على مدار 12 عاماً من الحرب والمقاطعة العربية والدولية له، لم يتزحزح رئيس النظام السوري، بشار الأسد، عن كرسيه، بداية من مقترحات السلام الروسية وقرارات الأمم المتحدة، ووصولاً إلى العقوبات الدولية. وبهذا يُمكن القول إن الأسد هو الزعيم العربي الوحيد الذي نجا من الربيع العربي.
ولا تمثل عودة الأسد إلى الجامعة العربية مفاجأة كبيرة؛ إذ بدأت محادثات إنهاء المقاطعة في عام 2018، عندما قررت الإمارات إحياء علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق. لكن الكثير من الدول ظلت مُعارضةً للفكرة وقتها، وخاصةً السعودية وقطر ومصر – والولايات المتحدة بالطبع.
بينما أقرت إدارة ترامب قانون قيصر لحماية المدنيين السوريين، لتفرض بذلك العقوبات على أي دولة أو شركة تتعاون مع النظام السوري تجارياً، مما جعل التودد إلى سوريا خطوة خطيرةً على حلفاء الولايات المتحدة.
السعودية تميل نحو حلفاء جدد وتصفي مشاكلها مع الخصوم
ولا تزال العقوبات قائمة، لكن السعوديين قرروا تطبيع علاقاتهم مع دمشق على أي حال، فضلاً عن استعدادهم لمناقشة التعاون الاقتصادي أيضاً. ويأتي هذا الاتجاه بالتوازي مع تطور آخر أكثر دراماتيكية من المملكة، بعد أن أحيت علاقاتها الثنائية مع إيران بوساطة صينية.
وتقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية، إن محللين سعوديين مقربين من ولي العهد، محمد بن سلمان، حذروا من أن موقف البيت الأبيض البارد من الأمير سيجبره على البحث عن شركاء جدد. ولم تساعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المملكة في يوليو/حزيران 2022 على تغيير الوضع كثيراً.
ولم تُفاجأ واشنطن عندما تم استقبال الرئيس الصيني شي جين بينغ في مراسم ملكية رسمية، وذلك داخل قصر اليمامة بالرياض بعدها بثلاثة أشهر. إذ لم تُخف السعودية جهودها الدبلوماسية الأخيرة عن الولايات المتحدة، ولم تطلب إذناً أو تنظر في المخاوف الأمريكية.
وبناءً عليه، تستمر عملية التطبيع مع سوريا، رغم التهديدات المتواصلة من جانب إدارة بايدن، والتي تضمنت مشروع قانون يطالب بفرض عقوبات إضافية على من يساعدون نظام الأسد.
دور المملكة الجديد في الشرق الأوسط
تقول الصحيفة الإسرائيلية، إنه بات من الواضح أن السعودية قد تبنّت استراتيجيةً جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، بحيث لا تصبح خاضعةً فيها لأي تحالفات من تصميم الدول الأخرى. بل ستعمل السعودية الآن بشكل مستقل من أجل تدشين، وتخطيط، وتنفيذ السياسات التي يمكنها تغيير وجه المنطقة.
حيث بدأت المملكة في إعادة ضبط علاقاتها مع تركيا، وقدمت المليارات لمساعدة أردوغان في التكيف مع الأزمة الاقتصادية التركية، وذلك قبل إعادة العلاقات مع إيران، التي كانت عدوها اللدود.
وربما ينظر البعض إلى التطبيع مع سوريا باعتباره مساهمةً من السعودية في جهود إحياء العلاقات مع إيران، لكن التطبيع السوري يُعَدُّ جزءاً لا يتجزأ من تلك الاستراتيجية الجديدة في الواقع، وهي استراتيجية تسعى لإنهاء الحروب والتوترات في كل أنحاء الشرق الأوسط.
حيث يريد بن سلمان خلق حالة توازن رادعة بدلاً من الاستمرار في تزعم التحالف المعادي لإيران، مما سيتطلب تنسيق إيران لجهودها مع الدول العربية -وخاصة السعودية- في مقابل المزايا السياسية التي ستضمنها المملكة.
مكاسب كبيرة تحققها السعودية من استراتيجيتها الجديدة
ولا شك أن إحياء العلاقات مع السعودية وعودة سوريا إلى الجامعة العربية هي إنجازات مهمة بالنسبة لإيران. حيث إن تلك التطورات تمنح طهران ودمشق درجةً من الشرعية وسط العالم العربي، مما سيُسفر عن شرعية دولية بنهاية المطاف، كما تقول صحيفة هآرتس.
وفي الوقت ذاته، قد يحصل السعوديون بفضل تلك التطورات على سلطة إنهاء الأزمة السياسية والاقتصادية في لبنان، وكذلك حرب اليمن المشتعلة منذ 8 سنوات. بينما ستكون الخطوة الكبرى التالية هي إحياء العلاقات المصرية-الإيرانية.
