مقاتلات أمريكية تقصف آلافاً من الجنود الروس وتردي منهم مئات قتلى وجرحى، بينما الجيش الروسي يشاهد بلا رده فعل، كان هذا المشهد الذي وقع قبل سنوات في سوريا دليلاً مبكراً على العداء بين فاغنر والجيش الروسي.
فعندما وقف يفغيني بريغوجين، مالك منظمة فاغنر شبه العسكرية الروسية، وسط أنقاض مدينة باخموت الأوكرانية المحتلة يوم 20 مايو/أيار وأطلق خطبة ضد خصومه، كان يتكلم بناء على مرارات سابقة تصل لشبهات خيانة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية.
هؤلاء الخصوم هم: سيرجي شويغو، وزير الدفاع الروسي، وفاليري جيراسيموف، أعلى جنرال روسي (رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة للاتحاد الروسي).
مؤسس فاغنر يتهم قادة الجيش بالتسبب في قتل خمسة أضعاف من جنوده
اشتهر بريغوجين بتصريحاته العنيفة التي ينتقد فيها قيادات الجيش الروسي علناً، بل هدد مؤخراً بسحب قواته من مدينة باخموت، وكان ذلك قبل يوم 10 مايو/أيار الجاري، بسبب الخسائر الفادحة وعدم كفاية إمدادات الذخيرة، وأضاف بريغوجين في بيان: "أعلن بالنيابة عن مقاتلي فاغنر وبالنيابة عن قيادة فاغنر أنه في العاشر من مايو/أيار 2023، سنكون مجبرين على نقل مواقعنا في منطقة باخموت إلى وحدات وزارة الدفاع، وسحب من تبقوا من فاغنر إلى معسكرات لوجستية لاستعادة قوتنا".
وسبق ذلك قيام الرجل، الذي يلقبه الغرب بأنه "طباخ" الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بنشر مقطع فيديو وقف فيه أمام جثث العشرات ممن زعم أنهم مقاتلون من مجموعته قُتلوا في الحرب، وأخذ يهاجم القيادة العسكرية الروسية بسيلٍ من الشتائم، واتهم قادة الجيش الروسي بالمسؤولية عن مقتلهم؛ لأنهم لم يرسلوا لهم الدعم والإمدادات اللازمة من موسكو.
ومؤخراً، قال بريغوجين جهراً عندما أعلن انتصار فاغنر بعد تكلفةٍ كبيرة في باخموت: "شويغو وجيراسيموف حوَّلا الحرب إلى ترفيه شخصي"، وأضاف: "بسبب نزواتهما، مات خمسة أضعاف ما كان من المفترض أن يموت من الرجال. سوف يتحمَّلان المسؤولية عن أفعالهما، والتي تسمى في روسيا جرائم".
يمثل الصراع المتصاعد بين مالك فاغنر والقيادة العسكرية الروسية العليا، وهو قصة خيانة متصورة لها جذور في الحرب السورية، أول صدع كبير في المؤسسة الروسية منذ بدء غزو أوكرانيا قبل أكثر من عام.
يُظهر مدى انتشار ذلك الصراع في الأسابيع الأخيرة، وتأثيره على العمليات العسكرية، أن نكسات موسكو على خط المواجهة تضع ضغوطاً على نظام القوة الهائل الذي أنشأه الرئيس فلاديمير بوتين على مدى العقدين الماضيين.
بوتين يشجع المنافسة بين مرؤوسيه ولكن خرجت هذه المرة للعلن
ولطالما شجع بوتين، 70 عاماً، المنافسات بين المرؤوسين، خوفاً من منافسين محتملين. ومع ذلك، كانت هذه المؤامرات مخفية عن أعين الجمهور. لقد حطمت المواجهة اللاذعة بين جيش بريغوجين الخاص، الذي يبلغ عدده عشرات الآلاف من قدامى المحاربين، وكثير منهم جُنِّدوا في السجون، والقيادة العسكرية للبلاد هذا النمط.
ويقول مسؤولون غربيون إنه من الصعب قياس مدى قدرة هذا الخلاف على زعزعة استقرار روسيا. قال أحد كبار المسؤولين الأمريكيين: "النظام قوي ولكنه هش.. أنت لا تعرف أبداً متى سينكسر".
