يبدو أن المصالحة بين السعودية وإيران التي تمت بوساطة صينية تمضي قدماً نحو تطبيع حقيقي للعلاقات بين الدولتين، ولكن ليس بالضرورة نهاية كاملة للخلافات، ويبقى انتظار تأثيرها في عدد من أبرز الأزمات في الشرق الأوسط خاصة لبنان واليمن.
وأعلن وزير الخارجية الإيراني بهدوء في أبريل/نيسان، أن سفارة طهران في الرياض ستفتح أبوابها لأول مرة منذ عام 2016، في أحدث إشارة ضمن سلسلة من الإشارات التي تبين أن دولتي الشرق الأوسط القويتين عازمتان على تهدئة الخصومة التي شوهت المنطقة على مدى أربعين سنة، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
مؤشرات على أن المصالحة بين السعودية وإيران ستفضي لتطبيع حقيقي
تشير جميع البوادر، البسيطة منها والكبيرة، إلى أن التقارب حقيقي بين السعودية وإيران، حسب الصحيفة البريطانية.
فقد استُئنفت الرحلات الجوية المدنية بين البلدين، وحصل مواطن إيراني على جائزة سعودية في تلاوة القرآن بقيمة 800 ألف دولار، والصلب الإيراني يشق طريقه نحو الأسواق السعودية، وشوهد مسؤولون من البلدين يتعانقون بعد إنقاذ البحرية السعودية 60 إيرانياً حوصروا في السودان، ويتوقع أن يعلن الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي عن زيارة إلى الرياض قريباً، وهي الزيارة الأولى لرئيس إيراني منذ عام 2007.
أُعلن عن هذه المصالحة، المدفوعة من قبل الغريمين السابقين -ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، 37 سنة، والمرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، 83 سنة- في الصين في 10 مارس/آذار عندما أطلق الجانبان خطة تستمر لشهرين تستهدف تطبيع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بعد ثماني سنوات من التوتر.
ولكن هل تؤدي لإنهاء الصراعات العالقة في الشرق الأوسط؟ إنها مهلة وليست قصة حب
السؤال المطروح الآن هو ما إذا كانت رياح التغيير هذه ستنتشر عبر أنحاء الشرق الأوسط، لتفتح الآفاق أمام إنهاء الصراعات العالقة في اليمن ولبنان والعراق وسوريا، بل حتي في إسرائيل، التي تفاقمت جميعها أو حتى استمرت بسبب الخصومة الإيرانية السعودية.
نصح دبلوماسي مستقر في لندن بالحذر. وقال: "هذه ليست قصة حب. إنها مهلة مناسبة للطرفين".
وقالت سينزيا بيانكو، الزميلة الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن الاتفاق كان حقيقياً لكنه هش.
وأوضحت: "ثمة قليل من النقاط الحرجة، مثل تولي رئيس جمهوري جديد محتمل في الولايات المتحدة، أو هجوم إسرائيلي في إيران.. كلا الطرفين لا يزال يبحث عن بوليصات تأمين محتملة".
عملية تحتاج لمساهمة دول أخرى
شبَّه دبلوماسي عربي مستقر في لندن هذه العملية ببناء طابق أرضي يمكن للبلاد الأخرى أن تبني فوقه، مشيراً إلى أن التداعيات قد تكون بالغة الأهمية بالنسبة للمنطقة. حيث إن التوصل إلى اتفاق قد يؤكد على تراجع نفوذ واشنطن في الشرق الأوسط، وضعف إسرائيل، وعودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى الحظيرة العربية، وإمداد السعودية بسوق جديد طويل الأمد للمواد الكربونية في الصين، وبداية نهاية العزلة الاقتصادية لإيران، وذلك وفقاً للدبلوماسي العربي.
لكن أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة أوراسيا، تنبأ ببطء العملية حتى في ظل اضطلاع الصين بدور الضامن. قال كامل: "لا تتحول العلاقة من المنافسة إلى التعاون الهائل بين عشية وضحاها. أظن أن العلاقات الإيرانية الخليجية سوف تخرج من عصر مواجهة إلى عصر طبيعي بدرجة أكبر، حيث يكون هناك خلافات ومنافسة وتعاون".
