تصفيق حارّ قوبلت به تصريحات الرئيس المصري، التي لمّح فيها لرفضه مسألة تعويم الجنيه مجدداً أو تخفيض سعره، استجابةً لشروط صندوق النقد الدولي، ولكن في الأسواق المالية قوبلت التصريحات بقلق كبير، أدى لانخفاض قيمة السندات المصرية.
وبعد موجة تفاؤل بتحسن آفاق الاقتصاد المصري خلال الأسابيع الماضية، وتوقعات بأن يتجنب الجنيه تراجعاً كبيراً، أصبح مصير اتفاق مصر مع "صندوق النقد الدولي" ضبابياً، بعد إرجاء المراجعة الأولى لعدم تنفيذ البلاد المتعطشة للسيولة الدولارية الطلبات التي تم الاتفاق عليها مع الصندوق، وكان أهمها سعر الصرف المرن، وتنفيذ برنامج لبيع شركات مملوكة للدولة، حسبما ورد في تقرير لموقع اقتصاد الشرق مع بلومبرغ.
أخبار إيجابية عن الاقتصاد المصري
قبل أسابيع تكاثرت الأخبار الإيجابية عن الاقتصاد المصري، حيث أعلن بنك سيتي غروب الأمريكي أن توقعاته التشاؤمية للاقتصاد والجنيه المصريين وصلت لذروتها، وتراجعت المخاوف من تخلف مصر عن سداد ديونها بشكل كبير، كما يتضح من تضييق الفارق بين العائد على السندات المصرية المقومة بالدولار وسندات الخزانة الأمريكية، إضافة لذلك باعت القاهرة صكوكاً سيادية بقيمة 1.5 مليار دولار لأجل 3 سنوات. وقد تجاوزت نسبة تغطيتها 4 أضعاف، بعد أن جذب طرحها طلبات بقيمة 6.1 مليار دولار، بعد أن تعثر الطرح السابق.
لكن عودة الغموض بشأن التزام مصر بشروط صندوق النقد أسهمت في تعميق تراجع السندات الدولية المصرية، التي هبطت 4% خلال جلستي الخميس والجمعة الماضيين، وأكملت التراجع هذا الأسبوع، لتصل خسائرها منذ بداية العام إلى 20%.
حسب موقع اقتصاد الشرق زاد من صعوبة الأمر تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، التي قال فيها إن سعر الصرف في بلاده أصبح "أمناً قومياً"، وإنه لا يمكن لحكومته الاقتراب منه إذا كان سيؤثر على حياة المصريين، الأمر الذي عقّد المشهد بصورة أكبر، وأربك سوق السندات الدولية المصرية، كما هي الحال بالنسبة للمضاربين على العملة باستخدام عقود الجنيه المصري غير القابلة للتسليم.
واستبعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إجراء مزيد من خفض قيمة العملة في أي وقت قريب، في تصريحات أدلى بها أمام مؤتمر للشباب الأسبوع الماضي، قائلاً إن مثل هذه الخطوة قد تضر بالأمن القومي، وتضر بالمواطنين المصريين، حيث أشار إلى أنها قد تؤدي لارتفاع أسعار الخبز والطاقة.
السيسي يرفض لأول مرة بشكل علني ضغوط صندوق النقد لـ"تعويم الجنيه"
تصريحات السيسي كانت هي المرة الأولى التي يردّ فيها بشكل مباشر على الضغوط التي تتعرض لها بلاده من صندوق النقد الدولي، من أجل "مرونة أكبر لسعر الصرف"، دون أن يذكر اسم "صندوق النقد الدولي" في حديثه، لكن الإشارة كانت واضحة، ورد عليه الحضور قائلين إننا نفهم مَن تقصد.
وبعد أن أعلنت مصر عن تعويم الجنيه، العام الماضي عدة مرات، ارتفع سعر الدولار إلى أكثر من 30 جنيهاً، بعد أن كان 15.5 جنيه للدولار بداية 2022، فيما اعتُبر خطوة إيجابية لاقت ترحيباً من رجال الأعمال والمؤسسات الدولية.
