في ظرف أيام قليلة فقط، انتقلت براميلا جايبال، زعيمة التقدميين في مجلس النواب الأمريكي، من وصف إسرائيل بـ"دولة عنصرية" إلى الاعتذار عن وصفها هذا، وأخيراً إلى التوقيع على قرار في مجلس النواب يبرئ إسرائيل من العنصرية.
وهذا المسار غير الاعتيادي للأحداث، خلال الأسبوع الماضي، إنما هو علامة أخرى على الانقسام المتزايد بين ناخبي الحزب الديمقراطي وأعضاء الكونغرس التقدميين، من ناحية، والقيادة الديمقراطية المؤيدة لإسرائيل التي ترفض السماح بدخول أي انتقادات لإسرائيل إلى أروقة الحكومة، من ناحية أخرى، وفقاً لما قاله نشطاء فلسطينيون وخبراء في سياسة الشرق الأوسط لموقع Middle East Eye البريطاني.
الحزب الديمقراطي يقمع الأصوات الداخلية المنتقدة لإسرائيل
قالت ساندرا تماري، الناشطة الفلسطينية الأمريكية ومديرة مشروع عدالة، لموقع Middle East Eye: "الخلاف داخل الحزب الديمقراطي حول إسرائيل يحتدم منذ فترة طويلة. وأرى أن تصريح جايبال تأكيد لما تعرفه قاعدة الناخبين، أن إسرائيل دولة عنصرية. لكن الحزب الديمقراطي يبذل قصارى جهده لقمع هذه المشاعر". وأضافت: "هذه أزمة لقيادة الحزب. وأعداد الناخبين الذين يرفضون ذلك تتزايد كل يوم".
وبدأ تسلسل هذه الأحداث في شيكاغو يوم السبت، 15 يوليو/تموز 2023، حين واجهت عضوا الكونغرس براميلا جايبال وجان شاكوفسكي، في مؤتمر نتروتس Netroots- وهو مؤتمر سنوي للجماعات والنشطاء التقدميين- المتظاهرين المعترضين على امتناع شاكوفسكي عن دعم حقوق الفلسطينيين، وعن التوقيع على مشروع قانون عضو الكونغرس بيتي ماكولوم لحماية الأطفال الفلسطينيين.
وتدخلت جايبال، رئيسة التجمع التقدمي في مجلس النواب، الذي يضم أكثر من 100 عضو في الكونغرس، للرد على المحتجين، وقالت: "أريدكم أن تعلموا أننا نقاتل لنعلن بوضوح أن إسرائيل دولة عنصرية".
ولم يلبث مقطع فيديو لتصريحاتها أن انتشر على تويتر وشاركته اللجنة الوطنية للحزب الجمهوري وأيباك AIPAC، أكبر مجموعة ضغط مؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة. ولأن هذه التصريحات تأتي قبل أيام قليلة من الموعد المقرر لإلقاء الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ خطاباً مشتركاً أمام الكونغرس، تحرك الديمقراطيون والجمهوريون على حدّ سواء بسرعة؛ للتنصل من هذه التصريحات.
لكن في أقل من يوم، أصدرت جايبال بياناً تراجعت فيه عن تصريحها واعتذرت. وقالت جايبال يوم الأحد، 16 يوليو/تموز: "الكلمات مؤثرة بكل تأكيد، لذا من المهم أن أوضح تصريحي. لا أعتقد أن إسرائيل كدولة عنصرية. لكنني أعتقد بكل تأكيد أن حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تشارك في سياسات تمييزية وعنصرية صريحة".
رغم ذلك، واجهت النائبة بيان إدانة وقّعه يوم الإثنين، 17 يوليو/تموز جمهوريون وأكثر من 40 من زملائها الديمقراطيين. وبعدها بيوم، أصدر مجلس النواب قراراً غير ملزم بأن "إسرائيل ليست دولة عنصرية"، وتم تمريره بأغلبية 412 صوتاً مقابل 9 أصوات. وكانت جايبال من ضمن المصوتين بتأييده.
تقول لارا حدادين، وهي ناشطة في شيكاغو وعضو بارز في شبكة المجتمع الفلسطيني الأمريكية (USPCN) التي كانت من الذين أطلقوا الاحتجاج في نتروتس على شاكوفسكي، إن ما حدث كان مخيباً للآمال، لكنها لم تتفاجأ من الرد على تصريحات جايبال.
وقالت لموقع Middle East Eye: "ما قالته النائبة لم يكن بأي حال من الأحوال مثاراً للجدل لنا، كان حقيقة بديهية. وهذا الهجوم الذي رأيناه يسلط الضوء على حقيقة أن الصهاينة، من الديمقراطيين والجمهوريين، يدركون أنهم يخسرون".
تاريخ الخلافات الداخلية في الحزب الديمقراطي حول إسرائيل
على مدى السنوات الماضية، بدأ بعض الأعضاء التقدميين في الحزب الديمقراطي في اتخاذ مواقف أشد انتقاداً لإسرائيل ومعاملتها للفلسطينيين. لكن كثيراً ما كانت تتعرض هذه المواقف لهجوم شرس من الجمهوريين.
