السلاحف البحرية والأفيال الإفريقية، وحتى الخفافيش والطيور، تلعب أدوارها المصممة للحفاظ على النظام البيئي، فكيف يؤثر انقراض نوع واحد من الحيوانات على كوكب الأرض ككل؟
كان كوكب الأرض قد تعرض لفناء غالبية مظاهر الحياة عليه 5 مرات نتيجة لبعض الظروف العصيبة، والآن يقول العلماء إن الأرض تواجه الكثير من المشكلات التي تهدد الحياة عليها، بل ويذهب بعضهم إلى حد القول بأننا ربما نقف بالفعل على أعتاب انقراض جماعي للمرة السادسة.
الانقراض الجماعي والتغير المناخي
الانقراض الجماعي هو فترات زمنية في تاريخ الأرض يفقد خلالها الكوكب ثلاثة أرباع أنواع الكائنات الحية التي تعيش عليه بسرعة كبيرة، ويشير العلماء الذين يدرسون السجلات الأحفورية إلى حدوث 5 انقراضات جماعية هائلة النطاق خلال الأعوام الـ540 مليوناً الماضية من عمر الأرض.
أحدث تلك الانقراضات، وهو أيضاً أكثرها شهرة، عندما ارتطم كويكب بسطح الأرض وتحطم فوق ما يعرف حالياً بدولة المكسيك قبل 66 مليون سنة، ما أدى إلى إشعال النيران في النصف الغربي من الكرة الأرضية وفناء الديناصورات غير الطائرة.
ومن بين الأمثلة الأخرى "الفناء العظيم" الذي شهده كوكب الأرض قبل 250 مليون عام، عندما انقرض 90% من أنواع الكائنات التي كانت موجودة في ذلك الحين.
أما عن الأسباب التي أدت إلى كافة فترات الانقراض الجماعي فهي ليست معروفة على وجه الدقة، لكنها تضمنت تغيرات سريعة ودراماتيكية طرأت على المناخ والمحيطات واليابسة.
والآن يقول العلماء إن التغير المناخي الذي يتسبب فيه البشر، والتغيرات التي طرأت على استخدام الأرض، والتلوث، كلها عوامل تؤدي إلى تغيير طبيعة الكوكب بسرعة هائلة، وزادت من صعوبة تكيف الكائنات وبقائها على قيد الحياة.
مصطلح التغير المناخي معنيّ بوصف التغييرات طويلة المدى في الأحوال الجوية للأرض. وتتمثل هذه التغييرات في الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة وهطول الأمطار بغزارة مسبّبةً فيضانات قاتلة، ويحدث هذا التطرف في الطقس بصورة متسارعة وربما في الأماكن نفسها؛ ما يؤدي إلى موجات طقس حار وعواصف، وارتفاع منسوب المياه، والنتيجة أضرار ضخمة وخسائر على جميع المستويات.
وعلى الرغم من أن العديد من العوامل تُساهم في حدوث الفيضانات على سبيل المثال، فإن ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي نتيجة تغير المناخ يجعل هطول الأمطار الغزيرة أكثر احتمالاً. وارتفعت درجة حرارة العالم بالفعل بنحو 1.2 درجة مئوية منذ بدء عصر الصناعة، وستستمر درجات الحرارة في الارتفاع ما لم تُحدث الحكومات بجميع أنحاء العالم تخفيضات حادة في الانبعاثات الكربونية.
أما الارتباط بين الانقراض الجماعي والتغير المناخي، فيرجع إلى قمة "كوب-15" في كندا، والتي وصفت بأنها "الفرصة الأخيرة" للطبيعة، إذ قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لدى افتتاحه مؤتمر القمة بمونتريال إن مليون نوع من الكائنات أصبح الآن "على حافة الهاوية". وأضاف: "في شتى أنحاء العالم، وعلى مدى المئات من السنين، ظللنا نعزف سيمفونية من الفوضى على آلات الدمار".
السلاحف البحرية والأفيال الإفريقية والطيور
حالياً تتعرض العديد من النباتات والحيوانات لتهديدات مستمرة بسبب ما يرتكبه الإنسان من أفعال تؤثر عليه سلباً، ففقدان البيئة المناسبة التي تعرف بالموائل، بالإضافة إلى تغير المناخ، يؤثر كلاهما بشدة على مختلف أنواع الحيوانات في جميع أنحاء العالم، بحسب بي بي سي.