ولكن ظل سعر الصرف الرسمي ثابتاً عند نحو 30.90 جنيه للدولار لأكثر من ثلاثة أشهر، بينما تراجع في السوق السوداء إلى نحو 39 جنيهاً للدولار، حسبما ورد في تقرير لوكالة Reuters، وذلك بعد أن كان لامس أو تخطى الأربعين لفترات قليلة قبل أسابيع.
يؤشر ذلك إلى أن الحكومة تخلت عن فكرة تعويم الجنيه، على الأقل في الوقت الحالي، خاصةً في ظل القيود الكبيرة على تداوله في الجهاز المصرفي.
السيسي الذي يتوقع أن يخوض الانتخابات الرئاسية بعد أشهر قليلة، قال لنكن واضحين بشأن سعر الصرف، نحن مرنون، ولكن متى يمس الأمر بالأمن القومي المصري، ويضيع الشعب المصري؟ قال السيسي: لا، لا، لا.
وأضاف: "أنا أتحدث بجدية، أنا أقول هذا على الهواء، عندما يكون لسعر الصرف تأثير على حياة المصريين، ويمكن أن يتسبب في ضياعهم، فلن نبقى جالسين"، قالها وسط تصفيق.
"حتى لو كانت هذه الكلمات تتعارض… نعم. حتى لو كانت هذه الكلمات تتعارض…"، قال دون أن يذكر من يقصد، ولكن الإشارة كانت واضحة إلى أنه يقصد صندوق النقد الدولي، والمانحين الدوليين.
3 عمليات تخفيض دون جدوى
رغم ثلاثة تخفيضات حادة في قيمة الجنيه منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، لا تزال العملات الأجنبية نادرة في البلاد، وتم منع العديد من الواردات الحيوية مثل المصانع والمدخلات الزراعية من دخول البلاد.
أبرمت مصر اتفاقية مع صندوق النقد الدولي للتعاون في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مدته 46 شهراً، بتمويل من الصندوق بقيمة 3 مليارات دولار على دفعات تمتد على مدى عمر البرنامج، ويفترض أن يحفز برنامج الصندوق تمويلات من دول الخليج العربية، بقيمة 14 مليار دولار، أغلبها في شكل شراء أصول مصرية، وسط خلافات حول تقويم أسعارها وسعر الجنيه وتخفيف دور الجيش في الاقتصاد.
وتسلمت مصر أول دفعة من صندوق النقد الدولي، في ديسمبر/كانون الأول الماضي، بقيمة 347 مليون دولار، ومن المقرر تسلّم الدفعات الباقية في مارس/آذار وسبتمبر/أيلول من كل عام، وتحديداً من 2023 إلى 2026، وهو ما لم يحدث بعد.
المراجعة الأولى للصندوق للبرنامج تأخرت، بعد أن كانت مقررة في مارس/آذار الماضي، وبالتالي لم تتسلم مصر الشريحة الثانية، وسط مؤشرات على تباطؤ مصر في تنفيذ بعض الإصلاحات، مثل التحول إلى مرونة سعر الصرف المستدام، وتنفيذ برنامج لبيع عدد من الأصول لجذب تدفقات النقد الأجنبي.
كيف ردّ الصندوق على تصريحات السيسي؟
ردّ صندوق النقد الدولي على تصريحات السيسي كان مكرراً، إذ قالت المديرة العامة للصندوق كريستالينا غورغييفا في حوار مع "اقتصاد الشرق"، إن المؤسسة الدولية تخوض نقاشات جيدة جداً مع السلطات المصرية التي تتخذ الخطوات المناسبة.
وأضافت "هناك خطوات كثيرة صائبة أقدمت مصر على تنفيذها، لكنها بحاجة إلى تقييم البيئة العالمية المتغيرة، وتحديد طريقة تسمح لها بتعزيز تنافسية اقتصادها"، بحسب غورغييفا.
وقالت مديرة الصندوق إن التعاون مع القاهرة سيجعل الرئيس المصري يتخذ القرار الصائب لصالح البلاد.
وشددت على أن صندوق النقد الدولي منفتح للغاية على استمرار المناقشات مع السلطات المصرية. وأضافت جورجيفا: "إنني أكن احتراماً كبيراً للرئيس عبد الفتاح السيسي، وأثق أنه من خلال العمل معاً يمكنه اتخاذ القرارات الصحيحة للبلاد".
