منذ نحو 500 عام والشيشان تقاوم روسيا، وكثيراً ما هزمت هذه الأمة الصغيرة الدب الروسي الذي لم يتوانَ بدوره في بعض الأوقات عن إبادة أجيال كاملة من ذكور الشيشان وترحيل الشعب بأكمله، ولكن اليوم يبدو المقاتلون الشيشانيون الأخلص لبوتين، لدرجة أنهم أرسلوا ثلاثة آلاف مقاتل لحماية موسكو من تمرد مرتزقة فاغنر، فما الذي حدث للشيشان، وهل هذا مجرد رياء من حاكم تابع لبوتين أم أنه تأييد حقيقي له؟
ويبلغ عدد سكان جمهوربة الشيشان نحو 1.4 مليون نسمة، السكان من الشباب نسبياً، مع معدل مواليد مرتفع مقارنة بالمناطق الأخرى في روسيا.
وهي جمهورية روسية ذات حكم ذاتي محدود وغالبية الشيشان من المسلمين السنة مع تأثيرات قوية للإسلام الصوفي تاريخياً في المنطقة.
إلى جانب اللغة الروسية، يتم التحدث باللغة الشيشانية على نطاق واسع، وهي كانت تكتب باستخدام النص العربي، ولكن في عام 1925 تم إدخال الأبجدية اللاتينية، وفي عام 1938 تم اعتماد الأبجدية السيريلية.
قصة الشيشان.. من أين جاء هؤلاء القوم الأشداء؟
يُعتقد أن الشيشانيين مثل جيرانهم في أنغوشيا وداغستان من نسل الشعوب القديمة للقوقاز، فلا يُعرف تاريخ هجرة لهم، ولم يؤسسوا إمبراطورية، ولكنهم مثل جيرانهم، القوقازيين، كانوا مقاومين شرسين للإمبراطوريات التي حكمت المنطقة، وقبلوا أحياناً بحكم ضعيف من هذه الإمبراطوريات خاصةً تلك التي حكمت فارس.
ويُعتقد أن سكان القوقاز الأشداء هم من هزموا الغازي التركي المغولي الشهير تيمور لنك الذي سيطر على آسيا الوسطى وإيران والعراق، واشتهر بغزواته في الشام والهند والمناطق التي توجد فيها روسيا وأوكرانيا حالياً، وعُرف عنه تشكيل أهرامات من رؤوس أعدائه.
أول حرب بين الشيشان وروسيا وقعت قبل نحو 500 عام
أول توغُّل روسي في القوقاز جرى عام 1558م في عهد إيفان الرهيب أمير موسكو الذي أصبح أول قيصر لروسيا، حيث قوبل بمقاومة السكان المحليين. وتحوّل الشيشانيون خلال القرون القليلة التالية إلى الإسلام السني، حيث ارتبط الإسلام بمقاومة التعدي الروسي.
سعى بطرس الأكبر، مؤسس روسيا الحديثة، إلى زيادة النفوذ السياسي لروسيا في القوقاز وبحر قزوين على حساب بلاد فارس الصفوية عندما شن الحرب الروسية الفارسية في 1722-1723، وفي هذه الحرب تلقت روسيا أول هزائمها من الشيشان، وظلت مناطق الشيشان بعيداً عن سيطرة روسيا لنحو نصف قرن.
في عام 1783، وبعد أن وقع الجورجيون الشرقيون تحت الإمبراطورية الروسية، بدأت الأخيرة في غزو جبال القوقاز الشمالية. استخدمت الإمبراطورية الروسية المسيحيةَ لتبرير فتوحاتها، مما عزز انتشار الإسلام على نطاق واسع باعتباره دين التحرر من القيصرية، وقامت مقاومة شديدة في جبال القوقاز بقيادة عدد من زعامات الطرق الصوفية مثل الإمام الداغستاني شامل، ولعب الشيشانيون دوراً في هذه الحروب.
إن روح مقاومة الشيشان ضد الإمبراطورية الروسية متجذرة في قصة الإمام شامل، القائد الأسطوري الذي قاد المقاومة في المرتفعات القوقازية منتصف القرن التاسع عشر. أسس شامل، الإمامة القوقازية في شمال القوقاز (1828-1859).
في ذلك الوقت، كان هدف الحكام الروس هو إضعاف النفوذ التركي والفارسي، ولكن أثبتت الإمامة الجبلية أنها عقبة كبيرة أمام الروس في السيطرة على القوقاز الذي كان حيوياً، لتأمين موقع موسكو على البحر الأسود وإتاحة فرص الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق البوسفور.
