وقع انقلاب في النيجر، احتجز خلاله أفراد من الحرس الجمهوري الرئيس محمد بازوم وأسرته في القصر الرئاسي، فماذا يحدث في الدولة الإفريقية؟ ومن هو بازوم، أول رئيس عربي للنيجر؟
كانت عناصر تابعة للحرس الجمهوري في النيجر، الدولة الواقعة في غرب إفريقيا والتي كانت مستعمرة فرنسية، قد أعلنت في بيان متلفز، الأربعاء، 26 يوليو/تموز 2023، عزل بازوم من السلطة، وتعليق العمل في جميع مؤسسات الجمهورية، في سابع انقلاب تشهده منطقة غرب ووسط إفريقيا منذ عام 2020.
وأثارت محاولة الانقلاب، التي لا تزال مستمرة، إدانات دولية وإقليمية وعربية، بينما توجه الرئيس البنيني إلى النيجر للوساطة، ومحاولة التوصل لحل سلمي للأزمة، وأمهل الجيش النيجري قادة الانقلاب مهلة للإفراج عن بازوم وأسرته.
"أبو عزوم".. أول رئيس عربي للنيجر
كان الحساب الرسمي للرئاسة في النيجر قد نشر، الخميس، 27 يوليو/تموز، تغريدة عبر تويتر (إكس) قال فيها إن محمد بازوم وعائلته في وضع جيد، مشيراً إلى أن عناصر في الحرس الوطني "ينفذون عملاً مناهضاً لقيم الجمهورية"، وأضافت رئاسة النيجر أن قائد الحرس الوطني، الجنرال عمر تشياني، الذي يتولى منصبه منذ 10 سنوات، يقف وراء احتجاز الرئيس بازوم.
وقال بازوم عبر الحساب نفسه إن "المكاسب التي تحققت بشق الأنفس سيتم صونها" وإن مواطني النيجر الذين يحبون الديمقراطية سيحمون تلك المكاسب. كما دعا وزير الخارجية، حسومي مسعودو، على منصة إكس "جميع الديمقراطيين والوطنيين" إلى العمل على إفشال هذه "المجازفة الخطيرة".
وبازوم سياسي نيجري، ذو أصول عربية ليبية تُعد من الأقليات في البلاد، وُلد في الأول من يناير/كانون الثاني 1960، وشغل العديد من المناصب العليا في حكومة الرئيس السابق محمدو إيسوفو، فكان وزيراً للخارجية والداخلية والشؤون الدولية. وتولى رئاسة النيجر عام 2021 من خلال الانتخابات، ليكون أول رئيس يصل للسلطة من دون انقلاب عسكري، ويصبح أول رئيس عربي يرأس بلاده.
النيجر واحدة من أكثر دول العالم التي شهدت انقلابات في تاريخها المعاصر، إذ سجلت 4 انقلابات منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، فضلاً عن العديد من محاولات الانقلاب الفاشلة، كانت إحداها قبل تنصيب بازوم نفسه بيومين. ووقع آخر انقلاب في الدولة الإفريقية في فبراير/شباط 2010، وأطاح حينها بالرئيس مامادو تانجا.
"أبو عزوم"، كما يطلق عليه أصدقاؤه، من مواليد منطقة ديفا أقصى جنوب شرقي النيجر، قرب الحدود مع نيجيريا، ونالت البلاد استقلالها عن فرنسا بعد 8 أشهر من ميلاده. وينحدر بازوم من قبيلة أولاد سليمان العربية التي يقطن فرع منها النيجر، بينما تتركز غالبيتها في جنوب ووسط ليبيا، وتنحدر أصولها من قبائل بني سليم العربية العدنانية القيسية وسط الجزيرة العربية.
وقد أشار بازوم إلى أن جده الأكبر وصل إلى النيجر خلال أربعينيات القرن الـ19، وحاول منافسوه استغلال هذا الانتماء القبلي ضده خلال الانتخابات الرئاسية، واتهموه بأنه من أصول أجنبية. ويتقن بازوم عدة لغات، من بينها العربية والإنجليزية والفرنسية والهوسا والتوبو والكانوري، وهو متزوج من السيدة خديجة بن مبروك.
