تحول هدم منازل الفلسطينيين، ممن تقول إسرائيل إنهم نفذوا عمليات مقاومة، إلى أداة في يد الحكومة الإسرائيلية المتطرفة لاكتساب الشعبية، في وقت يشكك فيه خبراء أمنيون إسرائيليون في جدواها، ويقدمون أدلة على أنها تأتي بنتيجة عكسية.
في يوم الخميس، 8 يونيو/حزيران، دكّ جنود إسرائيليون، منزل عائلة إسلام فروخ، وهو فلسطيني متهم بتنفيذ تفجيرين في محطتي حافلات في القدس العام الماضي. وبعد فترة وجيزة من دوي الانفجارات في هذا الحي، الذي اتسم بالهدوء عادةً، في وسط مدينة رام الله، اندلعت اشتباكات بين الفلسطينيين والجنود الإسرائيليين.
وأظهرت لقطات، انتشرت على الشبكات الاجتماعية من المواجهة، فلسطينيين يقذفون متفجرات على عربات مدرعة إسرائيلية، وأطفالاً يسعلون من الغاز الإسرائيلي المسيل للدموع، وصحفياً فلسطينياً بارزاً يُنقَل إلى المستشفى فور إصابته برصاصة مطاطية في رأسه، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.
حملة هدم منازل الفلسطينيين ستصبح الأكبر منذ عام 2016
هدّمت إسرائيل 27 منزلاً لمن تصفهم بالإرهابيين المدانين وآخرين يُشتبَه انخراطهم في عمليات مقاومة منذ بداية عام 2022، بما في ذلك 10 منازل بالفعل هذا العام، وذلك وفقاً لمنظمة بتسيلم الحقوقية الإسرائيلية.
وبالوتيرة الحالية، ستكون هذه أكبر عمليات هدم منذ عام 2016، خلال نهاية "انتفاضة السكاكين" عندما نفذ الفلسطينيون هجمات مميتة باستخدام السكاكين والسيارات وغيرها من الأسلحة غير التقليدية.
وتزعم إسرائيل أنَّ عمليات هدم المنازل تخدم استراتيجية أوسع للردع، في وقت تتزايد فيه الهجمات مرة أخرى.
لكن بعض الخبراء الأمنيين يقولون إنَّ هذه الاستراتيجية تأتي بنتائج عكسية، فهي تغذي دائرة العنف بدلاً من احتوائها. ويدين المدافعون عن حقوق الإنسان هذه الممارسة باعتبارها عقاباً جماعياً وانتهاكاً للقانون الدولي.
ويقول أقارب فروخ إنَّ تدمير منزلهم كان له هدف واحد فقط.
وقالت والدة إسلام فروخ: "كان هذا انتقاماً". وأوضحت أنَّ ابنها، وهو مهندس ميكانيكي يبلغ من العمر 26 عاماً وحاصل على شهادة من كلية في مدينة القدس المحتلة، اتُّهِم ظلماً بالتورط في الهجوم، رافضة مزاعم الشرطة الإسرائيلية بأنَّ لديه دوافع متطرفة، حسب تعبيرها.
حملة تهنئة وتضامن مع والدة المقاوم الذي هُدم منزله
وتقف والدة إسلام في مدخل مجوف، محاطة بآثار المهنئين الذين تدفقوا منذ يوم الخميس، 8 يونيو/حزيران، تاركين بصمات الأيدي وشعارات التضامن، بجانب بعض التوقيعات من الجماعات المُشكَّلة حديثاً في المنطقة، التي تعهدت بحمل السلاح ضد إسرائيل.
ولا تقتصر سياسة هدم منازل الفلسطينين على بيوت المقاومين، بل تشمل بيوت الأسرى.
فلقد قُتل شاب فلسطيني، وأُصيب 343 برصاص الجيش الإسرائيلي، خلال اقتحام قواته لمدينة نابلس شمالي الضفة، صباح اليوم الخميس، بهدف هدم منزل الأسير الفلسطيني أسامة الطويل.