كان استيلاء فاغنر على باخموت، التي كان عدد سكانها قبل الحرب 70 ألفاً فقط، أول تقدم روسي ملموس في غضون 10 أشهر من الحرب. في الفترة نفسها، خسر الجيش الروسي النظامي مساحة أكبر بكثير في جميع أنحاء جنوب وشرق أوكرانيا، وهي حقيقة يكررها بريغوجين باستمرار.
ظل بوتين نفسه يتنقل بين الجانبين مع انحسار وتدفق ثروات روسيا العسكرية، مما أدى إلى اقتراب وابتعاد جنرالات مفضلين بدا أنهم متحالفون مع بريغوجين، المقرب منه.
أدت نجاحات فاغنر الأخيرة إلى رفع رصيد بريغوجين مرة أخرى، مما دفع بعض المسؤولين الأمريكيين إلى التساؤل عما إذا كان يمكن أن يصبح خليفة بوتين. في ازدراء لخصمه، عين بريغوجين بالفعل نائب وزير الدفاع، الذي كان وزير الدفاع شويغو قد أقاله للتو، في فاغنر.
في تسجيلٍ بعد آخر، مع وجود جثث لجنود فاغنر في خلفية المشهد، أطلق بريغوجين العنان لسب شويغو وجيراسيموف، متهماً إياهما بخنق توريد الأسلحة والذخيرة لتصفية حسابات سياسية. وردت وزارة الدفاع، في بيان رقيق، بأنها تزود شركة فاغنر بكل ما تحتاجه.
وبينما امتنع شويغو وجيراسيموف، اللذان يدركان علاقة بريغوجين الشخصية مع بوتين، عن الرد علناً، شرع بعض الجنرالات المتقاعدين في البرلمان الروسي بالرد.
بينما قال المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، الذي سأله الصحفيون بشأن الصراع بين فاغنر ووزارة الدفاع، في وقت سابق من هذا الشهر إنه استمع إلى تصريحات بريغوجين لكنه "لا يمكنه التعليق؛ لأنه يتعلق بمسار العملية العسكرية الخاصة".
هذا الصراع العام المعلن يبدو غريباً بسبب القمع شبه الكامل للجدل السياسي في روسيا وقت الحرب. كانت أجهزة الأمن الروسية فعالة للغاية في اجتثاث المعارضة الليبرالية، ودفعت عشرات الآلاف من معارضي الحرب إلى المنفى وإسكات معظم الآخرين بعقوبات شديدة القسوة. وبموجب القوانين التي صدرت في أوائل العام الماضي، فإن "تشويه سمعة" القوات المسلحة الروسية يؤدي عادةً إلى عقوبات سجن طويلة.
بريغوجين يسب قادة الجيش
لم يتقيَّد بريغوجين بهذه القواعد. وفي تصريحات ومقاطع فيديو يومية، يسلط الضوء على نقاط الضعف في الاستراتيجية العسكرية الروسية، والقوة الحقيقية للجيش الأوكراني وسوء الإدارة والجبن المزعوم للقوات الروسية النظامية.
لا تُعرَض هذه المقاطع عادةً على التلفزيون الحكومي، ولكنها تُضخَّم بواسطة جحافل من المعلقين القوميين المتطرفين حول كشوف رواتب فاغنر، وكثير من هذه المقاطع يصل إلى مئات الآلاف من الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
في الأسابيع الأخيرة، وسَّع بريغوجين قائمة أهدافه من الضباط العسكريين إلى من وصفهم بـ"المهرجين في الميدان القديم" -وهو عنوان إدارة بوتين الرئاسية.
لا ينبغي المبالغة في تقدير عواقب العداء بين فاغنر والجيش الروسي النظامي، وتحديداً بين بريغوجين وقادة الجيش، كما حذر أندريه كوزيريف، وزير الخارجية الروسي السابق، الذي أشار إلى وجود انقسامات مماثلة في النظام النازي خلال الحرب العالمية الثانية. في غضون ذلك، فقد سعد القادة الأوكرانيون بهذا العداء المتأجج.
جذور العداء بين فاغنر والجيش الروسي تعود لسوريا
أُنشِئت فاغنر كأداة نفوذ لروسيا يمكن التبرؤ منها وقت الحاجة، وجرت بعض عملياتها الأولى في الأجزاء التي تحتلها روسيا في شرق أوكرانيا في عام 2014، لكنها نمت لتصبح قوة عسكرية كبيرة فقط بعد التدخل الروسي في سوريا في العام التالي.