المشوار السياسي الممتد لبازوم
يبلغ عدد سكان النيجر 24 مليون نسمة، الأغلبية الساحقة منهم مسلمين، وتقع في غرب إفريقيا، وهي دولة حبيسة سميت نسبة إلى نهر النيجر الذي يخترق أراضيها، ويحدها من الجنوب نيجيريا وبنين ومن الغرب بوركينا فاسو ومالي ومن الشمال الجزائر وليبيا، وتحدها تشاد من جهة الشرق.
ويبلغ إجمالي مساحة النيجر حوالي 1.3 مليون كم مربع، مما يجعلها أكبر دولة في منطقة غرب إفريقيا من حيث المساحة، ويتركز معظم سكان النيجر في أقصى جنوب وغرب البلاد، وعاصمتها نيامي، وهي أكبر مدن النيجر التي تقع أغلبها على الضفة الشرقية لنهر النيجر في الجزء الجنوبي الغربي من البلاد.
أما بازوم، فقد قضى مراحل التعليم الأساسية له في النيجر حتى حصل على شهادة الثانوية عام 1979، ثم درس الفلسفة الأخلاقية والسياسية في جامعة داكار في السنغال، التي كانت أكبر جامعات غرب إفريقيا في ذلك الوقت، ومن هنا أطلق عليه أصدقاؤه لقب الفيلسوف، بحسب تقرير لموقع الجزيرة.
ومنذ فترة شبابه، كانت ميول بازوم اليسارية من خلال نشاطه الطلابي، وبعد أن انتهى من دراسته الجامعية في السنغال، عاد إلى النيجر وبدأ حياته العملية مدرساً.
أما عن مشواره السياسي، فقد بدأ مبكراً، وتولى أول منصب وزاري له في بداية الثلاثين من عمره، حيث تولى منصب وزير الدولة للتعاون في الحكومة الانتقالية لرئيس الوزراء، أمادو شيفو، في الفترة من 1991 إلى 1993. وفي انتخابات أبريل/نيسان 1993 انتخب لعضوية الجمعية الوطنية مرشحاً للحزب الديمقراطي الاجتماعي، ثم شغل منصب وزير الشؤون الخارجية والتعاون والتكامل الإفريقي والنيجريين في الخارج بحكومة حمة أمادو في 21 يناير/كانون الثاني 1995.
وتعتبر النيجر واحدة من أفقر دول العالم، حيث تشغل الصحراء الكبرى نحو 80% من مساحة البلاد، بينما تعاني الأجزاء الباقية منها من مشكلات تتعلق بالمناخ مثل الجفاف والتصحر. وكانت النيجر قديماً عبارة عن أطراف مترامية لدول وممالك كبيرة أخرى، ومنذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، تعاقبت على النيجر 5 حكومات، بالإضافة إلى 3 فترات من الحكم العسكري حتى تم تشريع قانون انتخابي يحكم اختيار رئيس البلاد عام 1999.
الانقلاب على بازوم
كانت لمحمد بازوم علاقة تاريخية طويلة بالرئيس المنتهية ولايته محمدو إيسوفو، إذ شارك معه في تأسيس الحزب الوطني الديمقراطي الاجتماعي عام 1990، ثم صار بازوم نائباً لإيسوفو في رئاسة الحزب عام 2004. وبعد تولي إيسوفو رئاسة البلاد عام 2011، تولى بازوم رئاسة الحزب، حيث يمنع القانون في النيجر رئيس الدولة من المشاركة في الحياة الحزبية.
ويتمتع بازوم بشعبية لافتة، إذ نجح في الفوز بجميع الانتخابات البرلمانية التي شارك فيها، أعوام 1993، و2004، و2011، و2016، وذلك عن دائرة تيسكر بمنطقة زيندر جنوب شرق البلاد، ثم انتخب نائباً لرئيس مجلس الأمة ورئيساً للكتلة النيابية لحزبه. انتقل بازوم إلى منصب وزير الدولة برئاسة الجمهورية يوم 25 فبراير/شباط 2015، ومنحته هذه الخطوة فرصة التركيز على قيادة الحزب، تحسباً لمسعى إيسوفو لإعادة انتخابه عام 2016.
وتم انتخاب بازوم عضواً في المجلس التشريعي بالانتخابات النيابية في فبراير/شباط 2016، وبعد أن أدى إيسوفو اليمين الدستورية لولاية ثانية، عُين بازوم وزير دولة للداخلية والأمن العام واللامركزية والشؤون العرفية والدينية يوم 11 أبريل/نيسان 2016، وظل يشغل المنصب حتى صيف 2020، عندما استقال من منصبه للاستعداد للترشح للانتخابات الرئاسية.
