الجيران كلمة السر.. هل وجدت حكومة السوداني “الوصفة السحرية” لإنقاذ العراق أخيراً؟

عربي بوست
تم النشر: 2023/07/20 الساعة 09:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/07/20 الساعة 09:41 بتوقيت غرينتش
محمد شياع السوداني رئيس حكومة العراق/ حساب المكتب الإعلامي على موقع تويتر

بعد سنوات من الصراع بين قوى سياسية لها ولاءات ومصالح متناقضة، يبدو أن حكومة محمد شياع السوداني قد وجدت الحل السحري لأزمات العراق، فهل ينجح مسار الاقتصاد والتنمية أخيراً في بلاد الرافدين؟

كان العراق قد شهد في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021 انتخابات برلمانية مبكرة فاز فيها تيار رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر بـ73 مقعداً من إجمالي 329 مقعداً هي عدد أعضاء البرلمان؛ مما جعل التيار الصدري صاحب الكتلة الأكبر، لكن البلاد شهدت اضطرابات سببها الشد والجذب بين الصدر ومنافسيه في الإطار التنسيقي، مما أدخل البلاد في فترة طويلة من الانسداد السياسي.

وفي نهاية المطاف، انسحب الصدر من المشهد وتشكلت الحكومة برئاسة محمد شياع السوداني، ونجحت حكومته في تحقيق استقرار سياسي لم يعرفه العراق منذ سنوات، ويبدو أن كلمة السر هي الاقتصاد والتنمية، فما القصة؟

انفتاح اقتصادي على جيران العراق

على الرغم من أن العراق يُعتبر واحداً من الدول الغنية بالموارد المتنوعة، زراعية ومواد خام وغيرها، إلا أن بلاد الرافدين تعاني بشدة منذ الغزو الأمريكي عام 2003 وما تبعته من تداعيات كارثية أدت إلى انهيار شبه كامل في البنية التحتية الأساسية من طرق ومياه وكهرباء وخدمات بأنواعها، ويظل الفساد أحد أبرز المتهمين.

وكانت الحكومات العراقية المتعاقبة تطرح مشروعات طموحة في مجالات التنمية وإصلاح البنية التحتية، لكن تلك المشاريع لم تر النور تقريباً لأسباب متنوعة. وفي هذا السياق، اتجهت حكومة السوداني نحو فتح أبواب العراق اقتصادياً على الجيران في كل الاتجاهات، وتجسّد ذلك من خلال طرح مشاريع اقتصادية إقليمية عديدة انطلاقاً من أراضيه في مجالات التجارة والصناعة والاستثمار، بحسب تقرير لشبكة DW الألمانية.

ومن أحدث تلك المشاريع "طريق التنمية" بتكلفة 17 مليار دولار للربط البري بين دول الخليج وتركيا عبر ميناء الفاو الكبير جنوب العراق، وتم مؤخراً الإعلان عن هذا المشروع بحضور ممثلين عن الدول المجاورة والقريبة من العراق وعلى رأسها إيران وتركيا والسعودية.

وترى الحكومة العراقية برئاسة السوداني أن المشروع يمثل "ركيزة لاقتصاد مستدام متنوع لا يعتمد على النفط وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق ومنطقة الشرق الأوسط".

موجات الحر والغبار في بغداد، العراق/ أرشيفية (رويترز)
موجات الحر والغبار في بغداد، العراق/ أرشيفية (رويترز)

وهناك أيضاً مشاريع مشابهة تم طرحها بهدف تعزيز التعاون الإقليمي واتفقت الحكومة العراقية على بعضها بالفعل؛ مثل الربط الكهربائي وتطوير صناعة البتروكيماويات مع السعودية ومد أنبوب لتصدير النفط العراقي عبر ميناء العقبة الأردني، إضافة إلى مشروع "خط التجارة العربي" لنقل البضائع من العراق ودول الخليج والأردن عبر خليج العقبة ومنها إلى الأسواق المستهدفة عبر الموانئ المصرية.

وعلى الرغم من أن العراق يمتلك احتياطيات ضخمة من النفط، إلا أن المشكلة تكمُن في أن عصر النفط قد ينتهي بشكل أسرع من المتوقع، وعندها قد يجد بلد غني بموارد متنوعة مثل العراق نفسه أمام اقتصاد متصحر ومتدهور وضعيف البنية بسبب اعتماده بشكل متطرف على ريع النفط الذي يشكل نسبة تزيد على 90% من الصادرات.