اشتهر بريغوجين في ذلك الوقت بكونه مالكاً لعملية دعاية عبر الإنترنت، وهي وكالة أبحاث الإنترنت، والتي وفقاً لمكتب التحقيقات الفيدرالي، تدخلت في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016. وصدرت مذكرة توقيف أمريكية بحقه في 2018.
وحتى أغسطس/آب الماضي، نفى بريغوجين أن يكون له أي علاقة بفاغنر، وفي عام 2021 رفع دعوى قضائية ضد صحفي بريطاني في لندن لتحديده إياه باعتباره صاحب هذه القوة من المرتزقة. واعترف بذلك لاحقاً، إذ كان منخرطاً بشكل وثيق في عمليات فاغنر في سوريا، حيث أمضى وقتاً طويلاً في البلاد.
في معركة تدمر قال بريغوجين لقائد الجيش الروسي: "أيها الوغد، أعطنا 100 قذيفة"
وصف كتاب مذكرات صدر مؤخراً لكيريل رومانوفسكي، مراسل الحرب لوكالة أنباء ريا-فان التابعة لبريغوجين، والذي تابع فاغنر حول العالم وتُوفِّيَ بسبب السرطان في يناير/كانون الثاني الماضي، بريغوجين جالساً بجانب الجنرال ألكسندر دفورنيكوف، الذي كان حينها مخموراً، والذي شغل حينها منصب قائد القوات الروسية في سوريا. كانا على قمة تل حيث تابعا معركة فاغنر لاستعادة مدينة تدمر من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية في عام 2016.
تكبد رجال فاغنر خسائر فادحة ونفدت ذخيرة المدفعية. وفقاً للكتاب، صرخ بريغوجين في وجه دفورنيكوف: "أيها الوغد، أعطنا ما لا يقل عن 100 قذيفة".
ثم نال الجيش الأوسمة رغم أن فاغنر هي التي اقتحمت المدينة
ورغم أن مجموعة فاغنر هي التي استولت على المدينة، أصدرت وزارة الدفاع الروسية لاحقاً أوسمة للاستيلاء على تدمر حتى لوزراء في مقرها في موسكو، ولكن ليس للمقاتلين الفعليين، وهذا ما أعرب بريغوجين عن شكواه منه هذا الشهر.
كان لدى الضباط العسكريين الروس الكثير من الأسباب لكراهية فاغنر وصاحبها، بسبب خط اتصاله المباشر مع بوتين. بفضل الرواتب المرتفعة والثقافة المرنة والوحشية الشديدة، بدأ جيش بريغوجين الخاص في تجنيد أفضل الضباط والجنود من الجيش النظامي.
المقاتلات الأمريكية تذبح رجال بريغوجين وموسكو صامتة!
في مساء يوم 7 فبراير/شباط 2018، بدأت قوات فاغنر هجوماً على منطقة تعرف باسم هاشم، حيث كانت حقولها النفطية تديرها شركة كونوكو في محافظة دير الزور السورية.
حافظت الولايات المتحدة على موقع صغير للعمليات الخاصة هناك. وبمجرد تعرضها لقصف فاغنر، حاول البنتاغون وضع وزير الدفاع الروسي شويغو على المحك، وأدلى وزير الدفاع آنذاك جيم ماتيس بشهادته أمام الكونغرس.
أمر ماتيس بإبادة القوة المهاجمة. في غضون ساعات، قُتل أو شُوِّه المئات من المرتزقة الروس في غارات أمريكية شملت مروحيات هجومية وطائرات مسيَّرة وطائرة حربية من طراز إيه سي-130 وصواريخ هيمارس، فيما ظلت موسكو صامتة.
وفقاً لكتاب رومانوفسكي، الذي يصف المذبحة بتفاصيل مروعة، كان رجال فاغنر مطمئنين إلى أنهم سيحصلون على الحماية بالطائرات والدفاعات الجوية الروسية. كتب: "لقد تعرضنا للخيانة ببساطة. عندما بدأنا الهجوم، لم نكن نعرف أن الطائرة الوحيدة فوقنا كانت أمريكية، وأن رجال الدفاع الجوي كانوا جميعاً يختبئون تحت تنانير الفتيات".
لجأوا لفاغنر مجدداً في أوكرانيا بعد فشل هجوم كييف
قال بريغوجين إنه لم يُطلب منه المساعدة في أوكرانيا إلا بعد ثلاثة أسابيع من غزو 24 فبراير/شباط 2022، عندما فشلت القوات الروسية في الاستيلاء على كييف و"خرجت العملية العسكرية الخاصة عن الخطة". بعد فترة وجيزة، دخلت وحداته القادمة من إفريقيا المعركة في مقاطعة لوهانسك بشرق أوكرانيا، وحققت سلسلة من عمليات التقدم الكبير.