ترى غورغييفا أن مع وجود أسعار صرف متعددة يحصل بعض الناس على امتيازات، بينما يُحرم آخرون منها. أضافت: "كما نعلم أن دعم العملة دون وجود ما يكفي من الاحتياطيات من العملات الأجنبية يؤدي إلى استنزاف هذه الاحتياطيات".
وأكدت على ضرورة اتخاذ مصر الإجراءات الضرورية لحماية هذه الاحتياطيات من العملات الأجنبية، مشيرة إلى أن الصندوق سيظل جاهزاً لاستكمال النقاشات مع السلطات المصرية.
وأشارت إلى أن السلطات المصرية تتخذ الخطوات المناسبة، مستشهدة بالاتفاق الأخير مع مؤسسة التمويل الدولية (IFC) لاستخدام خبراتها لتسريع خصخصة الشركات المملوكة للدولة.
تخفيض التصنيف الائتماني لـ4 من أكبر مصارف البلاد
في 17 مايو/أيار 2023، خفضت وكالة التصنيف الائتماني فيتش التصنيف الائتماني (IDRs)، وتقييمات الجدوى (VRs) لأربعة بنوك مصرية كبرى إلى "B" من "B+". تُستخدم IDRs لقياس مخاطر التخلف عن السداد للكيانات المعنية، بينما تُستخدم VRs لتقييم الجدوى المستقبلية لشركة معينة. وتشمل البنوك التي تم تخفيض تصنيفها البنك الأهلي المصري، وبنك مصر، وبنك القاهرة، والبنك التجاري الدولي، وجميعها بنوك ذات أهمية كبيرة في النظام المصرفي المصري.
تشمل الأسباب التي تم الاستناد إليها لخفض التصنيف الضغط على النظام المصرفي بسبب أزمة الديون السيادية (حيث إن البنوك المصرية من أكبر حاملي الديون السيادية المصرية)، والقيود على توافر العملة الصعبة، والتأثير السلبي المتوقع على الرسملة بسبب الانخفاض المتوقع في قيمة الجنيه، والعجز الملحوظ للحكومة المصرية عن دعم النظام المصرفي في حالة حدوث أزمة.
ويأتي هذا التخفيض في التصنيف الائتماني في الوقت الذي بلغ فيه صافي عجز الأصول الأجنبية للقطاع المصرفي المصري مستوى مرتفعاً جديداً، بلغ 24.5 مليار دولار في مارس/آذار، مقارنةً بـ23 مليار دولار في فبراير/شباط، ما يدل على زيادة ضعف القطاع.
بعد زيارة قام بها خبراء البنك الأمريكي إلى مصر، والتقوا خلالها بمسؤولين حكوميين ومستثمرين، يعتقد بنك غولدمان ساكس أن مصر تعيش حالةً من "عدم اليقين الشديد"، حيث تواجه "سيناريو مشوشاً" فيما يتعلق بالتعامل مع اقتصادها.
لا تعويم قبل توفير احتياطات دولارية كافية
وقال خبراء غولدمان ساكس إن مصر تحتاج 5 مليارات دولار قبل تعويم الجنيه.
ويشير تقرير "جولدمان ساكس"، الذي راجعته "سكاي نيوز عربية اقتصاد"، إلى أن السلطات المصرية لديها رؤية واضحة مفادها أن الانتقال إلى مرونة أكبر في سعر الصرف -كما يطالب صندوق النقد- يحتاج إلى توفير احتياطيات كافية من النقد الأجنبي لإدارة مخاطر الانزلاق في سعر الصرف بعد تحريره.
وتتطلع الحكومة إلى توفير هذا المخزون الضروري من السيولة الدولارية من برنامج مبيعات الأصول الحكومية؛ حيث تفضل بيع بعض هذه الأصول قبل الانتقال إلى مرونة أكبر في أسعار الصرف، وفقاً لتقرير "جولدمان ساكس".
المشكلة أن العديد من المشترين الخليجين يبدو أنهم يحجمون عن عقد صفقات شراء الأصول المصرية في ظل القيمة الحالية للجنيه المصري الذين يرون أنه مقوم بأكبر قيمته الواقعية.
