قبل 3 أسابيع تقريباً أعلنت إيران أنها اختبرت صاروخاً فرط صوتي يمكنه اختراق جميع الدفاعات الجوية، كما يمكنه أن يصل إلى مناطق بعيدة في دقائق محدودة؛ مما يمنح طهران قوة كبيرة في المستقبل، إن صحت هذه الرواية.
ودشنت القوة الجو-فضائية التابعة للحرس الثوري الإيراني بحضور الرئيس إبراهيم رئيسي، وقائد الحرس الثوري حسين سلامي، في يونيو/حزيران الجاري، حفلاً لإطلاق أول صاروخ فرط صوتي من صواريخ إيران محلية الصنع باسم "فتاح" يبلغ مداه 1400 كيلومتر، وتتراوح سرعته قبل إصابة الهدف من 13 إلى 15 ماخ.
ويطلق مفهوم الصاروخ الفرط صوتي على الصواريخ التي لديها سرعة عالية تصل لخمسة أضعاف سرعة الصوت، ويمكنها المناورة داخل وخارج الغلاف الجوي، ويعتقد أنه ليست هناك أية أنظمة قادرة على التصدي لها حالياً.
يأتي ذلك بعد أن كشفت إيران عن صاروخ باليستي جديد باسم "خيبر"، قادر على الوصول إلى مدى 2000 كيلومتر (1242 ميلاً)، ويحمل رؤوساً حربية تزن أكثر من طن، ومداه يطال إسرائيل ومعظم الشرق الأوسط.
وقالت إيران إن الصاروخ تم اختباره بنجاح، حيث بث التلفزيون الحكومي بضع ثوانٍ من لقطات لما قالت إنه عملية الإطلاق.
إيران تقول إن صاروخها الفرط صوتي اجتاز الاختبارات
وقال اللواء أمير علي حاج زاده، قائد وحدة الطيران في الحرس الثوري الإسلامي، إن تطوير إيران للصاروخ الفرط صوتي يمثل "قفزة كبيرة في مجال الصواريخ"، وإن "الصاروخ الفرط صوتي له سرعة عالية ويمكنه المناورة داخل وخارج أجواء الأرض".
ونقلت وكالة تسنيم شبه الرسمية للأنباء عن أمير علي حاجي زاده، رئيس وحدة الفضاء في الحرس الثوري الإيراني، قوله: "لقد اجتاز الصاروخ الأسرع من الصوت اختباراته، وسيُكشف النقاب عنه قريباً".
موقع أسباب المتخصص في التحليل الجيوسياسي رصد إمكانية هذا الصاروخ وماذا يعني ذلك بالنسبة لإيران.
ما الفرق بين الصواريخ الباليستية وبين الفرط صوتية؟
وتنطلق الصواريخ الباليستية التقليدية بسرعة أقل من سرعة الصوت التي تعادل 1 ماخ، أي 1000 كم/الساعة، بينما تُصنف الصواريخ كفرط صوتية إذا تجاوزت 5 ماخ، أي ما يزيد عن 5000 كم/الساعة.
وترجع أهمية الصواريخ الفرط صوتية إلى قدرتها على الوصول للهدف بسرعة كبيرة والمناورة وتغيير مساراتها بعد إطلاقها؛ مما يحد من القدرة على التنبؤ بأهدافها، ويقوّض قدرة أنظمة الدفاع الجوي على إسقاطها، وتترك أمام الخصم وقتاً محدوداً لإدراك أنه يتعرض للهجوم.
ونظراً لسرعتها الهائلة، تتمتع بقوة تدميرية هائلة بالاعتماد على طاقتها الحركية دون تحميلها بحشوة متفجرة ضخمة؛ فقوة ارتطام صاروخ فرط صوتي خالٍ من الرأس المتفجر بسرعة 9 ماخ تولد طاقة تدميرية تعادل 3 أطنان من متفجرات TNT.
من يمتلك الصواريخ الفرط صوتية؟
تمتلك دول محدودة جداً مثل روسيا والصين والولايات المتحدة، وكوريا الشمالية على الأرجح، صواريخ فرط صوتية، بينما تسعى دول مثل فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا والهند للحاق بالركب.
من جانبها؛ سعت طهران لدخول عالم الصواريخ الفرط صوتية منذ عقد على الأقل، حيث بدأت بتدشين أنفاق رياح بسرعة أقل من 3 ماخ، ثم دشنت أول نفق للرياح فائقة السرعة عام 2014 بجامعة الإمام الحسين بطهران للمساعدة في تطوير عمليات المحاكاة لصواريخ بسرعات 8 ماخ، وبدأت تتحدث عن تصنيعها أول صاروخ فرط صوتي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 قبل أن تعلن عنه رسمياً عن صواريخها وهو ما يعد تطوراً مهماً للصناعات العسكرية الإيرانية، يضع طهران بين أعضاء نادي الصواريخ الفرط صوتية محدود العضوية.
وتتيح قدرات صاروخ "فتاح" التي أعلنتها طهران الوصول لأهداف داخل "إسرائيل" خلال 6 دقائق، واستهداف القواعد العسكرية والسفن الأمريكية في منطقة الخليج بما فيها حاملات الطائرات، وهو ما يضيف لطهران دون شك قوة ردع كبيرة.
