في السادس من سبتمبر/أيلول عام 2001، نظّم الرئيس الأمريكي آنذاك، جورج بوش الابن، حفلاً في حديقة الورود بالبيت الأبيض، لإعلان تحديث كبير في صفوف فريق سياسته الخارجية. حيث أعلن اختيار جون دانفورث، السيناتور السابق عن ولاية ميسوري، مبعوثاً رئاسياً خاصاً جديداً إلى السودان. حيث كان يتم التعامل مع السودان حينها على أنه البلد الذي وفّر الملاذ الآمن لأسامة بن لادن الذي خطط لهجمات سبتمبر، التي وقعت بعد خمسة أيام فقط وغيرت مجرى التاريخ بالكامل.
وخلال العقدين التاليين، بدّلت الولايات المتحدة بين أكثر من خمسة مبعوثين خاصين إلى السودان. وجاء ذلك إبان الاضطرابات الكبرى في تاريخ البلاد من الاستبداد إلى الديمقراطية ثم الانقلابات، وبات السودان اليوم على شفا الحرب الأهلية، حيث يمثل دولة "فاشلة" تحتل موقعاً مهماً استراتيجياً على البحر الأحمر، كما تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية.
وبمرور الوقت، بدأت مكانة وخبرة المبعوثين الأمريكيين في الانخفاض تدريجياً، إذ بدأ الأمر باختيار أعضاء مجلس الشيوخ السابقين كمبعوثين رئاسيين، ثم تعيين الدبلوماسيين المخضرمين الذين يرفعون تقاريرهم إلى وزير الخارجية، قبل الوصول إلى تعيين مبعوثين أقل خبرة يرفعون تقاريرهم إلى مساعد وزير الخارجية، وهلم جراً.
اختيار مبعوث أمريكي جديد إلى السودان يكشف عن صراع كبير في واشنطن
تستعد إدارة بايدن لاختيار مبعوث خاص جديد إلى السودان مرةً أخرى، بحسب ما أكده أربعة من المسؤولين الحاليين والسابقين لمجلة Foreign Policy الأمريكية. ويتصادف أن ذلك المبعوث الجديد سيكون جون غودفري، المسؤول البارز في الخارجية الأمريكية والسفير الأمريكي في السودان، وكان غودفري خارج البلاد قبل اندلاع القتال، لكنه سارع عائداً للبلاد في ليلتها، قبل إخلاء السفارة الأمريكية هناك.
وقد يصعب اكتشاف مدى أهمية هذا الإعلان للوهلة الأولى، باستثناء حقيقة أنه أضاف منصباً جديداً إلى بطاقة العمل الخاصة بغودفري.
لكن الإعلان يكشف عن الإحباط المتنامي في واشنطن حيال السياسة الأمريكية في شرق إفريقيا. كما يقدم الإعلان نظرة ثاقبة على المعركة السياسية الشرسة بين الكونغرس والإدارة، حيال طريقة إدارتها للملف الإفريقي على نطاق أوسع، وفقاً لما أفاد به العديد من المسؤولين الحاليين والسابقين ومساعدي الكونغرس المجلة الأمريكية.
مبعوث خاص وسفير في آن واحد
يقول مسؤولو الإدارة إن ترقية غودفري لتأدية دور المبعوث الخاص والسفير معاً ستعزز قدرته على العمل مع وسطاء السلطة السودانيين، وكذلك دول المنطقة الأخرى التي تتصارع للتأثير على مسار النزاع وصراع السلطة في السودان. إذ يستطيع المبعوث العمل داخل المشهد السياسي الفوضوي في السودان، إلى جانب العمل لتنسيق الاستجابة خارج حدوده، وهي مهمة لا يتمتع السفراء بسلطة تأديتها بمفردهم عادةً.
واندلع النزاع في السودان، في شهر أبريل/نيسان الماضي، بين قائد القوات المسلحة السودانية عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية محمد حمدان دقلو (حميدتي).
ويُعَدُّ هذا النزاع بمثابة "فوضى شاملة"، بحسب المصطلح المستخدم في السياسة الخارجية، إذ تدعم القوى الأجنبية مختلف الفصائل المتنافسة، ومنها روسيا ومصر والإمارات وتشاد، بينما حاولت الولايات المتحدة وفشلت عدة مرات في التفاوض على وقف مستدام لإطلاق النار، وذلك خلال المحادثات مع الجانبين في جدة بالمملكة العربية السعودية.
ما أهمية تعيين واشنطن مبعوثاً خاصاً للسودان الآن؟
اعتادت الإدارات الأمريكية المتعاقبة على إرسال مبعوثين خاصين لحل مشكلات السياسة الخارجية الشائكة- خاصةً في إفريقيا- والاكتفاء بالمشاهدة بعدها، ما كان سبباً في انزعاج العديد من الدبلوماسيين المخضرمين من فكرة انتشار المبعوثين الخاصين، الذين يخففون أدوار مساعدي وزراء الخارجية والسفراء. وفي الحالة الماثلة أمامنا كانت الإدارة مترددةً بشأن إضافة مبعوث خاص جديد إلى القائمة في السودان.
ولطالما كان الكونغرس من أشد منتقدي نهج إدارة بايدن في التعامل مع السياسة الإفريقية، التي تشرف عليها مساعدة وزير الخارجية مولي في. إذ ضغط كبار المشرعين على الإدارة من أجل تعيين مبعوث خاص جديد إلى السودان، بحيث يرفع تقاريره إلى الرئيس مباشرةً.
وربما يبدو تعيين غودفري المتوقع- على بعض المستويات- وكأنه محاولة من فريق بايدن لإسكات المشرعين المُحبَطين جزئياً، عن طريق تلبية مطالبهم بتعيين مبعوث خاص، لكن الكونغرس قد لا يرضى عن ذلك التعيين، لأن غودفري لا يتمتع بالثقل أو النفوذ اللازمين للمبعوث الرئاسي الخاص، علاوةً على أنه منشغل بمنصبه كسفير في السودان بالفعل.
جدول ممتلئ
لكن هل بإمكان شخص واحد تأدية هاتين الوظيفتين؟ تتساءل الصحيفة الأمريكية، وتقول إن الشكوك تُساور الخبراء في هذا الصدد، إذ شغل كاميرون هادسون منصب رئيس الموظفين لدى عدة مبعوثين رئاسيين خاصين متعاقبين في السودان، ويعمل حالياً في مركز أبحاث Center for Strategic and International Studies.
وقد قال هادسون: "يمتلك السفير وظيفةً بدوامٍ كامل تتطلب محاولة الحديث إلى كافة الأطراف الموجودة داخل السودان، حول سبيل المضي قدماً. كما يتصادف أن تفاعل المبعوث الخاص مع القوى الإقليمية الخارجية ذات المصالح المتنافسة هي وظيفة بدوامٍ كامل أيضاً".
وأردف هادسون: "نحن أمام وظيفتين شاغرتين بدوامٍ كامل، وهناك اختلاف وتباين كبير بينهما، وسيكون اختيار شخص واحد لشغل وظيفتين بدوام كامل بمثابة خفض لمستوى التمثيل الدبلوماسي في كلتيهما".