"أي قوات إفريقية سوف ترسل للسودان سنعتبرها قوى معادية"، كان هذا رد الحكومة والجيش السوداني على بيان قمة الإيغاد بشأن الأزمة في البلاد، الأمر الذي يثير تساؤلات حول أسباب موقف الجيش السودان من هذه القمة، وهل تنحاز الإيغاد إلى الدعم السريع، وتمهد لإضعاف السودان وإدخال قوات أجنبية لأراضيه.
واعتبرت حكومة السودان تصريحات الرئيس الكيني الذي ترأس اجتماع اللجنة الرباعية المعنية بالسودان مساساً بسيادة الدولة السودانية، كما لوحت بالانسحاب من منظمة الإيغاد بسبب قراراتها الأخيرة، وقالت إنه "عدم احترام آراء الدول الأعضاء بها سيجعل حكومة السودان تعيد النظر في جدوى عضويتها في المنظمة".
واجتمعت أمس الأول، الإثنين، اللجنة الرباعية المكونة من كينيا وجيبوتي وجنوب السودان وإثيوبيا، المنبثقة عن الهيئة الحكومية للتنمية لدول شرق إفريقيا (إيغاد)، لبحث عن حل للأزمة السودانية، ولكن قاطع وفد الحكومة السودانية اجتماع لجنة الإيغاد المعنية بالسودان، رغم تواجده في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا بسبب رفضه لترؤس الرئيس الكيني للقمة، وقال الوفد إنه ذهب لإثيوبيا على امل تنفيذ بطلبه بتحية الرئيس الكيني، فيما شارك وفد من قوات الدعم السريع في الاجتماع.
وكان أشد قرارات اللجنة الرباعية إثارة للجدل التي صدرت في بيانها الختامي دعوتها إلى عقد قمة إقليمية لبحث نشر قوات في السودان لحماية المدنيين، بعد نحو ثلاثة أشهر من العنف بين الجيش وقوات "الدعم السريع" شبه العسكرية.
ودعا البيان الختامي طرفي النزاع في السودان لوقف إطلاق النار على الفور والاحتكام للحوار. وأشار إلى أنه "لا حل عسكرياً في السودان"، داعياً "لسرعة فتح ممرات إنسانية آمنة لإيصال المساعدات لمستحقيها".
وكان لافتاً إعراب قوات الدعم السريع عن شكرها للجنة الرباعية التابعة لـ"إيغاد" على اهتمامها بالأزمة السودانية، بينما أعلنت الخارجية السودانية رفضها القاطع لدعوة منظمة "إيغاد" إلى نشر قوات أجنبية في البلاد لحماية المدنيين، مؤكدة أنها ستعتبرها "قوات معتدية"، كما هددت بالانسحاب من المنظمة.
جاء ذلك في تعقيب من الخارجية السودانية حول اجتماع اللجنة الرباعية المنبثقة عن قمة الإيغاد بشأن السودان الذي انعقد أمس الأول الإثنين.
والإيغاد هي اختصار للهيئة الحكومية للتنمية (IGAD) وهي منظمة شبه إقليمية في إفريقيا مقرها دولة جيبوتي، تأسست في عام 1996، وتضم ثماني دول هي: جيبوتي، السودان، جنوب السودان، الصومال، كينيا، أوغندا، إثيوبيا، وإريتريا المنضمة حديثاً.
ولكن اللجنة الرباعية المعنية بأزمة السودان تضم أربع دول فقط هي: كينيا وجيبوتي وجنوب السودان وإثيوبيا التي انضمت حديثاً.
القوات الاحتياطية لشرق إفريقيا تستعد للانتشار في السودان بعد بيان قمة الإيغاد
ودعت قمة الإيغاد في بيانهاً الختامي، قمة القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا (EASF) إلى الانعقاد من أجل النظر في إمكانية نشر القوة الاحتياطية لحماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية.
وتسبب هذا البند في البيان الصادر عن القمة في لغط كبير بشأن إمكانية التدخل العسكري من القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا (EASF) في السودان، وهي القوة المكونة من 10 أعضاء.
وأعلن العميد ركن عثمان محمد عباس، رئيس أركان القوة الاحتياطية لشرق إفريقيا، أنه بالفعل تلقى أوامر بالاستعداد للانتشار في السودان، إلا أن هذا الأمر لا يمكن تنفيذه إلا بموافقة الحكومة السودانية.
وقال "عباس"، عبر حسابه الرسمي بموقع "تويتر": "بالفعل صدرت التوجيهات لقواتنا بالشروع في عملية التخطيط لانتشار متوقع في السودان، وهذا إجراء روتيني يحدث عند حدوث أي أزمة في أي من دول الإيساف العشر".
وكان لافتاً أن بيان الإيغاد قد حذر من أن الحرب توسعت وباتت تتخذ منحى عرقياً. كما كشفت دول الوساطة أنها قررت بذل جهود مكثفة لعقد لقاء مباشر بين أطراف الأزمة السودانية.
