يسعى العلماء العاملون بوزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" إلى إحداث تحول غير مسبوق في مجال نقل الطاقة بتوسيع نطاق الاعتماد على أشعة الليزر، لإرسال الطاقة إلى المناطق العسكرية عن بُعد. ويعتمد المشروع الأمريكي على تحويل الطاقة الكهربائية إلى طاقة ليزر، ثم نقلها إلى القواعد العسكرية الأمريكية البعيدة، ويُتوقع أن تقلل هذه التكنولوجيا من اعتماد الجيش الأمريكي على مولدات وقود الديزل، وشبكات النقل اللوجستية المعرضة للتخريب من الخصوم.
كيف يمكن نقل الطاقة عن بعد بواسطة الليزر؟
النقل اللاسلكي للطاقة عبر الهواء حلمٌ يعود تاريخه إلى قرن من الزمان على الأقل، ويريد البنتاغون أن يكون أول من يحول هذا الحلم إلى حقيقة واقعة، وتعزيز الاعتماد على هذه التكنولوجيا على نطاق واسع، كما يقول تقرير لمجلة Popular Mechanics الأمريكية.
في هذا السياق، تريد "وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة" (داربا) DARPA ، ذراع البحث والتطوير التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية- التي أجرت مشروعات كثيرة في مجالات عسكرية ومدنية مختلفة، من شبكات الإنترنت إلى تجارب لقاح كورونا- أن تستخدم تقنية الليزر لإرسال الكهرباء إلى القواعد العسكرية الأمريكية عن بُعد.
وقد جاء المشروع لتلبية الاحتياجات التي طرأت للجيش الأمريكي في الحروب التي أعقبت أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والحاجة المستمرة إلى إمدادات الطاقة في القواعد الأمامية للعمليات العسكرية، والواقعة في مناطق حارّة وترابية.
عصر الطاقة اللاسلكية
كان المخترع الشهير نيكولا تسلا أول من اقترح نقل الطاقة لاسلكياً في تسعينيات القرن التاسع عشر، وكان تسلا يحسب أن تجاربه ستكون مدخلاً لسيادة الاعتماد على وسائل إرسال الطاقة عن بُعد من النقطة أ إلى النقطة ب، لكن بعد أكثر من 100 عام لا تزال البشرية لم تتوصل إلى طريقة ناجعة لتنفيذ ذلك.
في الوقت الحالي، تُنقل الطاقة الكهربائية عبر الأسلاك، أو يُعتمد على مولدات الديزل لتحويل الوقود إلى كهرباء، لكن الأسلاك وخطوط إمداد الوقود كثيراً ما تقطعها قوات الخصوم في مناطق الحروب، ما يستدعي الاعتماد على إنزال الديزل جواً إلى القواعد البعيدة أو نقله في شاحنات محملة بالصهاريج عبر طرق وعرة وظروف خطرة.
وتقول مجلة Popular Mechanics إن الكولونيل بول برومو كالهون كان أحد هؤلاء الطيارين، الذين يُستعان بهم لإنزال خزانات الوقود لقوات العمليات الخاصة. ثم استعانت به وكالة مشروعات الأبحاث الدفاعية المتقدمة ليصبح مديراً لمشروع "باور" POWER (اختصاراً للحروف الأولى من "مرحِّل الطاقة اللاسلكية الضوئية الثابتة" Persistent Optical Wireless Energy Relay). وقد أخبر كالهون مجلة Popular Mechanics أنه يرى أسباباً كثيرة تجعل وقتنا هذا هو الوقت المناسب لنجاح مشروع نقل الطاقة لاسلكياً، وأن العالم سيشهد إثبات ذلك في غضون السنوات الأربع القادمة.
وأوضح كالهون تفاصيل المشروع عبر البريد الإلكتروني، فقال: "ينبغي أن نشير في البداية إلى أن الظروف قد تغيرت، وأن التمكن من وسائل لنقل الطاقة بطرقٍ أكثر مرونة إلى مناطق العمليات العسكرية صار أمراً ذا أهمية قصوى". والقوات الأمريكية- مثل قوات العمليات الخاصة وغيرها- تعمل في قواعد بعيدة بجميع أنحاء العالم، من بحر الصين الجنوبي إلى الصحراء العراقية. وكثير من هذه القوات تعتمد على رادارات خاصة بها، ومسيرات لاسلكية وأسلحة ليرز، وغير ذلك من المعدات كثيفة الاستهلاك للطاقة.
رغم ذلك فإن القوات الأمريكية ليست لديها طرق سهلة الاستخدام لتزويد هذه الأسلحة والمعدات بالطاقة، وتتفاقم حدة هذه المشكلة عاماً بعد آخر. في المقابل، فإننا قد "حققنا تقدماً كبيراً في تكنولوجيا توليد الليزر عالي الطاقة، وأجهزة استشعار مقدمات الموجات البصرية، والبصريات المتكيفة، والمنصات شبه الثابتة للإمداد بالكهرباء على ارتفاعات عالية، وأقفال الأمان، والخلايا الكهروضوئية عالية الكفاءة ذات فجوة النطاق الضيقة".
كواليس مشروع "باور" الأمريكي لنقل الطاقة بالليزر
التقنية الأساسية التي يعتمد عليها مشروع "باور" هي استخدام أشعة الليزر عالية الطاقة، ويقول كالهون إنه "برنامج لإرسال الطاقة بالإشعاع. ولدينا طرق أخرى محتملة لنقل الطاقة بالإشعاع، مثل الموجات الدقيقة، التي نعتزم استكشافها في برامج مستقبلية".