في عام 1859، تم القبض على شامل من قبل الروس. ترك شامل، بايسانغور وهو رجل شيشاني بذراع واحدة وعين واحدة ورجل واحدة، مسؤولاً عن القيادة في منطقة جونيب حيث أُسر شامل.
كسر بايسانغور الحصار المفروض عليه واستمر في محاربة روسيا لمدة عامين آخرين حتى أسره الروس وقتلوه.
ولكن المقاومة لم تنته وعانى القوزاق (قوات خفيفة تابعة لروسيا) من الهزيمة بعد الهزيمة، وتعرضوا لهجوم مستمر من قِبل متسلقي الجبال الذين كانوا يسرقون منهم الطعام والأسلحة.
فحتى بعد أن غزت روسيا جنوب القوقاز، استمرت التضاريس الجبلية التي كان من السهل الدفاع عنها للإمامة فرصة لمحاربة الروس.
كانت صلابة السكان المحليين الجبليين متجذرة ونابعة من هوية قوية تشمل التقاليد الدينية والعسكرية والسياسية.
استخدم النظام القيصري نهجاً مختلفاً في نهاية ستينيات القرن التاسع عشر، حيث عرض على الشيشان والإنجوش مغادرة القوقاز إلى الإمبراطورية العثمانية، تشير التقديرات إلى أن نحو 80% من الشيشان والإنغوش غادروا القوقاز ومع ذلك لم تتوقف المقاومة.
الشيشان أسست جمهورية مع البلدان المجاورة اُعترف بها دولياً
في بداية القرن العشرين، عادت الحرب بين قبائل الشيشان وروسيا إلى الظهور مع اندلاع الثورة الروسية. وفي 21 ديسمبر/كانون الأول 1917، أعلنت إنغوشيا والشيشان وداغستان الاستقلال عن روسيا وشكلت دولة واحدة (المعروفة باسم جمهورية شمال القوقاز الجبلية) والتي اعترفت بها القوى العالمية الكبرى آنذاك.
في عام 1921، هاجم الروس البلاد واحتلوها وضموها بالقوة إلى الدولة السوفييتية الوليدة، لتبدأ حرب القوقاز من أجل الاستقلال، وذهبت الحكومة إلى المنفى.
بعد الاحتلال الألماني للقوقاز خلال الحرب العالمية الثانية، بدأت بعض الجماعات الشيشانية والإنجوشية في التعاون مع الألمان في عامي 1943 و1944؛ على أمل الحصول على الاستقلال. ومع ذلك، عارض غالبية سكان الشيشان الإنجوش ألمانيا، وانضموا إلى القتال ضدهم على الجانب السوفييتي.
بالنسبة لستالين، قدمت حقيقة أن بعض الشيشان دعموا ألمانيا ذريعة مناسبة لإيجاد "حل نهائي" لمسألة شمال القوقاز التي طال أمدها. ونتيجة لذلك، قررت السلطات السوفييتية إبعاد السكان الشيشان بشكل جماعي وحلّ جمهوريتهم.
فعلى الرغم من أن أكثر من 50 ألف شيشاني كانوا يقاتلون في صفوف الجيش السوفييتي ضد ألمانيا النازية، اتهم ستالين الشيشان زوراً بأنهم من أنصار النازية، وتم ترحيل الشعب بأكمله إلى كازاخستان في آسيا الوسطى، قبل أن يعودوا في عام 1954 لبلادهم.
كان الترحيل وحشياً وشمل العديد من جرائم القتل. تشير التقديرات إلى أن نحو ربع سكان الشيشان فقدوا حياتهم. بعد إخراج الشيشان والإنجوش، تم جلب قوميات أخرى من مناطق الاتحاد السوفييتي المتعددة.
في عام 2004، أقر البرلمان الأوروبي بأن ترحيل الشيشان والإنجوش عملٌ من أعمال الإبادة الجماعية.
الشيشان تحارب من أجل الاستقلال من جديد بعد انهيار الاتحاد السوفييتي
مع حلّ الاتحاد السوفييتي الوشيك في عام 1991، تم تشكيل حركة الاستقلال تحت اسم "المؤتمر الوطني الشيشاني" بقيادة جنرال سابق في القوات الجوية السوفييتية وهو جوهر دوداييف.
