في الوقت الذي يستطلع فيه المراقبون تداعيات الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية والرئاسية في تركيا، بدأت صورة الخارطة السياسية المتبقية تتكشف في أعقابها وتكشف عن مفاجآت، وقائمتين من الرابحين والخاسرين.
حيث لم تتحقق الاختراقات المتوقعة للمعارضة، بينما نجح المرشحون والأحزاب الأخرى، التي لم تتم مناقشتها كثيراً، في تحقيق مكاسب مفاجئة، وربما المساهمة في اتجاهات الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية التي ستجرى في الـ28 من مايو/أيار بعد فشل كلا المرشحين، الرئيس رجب طيب أردوغان، ومرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو في حسم نسبة الفوز المطلوبة.
ويبدو أن القلق بشأن الاتفاق الانتخابي الضمني بين تحالف الطاولة السداسية وحزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد، فضلاً عن الغضب المتصاعد من اللاجئين السوريين، قد أعطى دفعة للأصوات القومية.
وعلى الرغم من الآمال في أن تحالف الطاولة السداسية يمكن أن يجمع ائتلافاً أكبر للناخبين، فشلت المعارضة في الاختراق، وحافظ التحالف الحاكم على سيطرته على البرلمان. ومع وضع كل هذه المعطيات في الاعتبار، ومع ذهاب تركيا لجولة أخرى من التصويت الرئاسي، نلقي نظرة في هذا التقرير عن الرابحين والخاسرين من انتخابات الأحد.
من هم الرابحون؟
1- سنان أوغان
لا شك أن سنان أوغان هو أحد الرابحين في هذه الجولة من الانتخابات، حيث تحول هذا السياسي المغمور إلى مرشح مستقل، وهو الآن يحظى بلقب "صانع الملوك" في أعقاب انتخابات الأحد، من خلال حصوله على ما يزيد قليلاً على 5% من أصوات الانتخابات الرئاسية، حيث ستكون الأصوات التي حظي بها حاسمة في الجولة الثانية من التصويت بين أردوغان وكليجدار أوغلو.
ودخل سنان أوغان الحياة السياسية عن طريق حزب الحركة القومية اليميني، والذي يوجد الآن ضمن تحالف "الجمهور" مع حزب العدالة والتنمية الحاكم، وانتُخب في 2011 نائباً برلمانياً عن مدينة إغدير مسقط رأسه، ليدخل مجلس الأمة التركي (البرلمان) لأول مرة.
لكن أوغان وجد نفسه خارج قائمة المرشحين البرلمانيين عن حزب الحركة القومية في انتخابات 2015 التشريعية؛ مما أثار خلافات بينه وبين قيادة الحزب، لينتهي المطاف به مطروداً من الحركة القومية بموجب قرار لجنة التأديب الداخلية.
في العام ذاته (2015) تمكن أوغان من العودة إلى الحركة القومية مجدداً، حيث كسب دعوى قضائية ضد قرار طرده من الحزب، إلا أنه طُرد من الحزب مجدداً في 10 مارس/آذار 2017 مع 3 أعضاء آخرين، ليعلن انتهاء مشواره السياسي مع حزب الحركة القومية، والتحول لفترة قصيرة إلى "الحزب الجيد" IYI Parti مع ميرال أكشنار، بحسب موقع Middle East Eye البريطاني.
كانت اهتمامات أوغان، القومي اليميني، هي طرد اللاجئين السوريين من تركيا وتضييق الخناق على حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد. وفي المقابلات التي أجريت في أعقاب الانتخابات، أشار إلى أن أي قرار بتأييد إما كليجدار أوغلو، من حزب الشعب الجمهوري (CHP)، أو الرئيس أردوغان، زعيم حزب العدالة والتنمية (AKP)، استناداً إلى الشخص الذي من المرجح أن يعالج هذه المشكلات، حسب رأيه.
2- حزب الرفاه الجديد الإسلامي
لا شك أن هذا الحزب هو أحد أبرز الرابحين من هذه الانتخابات. أسس حزب الرفاه الجديد، ابن نجم الدين أربكان، نجل أبرز إسلامي في تركيا قبل حزب العدالة والتنمية، وكان فاتح أربكان وحزبه جزءاً من "تحالف الشعب" الذي يقوده حزب العدالة والتنمية.