وعوضاً عن أن تدافع القيادة الديمقراطية عن أعضاء حزبها، هاجمت هؤلاء المشرعين التقدميين، أو عملت على عزل آرائهم عن بقية الحزب.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك عضو الكونغرس إلهان عمر. فمنذ انتخابها عام 2018، واجهت هجمات كثيرة جراء انتقادها لإسرائيل.
فتعرضت النائبة الديمقراطية في الكونغرس لانتقادات بسبب تغريدة في فبراير/شباط عام 2019، هاجمت فيها الدعم الأمريكي لإسرائيل وتأثير اللوبي الإسرائيلي الضخم في واشنطن. واعتذرت إلهان لاحقاً عن تصريحاتها، ولكن ليس قبل أن توبخها قيادة حزبها.
ثم في أواخر عام 2019، هاجمت إلهان عمر دعم واشنطن غير المشروط لإسرائيل بقولها: "أريد أن أتحدث عن النفوذ السياسي في هذا البلد، الذي يقول إنه من المقبول أن يمارس الناس ضغوطاً لفرض الولاء لدولة أجنبية".
ودفع هذا التصريح الديمقراطيين إلى عقد اجتماع مغلق، ومناقشة كيفية معاقبة إلهان، واتفقوا في النهاية على إصدار قرار يدين معاداة السامية.
ومؤخراً، أقصيت إلهان من منصبها في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب؛ بسبب انتقادها لإسرائيل. لكن القادة الديمقراطيين دافعوا عنها هذه المرة.
وكان لرشيدة طليب، الفلسطينية الأمريكية الوحيدة في الكونغرس، نصيبها من الانتقادات أيضاً، من الجمهوريين والديمقراطيين على السواء.
ففي نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، اتهمت زميلة طليب الديمقراطية ديبي واسرمان شولتز- الرئيسة السابقة للجنة الوطنية الديمقراطية- طليب بمعاداة السامية بسبب تصريحات قالت فيها إنه "لا يمكن أن ندعي أننا نؤمن بالقيم التقدمية وندعم حكومة الفصل العنصري في إسرائيل في الوقت ذاته".
سلاح "معاداة السامية"
وقالت لارا فريدمان، رئيسة مؤسسة السلام في الشرق الأوسط: "فكرة اتهام الديمقراطيين التقدميين بأنهم معادون لإسرائيل ومعادون للسامية سلاح قوي جداً، لا للجمهوريين كي يستخدمونه ضد الديمقراطيين فقط، ولكن كي يلقونه إلى أيدي الديمقراطيون ليستخدموه ضد الديمقراطيين الآخرين أيضاً".
ويأتي الاحتجاج الذي شهده مؤتمر نتروتس في وقت يتزايد فيه الإحباط بين الفلسطينيين، الذين يتعرضون لعنف متنامٍ من الجنود الإسرائيليين والمستوطنين على حدٍّ سواء، فضلاً عن توسيع المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية المحتلة. واستشهد أكثر من 170 فلسطينياً هذا العام وحده بينهم أطفال ونساء.
ومع ذلك، كانت الإدانة لما تفعله إسرائيل مع الفلسطينيين محدودة، وركز كثير من الديمقراطيين، بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن، على الإعراب عن "مخاوفهم" إزاء التعديلات القضائية الإسرائيلية.
وقالت حدادين لموقع Middle East Eye: "هذا يدل على نفاق الحزب الديمقراطي والقادة الديمقراطيين، وحتى هؤلاء ممن يسمون أنفسهم التقدميين".
وقالت تماري، التي كانت عضواً في ندوة في مؤتمر نتروتس في اليوم السابق لحديث جايبال وشاكوسكي، لحدادين ونشطاء آخرين إن الطريقة الوحيدة للتعامل مع التقدميين الذين يتبنون آراء معادية للفلسطينيين هي مواجهتهم والاحتجاج عليهم.
وقالت تماري: "لم تدلِ جايبال بهذا التصريح لأنها كانت تنوي ذلك، لقد فعلت لأننا حولناها إلى قضية. واجهنا التقدميين، ومارسنا ضغوطاً عليهم".
قطاع كبير من الناخبين الديمقراطيين يرون إسرائيل دولة فصل عنصري
ويتوافق تصريح جايبال، الذي يصف إسرائيل بالعنصرية، مع الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية وحتى الإسرائيلية التي وصفت معاملة إسرائيل للفلسطينيين بالفصل العنصري، وفضلاً عن ذلك، يتوافق مع آراء الكثير من الناخبين الديمقراطيين.
إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته جامعة ماريلاند في أبريل/نيسان أن عدداً كبيراً من الناخبين الديمقراطيين الذين شاركوا في الاستطلاع قالوا إن إسرائيل دولة "فصل عنصري".
وقالت إيمان عابد طومسون، مديرة تنظيم الدعم في الحملة الأمريكية من أجل حقوق الفلسطينيين: "وما الفصل العنصري إلا عنصرية".
وأظهر استطلاع آخر في مارس/آذار، نشرته مؤسسة غالوب، أن الديمقراطيين في الولايات المتحدة يتعاطفون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع الإسرائيليين.
تقول إيمان: "على الديمقراطيين أن يستيقظوا. فهم لا يرون التحول الحقيقي ولا يشاركون فيه. ولو استمروا في مهاجمة الملونين، أو أي شخص آخر يجرؤ على انتقاد إسرائيل، فسيستمر كيانهم في الانهيار".