رغم الهبوط الكبير الذي سجلته الليرة التركية مؤخراً يبدو المستثمرون متفائلين بمستقبل الاقتصاد التركي، وهو ما ظهر بشكل واضح في ارتفاع البورصة التركية.
وهبطت قيمة الليرة التركية إلى مستوى قياسي، بعد أن أوقفت مؤسسات الإقراض الحكومية مبيعات الدولار مؤقتاً، في إشارة إلى تخلي الفريق الاقتصادي الجديد عن استراتيجية الدعم المكلفة في إطار التحول المتوقع نحو سياسات أكثر تقليدية، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.
وزير المالية الجديد طلب عدم الدفاع عن الليرة التركية
إذ طلبت وزارة الخزانة والمالية، برئاسة وزيرها الجديد محمد شيشمك، من البنك المركزي التخفيف من تدخلاته في سوق العملات عبر بنوك الدولة، حسبما قال أشخاص مطلعون لوكالة بلومبرغ، يوم الأربعاء 7 يونيو/حزيران، وطلبوا عدم ذكر أسمائهم لأن هذه المناقشات كانت خاصة.
وحين تجاوز هبوط قيمة الليرة 6% خلال اليوم، سمحت وزارة الخزانة باستئناف المبيعات، بحسب أحد الأشخاص. وامتنع البنك المركزي ووزارة الخزانة عن التعليق.
كانت الليرة قد هبطت في وقت سابق بنحو 7%، وهي أعلى نسبة هبوط في أكثر من عام، إلى 23.1734 مقابل الدولار.
تغير السياسات المعمول بها سابقاً
طلب وزير المالية الجديد يعكس جزئياً مسار السياسات المعمول بها منذ أغسطس/آب، حين كان البنك المركزي يشدد قبضته على العملة. وحافظت مبيعات الدولار ومجموعة متشابكة من اللوائح المصرفية الهادفة إلى تقليل الطلب على العملة الصعبة، على استقرار الليرة نسبياً حتى الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية في 28 مايو/أيار.
ولطالما تبنى الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي انتُخب لولاية جديدة مدتها خمس سنوات، سياسة اقتصادية غير تقليدية تستند إلى معدلات فائدة منخفضة جداً. ويزعم منتقدوه أن كلفة تراكم هذه السياسة تبدو في شكل احتياطيات مستنفدة من العملات الأجنبية، وارتفاع التضخم، ونزوح جماعي لرأس المال الأجنبي، متجاهلين أنها أدت لزيادة كبيرة في الصادرات والنمو الاقتصادي.
كما يتجاهل نقاده تأثير الأزمات السياسة الخارجية والداخلية التي مرت بها تركيا على الليرة، إضافة إلى أن تخفيض الفائدة يمثل إنجازاً كبيراً، بالنظر إلى أن الفائدة على الليرة التركية كانت مرتفعة للغاية، وهي مسألة تعرقل النمو الاقتصادي، وتؤدي إلى تزايد عبء الديون مثلما حدث مع الأرجنتين، مقابل ذلك استبدل أردوغان الفائدة المرتفعة بتأمين مدخرات المودعين بالليرة التركية، عبر تعويضهم إذا انخفضت قيمة ودائعهم.
إليك توقعات المؤسسات الدولية لسعر الليرة التركية في ظل الفريق الاقتصادي الجديد
أدى تعيين أردوغان لشيشمك، وهو استراتيجي سابق في شركة Merrill Lynch، إلى زيادة التوقعات بالعودة إلى السياسات التقليدية والتخلي عن دعم الدولة وترك تحديد قيمة الليرة التركية للسوق. ومنذ انتخابات 28 مايو/أيار، تراجعت الليرة بأكثر من 13% مقابل الدولار.
أكد وزير الخزانة والمالية التركي الجديد محمد شيمشك، أن خفض التضخم إلى خانة الآحاد على المدى المتوسط ضمن أولويات الحكومة. وقال شيمشك في مؤتمر صحفي عقب توليه المسؤولية: "الشفافية والاتساق وقابلية التنبؤ والامتثال للمعايير الدولية ستكون مبادئنا الأساسية لتحقيق هدف رفع مستوى الرفاه الاجتماعي".