وعلى سبيل المثال، تعاني السلاحف البحرية من خسارة الشواطئ التي تضع عليها بيضها بفعل عوامل التعرية، بينما تتعرض الأفيال الإفريقية لتهديد الصيادين والمزارعين. وكلاهما يلعب دوراً مهماً في النظام البيئي الخاص بهما، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ويساعد سلوك السلاحف والأفيال حيوانات أخرى تعيش بجوارهما على البقاء. وفقدان هذه الكائنات، وغيرها من التي يبحثها هذا الموضوع، قد يكون له تأثير مدمر على النظام البيئي العالمي.
ولأكثر من 200 عام، قضى صيد الحيتان على أعدادها في العالم، لكن إجراءات الحفاظ على الطبيعة في الآونة الأخيرة ساعدت على استقرار أعداد الحيتان المستنفدة. وهذا الأمر مهم للغاية، لأن الحيتان تساعد الكوكب على أن يكون مكاناً أفضل يتمتع بصحة جيدة بطرق عدة، إحداها البراز. فعندما تصعد الحيتان لسطح الماء وتتعرض للهواء، تطلق أعمدة برازية ضخمة تغذي المحيط وتساعد في دعم السلسلة الغذائية.
وحتى عندما تموت هذه الحيتان، فإنها تساعد البيئة أيضاً، إذ إن هذه المخلوقات الضخمة طويلة العمر، تخزن أجسامها كميات هائلة من الكربون، تأخذها من الغلاف الجوي، وعندما تنتهي حياتها، يستقر هذا الكربون في قاع المحيط، ثم تغذي جثة الحوت العملاقة نحو 400 نوع من الحياة البحرية.
وفي السياق نفسه، تلعب الطيور دوراً مهماً للغاية، إذ إن لها العديد من الفوائد البيئية، في القطبين والغابات المطيرة والصحاري، وفي كل بيئة نجد أن الطيور تلعب دوراً حيوياً فيها. فالطيور مهمة للتلقيح، رغم أن الحشرات كالنحل والفراشات تقوم بالجزء الأكبر من عملية التلقيح، إلا أن الطيور تساهم في تلقيح 5% من النباتات التي يستخدمها الإنسان في الغذاء والدواء.
وتساهم الطيور أيضاً في عملية الزراعة من خلال نثر البذور، فالحبوب التي تأكلها تخرج عن طريق الفضلات، ما يوفر أسمدة صحية. وعندما تهاجر الطيور، والتي غالباً ما تقطع مسافات شاسعة، فإنها تنثر هذه الحبوب في جميع أنحاء العالم. حتى الطيور البحرية، فضلاتها أيضاً هي مصدر غذائي حيوي للشعاب المرجانية في العالم، ما يساعد على إبقائها على قيد الحياة.
علاوة على ذلك، تتخلص الطيور من الكثير من الآفات المزعجة، حيث تلتهم ما يصل إلى 500 مليون طن من الحشرات سنوياً، ما يوفّر خدمة حيوية لعملية الزراعة.
وحتى الخفافيش لها فوائد بيئية عظيمة، وتلعب كذلك دوراً مهماً في عملية التلقيح. ولأنها كائنات ليلية بالأساس، فإنها تعمل على تلقيح النباتات التي لا تمر عليها الطيور والحشرات، مثل الأنواع النادرة من الصبار. وهناك أكثر من 500 نوع من النباتات، من بينها المانغو والموز والأفوكادو، تعتمد على الخفافيش في عملية التلقيح.
كما تلعب الخفافيش أيضاً دوراً مهماً كالطيور في عملية نثر البذور، وهو أمر تبرز أهميته في الغابات المطيرة، التي عانت من عمليات الإزالة الجائرة وفقدان الموائل.
ويعد براز الخفافيش سماداً أكثر خصوبة من روث البقر، ويوفر العناصر الغذائية التي تحتاجها أنظمة الكهوف التي يمكن أن تستغلها الكائنات الأخرى. كما ساهمت الطبيعية المذهلة لهذا المخلوق في التقدم البشري، فنظام تحديد الموقع بالصدى أثناء تنقل الخفافيش، استوحى منه البشر ابتكارات تكنولوجية مثل السونار أو المسبار الصوتي.
إن اختيار المكان المناسب في الحدائق لوضع صندوق الخفافيش، الذي يشبه صندوق عش الطيور ولكنه يتميز بفتحة من الأسفل، يعد طريقة رائعة لمساعدة الخفافيش على التكاثر.
أما الفهود الثلجية فهي تعيش في المناطق الجبلية الوعرة القاسية في وسط وجنوب آسيا، وهي من أكثر السنوريات غموضاً على هذا الكوكب. نعرف القليل عنها، لكننا نعلم أن أعدادها آخذة في التناقص؛ فربما لم يتبقّ منها سوى 4000 في العالم.
