لا يُعد الإرهاب اليهودي، الذي يستهدف الفلسطينيين ومساجدهم بشكل شبه يومي وأحياناً الكنائس، شيئاً جديداً كما يقول تقرير لصحيفة Haaretz الإسرائيلية. وأصدر الصحفي الإسرائيلي روي شارون كتاباً جديداً مثيراً عن هذه الظاهرة في العقود الثلاثة التي تلت توقيع اتفاقيات أوسلو. فكيف تطور الإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين خلال العقود الأخيرة؟
"الانتقام".. كتاب جديد يسلّط الضوء على الإرهاب اليهودي
كان شارون، المراسل العسكري في شبكة "كان" الحكومية، مسؤولاً عن تغطية شؤون المستوطنات مدة 5 سنوات. وكتابه الذي ألفه باللغة العبرية "Ve'inakma" أو "الانتقام" يتتبع تاريخ الإرهاب اليهودي الذي بدأ في وقت قريب من مذبحة باروخ غولدشتاين لـ29 من المصلين المسلمين في الحرم الإبراهيمي عام 1994 خلال صلاتهم الفجر.
ويعيد شارون في كتابه رواية هذه الحالات بدقة، ويقدّم الكثير من المعلومات الجديدة. وميزته الكبرى: أنه يتعامل مع قضايا تناولها أيضاً أثناء عمله مراسلاً صحفياً، كما تقول صحيفة "هآرتس".
فهناك الأخوان كهلاني من مستوطنة كريات أربع في الخليل، اللذين حاولا قتل فلسطيني قبل أن يفعل جارهما غولدشتاين. ففي آخر لحظة يكتشفان أن جهاز الأمن العام (الشاباك) أفسد زناد بنادق الـM-16 التي أخذوها من مستودع أسلحة المستوطنة. ويكشف الكتاب الجديد كيف أن الشاباك وضع يده على الرسائل التي كان يتبادلها الأخوان وراء القضبان؛ واستغلها ليتلاعب بهما أثناء استجوابهما، بحسب الصحيفة.
ويتطرّق الكتاب أيضاً إلى الحركة الغريزية للمجرم يوسف بن دافيد، الذي نفذ عملية قتل الصبي محمد أبو خضير (16 عاماً) التي سجلتها الكاميرات في متجر في القدس الشرقية عام 2014. إذ أدرك المحققون أن الجاني كان في الواقع من الأرثوذكس المتطرفين؛ وكان يحاول ضبط غطاء الرأس اليهودي (الكيبا) الذي كان قد أزاله من رأسه، خلال عملية القتل.
ثم هناك هذه المرة التي كان فيها مستوطنون من مستوطنة "بات عين" يقودون فيها سياراتهم في الاتجاه المعاكس دون داعٍ؛ وهذا أدى إلى القبض عليهم، ليُكتشف أنهم قد تركوا عربة مفخخة بجوار مدرسة بنات عربية في القدس.
سجل طويل من القتلة اليهود لم تنجح إسرائيل بصدّهم
تقول "هآرتس"، إن هذه أمثلة محدودة على هذه الحوادث الإرهابية، والقائمة تطول. ومن بين القتلة اليهود غولدشتاين، وجاك تايتل، وإيدن ناتان-زادا، وآشر ويسجن، وغيرهم كثير. وبعض هؤلاء الرجال لم يكونوا أذكياء كثيراً، لكنهم كانوا متعصبين وخطرين.
وبحسب هآرتس، فقد "بذل محققو الشاباك قصارى جهدهم، ولكن لم يستخدموا الموارد أو أساليب الاستجواب التي يستخدمونها مع الفلسطينيين". وحينها تراودك هذه الفكرة الكئيبة: كم من إدانات الفلسطينيين كانت باطلة؟ تتساءل الصحيفة.
ومن الحوادث المروعة الأخرى للإرهابيين اليهود، رقصة "زفاف الكراهية"، التي أحرق خلالها إرهابيون متطرفون عائلة الدوابشة، وطعنوا صورة للطفل الفلسطيني علي دوابشة، الذي قُتل في حريق متعمَّد في قرية دوما في نابلس بالضفة الغربية عام 2015.
وهذه الجريمة، التي أُدين الإرهابي اليهودي عميرام بن أوليل بارتكابها، ربما هي ذروة الكتاب الدرامية. فللمرة الأولى، استخدم الشاباك "وسائل استثنائية" مع المتهمين اليهود بالإرهاب. إذ استعانت الوكالة بعميل متخفٍّ في أحد مرافق الاحتجاز، وتمكنت من الإيقاع بأحد المتهمين، بحسب الصحيفة.
