، في سبتمبر/أيلول، رغم أن الخبراء القانونيين يعتقدون أنه قد يتغيَّر هذا التاريخ (عند الطلب)، إلى أغسطس/آب، مع احتمال حضور لجنة موسعة من 9 أو 11 قاضياً للحكم.
المحكمة العليا تنظر في شرعية قانون يحد من صلاحياتها، وهذه خياراتها
تقول فورين بوليسي، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر من ذلك: محكمةٌ عليا تنظر في شرعية قانون يحد من صلاحياتها، وقد مُرِّرَ بالفعل من البرلمان بأغلبيةٍ واضحة، وذلك في وسط تظاهرات لمئات الآلاف من المواطنين في الشوارع يطالبون بإنقاذ ديمقراطية البلاد.
وكتبت اللجنة التوجيهية لحركة الاحتجاج إلى المؤيدين عبر واتساب هذا الأسبوع: "على كل واحد منا التزامٌ هائل بمواصلة المقاومة، والدفاع بأرواحنا وأجسادنا عن المحكمة العليا حتى تتمكن من حمايتنا"، وقد تعهدت اللجنة بتصعيد ما يمكن اعتباره بالفعل أكبر وأطول تمرد مدني في تاريخ إسرائيل.
بحسب فورين بوليسي، سيكون مثل هذا التدخل من قِبَلِ المحكمة غير مسبوق. رغم أن القضاة ألغوا القوانين العادية في الماضي، لم يحكموا قط على شرعية أي قانون أساسي. يوجد في إسرائيل ما مجموعه 13 قانوناً أساسياً، ينظر إليها العديد من الخبراء القانونيين والسياسيين على أنها أساس لدستور أولي في بلد لا يوجد له دستور، رغم أن تمرير قانون أساسي أو تعديله لا يتطلب سوى أغلبية برلمانية بسيطة.
نظراً لأن التشريع المعني يعد تعديلاً لقانون أساسي، فإن المحكمة ستحكم فعلياً بأن التعديل الدستوري غير دستوري، وهو تحريف تصفه أستاذة القانون سوزي نافوت بأنه "سلاح غير تقليدي".
هل تستخدم المحكمة العليا الإسرائيلية سلاحها في وجه نتنياهو؟
قالت نافوت، التي هي أيضاً نائبة رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهي مؤسسة فكرية غير حزبية، لمجلة فورين بوليسي: "للمحكمة سلطة إلغاء قانون أساسي، لكن تلك ستكون هي المرة الأولى"، مشيرةً إلى التداعيات السياسية والاجتماعية الأكبر التي من المحتمل أن تكون في طليعة أذهان القضاة، وقالت: "ستكون تلك عريضةً صعبة".
على رأس كل ذلك تقبع إستر حايوت، رئيسة المحكمة العليا و"القاضية الفولاذية" التي اصطدمت علناً في وقتٍ سابق من هذا العام مع حكومة نتنياهو، بشأن جدول أعمال الإصلاح القضائي. ومن المقرر أن تتنحى حايوت وقاضية ليبرالية أخرى في أكتوبر/تشرين الأول، بسبب قواعد التقاعد الإلزامية في سن السبعين، ما يرجح أن تصبح المحكمة أكثر يمينية.
لكن بعض الخبراء يعتقدون أن حايوت قد تحاول، كخطوة إرثية، توجيه المحكمة في اتجاه إلغاء القانون المثير للجدل، المعروف باسم "قانون المعقولية".
تاريخياً، كان كبار القضاة قبل التقاعد أكثر نشاطاً. قال باراك مدينا، أستاذ القانون في الجامعة العبرية في القدس: "قد يشعرون بأنهم ليس لديهم ما يخسرونه، ولذلك رأينا أمثلة على أحكام شجاعة في اللحظة الأخيرة. كان هذا في الأوقات العادية، ونحن أبعد ما نكون عن الأوقات العادية في المرحلة الحالية"، حسب تعبيره.
كيف يمكن للمحكمة إلغاء "قانون نتنياهو" المعدل؟
وفقاً للعديد من الخبراء القانونيين، قد تعتمد حايوت وزملاؤها على قاعدتين غير مثبتتين في القانون الدستوري الإسرائيلي. القاعدة الأولى، والأوضح، التي قد تقدمها المحكمة هي حول جوهر القانون الذي مُرِّرَ هذا الأسبوع، وهي أنه ببساطة غير دستوري، رغم أن إسرائيل ليس لديها دستور مكتوب.
أضاف مدينا أن المحكمة قد تنظر إلى القانون الأخير على أنه يقوض "القيم الديمقراطية الأساسية لإسرائيل، مثل فصل السلطات، واستقلال المحاكم، وسلطة المراجعة القضائية".
أما القاعدة الثانية التي قد تستخدمها المحكمة فهي غير قائمة على جوهر القانون، بل على السياق الذي مُرِّرَ فيه والدوافع وراءه. في هذا السيناريو، وفقاً لمدينا، ستلغي المحكمة القانون باعتباره "إساءة استخدام للسلطة التأسيسية والتشريعية" للبرلمان، حيث أُسيءَ استخدام السلطة من أجل تلبية احتياجات فردية أو سياسية.
يقر الخبراء القانونيون بأن القاعدتين أعلاه ليستا واضحتين، ولم تُختَبَرا بعد، رغم أن ذلك قد يتغيَّر قريباً.
من المتوقع أن تنظر المحكمة العليا، الأسبوع المقبل، عريضة مختلفة ضد تعديل آخر مثير للجدل لقانون أساسي أقرته حكومة نتنياهو في وقت سابق من هذا العام. هذا القانون يجعل من الصعب إعلان عدم ملاءمة رئيس الوزراء لمنصبه وإقالته من منصبه.
قال مدينا إنه إذا ألغت المحكمة العليا هذا القانون فسوف "يعطينا مؤشراً قوياً على الاتجاه الذي ستسير فيه حايوت. إنها أرضية اختبار لعريضة "قانون المعقولية"، ويمكن أن تخلق سابقة للمحكمة".
اليمين: "هذا سلاح نووي يجب عدم استخدامه"
كان رد فعل المحامين الذين يمثلون موقف الحكومة مفيداً، حيث قالوا في رد رسمي مكتوب، على المحكمة العليا، إنها ليس لديها سلطة إلغاء القانون الأساسي.
استخدم حزب الليكود بزعامة نتنياهو تشبيه "السلاح غير التقليدي" في تصريحه لوسائل الإعلام: "إذا ألغت المحكمة العليا قانوناً أساسياً فستكون هذه هي القشة التي تقصم ظهر البعير، وستؤدي إلى فوضى عارمة، هذا سلاح نووي يجب عدم استخدامه".
وإذا قامت المحكمة العليا في نهاية المطاف بإلغاء مشروع قانون المعقولية، فمن المرجح أن تتصاعد التوترات داخل البلاد بين الحكومة ومعارضيها، والتي بلغت بالفعل عنان السماء في الأشهر السبعة الماضية. ويعتقد المحللون أن الحكومة قد تختار عدم الامتثال للقرار، أو أن تصعِّد حربها ضد النظام القانوني، والتحرك لتشريع إزالة جميع صلاحيات المراجعة من المحاكم والمستشارين القانونيين الحكوميين. ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى حدوث أزمة دستورية كاملة بين فروع الحكومة، بما يقوض الدولة اليهودية نفسها من الداخل.