أرسلت أمريكا مبعوثها الخاص إلى اليمن للمساهمة في المحادثات الهادفة لإنهاء الحرب، فهل يكون لواشنطن دور أم أن الصين تولت مقعد القيادة كصانع للسلام وانتهى الأمر؟
موقع The Conversation الأسترالي نشر تحليلاً عنوانه: "هل يمكن أن تتوسط الصين لإنهاء الحرب في اليمن؟"، تناول التحرك الأمريكي الأخير الهادف لأن يكون لواشنطن دور في هذا التطور الهام في المنطقة، والذي قد يغير الشرق الأوسط من منطقة نفوذ أمريكي إلى نقطة انطلاق صينية جادة لاحتلال موقع الصدارة.
كان اليمن قد وقع في براثن صراع مأساوي تسبب في أسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم منذ عقود، وذلك منذ انقلاب الحوثيين عام 2014، ودخول التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات إلى البلاد لدعم الحكومة الشرعية برئاسة عبد ربه منصور هادي، منذ مارس/آذار 2015، في عملية "عاصفة الحزم"، التي كان يفترض أن تنهي الأمور سريعاً، لكن النتيجة كانت كارثية، واستمرت الحرب أكثر من 8 سنوات.
بايدن وضع إنهاء حرب اليمن "هدفاً أولياً"
ومع تولي إدارة الرئيس جو بايدن مقاليد الأمور في البيت الأبيض، يوم 20 يناير/كانون الثاني 2021، جاء إنهاء الحرب في اليمن كأحد أبرز أولوياته، وهو ما أعلنه بشكل مباشر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال محادثته الهاتفية الأولى مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان، السبت 6 فبراير/شباط 2021.
فاتخذت إدارة بايدن عدداً من القرارات، منها إلغاء تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وإعلان وزير خارجيته التزاماً أمريكياً بالدفاع عن السعودية، وتعيين مبعوث أمريكي لليمن للتنسيق مع المبعوث الأممي، وغيرها من القرارات الأخرى، التي جعلت الحديث عن "النهاية الوشيكة" لحرب اليمن يحتل صدارة التغطيات الإخبارية، لفترة من الزمن.
لكن مرّت الأيام والأسابيع والشهور دون أن يحدث تقدم حقيقي في اتجاه إحلال السلام، بل ازدادت الأمور سوءاً، واتسع نطاق الصراع مع استهداف الحوثيين لأراضي الإمارات بالصواريخ والمسيّرات، واستمرار استهداف السعودية أيضاً.
وفي الأول من مايو/أيار الجاري، أعلنت واشنطن أنها أرسلت تيم ليندركينغ، مبعوثها الخاص إلى اليمن، إلى المنطقة "بهدف المساعدة في تقدم جهود السلام الجارية حالياً، لتأمين التوصل إلى اتفاق جديد وعملية سلام شاملة".
وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن، ليندركينغ، بدأ زيارة إلى سلطنة عمان والسعودية، في محاولة لدفع جهود السلام في اليمن، وأضافت الوزارة في بيان أن ليندركينغ سيلتقي مع مسؤولين من اليمن وعمان والسعودية وشركاء دوليين آخرين.
لكن حقيقة الأمر هي أن إرسال ليندركينغ الآن لا يُخفي تراجع الدور الأمريكي بشكل حاد، في صراع اليمن، بعد أن انتقلت عجلة القيادة في المفاوضات لإحلال السلام إلى المنافس الأول وهي الصين. فالانفراجة الحالية، التي أحيت الآمال في التوصل لتسوية نهائية للحرب، لم يكن مصدرها أمريكا، بل الصين، التي نجحت وساطتها في التوصل لاتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، خلال مارس/آذار الماضي، بحسب تحليل الموقع الأسترالي.
كانت السعودية وإيران قد أعلنتا استئناف العلاقات بينهما، بعد قطيعة استمرت 6 سنوات، وهددت الاستقرار والأمن في الخليج، وساعدت في تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط من اليمن إلى سوريا.