عادت فكرة الاستقلال إلى الظهور خلال انهيار الاتحاد السوفييتي. في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1991، أصبح جوهر دوداييف رئيساً وأعلن استقلال الشيشان بعد أيام قليلة. حيث رأى الشيشانيون أن موسكو منحت الاستقلال لجمهوريات آسيا الوسطى مثل طاجيكستان وقيرغيزستان، مما أعاد إحياء الآمال بإقامة دولة شيشانية مستقلة.
ولكن موسكو طعنت على الفور في شرعية انتخاب دوداييف، وكانت تخشى أن يؤدي استقلال الشيشان إلى انفصال جمهوريات روسية أخرى مسلمة مهمة مثل تتارستان، إضافة إلى أن منطقة القوقاز غنية بالطاقة.
وقعت الحرب الشيشانية الأولى في الفترة من 1994 إلى 1996، عندما حاولت القوات الروسية استعادة السيطرة على الشيشان بعد أكثر من ثلاث سنوات على إعلان الشيشان استقلالها.
جاء قرار الرئيس الروسي الأسبق بوريس يلتسين، بغزو الشيشان في ظل مزايدات داخلية أكثر من كونها أسباباً منطقية، وخوفاً من خسارته الانتخابات الرئاسية لعام 1996، وأصدر يلتسين مراسيم حرب سرية وغير دستورية في نهاية 1994 لغزو الشيشان. بحلول يونيو/حزيران 1995، تسببت القوات الروسية في إصابة ما لا يقل عن 30.000 ضحية، وضمن ذلك آلاف الأطفال.
وأخفقت موسكو في السيطرة على العاصمة الشيشانية غروزني في بداية الأمر، وتعرضت لهزيمة مُذلة على يد المقاتلين الشيشانيين الذين كان كثير منهم مقاتلين بالجيش السوفييتي السابق ومدعومين بعقيدة دينية وقومية.
وحتى بعد أن سيطرت القوات الروسية على غروزني، وقتلت رئيس الشيشان جوهر دودايف، وعلى الرغم من التفوق العددي الساحق في الرجال، والأسلحة، والدعم الجوي، لم تتمكن القوات الروسية من إقامة سيطرة فعالة على الشيشان، خاصة في المنطقة الجبلية، بسبب العديد من المعارك الناجحة واسعة النطاق وغارات التمرد التي نفذها الشيشانيون.
دفع الإحباط الواسع النطاق للقوات الروسية في المنطقة والهجوم الناجح لاستعادة غروزني من قبل قوات المتمردين الشيشان بقيادة أصلان مسخادوف، الرئيس الروسي بوريس يلتسين إلى إعلان وقف إطلاق النار في عام 1996، والتوقيع على معاهدة سلام بعد ذلك بعام، وشهدت انسحاب القوات الروسية، دون حسم لمسألة استقلال الشيشان.
وأدت الحرب إلى أن ما يقرب من نصف مليون شخص (40% من سكان الشيشان قبل الحرب) نزحوا داخلياً وعاشوا في مخيمات اللاجئين أو القرى المكتظة. وتمركز لواءان روسيان بشكل دائم في الشيشان.
بوتين يعقد صفقة مع أحمد قديروف ثم يدمر الشيشان
شهدت الشيشان بعد انسحاب الروس، اضطرابات داخلية، وانتشر العنف السياسي والتطرف الديني، وأُلقي اللوم على "الوهابية" في هذا الأمر.
كما هاجم مسلحون خارجون عن سيطرة الحكومة الشيشانية مناطق من روسيا، وحاولوا دخول داغستان الجمهورية الروسية المسلمة المجاورة؛ لتأسيس جمهورية إسلامية في القوقاز.
في سبتمبر/أيلول 1999، تم إلقاء اللوم على الانفصاليين الشيشان في سلسلة من التفجيرات السكنية التي أسفرت عن مقتل نحو 300 شخص في عدة مدن روسية، من ضمنها موسكو. عارض بعض الصحفيين التفسير الرسمي، وبدلاً من ذلك ألقوا باللوم على جهاز المخابرات الروسي في تفجير المباني لبدء حملة عسكرية جديدة ضد الشيشان، خاصةً أن الهدنة كانت قد أوشكت على نهايتها.
فلاديمير بوتين الذي كان رئيساً للوزراء في ذلك الوقت ويستعد لتولي السلطة، سعى على ما يبدو إلى إضفاء الشرعية على سلطته من خلال الحرب، باستخدام ذريعة الحرب ضد الإرهاب الشيشاني، حسب موقع Gisreportsonline.