تواجه هذه الفهود تهديدات مختلفة؛ ففراؤها الجميل السميك العازل للحرارة يجعلها هدفاً للصيادين، كما تتعرض لعمليات القتل الانتقامية على يد الرعاة عندما تهاجم الفهود قطيع الماشية.
كيف يؤثر انقراض أي نوع حيوانات على كوكب الأرض؟
يعد التغير المناخي مشكلة رئيسية، إذ تبحث هذه الفهود عن مناطق باردة منعزلة، عادة على ارتفاعات تزيد عن 3000 متر، حيث يمكنها بسهولة الاختباء بين الثلوج، لكن ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض يعني أن موطنها المثالي آخذ في الانكماش.
وبشكل عام يقول الخبراء إننا نفقد أنواعاً من الكائنات بسرعة أكبر من السرعة التي تنشأ بها تلك الأنواع وتتطور، ويرى البعض أن ذلك قد يضعنا على طريق حدوث انقراض جماعي جديد، والذي سوف يشمل الجنس البشري.
الدكتور جيراردو سيبالوس، الخبير في مجال علم البيئة بجامعة يو إن إيه إم بمكسيكو سيتي، قال لبي بي سي: "إننا نغير مسار النشوء والارتقاء… حتى لو لم نكن بصدد انقراض جماعي، ما نفعله الآن هو تعريض النظام الذي جعل بقاءنا أمراً ممكناً للخطر".
لكن من الصعب قياس معدلات الانقراض لأنه، حتى في عصرنا هذا، لا زلنا لا نعرف الكثير عن غالبية الأنواع، أو مدى التهديد الذي قد تتعرض له. وتظهر السجلات المحدودة المتاحة أننا فقدنا أقل من 1% من الأنواع خلال الأعوام الـ500 المنصرمة، لكن العديد من العلماء يرون أن النسبة الحقيقية قد تكون أعلى بكثير، لأن غالبية الأنواع التي نحن على دراية بها لم يتم وصفها حتى منتصف القرن التاسع عشر.
في عام 2015، عكف علماء على دراسة المجموعات المحفوظة بالمتاحف والسجلات وتدوينات الخبراء للأنواع المعروفة للحلزون البري والتي يبلغ عددها 200 نوع. اكتشف العلماء أن الكثير من تلك الأنواع لم يُرصد في البرية منذ تصنيفه للمرة الأولى، وأن عُشرها على الأرجح قد تعرض للفناء بالفعل.
وإذا ما اعتبر ذلك مثالاً على اتجاهات أوسع نطاقاً، يقدّر العلماء أنه قد يعني أننا فقدنا بالفعل ما بين 7.5 إلى 13% من كافة أنواع الكائنات المعروفة. أما الدكتور ألكسندر ليز، عالم الطيور بجامعة مانشستر متروبوليتان، والذي لم يشارك في الدراسة المشار إليها، فيقول إن "هناك إشارة إلى فقدان عدد كبير للغاية [من الأنواع] لا تعكسه البيانات الحالية".
وعلى الرغم من أننا لا نعلم بالضبط عدد الأنواع التي تعرضت للفناء في الأعوام الأخيرة، فإن أعداد الحيوانات البرية آخذة في التناقص بمعدل سريع؛ إذ يقدّر أن عدد الحيوانات البرية حول العالم تقلص بنسبة 69% في المتوسط خلال الأعوام الـ50 الماضية فقط.
يقول البروفيسور أنثوني بارنوسكي أستاذ علم الأحياء بجامعة كاليفورنيا ببركلي: "لن يستغرق الأمر الكثير من الفترات التي يبلغ كل منها 50 عاماً حتى نصل إلى مرحلة تتعرض فيها تلك الأنواع للانقراض".
يقدّر العلماء السرعة التي نفقد بها أنواع الكائنات الحية، من خلال فحص السجلات الأحفورية، واستخدامها لحساب معدل متوسط لعملية الانقراض، خلال الفترات التي لا يحدث فيها انقراض جماعي، ثم يقارنون ذلك المعدل بمعدلات الانقراض الحديثة التي يتم جمعها من السجلات، ليروا كيف يتماثل الاثنان أو يختلفان.
وبأخذ المتوسط التقريبي لتلك التقديرات التي توصلت إليها الدراسات، نستطيع أن نرى أن معدلات الانقراض أعلى بكثير في الوقت الحالي، بنسبة 100 إلى 1000 ضعف، كما يقول الدكتور روبرت كاوي العالم البيئي بجامعة هاواي في مانوا.