لكنّ ثمة شكوكاً حول قدرات صاروخ "فتاح" التي أعلنتها طهران، وأنها ربما تبالغ في إبراز قدراتها العسكرية لردع تل أبيب، وتأكيد قدرتها على الرد بشكل مؤلم على أي هجوم إسرائيلي محتمل.
إذ لها سوابق في المبالغة حول قدرات بعض أسلحتها لأسباب دعائية محلية أو خارجية، مثلما فعلت مع منظومة "باور 373" للدفاع الجوي، والتي يزعم قادة عسكريون إيرانيون تفوقها من بعض النواحي على منظومة S-400 الروسية، وهو ما لا توجد دلائل عملية عليه.
وعادة ما تميل إيران إلى المبالغة في الحديث عن قدراته العسكرية، وسبق لها أن تحدثت عن إنتاج مقاتلات شبحية تبين للمحللين الغربيين أنها نماذج لطائرات مشكوك أصلاً في إمكانية أن تكفي لاستيعاب طيار بشري بداخلها.
كما أنَّ المسؤولين الإيرانيين، خاصة قيادات الحرس الثوري، مشهورون بخطابات الوعيد المتكررة التي تهدد إسرائيل بالدمار وإزالتها من الوجود أحياناً، علماً بأن تل أبيب لديها أسلحة نووية ووسائل توصِّلها لإيران، بينما ليس لدى الأخيرة أسلحة نووية.
ولكن وسط غمامة الدعاية الإيرانية، فإن البلاد أنتجت بالفعل عدداً من الأسلحة التي جُربت وأثبتت فاعلياتها في بعض المعارك، خاصة في اليمن ولبنان وفلسطين وسوريا والعراق. كما أن الإيرانيين طوروا برنامج صواريخ باليستية من الثورة الإسلامية عام 1979 من الصفر اعتماداً على معونة محدودة من الخارج (يعتقد أن أغلبها من كوريا الشمالية).
وأثبت مصنعو الأسلحة الإيرانيون أنهم مهرة في استنساخ الأسلحة، سواء الأمريكية القديمة التي بحوزتهم أم الروسية والصينية.
بل إنهم أنتجوا أسلحة من محاكاة حطام طائرات أمريكية وإسرائيلية مسيرة قاموا بإسقاطها.
ولكن لا يعني الحديث الإيراني عن عزمها إطلاق صواريخ فرط صوتية أنها استطاعت التوصل لهذه التكنولوجيا بالضرورة.
ماذا يعني هذا الصاروخ بالنسبة لإيران؟
أظهر استخدام صواريخ روسيا الفرط صوتية في أوكرانيا عدم قدرتها على إحداث تغيير استراتيجي في المعركة، مع اعتراضات ناجحة من قِبل أنظمة باتريوت الأمريكية، أعلنت عنها أوكرانيا مرتين في مايو/أيار 2023، وأكدها البنتاغون. وهو أمر يشير للفجوة بين القدرات المعلنة وبين الاختبار الفعلي في المعارك.
ومن جهة أخرى، تعمل تل أبيب على تسريع إدخال نظام الدفاع الصاروخي بالليزر "الدرع الضوئي Magan-Or" إلى الخدمة خلال سنتين، لتطوير قدرات مواجهة لصواريخ إيران.
ورغم كل هذه القيود، يعطي صاروخ "فتاح" لإيران حصة جديدة محتملة في فرص تصدير الأسلحة ونسج علاقات عسكرية مهمة، كما حدث من خلال بيع الطائرات بدون طيار لروسيا. وتشير تقديرات استخبارية إلى احتمالية استفادة إيران من خبرات أو مكونات روسية في تطوير صناعاتها الفرط صوتية. وإذا تم إثبات قدرة صواريخ إيران الفرط صوتية المعلنة، فإنها ستشكل تحديات أمنية خطيرة لإسرائيل.
وبالإضافة لذلك؛ فإن رسائل الردع الإيرانية ستثير أيضاً المزيد من مخاوف جيرانها في منطقة الخليج وهو ما يتسبب في رياح معاكسة لمساعي تطبيع العلاقات وتطويرها، وليس من المرجح أن تؤدي برامج التسلح الإيراني إلى انتكاسة قريبة في خطط التطبيع مع دول الخليج، لكنّها ستُبقى على "التهديد الإيراني" كهاجس جيوسياسي قد يدفع قادة الخليج للتمسك بالمحافظة على توازن مضاد من خلال التحالف الأمني مع الولايات المتحدة، وتعميق التعاون مع الأطراف الإقليمية الأخرى مثل تركيا و"إسرائيل".
لذلك؛ من المرجح أن يطلق الإعلان الإيراني سباق تسلح "فرط صوتي" في المنطقة، ويزيد من مساعي الشراء الموجهة إلى الولايات المتحدة وروسيا والصين على وجه الخصوص. كما أنه يضع المزيد من القيود أمام احتمالية شن حملة عسكرية إسرائيلية/أمريكية ضد إيران ومنشآتها النووية، بالنظر إلى حالة الردع الإيرانية المتزايدة.