جزء من إعادة تنظيم بطيئة ولكن واسعة للمنطقة بعدما باتت الرياض قلقة من أمريكا
ووصف الانفراجة في العلاقات بأنها جزءٌ من إعادة تنظيم أوسع يشهدها الشرق الأوسط. وأوضح: "تريد السعودية وبلاد الخليج أن تكون الشراكة العالمية مع الولايات المتحدة رئيسية، ولكن ألا تكون الركن الأوحد. فلا يزالون يفضلون علاقة أقرب مع واشنطن، لكنهم ليسوا راغبين في تقوية العلاقات مع القوى الأخرى، مثل الصين".
لم تشعر الرياض بالأمان في علاقتها مع واشنطن على مدى ما لا يقل عن عقد من الزمان. وبمجرد أن انتهى اعتماد الولايات المتحدة على النفط السعودي، صار دور الرياض بوصفها ضامناً لأمن واشنطن على صعيد الطاقة محل تساؤلات حتمية، وتباعدت مساراتهما رويداً رويداً. ارتأت الرياض أن دعم أوباما للربيع العربي خاطئ، وحاولت عرقلة جهوده التي استهدفت التفاوض مع إيران لإبرام الاتفاق النووي في 2015.
صدمت من موقف ترامب من هجوم أرامكو 2019
وفي ظل حكم الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حصلت الرياض بالضبط على السياسة الأمريكية التي تريدها والتي تتضمن الضغط الأقصى على إيران، لتكتشف فحسب أن هذه السياسة لا تروق لها. والحقيقة التي تقول إن الصواريخ إيرانية الصنع أوقفت مؤقتاً نسبة كبيرة من إنتاج النفط السعودي في سبتمبر/أيلول 2019، كانت مؤشراً صادماً لتعرُّض السعودية للخطر. بل صُدمت أكثر عندما لم يأت ترامب للدفاع عن الرياض. وبالمثل، شعرت الإمارات باستياء شديد لعدم مبالاة الغرب عندما تعرضت 4 سفن تجارية لهجوم في خليج عمان في مايو/أيار 2019.
ويبرهن تعهد جو بايدن في 2019 بجعل السعودية دولة "منبوذة" على أن الديمقراطيين بالكاد سوف يقدمون للرياض حبل النجاة.
فقررت الابتعاد عن تداعيات أي حرب محتملة ضد إيران
ومن ثم أراد الأمير محمد بن سلمان إبعاد نفسه عن خط النار، خوفاً من أن تصير السعودية هدفاً لإيران في حالة وقوع هجوم إسرائيلي ضد المواقع النووية الإيرانية. وقد أراد أن يسير على خطى الإمارات نحو موقع أقل تعرضاً للخطر، والتركيز على تطوير الاقتصاد السعودي.
وقال فارع المسلمي، الزميل غير المقيم في المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس): "سئمت السعودية من تلك الصورة التي تجعلها ماكينة الصراف الآلي للعالم".
الأمل يتصاعد بحل أزمة اليمن
لعل التنافس بين السعودية وإيران قد أدى إلى مفاقمة عديد من الصراعات الموجودة سلفاً في المنطقة، لكنه لم يخلق هذه الصراعات، والتقارب بين البلدين لن يضع نهاية لهذه الصراعات.
قالت سينزيا: "كل هذه الصراعات تولدت ذاتياً، لكنها لديها أيضاً بعد إقليمي يُغذي العنصر المحلي، وذلك يجعلها أكثر التواءً وتعقيداً ودمويةً".
إحدى الفرص المحتملة لإحراز تقدم تتمثل في دولة اليمن، أفقر دولة في العالم العربي، حيث سلحت إيران المتمردين الحوثيين الذين يقاتلون الائتلاف الذي تقوده السعودية، لكنهم يبدون الآن داعمين لجهود السلام.
وقال المسلمي: "ربما يكون الحوثيون متعبين أيضاً بعد تسع سنوات من الحرب الأهلية. يعرف السعوديون من جانبهم أن أصغر صاروخ حوثي ينطلق من اليمن يمكن أن يكلفهم 500 مليون دولار إضافية مقابل تكاليف التأمين".