وبدأت الحرب الشيشانية الثانية بغارات جوية روسية مكثفة على الشيشان. وفي 1 أكتوبر/تشرين الأول 1999، تم شن هجوم بري.
وعكس يلتسين في عام 1994، جمع بوتين بين العمل العسكري والسياسي، حيث شكَّل تحالفاً غير رسمي مع أحمد قديروف وعشيرته.
كان أحمد قديروف وهو مفتي الشيشان السابق، جزءاً من الثوار الشيشانيين قبل أن يختلف مع أصلان مسخادوف، بسبب إصرار قديروف على محاربة الوهابيين في الشيشان.
كانت شروط ولاء آل قديروف بسيطة، سيضمنون الاستقرار في الجمهورية، وستضمن روسيا في المقابل سلطتهم في الشيشان وتمويل الميزانية الشيشانية.
جاء أداء الجيش الروسي في حرب الشيشان الثانية أفضل تنظيماً وتخطيطاً، ووحشية من الحرب الشيشانية الأولى، سيطرت القوات المسلحة الروسية على معظم المناطق. واستخدمت القوات الروسية أساليب وحشية، فقتلت 60 مدنياً شيشانياً خلال عملية تطهير في ألدي، في 5 فبراير/شباط 2000، بعد إعادة الاستيلاء على غروزني.
وقالت مورا رينولدز، مراسلة "لوس أنجلوس تايمز" في موسكو آنذاك: "كانت الأرض متفحمة بالمعنى الحرفي للكلمة. لم يكن هناك سوى عدد قليل جداً من المباني في وسط غروزني لا تزال قائمة… لقد احترقت جميع الأشجار، على الرغم من حلول الربيع، لم يكن هناك لون أخضر. لم تكن هناك أي علامة على الحياة".
في المقابل ردَّ مقاتلون شيشانيون بشن هجمات إرهابية في مناطق مختلفة من روسيا، من ضمنها موسكو.
رداً على ذلك، شددت روسيا قبضتها على الشيشان ووسعت عملياتها لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء المنطقة. وقامت روسيا بتثبيت نظام شيشاني موالٍ لروسيا. في عام 2003، تم إجراء استفتاء على دستور أعاد دمج الشيشان داخل روسيا لكنه وفَّر حكماً ذاتياً محدوداً.
بعد أن أصبح أحمد قديروف رئيساً للشيشان بفضل الروس، اغتيل عام 2004، ويحكم نجله رمضان قديروف، الشيشان منذ عام 2007.
واتسم حكم رمضان قديروف بالفساد على مستوى عالٍ، وسجلّ ضعيف في مجال حقوق الإنسان، وانتشار استخدام التعذيب، وتنامي عبادة الشخصية، حسب تقارير غربية.
الرئيس الروسي منح الشيشان وضعاً استثنائياً بعد أن سحق مقاومتها
نتائج الحرب الشيشانية والاتفاقية مع قديروف متناقضة بالنسبة لموسكو: فمن ناحية، ضمنت روسيا الاستقرار في شمال القوقاز والقدرة على ممارسة سيطرة نسبية على هذه المنطقة الحساسة.
من ناحية أخرى، أدى حكم رمضان قديروف القوي إلى نوع من الاستقلال الذاتي الجزائي للجمهورية. ومع نظامها القانوني ونظام الحكم المتميز، أصبحت الشيشان جزيرة داخل روسيا، مرتبطة بالدولة الفيدرالية فقط من خلال الإعانات.
لا يمكن تفسير سيطرة قديروف المطلقة وولائه لبوتين على أنهما مجرد خليط من الاستبداد والرياء، نجح بوتين وقديروف في صياغة وضع اجتذب على ما يبدو، بعضاً من الشيشانيين.
فبعد الحرب المدمرة القاسية منحت روسيا مساحة ليست بالقليلة من الحكم الذاتي لعلها تُرضي الروح القومية للشيشانيين.
كما أنَّ حكم قديروف يتسم بطابع ديني محافظ (تحت مظلة روسيا) متوافق مع المزاج الشيشاني، والانتقادات التي توجه لقديروف في الغرب بشأن اضطهاد المثليين، في الأغلب ترفع شعبيته في مجتمع محافظ ومشهور بتقاليده العسكرية مثل الشيشان.
