وقع انقلاب في النيجر للمرة الخامسة منذ استقلال البلاد عن فرنسا عام 1960. فقد احتجز الحرس الرئاسي محمد بازوم، رئيسَ البلاد وأحد آخر حلفاء الغرب في منطقة الساحل بشمال إفريقيا، مساء الأربعاء، 26 يوليو/تموز.
في اليوم التالي، تجمع مئات الأشخاص في نيامي، عاصمة النيجر. وعلى الرغم من أن الأخبار الواردة كانت تذهب إلى أن الانقلاب يقف وراءه عسكريون محليون، فإن الحشود كانت تلوح بالأعلام الروسية ويهتفون بتأييد مجموعة المرتزقة "فاغنر".
في المقابل، نبَّه محللون إلى أن الانقلاب يأتي في سياق التحركات المتسارعة لروسيا من أجل توسيع نفوذها في المنطقة، وحذّروا من أنها تسعى إلى تكوين تحالف مناهض للغرب هناك.
النيجر وإنتاج اليورانيوم
من جهة أخرى، فإن تصاعد الاضطرابات في جميع أرجاء منطقة الساحل الإفريقي يحمل في طياته تهديدات جديدة لإمدادات الطاقة في أوروبا، بحسب تقرير لصحيفة The Telegraph البريطانية.
يقول دانيال فوبيرت، مؤسس شركة الاستشارات Excalibur Insight، إن ما حدث يُعرّض أمن الطاقة الأوروبي للخطر، و"أرى أنه قد ينشأ عنه أزمة أخرى في الطاقة، خاصةً إذا فعلت روسيا في إفريقيا ما تفعله في أوكرانيا"، "فما داموا قد استطاعوا أن يشنوا حرباً في أوروبا، فما الذي يحول دون إشعالهم حرباً مثلها في إفريقيا، التي لا يعبأ بها أحد، لا سيما وأن الفرنسيين أنفسهم غير مهتمين" بالقدر الكافي.
لكن حقائق الأمور تقول إن الفرنسيين يجب أن يهتموا بما يحدث في النيجر. فهذه البلاد تنتج نحو 5 % من إمدادات اليورانيوم في العالم، وهو عنصر لا غنى عنه في إنتاج الطاقة النووية. وتصدر النيجر هذه الكمية كلها إلى فرنسا، التي تنتج 70% من احتياجات الكهرباء لديها من مصادر نووية.
ومع ذلك، ترى ساين غوهيل، محللة المخاطر في وكالة Fitch Solutions، أن "اعتماد النيجر على صادرات اليورانيوم إلى فرنسا أكبر من اعتماد فرنسا على واردات اليورانيوم من النيجر".
لكن الانقلاب يسلط الضوء على مشكلة أوسع، تتعلق بصادرات اليورانيوم البعيدة عن المراقبة والعقوبات. فقد جاء ما يقرب من ثلثي واردات فرنسا من اليورانيوم في عام 2022 من دولٍ تقع الآن في دائرة نفوذ روسيا. وفي العام الماضي، حصلت فرنسا على 30% من واردات اليورانيوم مباشرة من روسيا، و12% منها من كازاخستان، و9,6% منها من أزبكستان، والبلدان من دول الاتحاد السوفييتي السابق.
تقول غوهيل: "إنه أمر مقلق، لأن فرنسا تعتمد اعتماداً كبيراً على الطاقة النووية".
ولفتت غوهيل إلى وقوع سبعة انقلابات في غرب إفريقيا ووسطها خلال السنوات الثلاث الماضية فقط. فقد اندلع تمرد مسلح في مالي، وطردت سلطات مالي وبوركينا فاسو القوات الفرنسية التي كانت متمركزة في البلدين. وهو ما زاد من أهمية النيجر وجعلها أحد أبرز حلفاء الغرب في المنطقة.
زعمت غوهيل أن هذه الانقلابات ترتبط فيما بينها بنمطٍ واضح، فقد كان لروسيا تأثير ملحوظ في المسار الذي اتخذته مالي وبوركينا فاسو في أعقاب الانقلابات التي جرت فيها، و"العبرة المستخلصة من ذلك أن الغرب معرّض لخطر بازغ، يتمثل في ابتعاد النيجر عن فرنسا والولايات المتحدة، وميلها نحو روسيا".
ارتفاع أسعار اليورانيوم
علاوة على ذلك، فإن فرنسا تصدر الطاقة النووية إلى ألمانيا؛ ويحصل الاتحاد الأوروبي عموماً على ربع احتياجاته من الكهرباء من الطاقة النووية. وقد دعا ذلك غوهيل إلى القول إن انقلاب النيجر له "تداعيات إقليمية على الطاقة النووية في أوروبا".
يقول فيليب أندروز سبيد، زميل الأبحاث الأول في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "لو لم يكن الطلب [على إمدادات اليورانيوم اللازمة لإنتاج الطاقة النووية] في ارتفاع، لكانت المشكلة أهون، لكن الواقع أن الطلب متزايد".