من جانبه، لا يعتقد "دويتشه بنك" الألماني أن تخفيض سعر صرف الجنيه هو المسار الصحيح لمصر الآن، لكنه مع ذلك أشار إلى أن "مرونة سعر الصرف تظل محورية بالنسبة إلى برنامج صندوق النقد الدولي وكذلك دعم دول مجلس التعاون الخليجي".
في ضوء التأخير في تنفيذ برنامج بيع الأصول الحكومية، لعوامل عدة أبرزها، "عقبات هيكلية" والخلاف حول تقييمها المنخفض، يعتقد "جولدمان ساكس" أنه لن يكون هناك انتقال إلى المزيد من مرونة سعر الصرف في الأشهر المقبلة؛ مما يزيد من المخاطر المتعلقة ببرنامج صندوق النقد الدولي، الذي يعتبر مرونة سعر الصرف مطلباً أساسياً.
مصر تتحدى صندوق النقد بشأن الجنيه، ولكن تحاول إرضاءه في بيع الأصول
وقال دويتشه بنك: يبدو أن مصر تسير قُدماً في عمليات الخصخصة؛ لذا يتوقع البنك تراجع الضغوط على سعر الصرف خلال الصيف. إن التعويم القادم قد يتم بمجرد المضي قُدماً في المراجعة الأولى المتأخرة حالياً لبرنامج صندوق النقد، على افتراض أنه لن يكون هناك تغيير في مطالب المؤسسة الدولية.
تلقت عملية بيع الأصول دفعة أخيرة؛ حيث نجحت مصر في تنفيذ أولى صفقاتها في إطار البرنامج، بما في ذلك بيع حصتها في شركة الأصباغ والصناعات الكيماوية (باكين) وحصة 10% في المصرية للاتصالات. وقد أظهرت هذه المعاملات الأولية تقدماً وجذبت اهتماماً إيجابياً من المستثمرين.
وقد تحصل خطة بيع الأصول في مصر على دعم آخر بمقدار ملياري دولار؛ حيث تتطلع شركتا Actis LLP (مقرها لندن) و Edra Power Holdings Sdn Bhd الماليزية لشراء محطة كهرباء مصرية كبرى تقع في محافظة بني سويف، جنوب القاهرة، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر، طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم لأن المداولات خاصة.
ومن المتوقع بيع أصول حكومية أكثر خلال الأسابيع المقبلة. وتحاول السلطات أيضاً تحسين مناخ الاستثمار، بما في ذلك تسهيل إنشاء شركات للأجانب، مع العمل على تعزيز مشاركة القطاع الخاص.
وتسعى مصر لبيع كل أو أجزاء من أكثر من عشرين شركة وأصول مملوكة للدولة، ويتوقع أن يكون حلفاء القاهرة العرب الخليجيون هم المشترين الرئيسيين، لكن هناك خلافات مع الشركاء الخليجيين حول أسعار هذه الأصول وكذلك حول قيمة الجنيه، في ظل نظرة إليه أنه مقوم بأعلى من قيمته الحقيقية، إضافة لخلافات حول هل يتم البيع بالدولار أم الجنيه، خاصة أن بعض الشركات الخليجية عرضت الشراء بواسطة حيازاتها من العملة المصرية في الداخل، وهو ما يعني عدم إدخال دولارات جديدة.
وقال تقرير "Goldman Sachs" إن برنامج بيع الأصول العامة قد تزداد سرعته؛ لذا سيتم بيع بعضها خلال الأسابيع القليلة المقبلة، لكن الوتيرة تظل بطيئة رغم ذلك، مما يجعل التوقعات الاقتصادية لمصر تعتمد على تطور مبيعات الأصول.
ما الذي تكشفه تصريحات السيسي عن مستقبل الجنيه المصري؟
وقال الخبير الاقتصادي المصري هاني جنينة، إن الحكومة "قد تلغي برنامج الإصلاح مع صندوق النقد أو تؤجل استكماله للعام القادم لحين توافر السيولة الدولارية".
كما يظهر من تصريحات الرئيس السيسي أن مصر تتجه لتثبيت سعر الصرف عند مستواه الحالي، أي أقل من 31 جنيهاً، مقارنة بنحو 39 جنيهاً في السوق الموازية، ويبدو أن القاهرة ستحاول الاعتماد على طرق أخرى لتمويل العجز الدولاري، المتأتي من الديون الضخمة التي تدور حول 160 مليار دولار، نسبة كبيرة منها ديون قصيرة الأمد.