أما في مشروع باور "فإننا نستعين بموجات ليزر توفر قدرات إنتاج عالية وبعيدة المدى للطاقة عند إرسالها على ارتفاعات عالية. وتُعيد المرحِّلات توجيه طاقة الليزر دون تحويل، ثم يحوِّل المستخدم النهائي طاقة الليزر هذه إلى كهرباء مرة أخرى، باستخدام الخلايا الكهروضوئية الأحادية اللون ذات فجوة النطاق الضيقة".
ومن أبرز التقنيات التي يعتمد عليها المشروع كذلك: تطوير استخدام المرحِّلات في نقل الطاقة بالليزر، إذ "ترى وكالة داربا الأمريكية أن هذه المنجزات تقدم فرصة كبيرة لإحداث ثورة في توزيع الطاقة من خلال تطوير مرحِّلات فعالة. فهذه المرحلات تتيح الجمع بفاعلية بين التقنيات المتوافرة لتكوين شبكة (طاقة لاسلكية) مرنة، وقابلة للتكيف، ومتعددة الاستخدامات".
ما دور الطائرات المسيّرة في هذه المهمة؟
ستكون الطائرات المسيرة واحدة من تلك المرحلات المستخدمة في نقل الطاقة اللاسلكية، فالطائرات المسيرة القادرة على التحليق على ارتفاعات عالية ولمدة طويلة يمكن استخدامها لإرسال الطاقة عبر مسافات بعيدة، لتصل في نهاية المطاف إلى القواعد العسكرية المستهدفة.
والأقمار الاصطناعية مرحِّل آخر يمكن الاعتماد عليه للاضطلاع بمهمة نقل الطاقة في الفضاء. ولذلك يعمل مشروع باور على تطوير منصات ذات فتحات بالغة الصغر تنتشر في طبقة الستراتوسفير على هيئة عُقد متوالية تبلغ المسافة بين كل منها نحو 100 كيلومتر.
يقول كالهون: "بوجود فتحات أكبر وبيئة جوية أكثر اعتدالاً مثل الفضاء، يمكن أن تصل المسافات بين كل عقدة وأخرى إلى 1000 كيلومتر"، ويمكن وقتها إنشاء "شبكة توزيع طاقة قابلة للتوسع عالمياً".
كيف يمكن حماية هذا النظام من الأخطار الخارجية؟
تقول المجلة الأمريكية، إنه على النقيض من طائرات نقل الوقود، التي يمكن إسقاطها، وشاحنات الوقود التي يمكن أن تتعرض للاستهداف بأدوات التفجير، فإن مشروع باور لنقل الطاقة لا ينطوي إلا على قليل من الثغرات التي يمكن أن يستغلها الأعداء، فتقنيات التشويش- التي استخدمت بكثافة في حرب أوكرانيا- غير قادرة على قطع طرق الإمداد بالليزر.
ويقول كالهون: "إن التشويش على إشارة إرسال بالطاقة اللاسلكية يزيد من قوة الإشارة، ومن ثم يعزز نقل الطاقة عبرها"، و"يعتمد إرسال الطاقة بطبيعته على حزم إشعاعية بالغة الضيق، ما يزيد من مرونتها في مواجهة الأعمال العدائية ومحاولات التشويش".
والحال كذلك، فإن وكالة داربا مستبشرة بأن نظام الطاقة سيكون جاهزاً في غضون أربع سنوات. وقال كالهون: "لقد أجرينا بالفعل عدة عروض تجريبية لنقل الطاقة بالإشعاع من نقطة إلى نقطة، ويمكن أن نُجري عرضاً تجريبياً مباشراً في أي وقت".
وبحسب كالهون "سيعلن مشروع باور عن إطلاق مرحِّلات فعالة لنقل الطاقة على مدار العشرين شهراً القادمة، وسنقدم نسخاً تجريبية لمنصات محمولة جواً تنقل كميات قليلة من الطاقة بحلول عام 2025، ثم سنُجري عرضاً تجريبياً لنقل الطاقة على نطاق واسع بحلول عام 2027".
ما المجالات الأخرى التي يمكن الاستفادة منها؟
كما هو الحال مع جميع مشروعات وكالة الأبحاث الدفاعية المتقدمة، فإنه بمجرد إثبات القدرة الاعتمادية للمشروع، فإن الوكالة تتيحه إلى غيرها من الوكالات الحكومية الأمريكية للاستفادة العملية منه. ويُتوقع أن يكون لهذا المشروع استخدامات بارزة في المجالات المدنية، مثل توفير الطاقة للمستوطنات البعيدة ومحطات البحث العلمي وغيرها من الأماكن التي يصعب الوصول إليها.
ومن جهة أخرى، فإنه يمكن الحصول على الطاقة المنقولة من مصادر متجددة، ما يجعل هذه التكنولوجيا متاحة للاستخدام العالمي، فضلاً عن كونها إحدى وسائل توليد الطاقة بطرق صديقة للبيئة.
ومن ثم إذا كُتب النجاح لهذا المشروع، فإننا قد نشهد في المستقبل القريب اعتماداً مشتركاً على الطاقة المنقولة عبر الليزر بين القوات الخاصة في قواعد العمليات الأمامية بمناطق الشرق الأوسط وجنوب العالم، وعمال النفط في المناطق النائية بولاية ألاسكا في أقصى شمال القارة الأمريكية الشمالية، كما تقول المجلة الأمريكية.