في ليلة 15 مايو/أيار 2023، أطلقت روسيا وابلاً من الطائرات بدون طيار والصواريخ على العاصمة الأوكرانية كييف، بما في ذلك 6 من أحدث صواريخ كينجال (الخنجر بالروسية)، التي تقدمها موسكو على أنها أسلحة تفوق سرعة الصوت لا يمكن إيقافها.
لكن ما حدث بعد ذلك هو مسألة ادعاء وادعاء مضاد؛ فوفقاً لأوكرانيا، تم إسقاط جميع الطائرات المسيَّرة والصواريخ الـ18 الروسية بمساعدة أنظمة صواريخ باتريوت التي زودتها بها الولايات المتحدة، ووفقاً لروسيا، تمت إصابة جميع الأهداف المحددة، بما في ذلك تدمير منظومة باتريوت بنجاح، بواسطة صواريخ كينجال.
وفي بيانٍ رسمي، قالت وزارة الدفاع الروسية إن صواريخ كينجال فرط الصوتية دمرت بالكامل خمس قاذفات ومحطة رادار متعددة الوظائف لنظام الدفاع الجوي باتريوت أمريكي الصنع في كييف. إذاً، مَن يقول الحقيقة؟ ومَن ينتصر في معركة أوكرانيا: صواريخ باتريوت الأمريكية أم كينجال الروسية؟
الباتريوت في مواجهة صواريخ كينجال.. مَن الذي فاز في معركة أوكرانيا؟
قدم كلا الجانبين ادعاءات مبالغاً فيها في الماضي، وحتى الآن لا يوجد دليل قوي لتأكيد أي من القصتين كما يقول تقرير لموقع popular mechanics الأمريكي. لكنَّ مسؤولين أمريكيين لم يكشف عن أسمائهم قالوا لوكالة لرويترز إن أحد أنظمة باتريوت تضرَّر بالفعل وينتظرون تقييما كاملاً. وكان التقييم الحالي، وفقاً لمصادر نُقلت في شبكة CNN، فإن الضرر كان "طفيفاً".
ويقول د.جيفري لويس، الباحث في مركز جيمس مارتن للدراسات، لموقع Popular Mechanics إن هناك عدداً من العوامل المربكة في هذا الحادث، وليس أقلها القول المأثور القديم "الحقيقة هي الضحية الأولى في الحرب".
ففي عام 1991، قالت الولايات المتحدة إنها اعترضت جميع صواريخ صدام حسين أثناء حرب الخليج. واكتشفنا لاحقاً أن هذا لم يكن صحيحاً، ويقول لويس: "من المتوقع أن يقول الأوكرانيون إنهم اعترضوا جميع الهجمات الصاروخية الروسية".
ويقول المحلل الأمريكي إن الأوكرانيين أنفسهم لا يعرفون بالضرورة ما حدث. تأتي معلوماتهم مما رأوه على شاشة الرادار أثناء اعتراض صاروخ باتريوت باك -3.
مضيفاً: "سيبلّغ باتريوت باك -3 أنه اعترض صاروخاً، لكنه لا يعرف حقاً. كل ما يعرفه هو ما إذا كان قد تعقب شيئاً واقترب بدرجة كافية لتدميره. هل تتبعت الشيء الصحيح؟ هل دمرته بالفعل؟ كل ما يمكن أن يقوله هو ما إذا كان يعتقد أنه طار إلى الشيء الذي رصده الرادار وضربه".
ومما يزيد الوضع تعقيداً حقيقة أن صاروخ كينجال الفرص صوتي، مثل صاروخ إسكندر الذي اشتق منه، يحمل أفخاخاً. نعلم هذا من حطام صاروخ كينجال من الضربة السابقة في مطلع شهر مايو، والتي أسقطتها أوكرانيا وعرضتها، أنه يتم إطلاق الأفخاخ على ارتفاعات عالية وتهدف إلى أن تبدو وكأنها صواريخ قادمة لخداع الرادارات والمنظومات الدفاعية.
في حين أن مشغلي باتريوت قد يعتقدون أن بإمكانهم تمييز الشراك الخداعية عن الشيء الحقيقي، فإن الطريقة الوحيدة للتأكد من ذلك هي جمع الحطام، وهو ليس بالأمر السهل في مدينة تعرضت بالفعل للعديد من الضربات الصاروخية.
هل معنى ذلك أن صاروخ كينجال انتصر في هذه المعركة؟
بالمثل، حيث لا نعرف كيف تضرر نظام باتريوت، يبدو أنه من غير المحتمل أن تكون قد تعرضت لضربة مباشرة من صاروخ Kinzhal، الذي يحمل رأساً متفجراً وزنه طن. ربما تم اعتراض الصاروخ بنجاح، ولكن بسبب سرعته ميل في الثانية، أصاب بعض الحطام منطقة الهدف. مثل هذه الشظايا المعدنية عالية السرعة ستخترق أي شيء غير محمي بشدة، كما يقول موقع Popular Mechanics.
يتكون نظام باتريوت الكامل من عدة قاذفات وأنظمة رادار ونظام التحكم في الاشتباك (شاحنة محمّلة بأجهزة كمبيوتر) وشاحنة بمولدين بقدرة 150 كيلووات بالإضافة إلى مركبات الدعم. وربما تسبب وابل من الشظايا في أضرار غير مريحة، ولكن قابلة للإصلاح لأي من هذه العناصر.