وفد الحكومة السودانية حضر إلى أديس أبابا ولكن لم يشارك
وقالت الخارجية السودانية، في بيان، نقلته وكالة الأنباء السودانية، إن "حضور وفد السودان إلى أديس أبابا قبل بداية الاجتماع وتواصله المسبق مع الجهة المنظمة للاجتماع أكد رغبة السودان الصادقة في الارتباط لإيجاد حلول للأزمة، وأن ما ورد في بيان الرباعية الختامي بخصوص غياب وفدنا غير دقيق ويجافي الواقع، إذ كانت المصداقية تقتضي أن يشير بيان اللجنة الرباعية إلى أن عدم مشاركة وفد حكومة السودان سببه الاعتراض على رئاسة الرئيس الكيني وليام روتو للجنة الرباعية".
وأضافت: "تضمن بيان اللجنة الرباعية الختامي الدعوة لعقد اجتماع قمة دول قوات شرق إفريقيا للطوارئ للنظر في إمكانية نشر قوات لحماية المدنيين وضمان انسياب المساعدات الإنسانية، وفي هذا الصدد تؤكد حكومة السودان أن المساعدات الإنسانية المقدمة من الجهات الدولية تنساب وتصل إلى المحتاجين، وتظل حكومة السودان حريصة على رفع المعاناة عن كاهل شعبها وتذليل كل ما يعوق ذلك".
الخرطوم ترحب بقمة دول الجوار التي تنظمها مصر
في مقابل رفضها لننائج قمة الإيغاد، رحبت الخارجية السودانية بـ"قمة دول الجوار" التي تستضيفها مصر في 13 يوليو/تموز الجاري بغرض مناقشة الأزمة في السودان، اتساقاً مع موقفها الذي رحب بمبادرة جدة.
وقالت الرئاسة المصرية، الأحد الماضي، إن مصر ستستضيف قمة لدول جوار السودان، الخميس المقبل، لبحث سبل إنهاء الصراع في البلاد والتداعيات السلبية له على دول الجوار. وأضافت الرئاسة في بيان أن القمة تهدف إلى "وضع آليات فاعلة بمشاركة دول الجوار لتسوية الأزمة في السودان بصورة سلمية، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى لتسوية الأزمة".
وترتبط مصر بعلاقات وثيقة مع الجيش السوداني الذي يقاتل قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية في الخرطوم وأنحاء أخرى من السودان.
رئيس جيبوتي لم يحضر اجتماع الإيغاد وتمت تنحية جنوب السودان من رئاسة اللجنة
كان لافتاً أن رئيس جيبوتي عمر جيلي، الرئيس الحالي للإيغاد، لم يحضر قمة الإيغاد، في مؤشر على أنه ينأى بنفسه عن اللجنة الخاصة بالسودان، كما أنه تم تنحية جنوب السودان عن رئاسة اللجنة لصالح كينيا، وتحدثت تقارير عن غيابه بدوره عن القمة.
كما أن ضم إثيوبيا للجنة المعنية بالأزمة السودانية أمر مثير للجدل جراء ما بين أديس أبابا والخرطوم من مشكلات؛ بسبب أزمة سد النهضة والخلاف حول منطقة الفشقة.
وترى الخرطوم أن رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت هو الأنسب لرئاسة اللجنة وفق ذلك القرار، ولدوره في التوصل إلى اتفاقية "جوبا" للسلام في السودان.
وسبق أن قال مصدر دبلوماسي سوداني لـ"الجزيرة نت" إنّ لرفض الخرطوم رئاسة كينيا لآلية "إيغاد" الرباعية أسباباً "إجرائية وموضوعية"، حيث لم تُبحث في قمة الإيغاد العادية التي عُقدت في جيبوتي في 12 يونيو/حزيران 2023 قضية رئاسة كينيا للجنة، ولم يتم الاتفاق أثناءها على هذا الأمر.
وأضاف أن القمة الطارئة للآلية في 17 أبريل/نيسان الماضي، قررت تشكيل لجنة من الرؤساء واختارت رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت، وهذا القرار يظل سارياً حتى بعد توسعة اللجنة بإضافة رئيس وزراء إثيوبيا.
لماذا غضب السودان من رئيس كينيا؟ إليك المقترح المثير للجدل الذي قدمه
كان أكثر ما أغضب السودان ترؤس رئيس كينيا قمة الإيغاد في ظل تصريحاته التي تراها الحكومة السودانية انحيازاً للدعم السريع، كذلك تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، في ختام قمة الإيغاد.
واستنكر بيان الخارجية السودانية الذي صدر بعد قمة الإيغاد "تصريحات الرئيس الكيني وليام روتو السابقة التي كررها في المؤتمر الصحفي عقب اجتماعات اللجنة الرباعية".
وكان الرئيس الكيني قال في كلمة له خلال الجلسة الختامية لاجتماع إيغاد إن الوضع في السودان يتطلب ما وصفها بقيادة جديدة بشكل عاجل، تكون قادرة على إخراج السودان من الكارثة الإنسانية التي يتجه نحوها، مضيفاً أن الوضع في دارفور يخرج عن السيطرة ويكتسب بُعداً عرقياً.
