جاءت هجمات المستوطنين على الفلسطينيين في محيط نابلس، بتحريض من وزير الأمن الداخلي المتطرف إيتمار بن غفير، لتدق ناقوس الخطر بشأن توسع ما يعرف بميليشيات المستوطنين، والمخاوف من محاولة بن غفير خلق ميليشياته أو جيشه الخاصة بموازاة جيش الاحتلال.
ورداً على الهجوم على جنين، الذي وقع أمس الأول الإثنين، شن مسلحون فلسطينيون هجوماً قرب مستوطنة عيلي أمس الأول الثلاثاء، الذي أدى لمقتل 4 مستوطنين في منطقة تعتبر معقلاً للمستوطنين المتطرفين المؤيدين لبن غفير، بعد العملية وصل الوزير المتطرف للمنطقة؛ حيث طالب المستوطنين وكل الإسرائيليين بحمل السلاح، كما طالب بعملية عسكرية واسعة في الضفة والعودة لسياسة الاغتيالات من الجو.
وبينما استجاب نتنياهو لدعوته وأمر باغتيال مقاومين فلسطينيين في جنين بطائرة مسيرة، فهم المستوطنون مغزى دعوة بن غفير، وشنوا هجوماً على مناطق بمحيط نابلس، وقاموا بحرق منازل وسيارات الفلسطينيين.
هجمات المستوطنين على الفلسطينيين تصل لمستوى غير مسبوق
وهاجم مئات المستوطنين، أمس الأربعاء، قرية عوريف التي ينحدر منها المسلحون الفلسطينيون الذين نفذوا عملية مستوطنة عيلي، تحت حماية جيش الاحتلال الإسرائيلي، وأشعل المستوطنون النيران في المدرسة الثانوية بالقرية، وسط اندلاع مواجهات بين السكان الفلسطينيين من جهة والمستوطنين وقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى.
كما أحرق مستوطنون أراضي زراعية وسيارات لمواطنين فلسطينيين، وبدلاً من أن تحاول سلطات الاحتلال الإسرائيلي وقفهم، فإنها اشتبكت مع الفلسطينيين المدافعين عن أملاكهم.
وتعرضت قرية قرية ترمسعيا لهجوم من قبل المستوطنين أمس هدفه إحراق عائلات بأكملها، حسب شهادات من أبناء القرية، حيث جرى حرق 30 منزلاً ونحو 50 مركبة للأهالي، بينما هناك عشرات المركبات والمنازل التي تعرضت لاعتداءات بالتحطيم والتكسير".
وقالت أم محمد، من سكان قرية ترمسعيا في الضفة الغربية، أن المستوطنين سمعوا صراخ بناتها وأولادها الذين بينهم أطفال، وحاولوا إلقاء الزجاجات الحارقة في داخل المنزل لإحراقهم، لكن هبة الشبان من البلدة حالت دون ذلك، رغم تمكنهم من إشعال حرائق عدة، إلا أن الشبان الفلسطينيين تمكنوا من إخماد تلك النيران.
وهب أهالي القرية في وجه هجمات المستوطنين بعد نداءات عبر مكبرات الصوت، لنجدة المتضررين، وتصدوا للمستوطنين، وقال رئيس بلدية ترمسعيا لافي أديب، لـ"عربي بوست": ولولا هبَّتهم لحدثت مجزرة حقيقية مدبَّرة من عصابات الاستيطان وجيش الاحتلال الذي قام بإطلاق النار على الشبان، ما أدى لاستشهاد أحدهم وإصابة آخرين".
وقال رئيس بلدية ترمسعيا، إن ما جرى يحدث لأول مرة في القرية، رغم أن الأهالي اعتادوا على جرائم المستوطنين طوال السنوات الماضية، بعد إقامة مستوطنة "شيلو" على أراضي ترمسعيا عام 1977، ولكن لم تكن الاعتداءات بهذا الحجم والشكل.
