لا يزال الغموض هو سيد الموقف في النيجر بعد الانقلاب الذي نفذه ضباط ضد الرئيس المنتخب محمد بازوم، بين من يرى أن الأمور حُسمت، ومن يعتقد أن بازوم قد يعود للسلطة.
وفي ظل استمرار الوساطة الإفريقية والإدانات الدولية ودعوة واشنطن لعدم التصعيد، كشف تقرير لمجلة أمريكية عن تاريخ ممتد من الانقلابات في دول إفريقية نفذها ضباط درّبتهم أمريكا، فهل انقلاب النيجر هو الحادي عشر في تلك السلسلة؟
ما الموقف الآن في النيجر؟
كان عدد من عناصر الحرس الرئاسي في النيجر قد أعلنوا، عبر التلفزيون الرسمي، الأربعاء، 26 يوليو/تموز، عزل الرئيس محمد بازوم واحتجازه وأسرته ووزير الداخلية وإغلاق حدود البلاد الواقعة غرب إفريقيا. وقال الجنود إنهم عطلوا الدستور، وعلقوا عمل جميع المؤسسات في البلاد.
وعلى الفور توالت الإدانات الدولية والإقليمية للانقلاب في النيجر، لكن الخميس، 27 يوليو/تموز، ومع وصول الرئيس البنيني لإجراء وساطة، أعلن قائد الجيش عن تأييده للقوات التي أعلنت الاستيلاء على السلطة في البلاد، ليزداد الموقف غموضا، بين من يرى أن الانقلاب "نجح" وحُسمت الأمور، وبين من يقول إن الأمور لم تُحسم بعد، مرجحاً عودة الرئيس المنتخب إلى السلطة.
إذ اعتبرت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، الجمعة، 28 يوليو/تموز، أن محاولة العسكريين السيطرة على الحكم في النيجر ليست "نهائية" بعد، وأنه لا يزال هناك مخرج إذا استمع المسؤولون (عن تلك المحاولة) إلى المجتمع الدولي، بحسب تقرير لفرانس 24.
لكن لا شك في أن موقف الجيش يعقّد الموقف أكثر في الدولة التي تعتبر آخر معاقل فرنسا في غرب إفريقيا. إذ يعد الرئيس بازوم، البالغ من العمر 63 عاماً، واحداً من القادة الموالين للغرب في منطقة الساحل، حيث أدت انقلابات متتالية ضد رؤساء منتخبين في مالي وبوركينا فاسو في السنوات الأخيرة إلى تقلص النفوذ الفرنسي بشكل لافت.
فقد أعلن قائد الجيش عن تأييده انقلاب القوات التي أعلنت استيلاءها على السلطة في البلاد بعد اعتقالها الرئيس المنتخب محمد بازوم، وقال بيان وقّعه رئيس أركان القوات المسلحة في النيجر، عبده صديقو عيسى، إن "القيادة العسكرية للقوات المسلحة في النيجر قررت الموافقة على إعلان قوات الدفاع والأمن؛ من أجل تجنب مواجهة دامية بين مختلف القوات".
انقلابات ضباط أفارقة درّبتهم أمريكا
وبينما لا يزال الموقف غامضاً في الدولة الواقعة غرب إفريقيا والشهيرة بتكرار الانقلابات العسكرية منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، نشرت مجلة The Intercept الأمريكية تقريرا عنوانه "هل انقلاب النيجر يحمل الرقم 11 لضباط أفارقة دربتهم أمريكا منذ 2008؟"، كشف عن تلقي الضباط الذين نفذوا انقلاب النيجر تدريبات أمريكية.
إذ إن محاولة الانقلاب الجارية حاليا في النيجر تعتبر امتداداً لسلسلة طويلة من الانقلابات العسكرية في دول غرب إفريقيا قام بها ضباط تلقوا تدريباً أمريكياً. وعلى الرغم من أنه لا يزال معروفاً إذا ما كان الضباط الذين نفذوا الانقلاب في النيجر، جميعهم أو عدد منهم، قد تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية أو كانوا ضمن برامج تدريب يشرف عليها ضباط أمريكيون، فإن المعروف أن واشنطن قد دربت أفراداً من الحرس الرئاسي النيجري خلال السنوات الأخيرة، بحسب وثائق البنتاغون.