وحتى مع قيام فاغنر بتوسيع التجنيد بشكل كبير، وخفض المعايير، فإن القتال الطاحن سرعان ما استنفد إمدادات المتطوعين. كان حل بريغوجين هو الاستفادة من الموارد الهائلة لنظام السجون في روسيا، وتجنيد المجرمين العنيفين بوعدهم بالعفو -وهو شيء لا يستطيع تحقيقه سوى بوتين- إذا بقوا على قيد الحياة لمدة ستة أشهر في أوكرانيا.
فحققوا التقدم الوحيد لموسكو
ومع تراجع روسيا في جنوب وشرق أوكرانيا الخريف الماضي، كانت منطقة عمليات بريغوجين بالقرب من باخموت هي الوحيدة التي تقدمت فيها القوات الروسية، وإن كان ذلك ببطء شديد.
وانضم بريغوجين إلى الزعيم الشيشاني الكولونيل رمضان قديروف، الذي يشرف أيضاً على ميليشيا خاصة كبيرة، في انتقاد القيادة العسكرية العليا في روسيا. وطالب قديروف بإرسال العقيد ألكسندر لابين، قائد المنطقة العسكرية المركزية في روسيا "إلى الجبهة ببندقية ليغسل العار بالدم".
وقال بريغوجين: "رمضان، أيها الفتى الطيب، واصل الانتقاد كالنار. كل هؤلاء الحمقى إلى الجبهة بلا حذاء ولا بندقية". ولفترة من الوقت أُزيحَ لابين من القيادة.
لماذا يصبر بوتين على جرأة مؤسس فاغنر؟
غير أن الحلقة المفقودة في هذا العرض هو السبب وراء تسامح بوتين مع مواقف بريغوجين الجريئة، وأين تكمن مجموعة فاغنر في واقع الأمر بين التسلسل الهرمي للجيش الروسي والاستخبارات الروسية. في حقيقة الأمر، لم يكن بروز فاغنر سوى أحدث تطور ضمن تاريخ طويل شهد اعتماد الروس والسوفييت على القوات غير الرسمية، التي تعود إلى عهد ستالين. فضلاً عن ذلك، لدى المجموعة إرث كبير في أوكرانيا؛ فقد برزت لأول مرة خلال حرب روسيا السابقة في دونباس قبل 8 سنوات.
يرى بوتين أيضاً أن فاغنر صارت وسائل حاسمة لكبح جماح الجيش، الذي طالما ارتأى أنه يشكل تهديداً محتملاً ضد حكمه. فعلى النقيض من الفرضيات التي تُطلَق في الغرب، يرتبط الدور البارز الذي تضطلع به مجموعة فاغنر بديناميات السلطة في موسكو، بنفس قدر ارتباطه بمجريات الأحداث على أرض المعركة في أوكرانيا، بحسب مجلة Foreign Affairs الأمريكية.
ظاهرياً، تَنَاسَب استخدام الشركات العسكرية الخاصة مع نموذج جديد من نماذج حروب القرن الحادي والعشرين. على سبيل المثال، استخدمت الولايات المتحدة المتعاقدين العسكريين في العراق، وحملت فاغنر أوجه تشابه مع شركة الأمن الأمريكية العسكرية الخاصة بلاك ووتر (تعرف الآن باسم أكاديمي).
ولكن بالنسبة لمديرية المخابرات الرئيسية الروسية (GRU)، كانت فاغنر أيضاً امتداداً لتقليد أقدم بكثير يعود إلى عصر الاتحاد السوفيتي، عندما استخدم الكرملين القوات بالوكالة للتدخل في الصراعات في جميع أنحاء العالم. قال مسؤول في مديرية المخابرات الرئيسية في عام 2017: "إنه يشبه فحسب عندما كان جيشنا متنكراً في إسبانيا خلال الحرب الأهلية الإسبانية"، وذلك عندما سألته مجلة Foreign Affairs عن سبب حاجة المديرية إلى شركة عسكرية خاصة مثل فاغنر.
