الهجوم على كنيس يهودي في جزيرة جربة كان الأول من نوعه في تونس منذ أكثر من 20 عاماً، فهل ينجح توظيف الرئيس قيس سعيد للحادث في القفز على الأزمات التي تعاني منها البلاد منذ انفراده بالسلطة؟
كان أحد أفراد قوات الحرس البحري في تونس قد قام، الثلاثاء 9 مايو/أيار، بقتل أحد زملائه في مركز للحرس بجزيرة جربة، ثم توجه إلى الكنيس؛ حيث تُقام احتفالات يهودية سنوية وفتح النار على أفراد الشرطة والزوار قبل أن يُقتل برصاص الشرطة.
وخلال الهجوم، قتل المهاجم ابني عم يهوديين، أحدهما فرنسي من أصل تونسي والآخر إسرائيلي تونسي، إلى جانب ضابط شرطة توفي في مكان الحادث وآخر في المستشفى الأربعاء، وقالت مصادر طبية إن أربعة آخرين من رجال الشرطة أُصيبوا، أحدهم في حالة خطرة، إلى جانب أربعة زوار آخرين.
ماذا قال قيس سعيد عن هجوم جربة؟
نشرت صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية تقريراً عن الحادث، رصدت فيه كيف أن هجوم الكنيس اليهودي في تونس قد يقوِّي موقف الرئيس قيس سعيِّد في المطالبة باستمرار المساعدات الغربية، على الرغم من الانتقادات المتزايدة منذ انفراده بالسلطة في البلاد وانقلابه على العملية الديمقراطية قبل نحو عامين.
وفي رد فعله على الهجوم، حمّل الرئيس التونسي من وصفهم "بالمجرمين" الساعين لزرع الفتنة وإلحاق الضرر بقطاع السياحة، المسؤولية عن إطلاق النار في جربة، في أدمى هجوم تشهده تونس منذ أكثر من عقدين.
وقال سعيد، في خطاب لمجلس الأمن القومي أثناء تقديمه التعازي لأسر القتلى وتمنيه الشفاء للمصابين: "الهدف كان زرع بذور الفتنة وضرب الموسم السياحي ومؤسسات الدولة"، دون أن يصف الهجوم بالإرهاب، وهو مصطلح استخدمه أحياناً لوصف ما يقوم به المعارضون السياسيون منذ أن استأثر بالسلطات في البلاد في يوليو/تموز 2021. وقال سعيد إن تونس "أرض التسامح والتعايش السلمي"، بحسب الأناضول.
"لا يسعنا إلا الترحم على شهدائنا الذين قضوا وهم يؤدّون الواجب المقدس في الدفاع عن الوطن، كما نتقدم بأحر التعازي لكل من سقط في هذه العملية الجبانة، ونتمنى الشفاء العاجل لكل الجرحى الذين سيلقون العناية اللازمة"، بحسب الرئيس قيس سعيد.
وأضاف الرئيس، الذي يواجه انتقادات ضخمة داخلياً وخارجياً: "أود أن أطمئن الشعب التّونسي وكل العالم بأن تونس ستبقى آمنة مهما حاول هؤلاء المجرمون زعزعة الاستقرار فيها، وسنعمل على حفظ الأمن داخل المجتمع. مثل هذه العمليات الإجرامية حدثت في عدة مدن سواء في بلدان أوروبية أو في الولايات المتحدة الأمريكية وفي مختلف القارات".
وفي إشارة لهجوم سابق استهدف الكنيس نفسه قبل 21 عاماً، قال سعيد: "اختار هؤلاء المجرمون معبد الغريبة الذي تعرض سابقاً لعملية مماثلة سنة 2002، لكن ما حصل أمس أحدث يقظة كبيرة في صفوف قواتنا الأمنية والعسكرية، وتم التصدي له ولم يتمكنوا حتى من الوصول إلى هذا المعبد، حيث تم القضاء على هذا المجرم الذي حاول الدخول إليه".
واختتم رسالته قائلاً: "الغاية كانت واضحة بمحاولة زرع بذور الفتنة وإفساد الموسم السياحي وضرب الدولة التّونسية التي لن يقدر أي مجرم على التطاول عليها. دولتنا قوية بمؤسساتها الأمنية والعسكرية وشعبها الواعي والمتيقظ".
هل يوظف الرئيس التونسي الهجوم سياسياً؟
كان آخر هجوم تشهده تونس على الجالية اليهودية قد وقع في عام 2002 عندما انفجرت شاحنة مفخخة خارج كنيس الغريبة، وأسفر وقتها عن مقتل 19 شخصاً. أما عن دوافع الهجوم الأخير، فقد قال سامي حمدي، العضو المنتدب لشركة International Interest العاملة بتقييم المخاطر والاستخبارات، للصحيفة الإسرائيلية إن دوافع الهجوم لا تزال غامضة، وتشير المعلومات الأولية إلى أنها كانت عملية منفردة، مضيفاً اعتقاده بأن الجالية اليهودية ينبغي ألا تتخوف من وقوع المزيد من الهجمات.