جرائم ميليشيات المستوطنين تتصاعد
وسبق أن قال الاتحاد الأوروبي – في بيان صحفي صادر عن بعثته في الأراضي الفلسطينية المحتلة – إن بيانات الأمم المتحدة تشير إلى وجود منحنى تصاعدي لهجمات المستوطنين على الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيراً إلى أن هذه الهجمات أصبحت أكثر عنفاً.
وتصاعدت مؤخراً دعوات لإدراج ميليشيات المستوطنين الإسرائيليين بقوائم الإرهاب الدولية، آخرها ما صدر من قبل البرلمان العربي، بعد تفاقم جرائمها ضد المدنيين الفلسطينيين، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول مدى قوة هذه المجموعات وعلاقتها بالجيش الإسرائيلي، وهل خرجت عن سيطرة الحكومة الإسرائيلية أم تنسق معها؟
وفي مارس/آذار، هاجم مئات المستوطنين بلدة حوارة وقرى فلسطينية أخرى شمالي الضفة الغربية المحتلة، ما أسفر عن مقتل فلسطيني وإحراق وتدمير عشرات المنازل والسيارات الفلسطينية، وذلك انتقاماً من مقتل إسرائيليين اثنين قرب البلدة.
وركزت الولايات المتحدة مؤخراً، على إدانة عنف المستوطنين، حيث صدر تقرير رسمي أمريكي نادر عن الإرهاب لعام 2021، وُصف بأنه أوثق إقرار علني لوزارة الخارجية الأمريكية، خلص إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي لم تمنع غالب الهجمات العنيفة التي شنَّها المستوطنون الإسرائيليون على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، ولم تُحاسب المستوطنين على عنفهم.
صدر هذا التقرير قبل أن يصبح بن غفير، الذي يُعد المدافع الأول عن المستوطنين، باعتبار محاميهم وزيراً في حكومة نتنياهو، بل صانع الملوك في إسرائيل؛ لأن استمرار نتنياهو في منصبه وتجنبه السجن لو سقطت الحكومة في يد بن غفير.
والآن بعد أن بات بن غفير وزيراً للأمن الداخلي وتوسيع صلاحية هذه الوزارة لتشمل الضفة الغربية، يبدو أنه يسعى لتوسيع ميليشيات المستوطنين، وإكسابها طابعاً عسكرياً، خاصة أنه كان محامي المستوطنين لعقود، ودافع عن جرائمهم لسنوات طويلة.
فوزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف بدأ حياته السياسية عضواً في حركة كاخ، التي أسسها الحاخام المتطرف مائير كاهنا، والتي سبقت أن حُظرت في إسرائيل، وكانت ضمن قوائم الإرهاب الأمريكية قبل أن تزيلها واشنطن مؤخراً بدعوى أنها غير موجودة.
أما وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، الذي ينافس بن غفير على لقب "أكبر متطرف في إسرائيل، فقد علق على هجوم المستوطنين على قرية حوارة الفلسطينية في مارس الماضي قائلاً: يجب "محو" هذه القرية، وأعتقد أن دولة إسرائيل عليها أن تفعل ذلك وليس، لا سمح الله، الأفراد العاديين، حسب تعبيره.
ومع حاجة نتنياهو للوزراء المتطرفين للبقاء في الحكومة، فإن الحركات المتطرفة الإسرائيلية وميليشيات المستوطنين تتحول من الهامش السياسي الإسرائيلي إلى قلب السياسة الإسرائيلية، وزعماء المستوطنين تحولوا من حلفاء لشرطة الاحتلال وجيشه لسادتهم ورؤسائهم.
هل تؤدي ميليشيات المستوطنين لإضعاف المقاومة أم تأجيجها؟
تصاعد جرائم المستوطنين وإكسابهم مزيداً من الطابع الميليشياتي برعاية بن غفير، سيؤدي إلى إشعال الأوضاع في الضفة الغربية، وسيؤجج المقاومة على الأرجح.