وبحسب الصحيفة البريطانية تزايدت أسعار اليورانيوم تزايداً حاداً ومطرداً في العامين الماضيين. فقد ارتفعت أسعاره بنسبة 74% من يناير/كانون الثاني 2021 إلى يناير/كانون الثاني 2023؛ ثم ارتفعت بنسبة 11% في الأشهر الستة الأولى من هذا العام.
أشار أندروز سبيد كذلك إلى أن "بريطانيا تحدثت عن رغبتها في بناء مفاعلات نووية جديدة. ومن المرجح أن تمضي بولندا ورومانيا قدماً في تعزيز الاعتماد على الطاقة النووية. وتبني تركيا أول محطة للطاقة النووية، وشرعت فنلندا في بناء محطة أخرى. فهناك دوافع كثيرة لتعزيز أمن الطاقة، وزيادة الاعتماد على الطاقة الخضراء"، وقد ساهم كل ذلك في زيادة أسعار الطاقة.
إضافة إلى ذلك، فإن نفوذ روسيا في النيجر قد يؤدي إلى تعطيل خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، والذي من المقرر أن يمتد من نيجيريا، عبر النيجر إلى أوروبا، وهو المشروع الذي يندرج في خطط أوروبا الاستراتيجية لتنويع إمدادات الغاز وتقليص الاعتماد على روسيا.
ليس اليورانيوم فقط ولكن الغاز أيضاً
من المفترض أن يزوّد هذا الخط أوروبا بنحو 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنوياً، وهي إمدادات تكفي لتلبية احتياجات الغاز في نحو 30 مليون منزل في أوروبا. ويتوقع أن تعوض هذه الإمدادات حصة كبيرة من الغاز التي كانت أوروبا تستوردها من روسيا (نحو 155 مليار متر مكعب).
تقول غوهيل: "قد يكون هذا أحد الأسباب التي تدفع روسيا إلى المسارعة ببناء علاقات وثيقة مع المجلس العسكري الجديد، وربما تعطيل مشروع إنشاء خط الغاز". ومع ذلك، تستبعد غوهيل أن يكون لدى بوتين الوسائل الاقتصادية اللازمة لفعل ذلك.
على الرغم من ذلك، فإن الحضور الروسي في النيجر -في حد ذاته- يمكن أن يساعدها في تعزيز قدراتها الحربية في أوكرانيا، إذ تقول غوهيل إن "الذهب لطالما كان الشاغل الأول للروس في هذا السياق. ومجموعة فاغنر قد لا تهتم باليورانيوم، أما الذهب فأرباحه في متناول اليد، ويمكن إرساله إلى روسيا"، و"هم يفعلون الأمر ذاته في بلدان إفريقية أخرى"، وزيادة احتياطيات الذهب يسهم في تعزيز استقرار الاقتصاد الوطني في روسيا.
أما دانيال فوبيرت، من شركة الاستشارات Excalibur Insight، فيجزم بأن ما يحدث في النيجر يُنذر بخطر هائل على الاستقرار الإقليمي، ويرى أن روسيا ما انفكت تُنشئ باطرادٍ نطاق نفوذٍ لها بالمنطقة في مواجهة الغرب.
أخر معاقل فرنسا أصبح قريباً من روسيا
ويقول فوبيرت: "إنهم يتوسعون تدريجياً، وتوسعهم يزداد خطورة. لأن روسيا تستطيع بعد ذلك أن تستخدم نفوذها في إفريقيا كوسيلة للضغط على دول مهمة. وهم لديهم بالفعل علاقات جيدة للغاية مع الجزائر، وحضور كبير في شرق ليبيا، وعلاقات قوية مع مصر. أي إننا [الغرب] نُفصل ببطء عن جنوب الكرة الأرضية".
وتؤيد غوهيل ذلك بالقول: "لقد أفضى التقارب الوثيق بين روسيا من جهة، ومالي وبوركينا فاسو بعد الانقلاب فيهما، إلى طرد فرنسا من البلدين، ومطالبة البعثة الأمنية للأمم المتحدة بالمغادرة أيضاً. ولذلك فقد كانت النيجر إحدى آخر الدول التي لا تزال في تحالف وثيق مع الغرب في المنطقة".
وأشارت غوهيل إلى أن الولايات المتحدة لديها قاعدة طائرات مسيَّرة (بقيمة 100 مليون دولار) في النيجر، وهذه القاعدة "ركيزة أساسية في الحرب على الجماعات المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية في المنطقة".
من جانب آخر، استبعدت غوهيل أن تقع دول غرب إفريقيا في دائرة نفوذ روسيا لأن اقتصاد هذه الدول أكثر قوة، وقد رجَّحت أن يتمدد النفوذ الروسي شرقاً، و"تشاد قد تكون هدفاً محتملاً".
يذهب فوبرت إلى أن هذا النفوذ الروسي إنما هو صيغة أخرى من صيغ الاستعمار، فهي تتمدد في مناطق فراغ النفوذ التي خلفتها فرنسا. ويرى أن "[الرئيس الفرنسي إيمانويل] ماكرون في غاية الضعف"، فهو يصارع الاحتجاجات في الداخل، وليس لديه استراتيجية محكمة لمحاربة روسيا، بل هي مساعٍ غير كافية هنا وهناك.