ذلك الإعلان في حد ذاته مثل لحظة من اللحظات الجيدة للشرق الأوسط، لكن مجيئه من العاصمة الصينية مثّل لا شك خبراً سيئاً لواشنطن؛ إذ جاء الإعلان عن الاتفاق الذي توسطت فيه الصين بعد محادثات لم يعلن عنها من قبل، استمرت أربعة أيام في بكين، بين كبار مسؤولي الأمن من البلدين.
ووقتها ذكر بيان صادر عن إيران والسعودية والصين، أن طهران والرياض اتفقتا "على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، وإعادة فتح سفارتيهما وممثلياتهما خلال مدة أقصاها شهران". وأضاف "الاتفاق يتضمن تأكيدهما على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية".
هل تنجح وساطة الصين في إنهاء حرب اليمن؟
لا أحد يمكنه الجزم بإجابة هذا السؤال بطبيعة الحال، لكن الأحداث التي شهدتها ساحة الحرب المريرة خلال الأسابيع التي تلت الاتفاق بين السعودية وإيران بوساطة الصين، تشير إلى أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح. وهذا ما عبر عنه وسيط الأمم المتحدة لليمن، بقوله أمام مجلس الأمن الدولي قبل أيام: "إنها الفرصة الأهم لإحراز تقدم نحو إنهاء الحرب منذ 8 سنوات".
فزيارة وفد سعودي صنعاء، والدخول في مفاوضات مباشرة مع الحوثيين، تطوّر ربما يكون الأهم على طريق إحلال السلام، وكان كبير مفاوضي جماعة الحوثي قد أعلن أن المحادثات التي جرت في صنعاء قد أحرزت تقدماً، وأن مزيداً من المناقشات ستجري لتسوية الخلافات المتبقية. وكان الهدف الأولي للوفد السعودي هو التوصل إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار، بهدف إنهاء الحرب في اليمن والتوصل إلى اتفاق للسلام.
ثم جاءت خطوة الإفراج عن الأسرى بشكل متزامن، ثم إفراج السعودية عن أسرى حوثيين من جانب واحد، إذ اعتبر المراقبون أن اكتمال عملية استمرت ثلاثة أيام أشرفت عليها اللجنة الدولية للصليب الأحمر لإعادة ما يقرب من 900 أسير احتُجزوا خلال النزاع، خطوة مهمة لبناء الثقة، ومن ثم استمرار محادثات السلام بين المبعوثين السعوديين وجماعة الحوثي اليمنية.
وفي هذا السياق، قال وسيط الأمم المتحدة بشأن اليمن، هانس غروندبرغ، لمجلس الأمن الدولي، خلال أبريل/نيسان: "أعتقد أننا لم نشهد منذ ثماني سنوات فرصة سانحة كهذه لإحراز تقدم نحو إنهاء الصراع، لكن الأمور قد تتبدل ما لم يتخذ الجانبان خطوات أكثر جرأة نحو السلام".
وأبلغ المجلس بأن هناك حاجة "لوقف إطلاق النار من قبل اليمنيين بأنفسهم، والذي من شأنه أن يوقف العنف بشكل دائم، ويضمن سلامة وأمن اليمنيين ويبني الثقة لإطلاق عملية سياسية".
ويعتبر ملف الأسرى أحد الملفات المهمة، حيث أجرى طرفا الصراع مفاوضات في سويسرا الشهر الماضي، أفضت إلى إطلاق سراح 887 أسيراً، واتفقا على الاجتماع مرة أخرى، في مايو/أيار الجاري، لبحث الإفراج عن المزيد.
ويأمل المفاوضون في التوصل إلى اتفاق شامل لجميع الأسرى المتبقين خلال تلك المفاوضات، وهي أحدث جولة ضمن سلسلة اجتماعات تمخضت عن إطلاق سراح أسرى في عامي 2020 و2022، بموجب اتفاق بوساطة من الأمم المتحدة يُعرف باسم اتفاق ستوكهولم.
وقال التحالف في بيان نقلته وكالة الأنباء السعودية، إن "ملف إنهاء تبادل الأسرى والمحتجزين محل اهتمام القيادة السياسية والعسكرية بالتحالف، باعتبار أن إنهاء الملف ينبع من منطلقات وثوابت إنسانية راسخة".