إذ أدلى مسؤولون إيرانيون بارزون، منهم عضو المجلس الأعلى للأمن القومي، فداء حسين مالكي، بتصريحات تقول إن إيران والسعودية عقدتا محادثات في بغداد خلال شهر مارس. كما من المتوقع لقاء مسؤولي البلدين مرةً أخرى في شهر يوليو/تموز.
بينما قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مؤخراً إنه يتوقع انفراجةً في العلاقات المصرية، في ما يتحدث المحللون الإيرانيون بالفعل عن اجتماعٍ محتمل بين الرئيس إبراهيم رئيسي ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي. ولم تعلق القاهرة على تلك التقارير بعد، لكن من المستبعد أن تخاطر القاهرة بعقد اجتماعٍ كهذا قبل تمهيد السعوديين للطريق.
ما هو موقع إسرائيل من الاستراتيجية السعودية الجديدة في المنطقة؟
تقول الصحيفة الليبرالية الإسرائيلية، إن هذه الأنباء ليست رائعةً بالنسبة لإسرائيل. حيث يتداعى تحالفها المعادي لإيران أمام عينيها. فضلاً عن انهيار النهج الثنائي التقليدي الذي كان يقول إن الدول الموالية للولايات المتحدة لا تستطيع التحالف مع إيران. وتجري حالياً عملية إعادة ضبط لمعادلة "إذا لم تكن معنا، فأنت ضدنا"، لكن إعادة الضبط تجري بواسطة السعودية وليس إسرائيل.
وأكد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، الأسبوع الماضي في تصريحات صحفية أن "السعودية ليست عدوة لبلاده، ولم تنظر إليها يوماً بهذه النظرة على الإطلاق". وقال رئيسي، خلال استقباله رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف، إنه "وفقا للسياسة الخارجية المبدئية للجمهورية الإسلامية، فإن الكيان الصهيوني هو الذي يمثل العدو المشترك لكل العالم الإسلامي".
في السياق، من المرجح أن تؤدي استراتيجية الشرق الأوسط السعودية الجديدة إلى تقييد حرية تنفيذ العمليات الإسرائيلية داخل سوريا. إذ ربما تتمكن سوريا من حشد أصدقائها الجدد لإنهاء العمليات الإسرائيلية على أراضيها، خاصةً بعد أن عادت إلى أحضان الجامعة العربية، وأصبحت على وشك تجديد علاقاتها مع تركيا، فضلاً عن أنها لا تزال تتمتع بالدعم الروسي.
ولا شك أن طلباً سورياً كهذا سيحظى بدعم كبير في حال استمرار محادثات التطبيع مع تركيا، لأنها ستتطلب من أنقرة سحب قواتها في سوريا.
ولا تحتاج تركيا إلى تشجيع سعودي من أجل إحياء علاقاتها مع نظام الأسد. إذ يرغب الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، وزعيم المعارضة كمال كليجدار في إعادة نحو 3.5 مليون لاجئ سوري داخل تركيا إلى بلادهم لكن بوسائل مختلفة. وربما رحّبت تركيا بهؤلاء اللاجئين في بداية الحرب السورية، لكنهم تحولوا بالتدريج إلى عبء اقتصادي على دافعي الضرائب وعلى الحكومة، ناهيك عن أنهم أصبحوا يمثلون قضيةً سياسية شائكة، وهدفاً لدى المعارضة لإثارة مشاعر الكراهية ضد الأجانب.
لكن حدوث ذلك سيتطلب من إسطنبول إحياء علاقاتها مع الأسد، الذي سيطلب مساعدات سخية من أجل استيعاب كل اللاجئين العائدين. بينما لا تملك تركيا الأموال التي يحتاجها الأسد، علاوةً على أن المشرعين في إيران يطالبون حكومتهم باسترداد 20 مليار دولار من الحكومة السورية. فمن الذي سيدفع المال للأسد؟ ليست الدول الغربية في عجلةٍ من أمرها لفعل شيءٍ كهذا، مما يجعل دول الخليج العربي -وخاصةً السعودية والإمارات- هي الخيار الوحيد للتدخل وسداد الفاتورة وإنهاء شقاقٍ آخر في المنطقة.
وعلى الرغم من الزيارات المكوكية واللقاءات المتكررة بين رجال إدارة بايدن والمسؤولين السعوديين للدفع قدماً بالعلاقات السعودية الإسرائيلية نحو التطبيع قبل نهاية العام الحالي، كي يسجل بايدن مكسباً لدى الحزبين، لم تقدم الرياض أي إشارات على نيتها المضي قدماً نحو ذلك.
وتنظر "إسرائيل" إلى السعودية مثل "الكأس المقدسة" في محاولات توسيع مجالها في العالم العربي وأنها تريد تطبيع العلاقات مع السعودية، وبخاصة بعد توقيع اتفاقيات إبراهيم عام 2020. ويقول مسؤولون لموقع AXIOS الأمريكي إن أكبر عقبة أمام صفقة تطبيع هو المطلب السعودي بتحديث علاقاتها مع الولايات المتحدة، والحصول على ضمانات أمنية كبيرة وأسلحة متقدمة لا تملكها واشنطن الآن.