وقال شهود عيان لوكالة الأناضول، إن قوات عسكرية إسرائيلية كبيرة اقتحمت مدينة نابلس من عدة مداخل، وحاصرت عمارة سكنية. وحسب الشهود فإن الجيش الإسرائيلي دمّر بواسطة المتفجرات شقة سكنية لعائلة الأسير في حي رفيديا غربي نابلس، وهي شقة يبدو أنها ضمن عمارة كبيرة تضم سكاناً آخرين، أي أنها الاحتلال يعرض سكان البناية بأكملها للخطر.
كما تواصل إسرائيل سياسة هدم منازل الفلسطينيين في المناطق التي تريد تفريغها من سكانها مثل القدس.
وخلال شهر رمضان الماضي، أمر وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، شرطة الاحتلال بمواصلة عمليات هدم منازل الفلسطينيين في شرق القدس خلال شهر رمضان المبارك، وفق ما ذكرته هيئة البث الإسرائيلي.
في ذلك الوقت، وصفت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية تعليمات بن غفير بأنها "مثيرة"، وأوضحت أنه من المتبع منذ سنوات تجنّب تنفيذ أي عمليات هدم خلال شهر رمضان في شرق المدينة المحتلة تجنباً لتصعيد التوتر في المنطقة.
يشعلون غضب الفلسطينيين بدلاً من إجبارهم على الاستسلام
وعلى مدى عقود، وفي فترات متقطعة ومرتبطة بموجات العنف، دمرت إسرائيل منازل عائلات فلسطينيين مقاومين تتهمهم بالإرهاب، ضمن "حرب الاستنزاف" المستمرة، على حدّ تعبير قدورة فارس، رئيس جمعية الأسرى الفلسطينيين غير الحكومية في رام الله.
وتابع فارس أنَّ إسرائيل "تحاول رفع ثمن المقاومة الفلسطينية للاحتلال، لاعتقادهم أنَّ هذا سيجبر الفلسطينيين على الاستسلام".
لكن بدلاً من ذلك، أثار هدم المنازل الغضب بين الفلسطينيين، على حد قول فارس.
حركات المقاومة تساعد الأسر المنكوبة
ومَهّد هدم منازل الفلسطينيين الذين نفذوا عمليات مقاومة، الطريق أمام حماس والجهاد الإسلامي والجماعات المسلحة الأخرى للوصول إلى تلك العائلات التي صارت بلا مأوى، وعرضت دفع تكاليف إعادة الإعمار وحشدت الدعم السياسي.
وقال فارس إنَّ عمليات هدم المنازل "لا تؤدي إلا إلى إشعال حربٍ جديدة".
على الجانب الآخر، يؤكد المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أنَّ فقدان الممتلكات يردع المهاجمين المستقبليين، مستشهدين بأدلة غير مؤكدة على تسليم العائلات أقاربها إلى السلطات.
دراسات تؤشر إلى أن هدم منازل الفلسطينيين يأتي بنتيجة عكسية
لكن البحث الأكاديمي ضعيف وغير حاسم. فقد وجدت دراسة أُجرِيَت عام 2015 لاستقصاء نتائج الممارسة أثناء موجة التفجيرات الانتحارية في الانتفاضة الثانية أنَّ "سياسة هدم المنازل العقابية لها تأثير سلبي كبير، وإن كان قصير الأجل، على عدد المقاومين الاستشهاديين"، على الرغم من أنها أضافت أنَّ هناك متغيرات أخرى؛ مثل حالة خلايا المقاومة، التي يمكن أن تساهم في هذه العلاقة السببية الظاهرة.
وأظهرت دراسة أُجرِيَت عام 2021، حول الانتفاضة الثانية أيضاً، أنَّ هدم المنازل العقابي لم يكن له تأثير حقيقي، لكن الهدم "الوقائي" للمنازل، الذي يهدم فيه الجيش الإسرائيلي، على سبيل المثال، أحد المباني التي يقول إنه يمكن استخدامها للقنص، يجعل "الفلسطينيين أكثر عُرضة لتبني آراء سياسية أكثر راديكالية".