وأضاف روتو خلال مؤتمر صحفي عقده أمس الأول الإثنين، أن الهجمات العرقية في دارفور تتصاعد نحو ارتكاب إبادة جماعية في الإقليم السوداني. مشيراً إلى أن الوضع في السودان يتطلب بشكل عاجل قيادة جديدة تكون قادرة على إخراجه من الكارثة الإنسانية.
بالطبع تجاهل الرئيس الكيني أن المذابح العرقية في دارفور يعتقد أنه قد نفذتها قوات الدعم السريع أو حلفاؤه من القبائل العربية بالإقليم بحق القبائل الإفريقية، كما حدث في مقتل حاكم غرب دارفور الذي ينتمي للقبائل الإفريقية والحركات المتمردة السابقة وقتل بعد إلقاء القبض عليه من قِبل الدعم السريع.
وبالتالي فإن هذا الجانب من الأزمة تحديداً لا يتحمل مسؤوليته الجيش السوداني بل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو "حميدتي"، الذي تبدو أن مواقف كينيا تعمل لصالحه.
رئيس وزراء إثيوبيا يطالب بفرض حظر طيران ونزع أقوى أسلحة الجيش
وعبرت الخارجية السودانية عن دهشتها كذلك من تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي بأن هنالك فراغاً في قيادة الدولة السودانية؛ مما يفسر بأنه عدم اعتراف بقيادة الدولة الحالية، واستنكرت دعوته إلى فرض حظر جوي ونزع المدفعية الثقيلة خلافاً لمواقفه وتفاهماته المباشرة القائمة مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة عبد الفتاح البرهان.
وتعد الدعوة لفرض حظر للطيران ونزع سلاح المدفعية المقترحة من آبي أحمد بمثابة انحياز سافر لقوات الدعم السريع، بالنظر إلى أن الطيران والدبابات والمدفعية الثقيلة هي نقاط قوة الجيش السوداني الرئيسية أمام الأعداد الهائلة من العربات التي يشغلها مقاتلو الدعم السريع، الذين يقدر عددهم بنحو مئة ألف بحوزتهم نحو 10 آلاف آلية دفع رباعي مزودة بأسلحة متوسطة مثل الرشاشات والصواريخ المضادة للدبابات، وهي أسلحة لا توصف بالثقيلة، وبالتالي تستثنى من الحظر الذي يقترحه رئيس وزراء إثيوبيا.
وانتقد مؤيدون للجيش السوداني تصريحات آبي أحمد، مشيرين إلى أنه متورط في مذابح بحق سكان إقليم تيغراي، وتجدر الإشارة إلى أنه استطاع إضعاف قوات جبهة تحرير تيغراي عبر استخدام المسيرات بشكل أساسي، بعدما اقتربت من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا في إحدى مراحل الحرب.
تحالف قوى الحرية والتغيير ينتقد غياب الجيش السوداني
وفي بيان لها، اعتبرت قوات الدعم السريع أن "القرار داخل المؤسسة العسكرية مختطف،(حسب تعبيرها)، وأن هناك مراكز متعددة لاتخاذ القرار تسعى لإطالة أمد الحرب ورأت أن مقاطعة الجيش للقمة الرباعية يأتي ضمن نهج النظام السابق"، حسب وصفها.
وقال تحالف قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي: "نأسف لغياب وفد القوات المسلحة عن اجتماعات اللجنة الرباعية بالإيغاد، ونأمل أن تتجاوز القوات المسلحة هذه الجوانب الشكلية".
وينظر لائتلاف الحرية والتغيير الذي يضم عدداً من القوى المدنية واليسارية ويقدم نفسه كزعيم للثورة السوداني إلى أنه أقرب لقوات الدعم السريع، حيث تقاربت مواقف الطرفين في الفترة الأخيرة، رغم الاتهامات السابقة للدعم السريع بالتورط في مذبحة القيادة العامة التي وقعت في عام 2019.
كما ينظر للإئتلاف بأنه قريب من رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي توسط في اتفاق تسليم السلطة الأول الذي وقع عام 2019، بعد عزل الرئيس السابق عمر البشير.
ومنذ 15 أبريل/نيسان الماضي، يشهد السودان صراعاً بين قوات الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة، وقوات الدعم السريع بقيادة نائبه الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي".
وأدّى النزاع الذي قارب على دخول شهره الرابع إلى مقتل أكثر من 2800 شخص ونزوح أكثر من 2,8 مليون شخص لجأ من بينهم أكثر من 600 ألف إلى دول مجاورة، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة، وخصوصاً إلى مصر شمالاً وتشاد غرباً.
وأبدى البيان الختامي للإيغاد قلق دول الوساطة بسبب تبعات الأزمة في السودان، ورحب بدور دول الجوار، لا سيما باستقبال اللاجئين الذين فروا من القتال.