إضافة لبيع الأصول، دعا السيسي لتعزيز الصادرات والاعتماد على الصناعة المحلية وتقليل الواردات، يؤشر ذلك إلى استمرار السياسة الحالية في فرض قيود مشددة على الاستيراد، والتي أدت لوقف فعلي لاستيراد بعض السلع مثل السيارات التي تقدر قيمة وارداتها بنحو 4 مليارات دولار.
ورغم تخفيف بعض القيود على الاستيراد، فهناك مؤشرات على العودة لبعض التقييد السابق.
ولكن المشكلة أن فرض قيود على الواردات يضر بالصناعة المحلية أيضاً التي تعتمد على مدخلات مستوردة بنسبة كبيرة، كما يخلق وجود سعرين للعملة رسمي وموازٍ، فرصة للتلاعب من قبل من لهم حق الوصول للسعر الرسمي المنخفض للدولار، بمن في ذلك المصنعون، حيث تكون أحياناً المتاجرة بالدولار أكثر ربحاً من التصنيع.
كما أن الفجوة الكبيرة بين السعرين الرسمي والموازي التي تزيد عن الـ30 في المائة في الوقت الحالي، تعني أن تحويلات العاملين في الخارج التي تمثل المصدر الأكبر للدولار، سوف تتم خارج النظام المصرفي، لاسيما أن موسم الصيف قد بدأ حيث سيعود ملايين المغتربين، خاصة المقيمين في دول الخليج لمصر؛ حيث يضخون مليارات الدولارات في اقتصاد البلاد مع قدومهم لقضاء الإجازات السنوية مع عائلاتهم، وذهابهم للمنتجعات الصيفية، وتنفيذهم بعض الصفقات العقارية وشراء السيارات.
الفجوة الكبيرة بين سعري السوقين الرسمية والموازية، سوف تجعل أغلب المغتربين على الأرجح يحولون العملة الأجنبية عبر السوق الموازية، والابتعاد عن الجهاز المصرفي، هذا من شأنه أيضاً الضغط على سعر الدولار في السوق الموازية، وقد يقلل الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي ولكن لن يحل المشكلة.
قد تكون مصر قد عبرت أخطر احتمالات أزمتها الاقتصادية وهي مخاطر انهيار العملة الوطنية أو التخلف عن سداد الديون، ولكن الأزمة تبدو بعيدة عن الانتهاء، بل هي مرشحة لأن تكون أقل حدة ولكن مزمنة، خاصة في ظل شكوى رجال الأعمال الوطنيين من منافسة شركات الجيش؛ إذ يبدو الحديث عن تخفيف البصمة العسكرية موجهاً لصندوق النقد والمستثمرين الخليجيين والأجانب أكثر منه واقعاً.
كما يبدو أن الاتفاق مع صندوق معرض لضرر كبير في ظل عدم الاستجابة لشرط سعر صرف المرن الذي يعد أحد الأركان الأساسية لسياسات الصندوق المالية، وأحد المبادئ الأساسية للاقتصاد الرأسمالي الحديث، كما سبق أن أكد المليارديران المصريان نجيب وسميح ساويرس؛ حيث حذرا من مشكلة نقص الدولار، وقال نجيب "أن تحافظ على سعر الجنيه أمام الدولار وتجعل كل شيء خلفه يموت ليس أمراً سليماً".
لا يعني هذا أنه سيتم بالضرورة فسخ اتفاق مصر مع صندوق النقد، لأن مصر بالنسبة لممولي الصندوق الكبار أهم من أن تترك لتنهار.
ويُظهر هروع رئيسي وزراء إيطاليا وهولندا ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لتونس رغم رفض رئيسها قيس سعيد الكامل لاتفاق صندوق النقد الدولي، وتقديم عرض قرض له بقيمة مليار يورو، أن الدول الغربية مدفوعة بملف الهجرة إضافة لملفات أخرى ستغض الطرف عن ضرورة الالتزام بمبادئ الاقتصاد الأساسية في تعاملها مع أكبر دولة عربية والتي تحتل مساحة كبيرة من الشاطئ الجنوبي للبحر المتوسط.