تعيد اتهامات التيار الصدري لكل من الإطار التنسيقي الذي يقود الحكومة، وحزب الدعوة الذي يقوده نوري المالكي (رئيس وزراء سابق) بالإساءة لـ"والد مقتدى الصدر"، تخوّفات قوى شيعية "معتدلة" من احتمالات الدخول في اقتتال داخلي.
وكانت قيادات في التيار الصدري اتهمت "حسابات إلكترونية" مرتبطة بجهات في الإطار التنسيقي بالإساءة إلى المرجع الديني محمد صادق الصدر، والد رئيس التيار، فيما وجهت قيادات أخرى اتهامات مباشرة لحزب الدعوة بالوقوف وراء حملة الإساءة.
حملة على منصات التواصل الاجتماعي
وركزت الحملات التي أطلقتها "الحسابات الإلكترونية" على مواقع التواصل الاجتماعي، على اتهام المرجع الصدر بالعلاقة بحزب البعث والنظام العراقي السابق.
وعلى خلفية هذه الإساءة، طالب الصدر مجلس النواب العمل على تشريع قانون يجرِّم سب الرموز الدينية.
لكن سرعان ما ترجمت حالة الخلاف إلى هجمات مسلحة وإشعال نيران تعرضت لها مقرات ومكاتب تتبع لحزب الدعوة وعدد من الأحزاب والقوى الشيعية الأخرى أبرزها "أهل الحق وحركة أنصار الله الأوفياء" في بغداد ومحافظات وسط وجنوبي العراق، على مدار اليومين الماضيين.
وأرجع القيادي المقرب من رئيس التيار الصدري صالح العراقي، هذه الهجمات إلى "الحالة العاطفية العفوية لأتباع التيار في إطار سعيهم لإيقاف التعدي على العلماء"، إلا أن متابعة ما جرى تؤكد أن الهجمات لم تكن عفوية.
ولم تتخذ الحكومة العراقية أو الأجهزة الأمنية التابعة لها أي موقف تجاه الأحداث الأخيرة.
وتزامنت هذه الأحداث مع مرور عام على تسريب تسجيلات صوتية "منسوبة" للمالكي، هدد فيها رئيس التيار بضربه في معقله في حي "الحنّانة" بمدينة النجف؛ حيث وعد القضاء العراقي آنذاك بالتحقيق في صحة التسجيلات دون أن يصدر عنه أي قرار أو إجراءات.
تاريخ العلاقة بين التيار الصدري والمالكي
حزب الدعوة الذي نفى العام الماضي صحة التسجيلات المنسوبة لرئيسه، دافع عن موقفه الحالي، رافضاً الاتهامات الموجهة له بالإساءة إلى المرجع الصدر، فيما طالب التيار، مجلس النواب بتشريع قانون يُجرّم "المساس بمراجع الدين".
وفي ذروة أزمة التسجيلات المسربة العام الماضي، أشار الصدر إلى أنه ساهم في عدة مرات بـ"حقن دماء العراقيين بمن فيهم (دم) المالكي نفسه"؛ في إشارة إلى صدام سابق عام 2008 بين القوات الأمنية التي كان يقودها المالكي، وجيش المهدي الجناح العسكري للتيار الصدري والذي أعلن الصدر حلّه بعد أسابيع من الاشتباكات في البصرة.
ومنذ عام 2008، ظلت علاقة التيار الصدري متوترة سياسياً مع ائتلاف دولة القانون برئاسة المالكي، الذي أطلق بصفته رئيساً للوزراء وقائداً عاما للقوات المسلحة (2006 – 2014) حملة عسكرية بدعم من القوات الأمريكية تحت مسمى "صولة الفرسان" في مارس/آذار 2008 استهدفت إنهاء سيطرة المجموعات الشيعية المسلحة في محافظات العراق الجنوبية، التي انتهت بسقوط آخر معاقل جيش المهدي التابع للتيار الصدري في البصرة نهاية أبريل/نيسان 2008.