فحالة العداء بين المستوطنين والفلسطينيين من أصحاب الأرض، وطابع الندية بينهما، واتسام سلوكيات المتطرفين بالعنف الغوغائي الخالي من الطابع التنظيمي، لن يكون له تأثير على الأرجح، في إضعاف المقاومة، بقدر ما سيستفز المزيد من الفلسطينيين للانضمام لها، خاصة أن اعتداءات المستوطنين سوف تحول الأمر لمشكلة أمنية شخصية للعديد من الفلسطينيين، وستدفعهم للبحث عن طريقة ذاتية للدفاع عن أنفسهم، في ظل تواطؤ سلطات الاحتلال وعجز السلطة الفلسطينية، فسيصبح المقاومون ليسوا فقط أبطال النضال ضد إسرائيل، بل حماة المدنيين الفلسطينيين وبيوتهم ومزارعهم من ميليشيات المستوطنين.
وسبق أن خطط بن غفير لإقالة مفوض عام الشرطة الإسرائيلية، كوبي شبتاي، من منصبه إذا لم ينصع لأوامره وتوجيهاته، بسبب إصراره على أسلوب العقاب الجماعي بحق الفلسطينيين، وهاجم ضباط شرطة بن غفير وقالوا إنه يأخذ قراراته بدافع اللحظة ويسحب الخطط من جيبه، من دون أن يفهم ما هي العواقب.
بن غفير يسعى لتأسيس جيشه الخاص.. فهل يستخدمه ضد المعارضة العلمانية؟
ولكن في الداخل الإسرائيلي قد يكون الأمر أخطر، حيث بني نجاح الكيان الإسرائيلي منذ نشأته على قوة جيش الاحتلال الذي اتسم برغم أصوله الميليشياوتية على درجة عالية من الاحترافية والعلاقة المتزنة بين قيادة الجيش والقيادة السياسية على النمط الغربي لحد كبير.
ولكن بن غفير ووزاؤه المتطرفون يفسدون هذه المعادلة، ليس فقط عبر ميليشيات المستوطنين، بل خلال مشروع إنشاء حرس وطني إسرائيلي الذي أُعلن أن نتنياهو قد وافق على إنشائه في مارس/آذار الماضي، الأمر الذي يذكر بتجربة قوات الدعم السريع التي أُسست لمساعدة الجيش السوداني للقضاء على التمرد في دارفور ثم انقلبت عليه.
كرة تشكيل ميليشيات مسلحة بموازنة منفصلة عن موازنة الشرطة ليست جديدة في حد ذاتها، وشكلت الحكومة السابقة في إسرائيل تشكيلات مشابهة بالفعل في مناطق النقب والضفة الغربية المحتلة، وإن كان ذلك بشكل غير رسمي ولا شرعي بطبيعة الحال.
لكن إيتمار بن غفير أراد تشكيل ما يسميه "الحرس الوطني" منذ البداية، ووضع ذلك شرطاً أثناء مفاوضات تشكيل الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو، وبعد تشكيل الحكومة بالفعل، كتب بن غفير في حسابه في تويتر يوم 28 يناير/كانون الثاني الماضي مطالبا بإنشاء الحرس الوطني في إسرائيل. وأكد في نفس التغريدة أنه أصدر أوامره بمضاعفة القوى العاملة في قسم الأسلحة النارية وتوفير السلاح لمزيد من الأفراد والمستوطنين.
الجديد هو إصرار بن غفير على أن تأخذ الأمور شكلاً رسمياً، فيتم تمرير تشريع في الكنيست بإنشاء الحرس الوطني، وتضمين ميزانية وزيرة الأمن العام بنداً وتمويلاً لتلك القوة.
وتواجه مسألة إنشاء تلك الميليشيات تحت قيادة بن غفير معارضة من جانب قادة جهاز الشرطة الإسرائيلية، الذين يقولون إن جهاز الشرطة واحد، ويجب أن يظل واحداً، لكن تأسيس ميليشيات مسلحة تحت قيادة بن غفير يعني أن هناك شرطتين وقيادتين.
لكن المعارضة لتلك الميليشيات لا تقتصر على بعض قيادات جهاز الشرطة، بل تشمل سياسيين من المعارضة ومحللين يساريين، يرون أن بن غفير مستوطن يميني متطرف ووجود ميليشيات مسلحة تحت قيادته يمثل خطورة على الأمن الداخلي في الدولة العبرية، وعلى صورتها في الخارج كدولة "ديمقراطية".
