أبدى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اهتماماً متزايداً بإفريقيا منذ توليه السلطة في تركيا قبل 20 عاماً، حيث شغل أولاً منصب رئيس الوزراء ثم رئيس البلاد. رأى أردوغان فرصاً اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية سانحة في هذه القارة السمراء. لذا، من المرجح أن تتعزز الروابط بين أنقرة والقارة أقوى إذا أعيد انتخابه رئيساً لتركيا، كما يقول تقرير لشبكة BBC البريطانية.
إفريقيا ليست على أجندة كليجدار أوغلو على عكس أردوغان
يضع منافس أردوغان، زعيم المعارضة وحزب الشعب الجمهوري، كمال كليجدار أوغلو، عينه على أوروبا والغرب بشكل كبير، ومن غير المرجح أن يجعل إفريقيا أولوية له كما فعل أردوغان.
يقول سركان دميرتاش، مدير مكتب صحيفة "حريت" التركية في أنقرة وخبير السياسة الخارجية التركية، إنَّ "كليجدار أوغلو شدَّد على الحاجة إلى إعادة ضبط العلاقات مع الغرب، وقال إنَّه سيحاول إحياء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي".
وأضاف دميرتاش للشبكة البريطانية إنَّ "كليجدار أوغلو أشار في إحدى المقابلات إلى تحوّل متوقع 180 درجة في السياسة الخارجية التركية، دون توضيح مدى تأثير هذه التغييرات على العلاقات مع الدول الرئيسية في العالم".
ومع ذلك، يشير إيجي غوكسيديف من شبكة "BBC" البريطانية إلى أنَّ السياسة الخارجية التركية تجاه قارة إفريقيا ستستغرق على الأرجح بعض الوقت لكي تتغير جذرياً، بالنظر إلى الأساس القوي لهذه العلاقة الجديدة.
متى بدأت العلاقات التركية الإفريقية؟
بدأت بذور التعاون المعزز بين إفريقيا وتركيا خلال فترة تولي أردوغان منصب رئيس وزراء تركيا في عام 2003. حيث رأى أردوغان مبكراً في إفريقيا فرصة اقتصادية محتملة.
يقول خبير السياسة الخارجية التركية، سركان دميرتاش: "شهد الاقتصاد التركي نمواً مستمراً في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، وكان يبحث عن أسواق جديدة". وأضاف: "تمتلك إفريقيا سوقاً متنوعاً يضم أكثر من 50 دولة وما يزيد عن 1.2 مليار شخص، وهو ما يوفر فرصاً مربحة للمُصدّرين ورجال الأعمال الأتراك".
وفقاً لبيانات وزارة الخارجية التركية، زاد حجم التجارة السنوية لتركيا مع القارة السمراء من 5.4 مليار دولار إلى 34.5 مليار دولار خلال الفترة بين عامي 2003 و2021، مدفوعاً بقيمة صادرات قطاعات الصلب والمواد الكيميائية والحبوب.
وحرص الأتراك على التأكيد على أنَّ هذه العلاقة ليست علاقة استغلالية كما يفعل الغرب مع القارة. وقال أردوغان خلال زيارة إلى الجابون في عام 2013: "إفريقيا ملك للأفارقة، نحن لسنا هنا من أجل ذهبكم".
ماذا عن المصالح العسكرية بين إفريقيا وتركيا؟
تعد صفقات الأسلحة -التي يشار إليها أيضاً باسم "دبلوماسية الطائرات دون طيار"- مصدر دخل مربحاً واضحاً لأنقرة.
بعد إثبات جدارتها في ليبيا وأرمينيا وأوكرانيا، تُسوَّق الآن الطائرة التركية من دون طيار "بيرقدار تي بي 2" (Bayraktar TB-2) باعتبارها السلاح المثالي لاستهداف الجماعات المسلحة والميليشيات المتنقلة المختبئة في منطقة الساحل بغرب إفريقيا.
واستلمت جمهورية مالي 12 طائرة من دون طيار من طراز "بيرقدار تي بي 2" في مارس/آذار 2023. وفي حضور رئيس المجلس العسكري في مالي، الكولونيل أسيمي غويتا، ومجموعة من الدبلوماسيين الأتراك، رحب وزير الدفاع المالي بالدفعة الجديدة من الطائرات التركية، قائلاً إنَّها "ستساعد في جعل القصف المدفعي والضربات الجوية أكثر دقة".
بالإضافة إلى مالي، باعت تركيا طائرات من دون طيار إلى بوركينا فاسو وتوغو والنيجر لمكافحة صعود الجماعات الإرهابية في المنطقة. انخرطت تركيا أيضاً في محادثات مع بنين، التي كانت حتى وقت قريب بعيدة عن نشاط المتمردين، لكنها تشهد الآن زيادة في الهجمات على أراضيها.