ويراهن المستثمرون على مزيد من الهبوط، إذ تتوقع بورصة الخيارات (المُضاربة على السعر الآجل للسوق المالية) بنسبة 80% أن تصل الليرة إلى 25 ليرة للدولار في غضون الأشهر الثلاثة المقبلة، وبنسبة تزيد عن 60% أن تصل إلى 27 ليرة للدولار، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ.
السوق يبدي ثقة في التحولات الجديدة والمصدرون يريدون تخفيض الليرة
ورغم هبوط الليرة، أشارت جوانب أخرى من السوق التركي إلى الثقة في هذا التحول في السياسات الاقتصادية، حسب الوكالة الأمريكية.
إذ ارتفع المؤشر الرئيسي للأسهم بنسبة 3.3%، لتتوسع مكاسبه منذ الانتخابات إلى 22% وتعوض خسائر هذا العام.
كما أن هناك جانباً إيجابياً آخر في الهبوط الأخير لليرة، أدى الرفع الكبير للأجور ثلاث مرات خلال العامين، الذي أوصل الحد الأدنى للأجور إلى نحو 455 دولاراً عشية الانتخابات، لإضعاف تنافسية الصادرات التركية، حيث أعلن البنك المركزي التركي، في الأسبوع الماضي، عن تسجيلِ صافٍ سلبي لاحتياطيات النقد الأجنبي للمرة الأولى منذ عام 2002، مع رصيد سالب بقيمة 151.3 مليون دولار حتى الـ19 من مايو/أيار.
فقد تراجعت الصادرات التركية بنسبة 17% لتبلغ 19.3 مليار دولار في أبريل/نيسان.
ودعا بعض المصدرين إلى خفض قيمة الليرة مقابل الدولار بنسبة 25% من أجل تعزيز تنافسيتهم، لأن المنتجات التركية صارت مقوّمةً بأعلى من قيمتها، وأغلى من منتجات الدول الأخرى نسبياً اليوم.
إليك الشخصية المرشحة لتولي رئاسة البنك المركزي
ومن المقرر عقد الاجتماع القادم للبنك المركزي لتحديد أسعار الفائدة، في 22 يونيو/حزيران، ويتوقع المستثمرون زيادة في أسعارها، مدفوعة بتوقعات تغيير محافظ البنك المركزي، وهو حالياً شهاب كافجي أوغلو.
ومثل أردوغان، يدعم كافجي أوغلو أسعار الفائدة المنخفضة، وخفض سعر الفائدة إلى 8.5% من 19% خلال فترة توليه منصبه حتى مع ارتفاع التضخم إلى أعلى مستوى له في 24 عاماً فوق 85% العام الماضي، قبل أن يتراجع إلى ما دون 40 في المئة في مايو/أيار الماضي.
وحفيظة غاي إركان، المسؤولة التنفيذية المصرفية في الولايات المتحدة، مرشحة محتملة لمنصب المحافظ، والتقت شيشمك يوم الإثنين 5 يونيو/حزيران في أنقرة، حسبما قال أشخاص مطلعون على المناقشات لبلومبرغ.
عملت إركان قرابة عشر سنوات في مجموعة غولدمان ساكس غروب Goldman Sachs Group Inc. وكانت مسؤولة تنفيذية سابقة في بنك First Republic المُقرض في سان فرانسيسكو. وبعد أكثر من عام من رحيلها عنه، تعرض لثاني أكبر انهيار مصرفي في تاريخ الولايات المتحدة.
وسيخوض شيشمك وفريقه معركة شاقة، بعد إضافة هبوط الليرة إلى ضغوط التضخم المرتفعة قبل انتخابات المحليات العام المقبل.
وغير محللو بنك غولدمان ساكس غروب مؤخراً توقعاتهم لقيمة الليرة مقابل الدولار، وأرجعوا ذلك إلى الضغوط المتنامية على العملة. إذ يتوقع البنك انخفاض قيمة الليرة إلى 28 ليرة للدولار خلال 12 شهراً، بعد توقعاته السابقة ببلوغها 22 ليرة مقابل الدولار، وفقاً لتقرير بتاريخ 3 يونيو/حزيران.