ويكمن التفسير هنا في علاقة بوتين المعقدة مع الجيش الروسي، ففي السنوات الأولى لحكمه، تمثَّل أحد أكبر التحديات بالنسبة لبوتين في مواصلة السيطرة على الجيش. بالنظر إلى أنه أحد أكبر جيوش العالم في بلد شاسع حيث يحدث كل شيء داخلياً، لدى الجيش تقليد يتمثل في التأكد من أن العالم الخارجي لا يعرف إلا أقل القليل عن أنشطته.
خلال العقد الأول في السلطة، سعى بوتين لإحكام قبضته على الجيش عن طريق تعيين سيرغي إيفانوف، الجنرال السابق في لجنة أمن الدولة (KGB) وصديقه المقرب، في منصب وزير الدفاع. لكن بوتين اضطر لاستبداله في 2007 عندما اتضح أن جهود إيفانوف لإجراء إصلاح عسكري أكبر قد باءت بالفشل. ولاحقاً، من خلال شويغو، وهو دخيل آخر على الجيش، حاول بوتين كسب مزيد من النفوذ.
ولكن في الوقت الحالي، وبعد أكثر من عام على بداية الحرب في أوكرانيا، ثمة أدلة قليلة على أن بوتين نجح مع شويغو نجاحاً أكثر مما حققه مع إيفانوف. فضلاً عن أن بوتين يعي تماماً أن الجيش خلال أوقات الحرب يميل إلى كسب مزيد من السلطة داخل الدولة. ويعلم أنه كلما استمرت الحرب تزايدت هذه السلطة، وزادت صعوبة ممارسة سيطرته عليه. ونظراً لأنه يميل للنظر إلى العالم عبر عدسة التهديدات، فإن القوة النسبية للجيش تقلقه، وبطريقة ما أكثر من قلقه من أداء الجيش في أرض المعركة.
ونتيجة لذلك، لجأ بوتين إلى طرق غير تقليدية على نحو متزايد لكبح جماح الجنرالات. على سبيل المثال، بداية من خريف 2022، شجع مراسلو الحرب Voenkors على نشر المشاكل التي تحدث داخل الجيش. لكن الأهم هو الدور الذي تضطلع به مجموعة فاغنر، بوصفها قوةً تحافظ على التوازن بالنسبة للجيش، بحسب تحليل المجلة الأمريكية.
وفي اللحظة الحالية، لا يزال بريغوجين يتمتع ببعض الدعم داخل صفوف الجيش، رغم انتقاداته اللاذعة الموجهة لوزارة الدفاع. منذ سبتمبر/أيلول 2022، عندما انسحبت روسيا من مساحة كبيرة من الأراضي بسبب هجوم أوكراني في شمال شرق البلاد، ظل بريغوجين يهاجم علناً التسلسل القيادي للجيش الروسي. ومع ذلك، تلقت وسائل الإعلام الروسية التي تسيطر عليها الحكومة، بما في ذلك مراسلو الحرب الروس "Voenkors"، المنضوين تحت لواء الجيش، أوامر بالمساعدة في الترويج لفاغنر وأنشطتها في أوكرانيا. ونتيجة لذلك، استمرت الصحف الموالية للكرملين في نشر مقابلات مع ضباط فاغنر، تُمجِّد الروح المعنوية للمجموعة.
وحتى في اللحظة الراهنة، لم تهدأ تغطية الإعلام الروسي المؤيدة لفاغنر. فضلاً عن أن الجيش نفسه يبدو أنه يواصل دعمه لفاغنر. وفقاً لبريغوجين، بعد نشر الفيديو الخاص به المتعلق بالأوضاع في باخموت، عيّنت قيادة الجيش الجنرال سيرغي سوروفيكين، القائد السابق للقوات الروسية في أوكرانيا الذي لا يزال أحد الجنرالات الذين يحظون باحترام كبير في روسيا، للإشراف على إمدادات الذخيرة والموارد إلى فاغنر.
صفق بريغوجين وقديروف عندما تولى الجنرال سيرغي سوروفيكين مسؤولية الحرب في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حسب صحيفة Wall Street Journal، حيث أشاد بريغوجين بأوراق اعتماده باعتباره القائد الروسي الوحيد الذي استخدم القوة ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية خلال الانقلاب الفاشل الذي سعى إلى منع انهيار الاتحاد السوفييتي في أغسطس/آب 1991. في ذلك الوقت، عارض بريغوجين -وبوتين- الانقلاب.
فشل سوروفيكين في تحقيق أي تقدم، حيث تزعم انسحاباً روسياً من مدينة خيرسون بجنوب أوكرانيا وحملة صاروخية مُهدَرة وغير ناجحة استهدفت تدمير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.