تندرج أيضاً المغرب وتونس وإثيوبيا ونيجيريا والصومال في قائمة عملاء الطائرات المسلحة من دون طيار المُصنّعة في تركيا. بينما لا تزال الصين تهيمن على هذا السوق في القارة السمراء، تُقدّم تركيا خياراً أقل تكلفة وأسرع وصولاً.
وتوفر تركيا معدات عسكرية أخرى أيضاً. اشتملت العديد من صفقات الأسلحة، التي وقعتها تركيا مؤخراً مع دول إفريقية، على بنادق ومركبات مدرعة ومركبات إزالة الألغام وأنظمة استشعار ومراقبة.
وفقاً لتقرير صادر عن المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، تملك 30 دولة في القارة اتفاقات أمنية مع تركيا، جرى التصديق على 21 منها في عام 2017.
بالإضافة إلى الاستثمار الكامل في مبادرات مكافحة الإرهاب، زادت أنقرة أيضاً من مساعداتها الإنسانية لدول مثل نيجيريا وموريتانيا والنيجر والصومال وغيرها.
كيف تحولت الدبلوماسية التركية في إفريقيا إلى بطاقة رابحة في يد أردوغان؟
كان أردوغان نشطاً للغاية في جهود تعزيز العلاقات بين تركيا وإفريقيا، بعيداً عن الصفقات العسكرية والتجارية. وأصبحت تركيا في عام 2005 عضواً مراقباً داخل الاتحاد الإفريقي قبل ترقيتها وإعلانها "شريكاً استراتيجياً" للاتحاد الإفريقي بعد 3 سنوات لاحقة.
تقول تركيا إنَّ هناك 50 زيارة رسمية نُفّذت إلى حوالي 30 دولة إفريقية منذ عام 2014. زار الرئيس رجب طيب أردوغان السنغال 4 مرات مثلما زار الصين أو ألمانيا.
وكان أردوغان يصطحب معه وفوداً من رجال الأعمال أينما ذهب في إفريقيا، وهو ما أدى إلى حصول الشركات التركية على العديد من مشاريع البنية التحتية الرئيسية، مثل مسبح داكار الأولمبي، أو ملعب "كيغالي أرينا" في رواندا، وهو أكبر ملعب في شرق إفريقيا.
وألغت أوغندا مؤخراً عقدها مع شركة صينية مسؤولة عن بناء خط سكة حديد إلى الحدود الكينية، وتدرس إبرام الصفقة مع شركة تركية بدلاً من ذلك.
في الوقت نفسه، كانت القمم التركية الإفريقية تحظى دائماً بحضور جيد من رؤساء دول القارة.
ربما أوضح دليل على تميز العلاقات بين تركيا والقارة السمراء هو عدد السفارات التركية الموجودة في القارة. تمتلك تركيا 44 سفارة في جميع أنحاء إفريقيا، فيما يقارب الولايات المتحدة البالغ عدد سفاراتها في القارة 49 سفارة، وفرنسا لديها 46 سفارة، لكنها لا تزال أقل بعض الشيء من الصين التي تمتلك 53 سفارة داخل القارة.
ما الأشياء الأخرى التي تقدمها تركيا لإفريقيا؟
حاولت تركيا أيضاً زيادة قوتها الناعمة في القارة. يبرز ذلك بلا شك في إطلاق مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية "TRT" منصتها الرقمية الإخبارية الجديدة "TRT Afrika" لمخاطبة إفريقيا بـ4 لغات.
اعتمدت مؤسسة "TRT" التركية على انسحاب العديد من المنافسين في المنطقة لإطلاق هذه المنصة الإخبارية الرقمية باللغات الفرنسية والإنجليزية والسواحيلية والهوسا.
لكن ربما يأتي التأثير الثقافي الأكبر من المسلسلات التركية الطويلة، التي حققت نجاحاً كبيراً في العديد من الدول الإفريقية، من إثيوبيا إلى السنغال.
يعتبر قطاع الطاقة هو الجانب الأقل شهرة في علاقة تركيا مع إفريقيا. في أعقاب الزيارات الرئاسية إلى القارة، وقعت شركة "Karpowership" التركية صفقات لتزويد العديد من دول غرب إفريقيا بالكهرباء عبر محطات الطاقة العائمة التابعة للشركة. عقدت الشركة صفقات مماثلة في الأسبوع الماضي من أجل تزويد جنوب إفريقيا بالكهرباء.
وإذا فاز أردوغان، فمن المتوقع أن يعتمد على هذه العلاقة ويبني عليها المزيد من الإنجازات. أما فوز كليجدار أوغلو فقد يؤدي إلى جعل إفريقيا تتذيل قائمة أولويات تركيا، كما تقول BBC.