وهذا ما تدركه حكومات الدول الغنية بالنفط والغاز؛ مثل السعودية والإمارات وقطر والكويت وباقي دول الخليج، فاتجهت جميعاً خلال السنوات الأخيرة إلى تنويع وتطوير مواردها الاقتصادية، وإن كان بنسب متفاوتة حتى الآن.

الزراعة والبنية التحتية

وفقاً لأحدث تقارير البنك الدولي، يرتبط أكثر من 60% من الاستثمارات العامة في العراق بأسعار النفط، وذلك مقارنة بنسبة كانت أقل من 17% عام 2010. ويأتي ذلك في وقت تدهور القطاع الزراعي والثروة السمكية كثاني أهم قطاع اقتصادي في البلاد.

يأتي هذا التدهور بنسبة تزيد على 60% في غضون سنوات قليلة وبشكل أساسي بسبب قلة المياه لأسباب متنوعة، منها ما ترتبط بمشاريع أقامها جيران العراق ومنها ما يرتبط بأزمة التغير المناخي العالمية. فقد قامت إيران بمشاريع كثيرة أدت إلى تجفيف أو تقليص روافد نهر دجلة الكثيرة والقادمة من الأراضي الإيرانية، كما قامت بتحويل مياه نهر الكارون وحرمان شط العرب منها.

وعلى الرغم من حصول العراق على طفرات مالية كبيرة بسبب ارتفاع أسعار النفط منذ بداية الحرب الأوكرانية، التي تصفها روسيا بأنها "عملية عسكرية خاصة"، بينما يصفها الغرب بأنها "غزو عدواني غير مبرر"، لا تزال البنية التحتية العراقية ضعيفة وهشة، باستثناء بعض الطرق البرية السريعة التي تربط بين المدن الرئيسية.

ويُعد أبرز مثال على هذا الضعف والهشاشة انقطاع التيار الكهربائي بشكل يومي على مدى ساعات بسبب حرارة صيف 2023 غير المسبوقة. وبالتالي فإنه من شأن طرح مشاريع مثل "طريق التنمية" أو "خط التجارة العربي" بالتعاون مع الدول المتجاورة أن يساهم في تطوير ودعم البنية التحتية في العراق، خاصة على صعيد الطرق والخطوط الحديدية وشبكات الطاقة والري والسدود في مختلف أنحاء البلاد.

العراق
منطقة جافة من نهر الفرات في العراق – رويترز

وفي هذا الإطار، يمكن للشركات التركية والإيرانية والسعودية والإماراتية أن تلعب دوراً هاماً في البناء وضخ الأموال اللازمة لإنجاز مشاريع النقل والطاقة بحكم الخبرة والمصالح المتبادلة والأهمية الواعدة للسوق العراقية كأحد أكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط من حيث عدد المستهلكين الذي يقارب 50 مليون نسمة ومن حيث القدرة الشرائية العائلة لشريحة واسعة منهم.

وهنا يمكن الإشارة مثلاً إلى الدور الهام الذي يمكن أن تلعبه شركات الإنشاءات التركية في بناء الطرق والجسور والشركات السعودية؛ مثل "أرامكو" في تطوير صناعة البتروكيماويات. وهناك أيضاً خبرات كبيرة للشركات الإماراتية في بناء المدن والأحياء السكنية يمكن الاعتماد عليها. أما الشركات الإيرانية التي لا تخضع للمقاطعة الغربية فيمكنها تقديم مساهمة كبيرة في بناء محطات الطاقة التي يحتاج إليها العراق.

جذب الاستثمار أبرز التحديات

يضاف إلى كل تلك الإمكانيات، يمكن أيضاً لتعزيز التعاون والمصالح المتبادلة في مجالات النقل والتجارة والاستثمارات وأنابيب نقل النفط أن يساعد على التخفيف من مشكلتي نقص المياه والجفاف، لأن القسم الأكبر من مصادر المياه العراقية ينبع من تركيا وإيران. فمع تزايد المصالح المتبادلة تلين عادة المواقف السياسية من قضايا شائكة ومعقدة مثل مشكلة المياه.

من خلال التصريحات والبرامج المعلنة والنقاشات المحتدمة، تبدو الحكومة العراقية، برئاسة محمد شياع السوداني، والرأي العام والنخب الداعمة، لها على وعي بالمخاطر التي تهدد مستقبل الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بالأساس على ريع تصدير النفط.

وفي هذا السياق، لم تكتف الحكومة العراقية بطرح مشاريع مشتركة مع الجيران مثل "طريق التنمية" و"خط التجارة العربي"، بل يجري الحديث عن إعداد برنامج متكامل يهدف "لإعادة تأهيل البنية التحتية ومشاريع الري وصناعات أساسية وجذب المستثمرين الأجانب للمساهمة فيها".