كيف يعطي كبار الحاخامات صكوك تأييد لجرائم الإرهابيين اليهود؟
تقول هآرتس، إن كتاب "الانتقام" يشبه قصة يُظهر فيها شارون فهمه لعالم الحاخامات، الذين يقدمون صكوك تأييد لهذه الجرائم واضحة، أو بغضّهم الطرف عنها.
وهو يوثق أيضاً مشكلة الأجهزة الأمنية لدى الاحتلال في مجرد الاعتراف بوجود إرهاب يهودي. إذ قال قائد لواء الخليل، مئير كاليفي، إنه حين سمع عن مذبحة الحرم الإبراهيمي في البداية، كان واثقاً أن الجاني فلسطيني. وقال: "من يصدق أن يهودياً يأخذ مسدساً ويطلق النار على المصلين المسلمين؟!".
ومن الأفكار الأساسية التي يناقشها الكتاب معركة التحقيق بين محققي الشاباك ونشطاء اليمين المتطرف، الذي يكون بعضهم قتلة حقيقيين. فإيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي حالياً، ما هو إلا شخص كثير الكلام؛ وهذا قد لا يكون مفاجأة كبيرة. لكن الأخطر منه نعوم فيدرمان، الذي يعيش في الخليل، والذي كان زعيماً سابقاً للمنظمة الكاهانية كاخ Kach، وكتب دليلاً إرشادياً للتصدي لاستجوابات الشاباك.
ففي حادثة بات عين، لم يتمكن الشاباك من إدانة سوى عدد قليل من المتهمين؛ وبقيتهم لا يزالون أحراراً. وسمع شارون رؤساء الشاباك يقولون إنهم مقتنعون بأن القتلة موجودون في غرف استجوابهم، لكنهم يفلتون من العقاب بفضل توجيهات الإرهابي فيدرمان.
الدين والاحتلال
وبعد عقد من الزمان، ظهرت مجموعة إرهابية متمركزة في تلال السامرة شمال الضفة الغربية. وبحسب الشاباك، فقادة هذه المجموعة، ومن بينهم حفيد مائير كاهانا، مئير إيتنغر، كانوا يتطلعون إلى إطاحة النظام الإسرائيلي وإقامة "مملكة بروح الكتاب المقدس". والمتطرف بن أوليل وآخرون كانوا متأثرين بهذه الأفكار.
والقصة كلها مرتبطة بقضيتين رئيسيتين: الدين والاحتلال. فمرة تلو الأخرى يتسبب الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية أو "يهودا والسامرا" كما يسمونها، في ظهور هؤلاء المتطرفين. وحتى لو أدان مجلس "يشع" بعض أعمالهم، فالاعتداءات اليهودية تحظى ببعض التأييد الكبير في المستوطنات، وبالتأكيد في البؤر الاستيطانية.
ويبدو كتاب شارون مثل تكملة للكتاب الصادر أواخر التسعينيات حول الإرهاب اليهودي، للصحفي مايكل كاربين وإينا فريدمان بعد اغتيال إسحاق رابين، "Murder In The Name Of God". فالتطورات من حينها لم تكن للأفضل.
ماذا فعلت حكومات الاحتلال لوقف جرائم الإرهابيين اليهود؟
لكن ما يغيب عن كتاب شارون التقييم الأشمل لدور الحكومة حول هذه الجرائم، بحسب هآرتس. فما دورها في الإهمال الذي ساهم في تأجيج الحركات الإرهابية اليهودية؟ وهل كان ممكناً القضاء على هذه الظاهرة منذ بدايتها؟.
فكر رابين في إخلاء الحي اليهودي في حي تل الرميدة في الخليل بعد مجزرة غولدشتاين، لكنه تخلى عن الفكرة. وبعد عقدين من الزمان، سمح نتنياهو باستخدام أساليب جديدة في التحقيق في جريمة قرية دوما، لكن دون أي فائدة.
وقد نشأ شارون في مستوطنة قرنية شومرون بشمال الضفة الغربية، وتعلم في مدارس دينية صهيونية. وبعض شخصيات الكتاب معروفة جداً له. ومن ضمن الأشخاص الذين أهدى لهم كتابه والداه، "اللذان علماني التمييز بين الخير والشر، وبين حب الأرض وكراهية الغرباء". وهذه هي القصة كاملة باختصار لدى المستوطنين في الضفة، كما تقول الصحيفة.