على أية حال، وعد نتنياهو بن غفير بالموافقة، خلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأحد 2 أبريل/نيسان، على ضم وحدات "الحرس الوطني" الموجودة حالياً كجزء من قوات حرس الحدود، إلى وزارة الأمن العام لتصبح تحت القيادة المباشرة لزعيم حزب القوة اليهودية المتطرف، بشرط أن يسحب بن غفير تهديده بالانسحاب من الائتلاف الحكومي إذا ما تم تأجيل التعديلات القضائية، بحسب تقرير لصحيفة جيروزاليم بوست.
لماذا يريد بن غفير تأسيس حرس وطني رغم سيطرته على قوات الشرطة؟
تمثل قوات الحرس الوطني حالياً إحدى وحدات حرس الحدود، ويبلغ قوامها 900 مقاتل نظامي، إضافة إلى آلاف آخرين من الاحتياط والمتطوعين، كانت الحكومة السابقة قد شكلتها لتعمل داخل الضفة الغربية المحتلة والنقب، خصوصاً عند تهجير فلسطينيين من بيوتهم وقراهم أو عند قيام جيش الاحتلال بمداهمة القرى والبلدات الفلسطينية.
فالرجل هو وزير الأمن الداخلي، وقوات الشرطة بأكملها تحت قيادته، وهو وزير مهم في الائتلاف الحاكم، فماذا يمكن أن تضيف له تلك الميليشيات أو الحرس الوطني كما يسميها؟
القائد العام السابق لشرطة الاحتلال، موشي كارادي، وصف ما يحدث بالأمر الخطير، قائلاً في مؤتمر صحفي: "شكَّل بن غفير ميليشيات خاصة لتحقيق أغراضه السياسية، فهو يفكك ديمقراطية إسرائيل ويستدعي أي شخص يختلف معه للتحقيق".
كما شنت جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل هجوماً عنيفاً على تلك الخطوة، فقالت في بيان: "شاهدنا بالفعل ما يريد بن غفير أن يقوم به لقمع الاحتجاجات، ولا يسعنا سوى أن نتخيل ما يمكن أن يحدث عندما يمتلك ميليشياته الخاصة. من المهم أن نفهم أن وعد نتنياهو لابن غفير يعني إضفاء الشرعية على ميليشيات خاصة مسلحة تأتمر بأمر بن غفير".
ويريد بن غفير أن يتم رصد أموال كافية في الميزانية العامة لتسليح عشرات الآلاف من "المتطوعين" ليصبح قوام "الحرس الوطني" أو تلك الميليشيات تحت إمرته في نفس قوة الشرطة وحرس الحدود، بل وأكثر تسليحاً وأقل التزاماً بقواعد الاشتباك التي تحدث عند فض المظاهرات أو غيرها من المواقف بين الشرطة والمدنيين.
ومن المتوقع أن يكون أغلب المتطوعين بها من اليمينيين المتطرفين.
ومع أن الهدف الأساسي من هذه الميليشيات قمع الفلسطينيين في الضفة الغربية وكذلك فلسطيني عرب 1948، حيث ذكر بيان جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل ذلك الأمر بشكل مباشر قائلاً: "هذه وحدة شرطية الهدف الرئيسي من وجودها هو العمل في المدن المختلطة ضد السكان العرب".
السحر انقلب على الساحر
ولكن بن غفير قد يستخدم قوات الحرس الوطني وميليشات المستوطنين يوماً ضد اليهود العلمانيين.
فإسرائيل تشهد أكبر انقسام في تاريخها بين المتدينيين والعلمانيين، منذ تولي هذه الحكومة المتطرفة للسلطة ومحاولتها تمرير التعديلات التي تضعف سلطة القضاء وتسعى لتحصين رئيس الوزراء من المساءلة، إضافة لإضفاء الطابع الديني للدولة.
وأدى ذلك لاندلاع مظاهرات احتجاج غير مسبوقة، وتم تسخير الشرطة الإسرائيلية للتصدي لها، ومن شأن تشكيل حرس وطني من المستوطنين والمتطرفين اليهود، أن يمنح بن غفير قدرات أقوى في قمع المعارضة الداخلية.