وفي هذا الإطار يندرج التوقيع مؤخراً على اتفاق مع شركة توتال الفرنسية بقيمة 27 مليار دولار لتطوير حقوق النفط واستغلال الغاز المصاحب لاستخراج الذهب الأسود ودخول مجال الطاقات المتجددة.

كما يدعم برامج الحكومة العراقية التنموية إقرار أضخم ميزانية في تاريخ البلاد بقيمة تزيد على 150 مليار دولار. كما يدعمه توفر احتياطات مالية جيدة تقدر بنحو 90 مليار دولار بفعل ارتفاع أسعار النفط وزيادة الصادرات من الذهب الأسود خلال العامين الماضيين.

لكن بطبيعة الحال فالمال وحده لا يكفي لتحديث الاقتصاد العراقي وجعل العراق محوراً أو أحد محاور النمو والتنمية في الشرق الأوسط، فمثل هذا النجاح الاقتصادي مرتبط بتوفير ضمانات من شأنها عدم ترك الخلافات بين الكتل السياسية العراقية الرئيسية تتحكم في مستقبل المشاريع الوطنية التنموية المطروحة على صعيد البناء والتمويل والتشغيل كما حدث خلال العقدين الماضيين.

العراق استثمارات
الدولار الأمريكي – توضيحية /رويترز

وهنا تبرز أهمية التعاون مع الجيران، حيث أن تنفيذ المشاريع المطروحة بالتعاون مع الجيران مرتبط بنجاح التقاربات السياسية والتوافقات الإقليمية التي بدأت مؤخراً بالمصالحة السعودية الإيرانية.

ونظراً إلى التكاليف الضخمة لهذه المشاريع، فإن مساهمة دول غنية كالسعودية وقطر والإمارات في تمويلها، ضروري لتنفيذها وتشغيلها بشكل ناجح ومُجدٍ ومستدام. ويتحدث البعض هنا عن حتمية إشراك القطاع الخاص في هذه المشاريع من خلال شراكات تساهم بها الدولة وشركات عالمية تتمتع بالخبرات اللازمة. 

ومن المؤشرات الإيجابية للغاية هو أن العراق يشهد هذه الأيام استقراراً سياسياً لم يعرفه منذ فترة طويلة، ويدعم هذه الانفراج سياسة الحكومة التي تقوم على التوازن في العلاقات بين القوى السياسية الفاعلة على الساحة العراقية وبين القوى الخارجية الأكثر تأثيراً في العراق، وعلى رأسها الولايات المتحدة وإيران.

كما أن ارتفاع أسعار النفط وفوائض الميزانية التي تسمح بتخصيص أموال لمشاريع ترضي مختلف القوى وتراعي مصالحها؛ مثل توظيف آلاف الشباب العاطل عن العمل والمحسوبين عليها في مؤسسات الدولة، كلها عوامل تصبّ أيضاً في إطار التفاؤل السائد حالياً. ومن هذه المؤشرات كذلك التوصل إلى اتفاق مع إقليم كردستان بشأن تصدير النفط المحلي هناك عبر تركيا.

في ضوء تلك المعطيات، يمكن القول إن الحكومة العراقية بسياستها الحالية تتجه إلى تحقيق نجاحات ملموسة، تتمثل في دفع الاقتصاد العراقي نحو تنمية تقوم على تنويع مصادر الدخل والتخلص من التبعية للنفط، كما تتجه نحو تحويل الاقتصاد العراقي إلى أحد محاور النمو في الشرق الأوسط.

ومن المؤشرات على ذلك تسجيل العراق خلال العام الماضي أحد أعلى معدلات النمو في العالم بنسبة زادت على 9%، حسب مؤسسة التجارة الخارجية والاستثمار الألمانية. ومؤخراً تم الاتفاق مع إيران على ضمان استقرار توريدات الغاز الإيراني، كما يجري العمل لتنفيذ مشروع مع السعودية للربط الكهربائي بين البلدين.

ومؤخراً أعلن وزير الطاقة الإيراني عن اتفاق مع الجانب العراقي لحل الخلافات مع بغداد حول المياه. وتفيد مصادر رسمية عراقية أن الحكومة التركية تتجاوب حالياً بشكل إيجابي مع مطالب العراق بخصوص إطلاق المزيد من مياه النهرين نحو الأراضي العراقية ومع سعيه للتوصل إلى اتفاق بهذا الخصوص.

تحميل المزيد