وقال فابريزيو كاربوني، المدير الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر "أي فترة راحة للسكان المنهكين، بما في ذلك من خلال عمليات إطلاق سراح كهذه، هي أمر يجب أن يحظى بالدعم، ولكن الحل السياسي وحده هو الذي سينهي المعاناة باليمن في نهاية المطاف".
هذه التطورات الإيجابية المتسارعة تشير إلى أن الصين في طريقها للنجاح فيما عجزت عنه الولايات المتحدة على مدى نحو عقد من الزمان، رغم كون الشرق الأوسط منطقة نفوذ أمريكي تقليدي، أو هكذا كانت.
ماذا يعني هذا للشرق الأوسط؟
النقطة الأولى فيما يتعلق بوساطة الصين تنبع من الدوافع، فبكين ليست لديها أي علاقات دبلوماسية أو سياسية أو اقتصادية مع الحوثيين، الذين يسيطرون على أجزاء كبيرة من اليمن، وبخاصة الشمال، لكن قبل اندلاع الصراع، كانت الصين تتمتع بعلاقة تجارية واقتصادية كبيرة مع اليمن، حيث كانت ثاني أكبر شريك تجاري للبلاد بعد السعودية، بحسب تقرير للبنك الدولي عام 2013.
لكن الصين تتمتع بعلاقات قوية مع السعودية والإمارات وإيران، أطراف الصراع الرئيسية في اليمن، وتكررت زيارات الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى الرياض وأبوظبي خلال السنوات الأخيرة، بهدف التأكيد على دور الصين كشريك استراتيجي في منطقة الخليج، والشرق الأوسط ككل، كما استضاف شي نظيره الإيراني مؤخراً، في زيارة دولة قام بها الأخير إلى بكين.
وبالتالي فإن توسيع الصين لعلاقاتها مع الأطراف الرئيسية في صراع اليمن يضعها في موقع فريد، كوسيط محتمل للسلام، رغم صعوبة توحيد مواقف القوى الإقليمية الثلاث حول خطة سلام شاملة في اليمن، وهي المهمة التي لم تنجح فيها واشنطن أبداً. فالإمارات يمكنها التأثير على طرف داخلي رئيسي في الصراع اليمني، وهي قوات "الحزام الأمني" المتحالفة مع الحكومة الانتقالية، لكن الأهداف الإماراتية قد لا تشمل إقامة دولة يمنية واحدة ومستقلة، بحسب الموقع الأسترالي، الذي أشار إلى الدعم الإماراتي للساعين إلى انفصال جنوب اليمن عن شماله. كما أن إيران قد تكون مترددة في توقيع اتفاق سلام يقلل من تأثيرها في اليمن، حيث إن توقف الصراع سيقلل من اعتماد الحوثيين على الدعم العسكري من طهران بطبيعة الحال.
أما السعودية فهي الطرف الذي سيكون الرابح الأكبر من إنهاء الصراع في اليمن، حيث سيؤدي ذلك إلى توقف الهجمات الحوثية على أراضي المملكة، وتوفير الأموال والموارد السعودية المكرسة للحرب بطبيعة الحال. وهو ما يشير إلى أن الصين قد تركز جهودها على السعودية أكثر، بغرض التوصل إلى اتفاق سلام في اليمن.
وفي هذا السياق يأتي الاتفاق بين السعودية وإيران كخطوة أولى نحو تحقيق هذا الغرض، فرغم عدم ذكر اليمن في الاتفاق، فإن الإشارة إلى "توقف الطرفين عن تقديم الدعم" أو "عدم التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة" و"بذل الجهود لإحلال السلام والأمن دولياً وإقليمياً"، هي إشارات تخص اليمن وصراعات أخرى بطبيعة الحال.
أما الصين، فتجد في الصراع اليمني ونجاحها في إنهائه فرصةً مواتيةً لإعلان انتهاء النفوذ الأمريكي في المنطقة، وتقديم بكين كصانع سلام يُوثَق به على المسرح الدولي بطبيعة الحال.