كانت إسرائيل قد عاشت الإثنين 27 مارس/آذار 2023 واحدة من أخطر اللحظات في تاريخها، حيث وجَّه وزير الأمن الداخلي، إيتمار بن غفير، الدعوة للقاعدة الانتخابية من المستوطنين واليمين المتطرف للنزول إلى الشوارع في مواجهة المحتجين الرافضين للتعديلات القضائية، وهو ما حدث بالفعل.
نعم نريد حرساً وطنياً لأن الشرطة لا تطيع أوامرنا!
ولم يحاول أن يبذل حزب الليكود جهداً كبيراً في إخفاء أن الهدف من إنشاء الجرس الوطني هو إيجاد قوة أكثر ولاءً للأحزاب المتطرفة الحاكمة.
إذ قال الضابط السابق في الجيش الإسرائيلي وعضو حزب الليكود أيوب قرا لـ"بي "بي سي" إن الحرس الوطني كان موجوداً ضمن الأفكار التي طرحت خلال السنوات الأخيرة "بسبب انعدام الثقة لدى عناصر الشرطة والجيش بعد تدخل القضاء في مهامهم والقوانين التي يعتبرونها ضد الجندي والشرطي".
وأوضح قرا أن الحرس الوطني سيكون "موازياً للجيش والشرطة الإسرائيلية"، مشيراً إلى أنه سيتكون من مجموعةٍ من الفرق الخاصة للسيطرة على أماكن حساسة، يصعب على الشرطة والجيش السيطرة عليها".
منذ ما قبل نشأة إسرائيل على يد نخب علمانية ويسارية صهيونية بالأساس، قامت الدولة العبرية على فكرة إقامة دولة يهودية تتعامل مع عرب 48 كمواطنين درجة ثالثة ثم بعد 1967 مع فلسطينيي الضفة وغزة على أنهم بشر بلا حقوق، وفي الوقت ذاته أرادت إقامة ديمقراطية علمانية تساوي بين كل اليهود، مع أفضلية غير رسمية لليهود العلمانيين.
بينما كان الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية يطبقون معايير قريبة للمعايير الغرية على اليهود، عومل العرب على جانبي الخط الأخضر، بقوانين مختلفة ومعايير تسمح بالقمع.
سمحت هذه النخبة العلمانية بصعود التطرف الديني اليهود لعقود، لأنها ترى في اليهود المتطرفين ضرورة لتأكيد الطابع اليهودي للدولة من وجهة نظر مؤسسيها، وطالما أن الأذى الصادر منهم يستهدف بالأساس الفلسطينيين، رغم أن كثيراً من هؤلاء المتطرفين كانوا يشككون دوماً في يهودية العلمانيين، بل كان كثير منهم يرفض الانضمام للجيش.
اليوم تجد النخبة العلمانية التي أسست الدولة اليهودية أن المتطرفين الذين كانوا أقلية صغيرة، هامشية، تحاول على ما يبدو أن يذيقوا العلمانيين اليهود قليلاً من الكأس التي طالما شرب منها الفلسطينيون.
قد يكون هناك عوائق مالية أمام تمويل الحرس الوطني، والجيش الإسرائيلي جيش قوي، مما يجعل فكرة انقلاب الحرس الوطني، كما حدث في السودان، عليه صعبة.
ولكن يجب ملاحظة أنه ليس هناك مؤشرات على أن الحكومة المتطرفة الحالية لن تذهب قريباً، والمعارضة ضعيفة ومفتتة، وهذا يعني أن المجموعة المتطرفة سوف تواصل تعزيز نفوذها في أواصر الدولة.
وبن غفير تحديداً، عبر تحريضه للمستوطنين على حمل السلاح، ومحاولته لتأسيس حرس وطني وشيطنة المعارضين العلمانيين، وتضييقه على عمل مرؤوسيه في الأجهزة الأمنية، يعزز نفوذه الشخصي في مؤسسات إسرائيل بطريقة قد تكون لها عواقب وخيمة.