ودافع فاتح أربكان عن رسالته المحافظة، وتمكن من الفوز بـ5 مقاعد برلمانية. وكان الحزب صريحاً في معارضته للمثلية الجنسية، ودافع عن انسحاب تركيا من "القانون رقم 6284 لحماية الأسرة ومنع العنف ضد المرأة".
3- حزب الحركة القومية (MHP)
يقول موقع MEE إنه دائماً ما كانت تتوقع بعض شركات استطلاع الرأي زوال حزب "الحركة القومية" البارز في تركيا قبل معظم الانتخابات، لكن مرة أخرى تحدّى الحزب التوقعات وحصل على 50 مقعداً في البرلمان، حتى إنه حصل على مقاعد من حزب العدالة والتنمية.
وعلى الرغم من وجود مجموعة من الأحزاب القومية الأخرى المرشحة للانتخابات، فإن حزب الحركة القومية لم ير قاعدته تتفكك، وساعد في نقل التحالف الحكومي إلى أغلبية في البرلمان.
4- حلفاء أردوغان السابقون
على الرغم من أن علي باباجان "قيصر الاقتصاد" السابق، وأحمد داود أوغلو رئيس الوزراء السابق، فشل حزباهما – حزب ديفا وحزب المستقبل – في المساهمة في أي زيادة في حصة أصوات المعارضة، إلا أنهما حصلا على عدد مقاعد على ظهر حزب الشعب الجمهوري بشكل غير متوقع ونجحا بالانتفاع من ذلك.
حيث حصل حزب الديمقراطية والتقدم الذي يرأسه علي باباجان على 14 مقعداً على قوائم حزب الشعب الجمهوري، فيما حصل حزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو على 10 مقاعد.
وبالمثل، حصل حزب السعادة الإسلامي على 10 مقاعد تيميل كارامولا أوغلو، وحصل الحزب الديمقراطي برئاسة غولتيكن أويصال على 3 مقاعد على قوائم حزب الشعب الجمهوري.
ورغم أن تيميل كارامولا أوغلو، الذي انشق مثل حزب العدالة والتنمية عن حزب الفضيلة، فشل في قلب أي من المقاعد الأكثر تحفظاً كما كان يأمل الكثيرون، تمكن حزب الرفاه الجديد من تفريغ العديد من أصوات المحافظين.
5- تحالف الجمهور
فاز تحالف "الجمهور" الحاكم بأغلبية مقاعد البرلمان التركي، بعد حصوله على 322 مقعدا، بينها 267 مقعدا لحزب العدالة والتنمية، حيث حصل هذا التحالف على 49.37% من أصوات انتخابات البرلمان، مقابل حصول تحالف "الأمة" على 35.31% من مجموع الأصوات.
وكانت العديد من التحليلات واستطلاعات الرأي التي أُجريت قبل الانتخابات التركية، قد أشارت إلى أن أحزاب المعارضة التي تحالفت مع بعضها ضد أردوغان، ستحقق تفوقاً في نتائج البرلمان، مدفوعة بأصوات أحزاب يقودها أشخاص كانوا يعملون مع الرئيس التركي قبل سنوات، مثل أحمد داوود أوغلو، وعلي بابا جان.
لكن ما حصل كان صادماً لدى تحالف المعارضة، حيث حافظ التحالف الحاكم على أغلبية البرلمان بحيث لن تستطيع المعارضة تمرير أي قوانين كما كانت قد تعهدت بذلك مسبقاً.
لكن بينما نجح الزعيم أردوغان في الحفاظ على مستوى شعبيته الرابحة في جميع أنحاء البلاد، وكذلك نجاح "تحالف الشعب" في السيطرة على البرلمان، لا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لحزبه على وجه الخصوص.
حيث انخفضت حصة الحزب إلى 267 مقعداً – مقارنة بـ295 عام 2018. ويقول موقع MEE، إن حزب العدالة والتنمية لم يعد قادراً على السيطرة على أنواع الأغلبية الساحقة التي كان يمارسها في السابق، وعليه الاعتماد على الأحزاب الأصغر. ومن الصعب تصور الآفاق التي قد تنتظر حزب العدالة والتنمية في المستقبل دون وجود أردوغان في مقعد القيادة.