وفي هذا السياق، كان ضباط تلقوا تدريبات عسكرية أمريكية قد شاركوا في 6 انقلابات على الأقل في بوركينا فاسو ومالي، المجاورتين للنيجر، منذ عام 2012. ويبلغ عدد سكان النيجر 24 مليون نسمة، الأغلبية الساحقة منهم مسلمون، وتقع في غرب إفريقيا، وهي بلد حبيس سُميت نسبة إلى نهر النيجر الذي يخترق أراضيها، ويحدها من الجنوب نيجيريا وبنين ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي ومن الشمال الجزائر وليبيا، وتحدها تشاد من جهة الشرق.
وبحسب تقرير المجلة الأمريكية، شارك ضباط دربتهم أمريكا في 10 انقلابات على الأقل في غرب إفريقيا منذ عام 2008، منها انقلابات 2014 و2015 و2020 و2021 في بوركينا فاسو، وانقلاب 2008 في موريتانيا.
"إننا على دراية بالموقف في نيامي (عاصمة النيجر) ونعمل مع وزارة الخارجية الأمريكية لتقييم أعمق للموقف وسنقدم المعلومات عندما تكون متوفرة"، بحسب ما قاله جون مانلي، المتحدث باسم القيادة الأمريكية في إفريقيا لمجلة The Intercept. لكن مانلي رفض الإجابة عن تساؤلات المجلة حول إذا ما كان الضباط المنفذين لانقلاب النيجر، جميعهم أو أيا منهم، قد تلقوا تدريباً أمريكياً.
وفي عام 2002، وقبل انتشار الجماعات الجهادية أو العصابات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي، كانت الولايات المتحدة قد بدأت في تقديم مساعدات عسكرية للنيجر هدفها مكافحة "الإرهاب"، وأغرقت واشنطن الدولة الإفريقية بالعتاد العسكري من العربات المدرعة إلى طائرات المراقبة. ومنذ 2012، تم إنفاق 500 مليون دولار من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين في النيجر، ما يجعلها أكبر برنامج مساعدات أمريكية لدولة في منطقة الصحراء الكبرى الإفريقية، بحسب وثائق البنتاغون.
وتقوم القوات الأمريكية بتدريب ومساعدة القوات النيجرية، بل شاركت أيضاً قوات أمريكية في القتال ضد الجماعات المسلحة، قتل أفراد من القوات الأمريكية في كمين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2017. وعلى مدى العقدين الماضيين، ارتفع عدد القوات الأمريكية في النيجر من نحو 100 فقط إلى أكثر من 1000، كما شهدت النيجر انتشارا للقواعد الأمريكية، حيث توجد أكبر قاعدة أمريكية للطائرات من دون طيار في إفريقيا على أراضي النيجر.
وتقع القاعدة الأمريكية في مدينة أغاديز شمالي النيجر وبلغت تكلفة إقامتها 110 مليون دولار، وإدارتها وصيانتها ما بين 20 و30 مليون دولار سنويا، والقاعدة هي المركز الرئيسي لعمليات المراقبة وتنسيق الهجمات في منطقة غرب إفريقيا بالكامل.
اللافت هنا هو أنه خلال عامي 2002 و2003، عندما بدأت المساعدات العسكرية الأمريكية تتدفق على النيجر تحت ذريعة مكافحة الإرهاب، سجلت وزارة الخارجية الأمريكية 9 هجمات إرهابية فقط في جميع أراضي القارة الإفريقية. لكن العام الماضي فقط، تم رصد 2737 هجوماً عنيفاً في بوركينا فاسو ومالي وغرب النيجر فقط، بحسب تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية في إفريقيا، التابع لوزارة الدفاع الأمريكية.