وبينما تود روسيا أن تدعي الفضل في امتلاك صاروخ كينجال، الذي يُفترض أنه السلاح الأكثر تقدماً في ترسانتها الحالية، فقد لا يكون لديها في الواقع أي فكرة عن سبب الضرر.
ويحذر الباحث الأمريكي جيفري لويس من أنه لا ينبغي أن نتعلق كثيراً بتفاصيل لجان التحقيق للحادث الواحد.
يقول لويس: السؤال هو ما مقدار الدفاع الذي توفره هذه الأنظمة بمرور الوقت وبأي تكلفة؟ أي مشاركة لا تجيب حقاً على السؤال حول ما إذا كانت الأنظمة توفر مقياساً كبيراً للدفاع بتكلفة جيدة أو ما إذا كان يجب إنفاق هذه الموارد على قدرات أخرى.
يقول لويس إننا بحاجة إلى أدلة إحصائية قوية لإظهار ما إذا كانت صواريخ باتريوت تعترض بالفعل للضرب من صواريخ كينجال، وبأي معدل نجاح. ويضيف: "الأمر الأكثر أهمية هو الضغط على حكومة الولايات المتحدة، بمرور الوقت، لجمع بيانات دقيقة يمكن تقييمها بشكل مستقل، لمعرفة ما إذا كانت هذه الأنظمة تعمل بشكل جيد أم لا".
ما حجم قدرات صاروخ كينجال الفرط صوتي؟
تنتمي صواريخ كينجال أو كينزال (خنجر بالروسية) الباليستية إلى جيل جديد من الأسلحة التي طورتها روسيا ووصفها الرئيس فلاديمير بوتين بأنها "لا تقهر"؛ لأنه يفترض أن تتمكن من تجنب أنظمة دفاع العدو.
ويقصد بالصاروخ فرط الصوتي أي صاروخ أو مركبة انزلاقية سرعتها تفوق سرعة الصوت عدة مرات، وكثير من هذه الصواريخ يمكنها أن تحمل أسلحة نووية.
يقول الخبراء إن الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت هي صواريخ من جيل متقدِّم من الأسلحة التي يمكنها التحليق بسرعات فائقة، وتزيد سرعتها على خمسة أضعاف سرعة الصوت.
ويُزعم أن سرعة هذه الصواريخ وقدرتها على المناورة وتحليقها عند ارتفاع لا تدركه أنظمة الرادار يُصعِّب تدابير تعقبها واعتراضها، ويجعلها مستعصية على الإيقاف تقريباً.
وصُدمت الولايات المتحدة من تجارب الصواريخ فرط الصوتية الروسية وبالأكثر الصينية، وحتى كوريا الشمالية انضمت إلى سباق الصواريخ الباليستية فرط الصوتية.
ويعتقد أن الروس والصينيين قد تقدموا على الأمريكيين في هذا المجال، مما يجعل تسريع وتيرة إطلاق نظام الدفاع ضد الصواريخ الباليستية الجاري تطويره حالياً، أمراً حيوياً للبنتاغون.
بقيت الصواريخ التي تفوق سرعتها سرعة الصوت سراً محفوظاً في حراسة مشددة حتى وقت قريب، وإن لم يخفِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استثمار بلاده في أسلحة يجزم أنها لم تصنع إلا ردّاً على نشر الولايات المتحدة لأنظمة دفاع صاروخية استراتيجية.
ما قدرات منظومة باتريوت الأمريكية؟
منظومة باتريوت هي أكثر منظومات الجيش الأمريكي تقدماً، ويبلغ مداها قرابة 20 (32 كم) إلى 100 ميل (حوالي 169 كم)، حسب التهديد. وهي في الأصل منظومة مضادة للطائرات، لكن الطرازات الأحدث منها يمكنها أيضاً التصدي للصواريخ البالستية وصواريخ كروز والطائرات المسيرة.
وتشتمل منظومة باتريوت، إلى جانب الصواريخ، على رادارات ومحطات تحكم لتحديد وتعقب واستهداف أسلحة العدو.
ومواقع منظومتي باتريوت في أوكرانيا شديدة السرية، لكن واحدة من المنظومتين استخدمت مؤخراً لإسقاط صواريخ توجد في كييف أو حولها، وفقاً لمسؤول دفاعي أمريكي.
والاعتماد على صواريخ باتريوت سيختبر قدرة الولايات المتحدة والغرب على تحقيق التوازن بين احتياجاتهما منها ومساعدة أوكرانيا. إذ تبلغ تكلفة كل صاروخ باتريوت اعتراضي ما يقدر بنحو 4 ملايين دولار، وهذا يعني أن أي قرار بإطلاق أحدها ليس سهلاً.
ويقول مسؤولون أوكرانيون إن من الاستراتيجيات التي يتبعها الروس محاولة استنفاد هذه المنظومات بإغراق السماء بأهداف، بعضها عبارة عن أفخاخ هدفها إرباك صواريخ الاعتراض، وتمرير الصاروخ الحقيقي بينها.