من هم الخاسرون؟
1- حزب الشعب الجمهوري
منذ إنشاء ما يعرف بالطاولة السداسية في شهر فبراير/شباط 2022، برر زعيم حزب الشعب الجمهوري تحالفه مع أحزاب "السعادة والمستقبل والديمقراطية والتقدم" بأنها قد تكون وسيلة لجذب أصوات المحافظين من أنصار حزب العدالة والتنمية.
ومع ظهور النتائج الانتخابية؛ كانت المفاجأة بحصول هذه الأحزاب على 37 مقعداً في البرلمان عن طريق قوائم حزب الشعب الجمهوري؛ بينما كانت نسب التصويت لكليجدار أوغلو في الولايات المحافظة وسط وشمال الأناضول على غير المتوقع من هذه الأحزاب.
ومع إعلان النتائج غير النهائية لانتخابات البرلمان حصد حزب الشعب الجمهوري 169 مقعداً، من بينها 14 مقعداً لحزب الديمقراطية والتقدم الذي يرأسه علي باباجان، إلى جانب 10 مقاعد لحزب المستقبل برئاسة أحمد داود أوغلو، و10 مقاعد لحزب السعادة الذي يرأسه تمل كارا مولا أوغلو، و3 مقاعد للحزب الديمقراطي برئاسة غولتيكن أويصال.
وبهذه النتيجة تقلصت حصة حزب الشعب الجمهوري داخل البرلمان التركي القادم إلى 130 نائباً (لوجود مقعدين آخرين لحزبي التغيير والجيد على قوائم حزب الشعب)، حسب نتائج أولية، وعلى عكس انتخابات عام 2018 الذي حصد فيها الحزب منفرداً 146 مقعداً.
على إثر ذلك، طالب محمد سيفغن النائب البرلماني السابق عن حزب الشعب الجمهوري باستقالة كليجدار أوغلو من رئاسة الحزب، بعد الحسابات الخاطئة التي أدخلت الحزب في مرحلة لم يعشها من قبل.
وأضاف سيفغن في تصريحات تلفزيونية لقناة CNN TURK أن مطالبته تأتي بسبب الآمال الزائفة التي قدمها كليجدار أوغلو لحزبه بعد التعاون مع العديد من الأحزاب المنبثقة عن حزب العدالة والتنمية؛ على أمل إضافة المزيد من الأصوات إلى الحزب، لكنها في النهاية قلّصت حصة الحزب في البرلمان القادم.
2- الحزب الجيد (IYI)
كانت القومية التركية قوة دافعة لهذه الانتخابات. لذلك، فإن نتيجة الحزب الجيد – انشقاق يمين الوسط عن حزب الحركة القومية – جاءت مخيبة للآمال إلى حد ما، مع مقعد واحد فقط أكثر من حصتها في عام 2018.
وعلى الرغم من أنه أصبح الآن خامس أكبر حزب في البرلمان، بدا أن الناخبين الوطنيين متمسكون بحزب الحركة القومية، بينما نجح سنان أوغان (وهو نفسه عضو سابق في حزب IYI) في جذب القوميين الساخطين.
3- حزب "الظفر" المعادي للاجئين
من بين أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، هو حزب "الظفر" اليميني المعادي للاجئين، حيث فقد رئيس حزب، أوميت أوزداغ، مقعده في البرلمان، بعد النتيجة المتدنية التي حصل عليها حزبه في الانتخابات.
وحصل حزب الظفر على 2.25% من الأصوات، في الانتخابات، وبذلك لم يصل إلى النسبة التي تخوله دخول البرلمان، وهي 7% من الأصوات، وفقا للنتائج الاولية.
وعقب ظهور النتائج، قدم أوزداغ "الاعتذار" لناخبيه، عن الخسارة، وعدم قدرته على ترحيل اللاجئين، وقال: "أعزائي أعضاء حزب الظفر، أعتذر لكم جميعا لعدم قدرتكم على تكريم روح أتاتورك، وقيادتكم للنصر بذكرى تأسيس جمهوريتنا، ونحن نتجه إلى الجولة الثانية".
وأضاف: "لا أرى هذه النتيجة على أنها نجاح في بلد فيه 13 مليون لاجئ وهارب، وكان ينبغي الحصول على مزيد من الأصوات، لكن بعد أن أدلينا بأصواتنا، أصبح من الصعب جداً على هؤلاء الـ13 مليون لاجئ وهارب العودة إلى أوطانهم"، حسب تعبيره.