كما تتزامن الأحداث الأخيرة مع الاستعدادات لانتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها 18 ديسمبر/كانون الأول المقبل.
الانتخابات في قلب العاصفة
ويرى خبراء أن هذه التطورات "لن تكون بعيدة عن الاستعدادات لانتخابات مجالس المحافظات والتي من المتوقع أن تشهد عودة التيار الصدري إلى المشهد السياسي ثانية"، بعد أن دعا رئيسه أعضاء الكتلة الصدرية للاستقالة من عضوية مجلس النواب في 2022، ومن ثم إعلانه اعتزال العمل السياسي نهاية أغسطس/آب 2022، وذلك بعد محاولة فاشلة للسيطرة على المنطقة الخضراء بقوة السلاح.
ولم تصدر أي إشارات من قيادات التيار لاحتمالات المشاركة في انتخابات مجالس المحافظات حتى اليوم.
وتأتي أهمية هذه الانتخابات كونها تجرى لأول مرة منذ عام 2013، وهي المخولة بتعيين المحافظين وكبار المسؤولين التنفيذيين في المحافظات، إلى جانب إقرار ما تحتاجه المحافظات من مشاريع خدماتية وتنموية فضلاً عن تحديد كل ما يتعلق بحاجتها إلى التخصيصات من حصة المحافظة من الموازنة العامة للدولة.
ورغم هذه الاضطرابات، إلا أنه يبقى من المستبعد انزلاق الأوضاع في العراق إلى اقتتال شيعي- شيعي؛ حيث يرى معظم قادة الفصائل الشيعية أن الخاسر الوحيد سيكون "المكون الشيعي الذي يهيمن على السلطة في العراق، وأن أياً من الفريقين لن ينتصر على الفريق الآخر".
وتتجنب القوى السياسية الشيعية التي تمتلك أجنحة عسكرية الدخول في اقتتال داخلي لوجود توازن نسبي في القوى والقدرات العسكرية بينهم، الأمر الذي يعني صعوبة الحسم العسكري لأي من الأطراف المتحاربة.
كما أن انعدام رغبة الدولة العراقية في زج القوات الأمنية بأي قتال داخلي أو الانحياز لطرف ضد آخر، يعد عاملاً آخر لاحتمالية عدم الوصول لحالة الاقتتال هذه.
بالإضافة إلى ذلك، فإن مرجعية علي السيستاني (المرجع الشيعي الأعلى)، التي أرست أسس التوافق بين الكتل السياسية الشيعية من شأنها أن تحول دون تصعيد الخلافات إلى حالة من الاقتتال الشيعي الداخلي؛ الذي من الممكن أن يتسبب في خسارة الشيعة للسلطة في العراق وذهابها إلى العرب السُنّة مرة أخرى.
وتدرك جميع الأطراف الشيعية أن أي اقتتال بينها سيقود إلى نهاية طرف أو أكثر، فضلاً عن إضعاف الأطراف الأخرى، وتزيد من احتمالات فقدان الشيعة للهيمنة على السلطة في العراق، وهو ما لا تسمح به المرجعية الدينية في النجف، ومراكز القرار الإيرانية الثلاثة الفاعلة في العراق وهي "مكتب المرشد الأعلى علي خامنئي، والحرس الثوري، ووزارة الاستخبارات والأمن الوطني (اطلاعات)".
ومن بين أهم العوامل الأخرى التي تزيد من احتمالية عدم الانجرار إلى اقتتال داخلي، حرص القوى السياسية الشيعية والسُنيّة والكردية على تجنب أي صراع مسلح حفاظاً على مكاسبها الحزبية والمكوناتية التي قد تطيح بها الفوضى المحتملة، والتي عادة ما يعقبها إعادة رسم موازين القوى لصالح الأطراف الرابحة وإقصاء الأطراف الأخرى مع عدم ضمان أي طرف نتيجة مثل ذلك الاقتتال.