وقال جاك كينيدي، المدير المساعد لشركة S&P Global Market Intelligence ورئيس مكتبها في الشرق الأوسط، إن قوات الأمن التونسية تتعامل مع الأمر بحزم، و"الغالب أن أجهزة الأمن التونسية ستأخذ أي هجوم من هذا النوع على مجمل الجد، ولذلك من المحتمل أن تُجدد التدابير الأمنية المتبعة حول الموقع، وأن تزيد من عمليات مكافحة الإرهاب في جميع أنحاء البلاد".
وأوضح كينيدي في حديثه لموقع The Media Line أن السياحة مصدر رئيس للعملة الأجنبية في تونس، والاقتصاد التونسي لا يمكن أن يخاطر بمزيد من الضرر لسمعته في الوقت الحالي خشيةَ الإضرار بصناعة السياحة.
بالإضافة إلى ذلك، يرى كينيدي أن الحادث يمكن أن يخدم الرئيس التونسي باستخدامه كأداة ضغط للحصول على مزيد من التعاون الغربي معه، وذلك على الرغم من الانتقادات الموجهة إليه للاستبداد بالسلطة.
وقال كينيدي إن هذه الحادثة "من المرجح أن تعزز موقف سعيد في الإبقاء على علاقة أقوى مع الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، وفي الحفاظ على التعاون الأمني والدعم المالي".
هل يغير الحادث من الموقف الغربي من الرئيس التونسي؟
ولفت كينيدي إلى أنه بالنظر إلى أن هذا هو أول هجوم على الجالية اليهودية التونسية منذ عام 2002، فمن المحتمل أن يُوصف بأنه "إحدى القرائن التي تعضد مخاوف أوسع نطاقاً من أن يؤدي الانهيار الكبير للاقتصاد التونسي ولقدرات قوات الأمن إلى مزيد من العنف ذي الدوافع الدينية".
وأوضح كينيدي أن إقصاء سعيِّد للمؤسسات الديمقراطية في تونس أدى إلى خفض التمويل من الشركاء الغربيين، وإن لم يمتد ذلك بالضرورة إلى المساعدات المتعلقة بالأمن والاستخبارات. ويرى كينيدي أن هذا النوع من الحوادث من المرجح أن يعيد تركيز الانتباه على أهمية التعاون في هذه المجالات.
ولذلك، فإنه، وإن كان "من المستبعد أن يؤدي الهجوم إلى دعم التوجه السياسي لإدارة سعيِّد، إلا أنه يمكن أن يفضي إلى مزيد من الدعم للتعاون الأمني البحت".
اتفق حمدي مع هذا الرأي، وقال إن الهجوم "من المرجح أن يستحث التطبيع الدولي مع انقلاب سعيِّد، لأن حكومته ستصر على زيادة التنسيق معها (للتصدي للإرهاب والتطرف)، وأن التحول الديمقراطي (عجز عن التصدي للإرهاب)، ولذلك يجب على المجتمع الدولي أن يتخلى عن التباطؤ في تقديم المساعدات المالية، وأن يدعم المبادرات الاقتصادية لسعيِّد".
تخشى تونس بطبيعة الحال من أي تأثير على قطاع السياحة، وهو مصدر رئيسي للعملة الأجنبية للحكومة التي تعاني وضعاً اقتصادياً صعباً وتسعى للحصول على مساعدة مالية لتجنب انهيار في المالية العامة. وبدأ وزير السياحة التونسي معز بلحسين زيارة فنادق جربة والكنيس اليهودي سعياً لبث رسائل طمأنة بعد الهجوم.
وكانت صناعة السياحة قد تضررت بشدة من الهجمات الكبيرة في 2015 التي أودت بحياة عشرات السياح الغربيين، وتعافت بالكاد قبل جائحة كوفيد في 2019 و2020. وأدت المشاكل الاقتصادية إلى ارتفاع كبير في هجرة التونسيين إلى أوروبا.
الخلاصة هنا هي أن تونس تعاني من أزمة اقتصادية حادة فاقمها انفراد الرئيس قيس سعيد بالسلطة واستهداف المعارضين السياسيين من جميع الأطياف والأحزاب؛ وهو ما أعاد البلاد إلى المربع صفر، بعد أن كانت رمزاً للتحول الديمقراطي في العالم العربي منذ 2011، بحسب ما يقوله منتقدوه في تونس وخارجها.
ويبدو أن الرئيس يريد أن يلقي بالمسؤولية عما تعاني منه تونس اقتصادياً على هجوم جربة، فهل ينجح في توظيف الحادث لإقناع الغرب بمده بالمساعدات لإنقاذ ما أفسدته سياساته وانفراده بالسلطة؟