ورغم استمرار مطاردة الروس للمعارضين الشيشانيين في الخارج عبر عمليات اغتيال، فإن هناك تقارير تفيد بأنه في المقابل، تعمل موسكو على استعادة أبناء الشيشانيين المنضمين إلى داعش وزوجاتهم؛ منعاً لتشردهم كما تفعل الدول الغربية التي تمتنع عن استقبالهم.
كما أن الوضع الاقتصادي في البلاد قد تحسن، حيث شهدت صناعة البناء بالشيشان طفرة في السنوات الأخيرة، لا سيما في العاصمة غروزني. كان هذا النمو مدفوعاً بالاستثمارات الكبيرة في مشاريع البنية التحتية، التي تهدف إلى إعادة بناء المنطقة بعد الدمار الذي سببته الحروب الشيشانية. ومع ذلك، يعتمد الاقتصاد الشيشاني بشكل كبير على الدعم المالي من الحكومة الفيدرالية الروسية.
يبدو أن معادلة بوتين مع الشعب الشيشاني صعب المراس، هي التخيير بين ذهب بوتين وسيفه، ومفادها "ستقابَلون بقمع وحشي إذا تمردتم، ولكن في حال تقبُّلكم أنكم جزء من روسيا فسيقابَل ذلك بمساحة من الحكم الذاتي والتعبير عن الهوية القومية غير الانفصالية، والدينية غير الحركية، ووضع اقتصادي مريح".
لا يمكن معرفة حجم التأييد لبوتين وقديروف بالشيشان؛ في ظل طبيعة النظام القمعي بالبلاد وروسيا كلها، ولكن هناك مؤشرات على تراجع السخط، وأن المعادلة أتت ظاهرياً أكلها، ولكن لا يُعرف ما هو موقف الشيشانيين إذا أتيحت لهم فرصة الثورة على قديروف أو الانفصال عن الاتحاد السوفييتي، وهل أدت سياسة بوتين وقديروف إلى تبريد حماسة الشيشانيين المعروفة.
علاقة غريبة تربط بوتين بقديروف، فهل يكرر تجربة فاغنر؟
ولكن يظل الأكثر غرابة هو علاقة بوتين بقديروف، فعلى الرغم من أن قديروف هو أحد أكبر حلفاء بوتين، فإن العلاقة معقدة.
وقالت راشيل دنيبر، نائبة مدير قسم أوروبا وآسيا الوسطى في "هيومن رايتس ووتش"، إن قديروف ينظر إلى بوتين على أنه نوع من الراعي. يعود هذا إلى أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما ربط قديروف الأكبر مصير الشيشان بروسيا.
أصبحت الشيشان بمثابة إمارة بوتين الإسلامية، حتى إنه استخدمها لعقد مؤتمر غروزني الشهير عام 2016، بالتعاون مع دول عربية والذي اعتبر أن الإخوان المسلمين والسلفيين ليسوا من أهل السنة والجماعة؛ وهو ما دفع شيخ الأزهر إلى التبرؤ آنذاك من البيان الصادر عن المؤتمر.
ولم يكن تدخُّل قديروف في أوكرانيا مفاجأة، لأن القوات الشيشانية سبق أن ساعدت القيادة الروسية في مواقف أخرى مثل الحرب في سوريا. لكن تأثيرهم ليس واضحاً تماماً، مع تقارير عن تعرضهم لخسائر فادحة، من ضمنها قائد رئيسي، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
ولكن يُعتقد أنهم يوفرون على الأقل زخماً معنوياً للقوات الروسية بهيئاتهم المهيبة وشهرتهم التاريخية في القتال، مقابل الصورة السلبية التي يقدمها فرار الشباب الروسي من التجنيد.
وتمنح هذه الأوضاع رمضان قديروف فرصة لإظهار القوة الشيشانية ومن ثم الحصول على شيء في المقابل.
ولكن بعد تجربة تمرد فاغنر التي كان يقودها صديق بوتين وطباخه المفضل يفغيني بريغوجين، الذي ينتمي إلى العرق الروسي ويتبنى خطاباً قومياً روسيّاً، هل ما زال بوتين يثق بقديروف وأن صعود دور القوات الشيشانية لا يمثل خطراً على روسيا، لأنه قد يُكسبهم ثقة بالنفس تقود لطلب الاستقلال مجدداً (خاصة لو جرت محاولة لعزل قديروف على سبيل المثال)، أم أن الشيشانيين كشعب قد تراجعوا عن هذه الفكرة بعد عشرات المذابح التي أوقعها بهم الروس.