ما موقف أمريكا من الانقلاب؟
أدانت أمريكا محاولة الانقلاب في النيجر منذ اللحظة الأولى للإعلان عنه، وكان وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، قد نقل "دعم واشنطن الثابت" في اتصال هاتفي مع بازوم، وطالبت الولايات المتحدة، الأربعاء، بإطلاق سراح بازوم، حيث قال مستشار الأمن القومي بالبيت الأبيض، جيك سوليفان، في بيان: "ندين بشدةٍ أي محاولة لاعتقال أو إعاقة عمل الحكومة المنتخبة ديمقراطياً في النيجر، والتي يديرها الرئيس بازوم".
كما دعا بلينكن إلى "الإفراج الفوري" عن رئيس النيجر، وقال من نيوزيلندا: "تحدثتُ مع الرئيس بازوم في وقت سابق هذا الصباح، وقلت له بوضوحٍ إن الولايات المتحدة تدعمه بقوة بصفته رئيساً للنيجر منتخباً بشكل ديمقراطي"، مطالباً بـ"إطلاق سراحه فوراً". وأعلن بلينكن أن استمرار المساعدات التي تُقدمها بلاده للنيجر مرهون بـ"الحفاظ على الديمقراطية" في الدولة الإفريقية. كما صدرت إدانات عن فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر.
والخميس، قال متحدث باسم بعثة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة إن واشنطن تدعم قيام مجلس الأمن بإجراءات لخفض التصعيد في النيجر، وذكر بيان أمريكي أن سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد تحدثت إلى رئيس النيجر محمد بازوم.
وقال متحدث إنها أوضحت أن "الولايات المتحدة راسخة في مساندتها للديمقراطية في النيجر، وتدعم اتخاذ إجراءات في مجلس الأمن الدولي لخفض التصعيد ومنع إلحاق الأذى بالمدنيين وضمان النظام الدستوري".
المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارين جان-بيير، قالت من جانبها إن الولايات المتحدة لا ترى أي مؤشرات يعتد بها على تورط روسيا أو قوات مجموعة فاجنر العسكرية الروسية الخاصة في الانقلاب بدولة النيجر. وأضافت للصحفيين في إفادة بأن واشنطن تحث المواطنين الأمريكيين في النيجر على توخي الحذر.
ويبلغ إجمالي مساحة النيجر نحو 1.3 مليون كم مربع، مما يجعلها أكبر دولة في منطقة غرب إفريقيا من حيث المساحة، ويتركز معظم سكان النيجر في أقصى جنوبي وغربي البلاد، وعاصمتها نيامي، وهي أكبر مدن النيجر، والتي يقع أغلبها على الضفة الشرقية لنهر النيجر في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد.
والنيجر واحدة من أكثر دول العالم التي شهدت انقلابات في تاريخها المعاصر، إذ سجلت 4 انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فضلاً عن العديد من محاولات الانقلاب الفاشلة، كانت إحداها قبل تنصيب بازوم نفسه بيومين. ووقع آخر انقلاب في الدولة الإفريقية في فبراير/شباط 2010، وأطاح حينها بالرئيس مامادو تانجا.
وكان تولي بازوم، أول رئيس عربي ومنتخب، السلطة في أبريل/نيسان عام 2021، خلفاً للرئيس محمدو إيسوفو، في أول انتقال للسلطة من رئيس إلى آخر من خلال صناديق الانتخابات. وعلى الرغم من أن إيسوفو كان قد جاء إلى السلطة في أعقاب انقلاب عسكري أطاح بالرئيس الأسبق مامادو تانجا، فإن إيسوفو لم يلجأ إلى تعديل الدستور ليظل في الحكم كما كان متوقعاً، وتنافس حليفه بازوم في الانتخابات، التي شكلت سابقة غير مألوفة في البلاد، سمحت بصعود رئيس من الأقلية العربية في بلد تحكمه العصبية القبلية.