لكن الحوثيين ليسوا خاضعين لسيطرة إيرانية مطلقة
غير أن التنافس بين حركة الحوثي، والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً، والقوى الانفصالية الجنوبية، لها جذورها في اليمن نفسه إضافة للتأثيرات الإقليمية. وقالت دينا اسفندياري، محللة شؤون الشرق الأوسط لدى مجموعة الأزمات الدولية: "الهيمنة الإيرانية على الحوثيين ليست كاملة، ومن ثم فإن أي تعهد إيراني بفعل ما يستطيعون القيام به، يقتصر على تلك الاستطاعة".
وفي مقايضة مقابل المساعدة الإيرانية في اليمن، تبدو السعودية مستعدة لتطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد. فقد نُبذ على مدى 12 سنة، لكن بلاده عادت مرة أخرى يوم الأحد 7 مايو/أيار إلى الجامعة العربية. تجادل الرياض بأن التطبيع قد يؤدي إلى تقوية المؤسسات السورية، ويوفر أكثر الطرق واقعيةً لاستعادة النفوذ والسيطرة على شبكات الاتجار بالمخدرات العابرة للحدود.
ولكن مرة أخرى، ثمة عراقيل. تريد قطر، شريك واشنطن الرئيسي في الخليج، من الأسد أن يقدم تنازلات سياسية، وهو شيء لم يُبد أي ميل تجاهه سابقاً.
كذلك يحيط الغموض ما يعنيه تطبيع العلاقات للنسبة الكبيرة من السكان السوريين الذين يعيشون في مناطق لا تخضع لسيطرة الحكومة السورية. يريد الأسد من تركيا أن تغادر شمال سوريا، وأن تتوقف عن رعاية المعارضة المسلحة في إدلب، لكن أنقرة ليست عازمة على المغادرة بدون ضمانات حول الأكراد السوريين الموجودين على حدودها. وتصر الولايات المتحدة على أن الأكراد يجب أن يحصلوا على حصة من موارد النفط والغاز السورية، على غرار النموذج الاتحادي في العراق.
هل يستفيد لبنان من المصالحة بين السعودية وإيران؟
ثمة دولة ثالثة يُحتمل أن تستفيد من إنهاء التنافس السعودي الإيراني، وهي لبنان. لا يزال كرسي الرئيس شاغراً منذ نهاية ولاية ميشال عون في أكتوبر/تشرين الأول. بموجب القانون، يجب أن يشغل هذا المنصب مسيحي ماروني. لم تستطع الأحزاب الطائفية المتنافسة المدعومة من السعودية وإيران الاتفاق على بديل، بالرغم من جولات التصويت المتعاقبة.
يواصل حزب الله القوي وحركة أمل، التي يقودها نبيه بري، رئيس مجلس النواب، اللذان يشكلان معاً القاعدة الشيعية في لبنان، دعمهما لسليمان فرنجية، الصديق المقرب من الأسد، لكن السعودية ترفض دعمه.
أما بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فكل هذا ينذر بكارثة. فقد اعتقد أن الاتفاقيات الإبراهيمية التي قادتها إدارة ترامب، سوف تؤدي إلى تطبيع العلاقات مع السعودية، ولكن بدلاً من ذلك طبعت الرياض علاقتها مع أعداء إسرائيل: إيران وسوريا، بل حتى حركة حماس.
ردد نتنياهو نغمته القديمة خلال حديث مع قناة CNBC، فقال: "هؤلاء الذين يدخلون في شراكة مع إيران، يدخلون في شراكة مع البؤس. انظروا إلى لبنان، وانظروا إلى اليمن، وانظروا إلى سوريا، وانظروا إلى العراق. 95% من المشكلات في الشرق الأوسط تنبع من إيران".
قبل عامين، ربما كانت السعودية على وفاق مع هذا التقييم، لكنها قررت على ما يبدو أن نهج التعاون، وليس نهج المواجهة الذي تُعرف به إسرائيل، هو المسار المستقبلي.