ويشهد له السياسيون الذين اقتربوا منه بأنه كان وزيراً فاعلاً في الشؤون الخارجية، وصاحب قبضة مهيمنة خلال توليه منصب وزير الداخلية، إذ يحفظ ويعي جيداً طبوغرافيا بلاده، وقام بمسح كل زاوية وركن فيها.
وفي أبريل/نيسان 2021 أدى بازوم اليمين الدستورية ليعين رئيساً للبلاد في حدث سياسي نادر في تاريخ النيجر منذ استقلالها عن فرنسا، إذ نقلت السلطة سلمياً من رئيس مدني منتخب ديمقراطياً إثر انقلاب عسكري (محمد إيسوفو) إلى آخر، وذلك بعد إنهاء إيسوفو فترتين رئاسيتين من دون تعديله الدستور من أجل أن يحظى بثالثة ومن دون انقلاب عسكري بعد 4 انقلابات منذ الاستقلال. ولكن قبل تنصيب بازوم بيومين فقط، تم إحباط محاولة انقلاب عسكري كانت تهدف إلى منعه من تولي المنصب.
وشكلت تلك الانتخابات، التي انتهت جولتها الثانية يوم 21 فبراير/شباط 2021، سابقة غير مألوفة في البلاد سمحت بصعود رئيس من الأقلية العربية في بلد تحكمه العصبية القبلية. إذ حقق بازوم فوزاً صعباً وحصل على 2.5 مليون صوت، مقابل 1.9 مليون صوت لصالح خصمه ماهامان عثمان، أي أكثر من 55% من الأصوات.
وكانت شخصيات معارضة قد تقدمت، أثناء الانتخابات، بطلب إلى المحكمة الدستورية (أعلى قضائية في النيجر) متهمة محمد بازوم بتزوير جنسيته النيجرية، وقالت إنها لن تعترف بفوزه بالرئاسة، وستستمر في الاعتراض على نتائج الانتخابات. وأثارت هذه القضية غضب بازوم خلال الحملة الانتخابية، لكن معاونيه اعتبروا الأمر "تافهاً ولا يستحق"، وأشاروا إلى أن والد منافسه من تشاد. وقد رفضت المحكمة طلب شطب ترشيحه.
ومن الاتهامات الأخرى التي طالته كانت قبل إعلان نتائج الجولة الأولى من الانتخابات بفترة وجيزة، إذ زعمت حملة منافسه ماهامان عثمان (أول رئيس منتخب في البلاد) وقوع عمليات تزوير واسعة النطاق، بما في ذلك سرقة صناديق الاقتراع وحشوها وتهديد الناخبين، وقال مساعدو بازوم إن حملة المرشح المنافس لم تقدم أي دليل يدعم هذه المزاعم.
وقد كان عثمان يأمل في الفوز بالرئاسة للمرة الثانية، مدعوماً بقبيلة الهوسا القوية التي ينتمي إليها، والتي يمثل أفرادها -وفقاً لتقديرات- نحو 50% من إجمالي السكان، البالغ عددهم 24 مليون نسمة.
أدى بازوم اليمين في المركز الدولي للمؤتمرات في العاصمة نيامي بحضور عدد من رؤساء الدول الإفريقية. وقال بازوم بعد أدائه اليمين الدستورية إن النيجر "تواجه وجود مجموعات إرهابية تجاوزت همجيتها كل الحدود"، وتقوم "بارتكاب مجازر بحق المدنيين الأبرياء على نطاق واسع وترتكب أحياناً جرائم حرب حقيقية"، وأضاف أن قادة المجموعات الإرهابية "يخضعون لسيطرة دول أخرى".
وكانت توجهات بازوم، التي أعلنها يوم تنصيبه، التركيز على ثروات بلاده المعدنية لما يمكن أن تساعد في تحقيق نمو اقتصادي سنوي بنسبة 8% تقريباً خلال 5 سنوات، ورغم ذلك فإنه أكد أن تحديات المناخ والأمن تعوق التنمية، مضيفاً أن مشكلة النيجر الأساسية منذ استقلالها ضعف نظامها التعليمي، وأكد أنه سيجعل إصلاح النظام التعليمي والأمن أولوية له.