الهدف استرضاء الرأي العام الإسرائيلي بطريقة ديموغاغية
من جانبه، قال قاضي المحكمة العليا الإسرائيلية السابق، مناحم معزوز، إنَّ الهدف من هذا التكتيك هو "استرضاء الرأي العام"، على الرغم من أنَّ "قيادة الاحتلال تدرك أيضاً أنَّ هذا ليس ما سيمنع العملية التالية".
بدورها، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية عمليات الهدم بأنها "تأتي بنتائج عكسية لقضية السلام".
وفي عام 2005، اعتبرت لجنة عسكرية إسرائيلية أن عمليات الهدم "شبه قانونية"، قبل إيقاف هذه الممارسة في قرار مفاجئ. ثم استأنفت إسرائيل عمليات الهدم بعد إطلاق نار فلسطيني عام 2008 أسفر عن مقتل 8 طلاب في مدرسة دينية بالقدس، بشرط عدم تفعيل هذه الممارسة إلا في ظروف استثنائية.
لكن مع استمرار الصراع والاحتلال، صار الإجراء روتينياً.
الحكومة المتطرفة الحالية تتعهّد بالتوسع في هذا النهج
والآن مع تعهد حكومة إسرائيل الأكثر يميناً متطرفاً في التاريخ بتوسيع وتكثيف هذه الممارسة، يقول العديد من النقاد إنَّ هدفها الحقيقي ليس مكافحة الإرهاب، بل الديماغوغية السياسية التي تهدف إلى إرضاء الجماهير الذين يطالبون بأية إجراءات رداً على الهجمات المميتة، التي تكون صادمة في كثير من الأحيان.
وقال داني يوتام، الرئيس السابق لوكالة المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، إنَّ الدولة تعتمد على المخابرات، وليس الردع، لمنع الهجمات في المستقبل. وبينما هو من مناصري هدم منازل الفلسطينيين، يرى أنه لكي تنجح هذه الممارسة، يجب تطبيقها "بالتناسب"، وهو مفهوم قال إنه غائب عن الحكومة الإسرائيلية الحالية، "التي لا تهدف فقط إلى الهدم، لكن لإنشاء دولة دينية تطبق الشريعة اليهودية من البحر المتوسط إلى نهر الأردن".
ومع تصاعد العنف وسعي السياسيين اليمينيين لإرضاء الناخبين الذين وُعِدوا باتباع نهج "صارم ضد المقاومة الفلسطينية"، يشعر العديد من الخبراء الأمنيين والقانونيين بالقلق من أنَّ عمليات هدم المنازل ستُنفّذ الآن بطريقة أخطر مما كانت عليه في الماضي.
وفي هذا الصدد، قال يوفال شاني، أستاذ القانون في الجامعة العبرية في القدس، "الردع هو مجرد واجهة. فبرغم وجود سبب للاعتقاد بأنه يسبب ضرراً بين الأجيال المتعاقبة، وعدم وجود بيانات تُظهِر أنه يسهم في تحقيق الأمن، لكن الاعتبارات السياسية هي المهيمنة".
وأضاف شاني أنَّ المحكمة العليا الإسرائيلية، المنقسمة منذ فترة طويلة حول هدم منازل الفلسطينيين المنخرطين في المقاومة، تتعرض الآن للهجوم من الحكومة، ومن المحتمل أن يكون لها نفوذ أقل للطعن في السياسات الإشكالية.
وقال باسم حلقة، البالغ من العمر 35 عاماً، الذي يملك متجراً صغيراً أسفل شقة إسلام فروخ المهدومة في رام الله، إنه مع وجود "مجرمي حرب" مثل إيتمار بن غفير في السلطة في إسرائيل، فإنَّه يرتعب من مجرد التفكير في الإجراءات العقابية الأخرى التي تنتظره.
وأضاف "أنه قلق على سلامة أطفاله، حيث كان أحدهم جالساً على منحدر متجره، ويلعب بأحد ألعابه".